من أهل الدار
اجبروا الخواطر
تاريخ التسجيل: October-2012
الجنس: أنثى
المشاركات: 15,991 المواضيع: 2,267
صوتيات:
90
سوالف عراقية:
0
قوله تعالى ياأيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة!!
قال الله عز وجل في محكم كتابه الكريم:
(يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نَـاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَىْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (12) ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَىْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَـت فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَوةَ وَءَاتُوا الزَّكَوةَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ(13) سورة المجادلة
نقل العلاّمة الطبرسي في مجمع البيان وكذلك جمع آخر من المفسّرين أنّ هذه الآية اُنزلت في الأغنياء، وذلك أنّهم كانوا يأتون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيكثرون مناجاته ـ وهذا العمل بالإضافة إلى أنّه يشغل الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ويأخذ من وقته فإنّه كان يسبّب عدم إرتياح المستضعفين منه، وحيث يشعرهم بإمتياز الأغنياء عليهم ـ فأمر سبحانه بـ (الصدقة) عند المناجاة، فلمّا رأوا ذلك انتهوا عن مناجاته، فنزلت آية الرخصة التي لامت الأغنياء ونسخت حكم الآية الاُولىوسمح للجميع بالمناجاةحيث أنّ النجوىهنا حول عمل الخير وطاعة المعبود(1).
وصرّح بعض المفسّرين أيضاً أنّ هدف البعض من «النجوى» هو الإستعلاء على الآخرين بهذا الاُسلوب. وبالرغم من أنّ الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) كان غير مرتاح لهذا الاُسلوب، إلاّ أنّه لم يمنع منه، حتّى نهاهم القرآن من ذلك(2)..
يقول سبحانه وتعالى: ( ياأيّها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرّسول فقدّموا بين يدي نجواكم صدقة)
أي إذا ساررتم الرسول فقدموا قبل أن تسارّوه صدقة وأراد بذلك تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وأن يكون ذلك سبباً لأن يتصدقوا فيؤجروا عنه وتخفيفاً عنه صلى الله عليه 00
و سبب نزول هذه الآيات أن بعض الناس وخاصّة الأغنياء منهم كانوا يزاحمون الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) باستمرار ويتناجون معه ... ولمّا كان هذا العمل يسبّب إزعاجاً للرسول بالإضافة إلى كونه هدراً لوقته الثمين، وفيه ما يشعر بالخصوصية لهؤلاء الذين يناجونه بدون مبرّر لذا نزل الحكم أعلاه، وكان إمتحاناً لهم، ومساعدة للفقراء، ووسيلة مؤثّرة للحدّ من مضايقة هؤلاء لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
ثمّ يضيف بقوله تعالى: ( ذلك خير لكم وأطهر).
أمّا كون الصدقة «خير» فإنّها كانت للأغنياء موضع أجر وللفقراء مورد مساعدة،وأمّا كونها (أطهر) فلأنّها تغسل قلوب الأغنياء من حبّ المال،وقلوب الفقراء من الغل والحقدبما فيها من ارتباط النفوس وإثارة الرحمة والشفقةوالمودة وصلة القلوب
لأنّه عندما تكون النجوى مقرونة بالصدقة تكون دائرتها أضيق ممّا كانت عليه في الحالة المجانية، وبالتالي فإنّها نوع من التصحيح .والتهذيب الفكري والإجتماعي للمسلمين.
ولكن لو كان التصدّق قبل النجوى واجباً على الجميع، فإنّ الفقراء عندئذ سيحرمون من طرح المسائل المهمّة كإحتياجاتهم ومشاكلهم أمام الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم)فلذا جاء في ذيل الآية إسقاط هذا الحكم عن المجموعة المستضعفة ممّا مكّنهم من مناجاة الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والتحدّث معه ( فان لم تجدوا فانّ الله غفور رحيم).
وبهذه الصورة فإنّ دفع الصدقة قبل النجوى كان واجباً على الأغنياء دون غيرهم.
والطريف هنا أنّ للحكم أعلاه تأثيراً عجيباً وإمتحاناً رائعاً أفرزه على صعيد الواقع من قبل المسلمين في ذلك الوقت، حيث امتنع الجميع من إعطاء الصدقة إلاّ شخص واحد، ذلك هو الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهنا اتّضح ما كان يجب أن يتّضح، وأخذ المسلمون درساً في ذلك، لذا نزلت الآية اللاحقة ونسخت الحكم حيث يقول سبحانه: ( أأشفقتم أن تقدّموا بين يدي نجواكم صدقات).
يعني أخفتم الفاقة يا أهل الميسرة وبخلتم بالصدقة بين يدي نجواكم وهذا وفيه عتاب شديد لصحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين حيث إنهم تركوا مناجاته صلى الله عليه وآله وسلم خوفاً من بذل المال بالصدقة فلم يناجه أحد منهم إلا عليّ عليه السلام فإنه ناجاه عشر نجوات كلما ناجاه قدم بين يدي نجواه صدقة ثم نزلت الآية ونسخت الحكم.
