نبارك الإمام المهدي (عج) والامة الإسلامية بمناسبة ميلاد الإمام الرضا (ع) ونقدّم إليکم إضاءات من فضائل وعظمة الإمام الرضا (ع).
قبسات من الامام الرضا(عليه السلام)
ولادة الإمام الرّضا(عليه السلام)
أشرقت الأرض بمولدالامام الرضا عليه السلام، فقد وُلد خَيرُ أهل الأرض ، وأكثرهم عائدة على الإسلام .
وَسَرَتْ موجاتٌ من السرور والفرح عند آل النبي صلى الله عليه وآله ، وقد استقبلالامام الكاظم عليه السلام النبأ بهذا المولود المبارك بمزيد من الابتهاج ، وسارع إلى السيدة زوجته يهنيها بوليدها قائلاً : ( هَنِيئاً لكِ يا نَجمَة ، كَرامَةٌ لَكِ مِن رَبِّكِ ) .
وأخذ عليه اليلام وليده المبارك ، وقد لُفَّ في خرقة بيضاء ، وأجرى عليه المراسم الشرعية ، فأذَّن في أُذنِه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، ودعا بماء الفُرَات فَحنَّكه به ، ثم رَدَّهُ إلى أمه ، وقال عليه السلام لها : ( خُذِيه ، فَإِنَّهُ بَقِيَّةَ اللهِ فِي أرضِهِ ) .
لقد استقبل سليل النبوة أول صورة في دنيا الوجود ، صورة أبيه إمام المتقين ، وزعيم الموحدين عليه السلام، وأول صوت قرع سمعه هو : اللهُ أَكبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ الله .
وهذه الكلمات المُشرِقَة هي سرُّ الوجود ، وأُنشُودَةِ المُتَّقِين .
وسمَّى الامام الكاظم عليه السلام وليده المبارك باسم جده الامام أمير المؤمنين علي عليه السلام تَبَرُّكاً وَتَيَمُّناً بهذا الاسم المبارك ، والذي يرمز لأَعظَم شَخصيةٍ خُلِقَت فِي دنيا الإسلام بعد النبي صلى الله عليه وآله ، والتي تَحلَّت بِجميع الفضائل .
وكانت ولادته عليه السلام في ( 11 ) ذي القعدة سنة ( 148 هـ ) ،‍ وهذا هو المشهور بين الرُواة ، وهناك أقوال أخرى في ولادته عليه السلام.
مناظرات الإمام الرضا (عليه السلام)
عاش الإمام الرضا ( عليه السلام ) في عصر ازدهرت فيه الحضارة الإسلامية ، وكثرت الترجمة لكتب اليونانيِّين والرومانيِّين وغيرهم ، وازداد التشكيك في الأصول والعقائد من قبل الملاحِدة وأحْبار اليهود ، وبطارقة النصارى ، ومُجَسِّمة أهل الحديث .
وفي تلك الأزمنة أُتيحت له ( عليه السلام ) فرصة المناظرة مع المخالفين على اختلاف مذاهبهم ، فظهرَ بُرهانه ( عليه السلام ) وعلا شأنُه ، ويقف على ذلك من اطَّلع على مناظراته واحتجاجاته مع هؤلاء .
ولأجل إيقاف القارئ على نماذج من احتجاجاته نذكر ما يلي :
دخل أبو قُرَّة المحدِّث على أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) فقال : رَوينا أنَّ الله قسَّم الرؤية والكلام بَين نبيَّين ، فقسَّم لموسى ( عليه السلام ) الكلام ، ولِمُحمَّدٍ ( صلى الله عليه وآله ) الرؤية .
فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : ( فَمَنْ المُبَلِّغ عَنِ اللهِ إِلَى الثَّقَلَينِ الجِنَّ والإِنْس ، إنَّه : ( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ) ـ الأنعام : 103 ـ وَ : ( لاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ) ـ طه : 110 ـ وَ : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) ) الشورى : 11 .
فقال أبو قُرةَّ : أَلَيسَ مُحمَّد ( صلى الله عليه وآله ) قال : ( بَلَى ، يَجِيءُ رَجُلٌ إلى الخَلْقِ جَميعاً ، فَيُخْبِرُهُم أنَّهُ جَاءَ مِنْ عِندِ اللهِ ، وَأنَّهُ يَدْعُوهُم إلى اللهِ ) ؟ .
