قال ذات مرة: (( لم يسبق لي أن بدأت قصيدة أعرف نهايتها .. فكتابة قصيدة يتعبر إستكشافاً)).. وهكذا ظل حاله .. يستكشف العالم من حوله .. ويسبر أغوار النفس البشرية .. بكل تناقضاتها .. ونزعاتها.
روبرت فروست(ٌRobert Frost) الذي ولد في سان فرانسيسكو في 26 مارس 1874، وتوفي في بوسطن 29 نوفمبر 1963، يعد واحدا من أبرز الشعراء الأمريكيين الطليعيين في القرن العشرين. حاز على جائزة بوليتزر أربع مرات. وقد تميز شعره باللغة الجزلة البسيطة التي تحمل مضاميناً فلسفية عميقة ... وعلى الرغم من أن أشكال شعره تقليدية في شكلها ولغتها إلا أنها ذات رمزية بعيدة المغزى .. عميقة المعاني .. وهو في كل الأحوال يعتبر نفسه إنما يعبر عن حالته النفسية والمزاجية من خلال شعره وهو يقول في ذلك الصدد ((كون المرء شاعراً يعتبر حالة وليس مهنة)) . وبالرغم من الشعر الحر الذي كتبه ، إلا أنه كان رائدا في مجال التفاعل بين الإيقاع والوزن والاستخدام الشعري للمفردة واحتدامات اللغة اليومية للإنسان البسيط. لهذا فان شعره يتسم بالنزعة نحو ما هو تقليدي وتجريبي، محلي وكوني في آنٍ معاً.
أما على صعيد الحياة الشخصية لـ Robert Frost فقد طغى عليها الحزن في مراحل متعددة. فقد توفى والده عام 1885 متأثراً بمرض السل الرئوي وهو لم يلغ الثانية عشر من عمره تاركاً لأسرته إرثاً يقدر بـ 8 دولارات. كما توفيت والدته في عام 1900 نتيجة لإصابتها بمرض السرطان. كما كانت تعاني شقيقته الصغرى "Jeanie" من حالة إضطراب عقلي أودعت بموجبه بمستشفى للأمراض العقلية في العام 1920 إلى أن توفيت في العام 1929. هذه الحالة النفسية يبدو كانت متوارثة لدى العائلة فقد عانى هو شخصياً وإبنته "Imma" وزوجته " Elinor" من الإكتئاب النفسي.
هذه التداعيات ألقت بظلالها الداكنة على حياة فروست .. وانعكست بالضرورة على كثير من قصائده المتشائمة التي أذكر منها في هذا الصدد قصيدة "Nothing Gold Can Stay" "لا يخلد ما كان ذهباً":
Nature's first green is gold
Her hardest hue to hold.
Her early leaf's a flower;
But only so an hour.
Then leaf subsides to leaf.
So Eden sank to grief,
So dawn goes down to day.
Nothing gold can stay.
مضمون القصيدة يتناول معاني الفناء .. وضياع كل ما هو محبب. فالزهرة الجميلة ما هي إلا ساعات وتذبل وكذلك الجنة لم تكن سكناً سرمدياً (إشارة إلى خلق آدم عليه السلام وخروجه من الجنة). أما الفجر الباهي فيزول ويعقبه النهار و ما يتبعه من كدح وضوضاء.
قصيدته الشهيرة التي حملت عنوان "Mending Wall" "ترميم الجدار" .. من إحدى الروائع التي كتبها "فروست". فهي تزخم بالمعاني الرائعة والعميقة بالرغم من بساطتها في الظاهر. فهي تحوي الحكمة التي يتداولها الأمريكيون " بأن الجدران أو الأسوار الجيدة تصنع جيراناً جيدين" Good fences make good neighbors.. هذه المقولة التي وردت ضمن قاموس أوكسفورد للأقوال المأثورة والتي تشير إلى المفهوم الأمريكي لمعنى الجدار وإستغلالية الذات. إلا أن لـ فروست رأياً آخر بهذا الشأن.
There where it is we do not need the wall:
He is all pine and I am apple orchard.
My apple trees will never get across
And eat the cones under his pines, I tell him.
He only says, 'Good fences make good neighbors.'
Spring is the mischief in me, and I wonder
If I could put a notion in his head:
'Why do they make good neighbors? Isn't it
Where there are cows? But here there are no cows.
Before I built a wall I'd ask to know
What I was walling in or walling out,
And to whom I was like to give offense.