حيث اتّضح أنّ حبّ المال كان في قلوبكم أحبّ من نجواكم للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)واتّضح أيضاً أنّ هذه النجوى لم تكن تطرح فيها مسائل أساسية، وإلاّ فما المانع من أن تقدّم هذه المجموعة صدقة قبل النجوى، خاصّة أنّ الآية لم تحدّد مقدار الصدقة فبإمكانهم دفع مبلغ زهيد من المال لحلّ هذه المشكلة!!
ثمّ يضيف تعالى:
( فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون)
. ، أي فإذا لم تفعلوا ما كلفتم به ورجع الله اليكم العفو والمغفرة فأثبتوا على امتثال سائر التكاليف من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة.
ويعكس لنا التعبير بـ (التوبة) أنّهم في نجواهم السابقة كانوا قد ارتكبوا ذنوباً، سواء في التظاهر والرياء، أو أذى الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أو أذى المؤمنين الفقراء.
وبالرغم من عدم التصريح بجواز النجوى في هذه الآية بعد هذا الحادث، إلاّ أنّ تعبير الآية يوضّح لنا أنّ الحكم السابق قد رفع.
أمّا الدعوة لإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وإطاعة الله ورسوله فقد أكّد عليهابسبب أهميّتها، وكذلك هي إشارة إلى أنّه إذاتناجيتم فيما بعد فيجب أن تكون في خدمة الأهداف الإسلامية الكبرى وفي طريق طاعة الله ورسوله.
إنّ الشخص الوحيد الذي نفّذ آية الصدقة في النجوى ـ كما في أغلب كتب مفسّري الشيعة وأهل السنّة ـ وعمل بهذه الآية هو الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، كما ينقل ذلك الطبرسي في رواية عنه (عليه السلام) أنّه قال: «آية من كتاب الله لم يعمل بها أحد قبل ولم يعمل بها أحد بعدي، كان لي دينار فصرفته بعشرة دراهم، فكنت إذا جئت إلى النبي تصدّقت بدرهم»(3).
كما نقل هذا المضمون «الشوكاني» عن «عبدالرّزاق» و «ابن المنذر» و «ابن أبي حاتم» و «ابن مردويه»(4).
ونقل «الفخر الرازي» هذا الحديث أيضاً عن بعض المحدّثين عن ابن عبّاس والعامل الوحيد بمضمون الآية هو الإمام علي (عليه السلام)(5).
وجاءت في الدرّ المنثور ـ أيضاً ـ روايات متعدّدة بهذا الصدد، في نهاية تفسير الآيات أعلاه(6)
وفي تفسير روح البيان نقل عن عبدالله بن عمر بن الخطاب أنّه قال: «كان لعلي ثلاثة! لو كانت فيّ واحدة منهنّ لكانت أحبّ إليّ من حمر النعم:
(تزويجه فاطمة، وإعطاؤه الراية يوم خيبر وآية النجوى)(7).
إنّ ثبوت هذه الفضيلة العظيمة للإمام علي (عليه السلام) قد جاء في أغلب كتب التّفسير، وهي مشهورة بحيث لا حاجة لشرحها أكثر.
لماذا كانت الصدقة قبل النجوى مع الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) تشريعية؟ ثمّ لماذا نسخت بعد فترة وجيزة؟
يمكن الإجابة على هذا التساؤل ـ بصورة جيّدة ـ من خلال القرائن الموجودة في الآية محلّ البحث ومن سبب النزول كذلك.
الهدف هو إختبار الأفراد المدّعين الذين يتظاهرون بحبّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)بهذه الوسيلة، فاتّضح أنّ إظهار الحبّ هذا إنّما يكون إذا كانت النجوى مجانية، ولكن عندما أصبحت النجوى مقترنة بدفع مقدار من المال تركوا نجواهم.
ومضافاً إلى ذلك فإنّ هذا الحكم قد ترك تأثيره على المسلمين، ووضّح حقيقة عدم إشغال وقت الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وكذلك القادة الإسلاميين الكبار في النجوى، إلاّ لضرورات العمل الأساسية، لأنّ ذلك تضييعاً للوقت وجلباً لسخط الناس وعدم رضاهم. فكان هذا التشريع في الحقيقة تقنيناً للنجوى المستقبلة.