فقال الإمام الرضا ( عليه السلام ) : ( فَكَيفَ بِأمْرِ اللهِ ؟ فيقول : ( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ ) ، وَ : ( لاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ) ، وَ : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) .
ثم يقول : أنَا رأيْتُهُ بِعَينِي وأحَطْتُ بِهِ عِلْماً ، وَهو عَلَى صُورَةِ البَشَر ، أمَا تَستَحيُون ؟! مَا قَدرَتْ الزَّنَادِقَة أنْ تَرمِيهِ بِهَذا : أنْ يَكونَ آتياً عَنِ الله بِأمْرٍ ثُمَّ يَأتي بِخِلافِهِ مِنْ وَجْهٍ آخرٍ ) .
فقال أبو قرة : فإنه يقول : ( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ) النجم : 13 .
فقال الإمام الرضا ( عليه السلام ) : ( إنَّ بَعد هَذِه الآيَة مَا يَدُلُّ عَلى مَا رَأى ، حَيثُ قَالَ : ( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ) النجم : 11 .
يَقُولُ : مَا كَذَبَ فُؤَادُ مُحَمَّدٍ ( صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ ) مَا رَأَتْ عَيْنَاهُ ، ثُمَّ أخْبَرَ بِمَا رَأَى ، فقال : ( لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ) النجم : 11 .
فآيَاتُ اللهِ غَيْرُ اللهِ ، وَقَالَ : ( لاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ) ، فَإِذَا رَأتْهُ الأبْصَارُ فَقَدْ أحَاطَ بِهِ العِلْمُ ، وَوَقَعَتْ المَعْرِفَةُ ).
فقال أبو قُرَّة : فَتكذِّب بالرواية ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( إِذَا كَانَتِ الرِّوايَةُ مُخَالِفَةً للقُرآنِ كَذَّبْتُهَا ، وَمَا أجْمَعَ المُسلِمُونَ عَلَيه : إِنَّهُ لا يُحَاطُ بِهِ عِلْماً ، وَلا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ ، وَلَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ ) .
سخاؤه (عليه السلام)
لم يكن شيء في الدنيا أحب إلى الإمام الرضا ( عليه السلام ) من الإحسان إلى الناس والبِر بالفقراء ، وقد ذكر المؤرخون بوادر كثيرة من جوده وإحسانه ( عليه السلام ) ، وكان منها ما يلي :
أولاً : أنه ( عليه السلام ) أنفق جميع ما عنده على الفقراء حينما كان في خراسان ، وذلك في يوم عرفة .
فأنكر عليه الفضل بن سهل ، وقال له : إن هذا المغرم ..
فأجابه الإمام ( عليه السلام ) : ( بل هو المغنم ، لا تحدث مغرماً ما ابتغيت به أجراً وكرماً .
إنه ليس من المغرم في شيء صِلَة الفقراء والإحسان إلى الضعفاء ابتغاء مرضاة الله تعالى ، وإنما المغرم هو الإنفاق بغير وجه مشروع ، كإنفاق الملوك والوزراء الأموال الطائلة على المغنيين والعابثين ) .
ثانياً : وفد على الإمام الرضا ( عليه السلام ) رجل فَسلَّم عليه وقال له : أنا رجل من مُحبِّيك ومحبِّي آبائك ، ومصدري من الحج ، وقد نفذت نفقتي ، وما معي ما أبلغ مرحلة ، فإن رأيت أن ترجعني إلى بلدي فإذا بلغت تصدقت بالذي تعطيني عنك .
فقال ( عليه السلام ) له : ( اِجلس رحمك الله ، وأَقبلَ على الناس يحدثهم حتى تفرقوا ) .
وبقي هو وسليمان الجعفري ، وحيثمة ، فاستأذن الإمام منهم ودخل الدار ثم خرج ، وَرَدَّ الباب ، وخرج من أعلى الباب ، وقال ( عليه السلام ) : ( أين الخراساني ) .
فقام إليه فقال ( عليه السلام ) له : ( خذ هذه المائتي دينار واستعِن بها في مؤنتك ونفقتك ، ولا تتصدق بها عني ) .
فانصرف الرجل مسروراً قد غمرته نعمة الإمام ( عليه السلام ) ، والتفت إليه سليمان فقال له : جُعلت فداك ، لقد أجزلت ورَحِمت ، فلماذا سَترتَ وجهك عنه .