Something there is that doesn't love a wall
القصيدة في مجملها، تعتبر من قصائد فروست اللاذعة والساخرة معاً، وفيها يسخر فروست من جاره المزارع التقليدي العنيد الذي يفعل الأشياء بطريقة معينة لا لأي سبب سوى أنه تلقاها بهذا الشكل. وهنا يبدو جلياً أن فروست في سخريته غير المباشرة من جاره هذا انما يسخر منا جميعاً لأننا نبني جدرانا سميكة حولنا لنكون مسافات أكبر بيننا وبين الاخرين بحيث لا يستطيعون اختراقها او تسلقها.. ولعل أن سخرية فروست تأتي في سياق الوضع المتنافر كلياً بين نظرية العزل والفصل و ثقافة التواصل والاتصال. فهنا يكمن التناقض .. فلا يستقيم أن "الجدران الجيدة تصنع جيراناً جيدين" كما يحلو لجاره أن يقول .. بل العكس.
تكمن روعة القصيدة في إحتفائها بالمعاني والصور الجميلة والمتناقضة على حدٍ سواء.. كما تكمن براعة روبرت فرست في إستغلال هذا الحدث الذي يتكرر في كل مكان "بناء الأسوار" ليصنع منه قصيدة ساخرة ومعبرة عن العزلة التي يعانيها أفراد المجتمع بصنع حواجز طبيعية ونفسية وإجتماعية فيما بينهم
أعجبتني ترجمة لهذة القصيدة قام بها الشاعر والقاص والمترجم المصري أستاذ حسن حجازي .. هذا بالرغم من أن روربرت فروست نفسه ما كان ليرضى عن ترجمة الشعر إذ أن الترجمة تسلب القصيدة روحها ونبضها الحقيقي.. فيقول في هذا الصدد (الشعر هو ما يضيع بالترجمة.).. ولكن حسب إعتقادي أن ترجمة حسن حجازي أبقت على روح القصيدة .. ليس ذلك فحسب بل إضافة لها روحاً أخرى..
THE ROAD NOT TAKEN
Two roads diverged in a yellow wood
And sorry I could not travel both
And be one traveler, long I stood
And looked down one as far as I could
To where it bent in the undergrowth
Then took the other, as just as fair
And having perhaps the better claim,
Because it was grassy and wanted wear
Though as for that the passing there
Had worn them really about the same
And both that morning equally lay
In leaves no step had trodden black
Oh, I kept the first for another day
Yet knowing how way leads on to way
I doubted if I should ever come back
I shall be telling this with a sigh
Somewhere ages and ages hence:
Two roads diverged in a wood, and I
I took the one less traveled by
And that has made all the difference
الطريق الذى لم أسلكه ( الطرق العذراء ) كما يعبر عنها البعض
شعر : روبرت فروست
ترجمة : حسن حجازى
فى خريف الغابة الصفراء فجأة طريقى لدربين انشطر
ولأسفى لم أستطع فيهما معاً السفر
وبمفردى وقفت ُ طويلا ً أمعن ُ فى النظر
ونظرتُ لأحدهما على قدر ما يقوى البصر
إلى حيث ما ينتهى ولكن يخفى منتهاهُ الشجر
ولأكونَ منصفا ً سلكت ُ ما اعتقدت ُ أنه ُ الدرب ،
القريبُ منى نفسى ويحققُ ما يرنو لهُ القلب ُ
لم يرتادهُ قبلى أحد ٌ تزينه ُ الخضرةُ ويكسوهُ العشب ُ
رغم أن الدرب َ الأخرَ كان يرنو على القرب
يشبه ُ دربى هذا طولا ً وفى عرض ِ ؟
كلاهما هذا الصباح مغطى بأوراق ِ الشجر
لم ترتاده ُ قدم ٌ ولم يمرُ عليهِ أحدٌُ من بشر
واحتفظت ُ لنفسى عليه ِ يوم ٌ آخرُ للسفر
إلا إنى أجهل ُ أين يذهب ُ بى وأين المستقر
وشككت ُ إنى إليه ِ سأعودُ يوما ً عندما يريد ُ القدر
سأحكى قصتى هذه ِ وفى القلبِ تنهيدة
عندما تمرُ السنوات ُ وأنا فى أرض ٍ بعيدة
أن طريقين انشطرا فى غابة ٍ فريدة
وسلكتُ الدرب َ الذى عَبَرَته ُ أقدام ٌ قليلة
وهذا ما غيَرَ حياتى لأحققَ أحلاماً جليلة ."
منقول جدا