وبناءً على هذا فالحكم المذكور كان في البداية مؤقتاً، وبعد ما تحقّق المطلوب نسخ، لأنّ إستمراره سيثير مشكلة، لأنّ هناك بعض المسائل الضرورية التي تستدعي أن يطّلع عليها النبي على إنفراد. ومع بقاء حكم الصدقة فقد تهمل بعض المسائل الضرورية، وبصورة عامّة ففي موارد النسخ يكون للحكم منذ
البداية جانب محدود ومؤقت بالرغم من أنّ الناس أحياناً لا يعلمون بذلك ويتصوّرونه بصورة دائمة.
ممّا لا شكّ فيه أنّ الإمام علي (عليه السلام) لم يكن من طائفة الأغنياء من أصحاب الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث البساطة في حياته وزهده في عيشه، ومع هذا الحال وإحتراماً للحكم الإلهي، تصدّق في تلك الفترة القصيرة ـ ولمرّات عديدة، وناجى الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذه المسألة واضحة ومسلّمة بين المفسّرين وأصحاب الحديث كما أسلفنا.
إلاّ أنّ البعض ـ مع قبول هذا الموضوع ـ يصرّون على عدم إعتبار ذلك فضيلة وحجّتهم في ذلك أنّ كبار الصحابة عندما أحجموا عن هذا العمل فذلك لأنّهم لم تكن لهم حاجة عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أو لم يكن لديهم وقت كاف، أو أنّهم كانوا يفكّرون بعدم إحراج الفقراء .. وبناءً على هذا فإنّها لا تحسب فضيلة للإمام علي، أو أنّها لا تسلب فضيلة من الآخرين(8).
ويبدو أنّهم لم يدقّقوا في متن الآية التالية حيث يقول سبحانه موبّخاً:
( أأشفقتم أن تقدّموا بين يدي نجواكم صدقات) حتّى أنّه سبحانه يعبّر في نهاية الآية بالتوبة، والتي ظاهرها دالّ على هذا المعنى، ويتّضح من هذا التعبير أنّ الإقدام على الصدقة والنجوى مع الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت عملا حسناً، وإلاّ فلا ملامة ولا توبة.
وبدون شكّ فإنّ قسماً من أصحاب الرّسول المعروفين قبل هذا الحادث كانت لهم نجوى مع الرّسول (لأنّ الأفراد العاديين والبعيدين قلّما احتاجوا إلىمناجاة الرّسول صلى الله عليه وآله).
إلاّ أنّ هؤلاء الصحابة المعروفين بعد حكم الصدقة، امتنعوا من النجوى، والشخص الوحيد الذي إحترم ونفّذ هذا الحكم هو الإمام علي (عليه السلام).
وإذا قبلنا ظاهر الآيات والروايات التي نقلت في هذا المجال وفي الكتب الإسلامية المختلفة ولم نقم أهميّة للإحتمالات الضعيفة الواهية فلابدّ أن نضمّ صوتنا إلى صوت عبدالله بن عمر بن الخطاب الذي جعل هذه الفضيلة بمنزلة تزويج فاطمة، وإعطاء الراية يوم فتح خيبر، وأغلى من حمر النعم.
وحول مدّة الحكم بوجوب الصدقة قبل النجوى مع الرّسول توجد أقوال مختلفة، فقد ذكر البعض أنّها ساعة واحدة، وقال آخرون: إنّها ليلة واحدة، وذكر البعض أنّها عشرة أيّام، إلاّ أنّ الأقوى هو القول الثالث، لأنّ الساعة والليلة لا تكفي أبداً لمثل هذا الإمتحان، لأنّ بالإمكان الإعتذار في هذه المدّة القصيرة عن عدم وجود حاجة للنجوى، إلاّ أنّ مدّة عشرة أيّام تستطيع أن توضّح الحقائق وتهيء أرضية للوم المتخلّفين.
أمّا مقدار الصدقة فإنّها لم تذكر في الآية ولا في الروايات الإسلامية، ولكن المستفاد من عمل الإمام علي (عليه السلام) هو كفاية الدرهم الواحد في ذلك
************************************************** *******************************************
تفسير الامثل
تفسير الميزان
تفسير مجمع البيان
ـ مجمع البيان، ج9، ص252، وكثير من التفاسير الاُخرى نهاية الآيات مورد البحث.
2 ـ روح المعاني، ج28، ص27
3 ـ تفسير الطبري، ج28، ص15.
4 ـ (البيان في تفسير القرآن)، ج1، ص375، ونقل سيّد قطب أيضاً هذه الرواية في ظلال القرآن، ج8، ص21.
5 ـ تفسير الفخر الرازي، ج29، ص271.
6 ـ تفسير الدرّ المنثور، ج6، ص185.
7- 1 ـ تفسير روح البيان، ج6، ص406، كما نقل هذا الحديث الطبرسي في مجمع البيان، والزمخشري في الكشّاف، والقرطبي في تفسير الجامع وذلك في نهاية الآيات مورد البحث.
8- ـ الفخر الرازي وروح البيان نهاية الآيات مورد البحث
منقول