فَأجابهُ ( عليه السلام ) : ( إِنَّما صنعتُ ذلك ، مخافة أن أرى ذُلَّ السؤال في وَجهِهِ لِقضَائِي حاجتَهُ ، أما سمعت حديث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : المُستَتِرُ بالحسنة تعدل سبعين حجة ، والمُذِيعُ بالسيِّئةِ مَخذُول .
أما سمعت قول الشاعر : مَتى آَتِهِ يَوماً لأَطلبَ حَاجَةً ** رَجِعتُ إِلَى أَهلِي وَوَجهِي بِمَائِهِ ) .
علم الإمام الرضا ( عليه السلام )
إن الشيء البارز في شخصية الإمام الرضا ( عليه السلام ) هو إحاطته التامة بجميع أنواع العلوم والمعارف.
فقد كان ( عليه السلام ) – بإجماع المؤرخين والرواة – أعلمَ أهلِ زمانه ، وأفضلَهُم ، وأدراهُم بأحكام الدين ، وعلوم الفلسفة ، والطب ، وغيرها من سائر العلوم .
وقد تحدث أبو الصلت الهروي عن سعة علومه ( عليه السلام ) ، وكان مرافقاً له يقول : ما رأيت أعلم من علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) ، ما رآه عالم إلا شهد له بمثل شهادتي .
وقد جمع المأمون في مجالس له عدداً من علماء الأديان ، وفقهاء الشريعة ، والمتكلمين ، فَغَلَبَهُم ( عليه السلام ) عن آخرهم ، حتى ما بقي منهم أحد إلا أقرَّ له بالفضل ، وأقرَّ له على نفسه بالقصور .
إذن ، فإن الإمام الرضا ( عليه السلام ) كان أعلم أهل زمانه ، كما كان المرجع الأعلى في العالم الإسلامي ، الذي يرجع إليه العلماء والفقهاء فيما خفي عليهم من أحكام الشريعة ، والفروع الفقهية .
ويقول إبراهيم بن العباس : ما رأيت الرضا ( عليه السلام ) يسأل عن شيء قَطّ إلا علم ، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان الأول إلى وقته وعصره ، وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شيء ، فيجيب ( عليه السلام ) .
وقد دلت مناظراته ( عليه السلام ) في خراسان والبصرة والكوفة حيث سُئِل عن أعقد المسائل ، فأجاب ( عليه السلام ) عنها جواب العالم الخبير المتخصص .
وقد أذعنت له جميع علماء الدنيا - في عصره - وأقروا له بالفضل والتفوق عليهم .
وظاهرة أخرى له ( عليه السلام ) وهي إحاطته الشاملة بجميع اللغات ، ويَدلُّ على ذلك ما رواه أبو إسماعيل السندي قال :
سمعت بالهند أن لله في العرب حجة ، فخرجت في طلبه ، فَدُلِّلْتُ على الرضا ( عليه السلام ) .
فقصدته وأنا لا أحسن العربية ، فَسَلَّمتُ عليه بالسندية ، فَردَّ عليَّ بِلُغَتِي ، فجعلت أُكلِّمه بالسندية وهو يردُّ عليّ بها .
وقلت له : إني سمعت أن لله حجة في العرب فخرجت في طلبه ، فقال ( عليه السلام ) : ( أنا هو ) .
ثم قال ( عليه السلام ) لي : ( سَلْ عما أردته ) .
فسألته عن مسائل فأجابني عنها بِلُغَتِي ، وقد أكد هذه الظاهرة الكثيرون ممن اتصلوا بالإمام ( عليه السلام ).
يقول أبو الصلت الهروي : كان الرضا ( عليه السلام ) يكلم الناس بلغاتهم ، فقلت له : في ذلك فقال : ( يا أبا الصلت أنا حجة الله على خلقه ، وما إن الله ليتخذ حجة على قوم وهو لا يعرف لغاتهم ، أَوَ مَا بلغَكَ قول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : أوتِينَا فَصلَ الخطاب ، وهل هو إلا معرفته اللغات ) .
وقد أخبر الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن كثير من الملاحم والأحداث قبل وقوعها ، وتحققت بعد ذلك على الوجه الأكمل الذي أخبر ( عليه السلام ) به .
وهذا يؤكد - بصورة واضحة - أصالة ما تذهب إليه الشيعة من أن الله تعالى قد منح أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) المزيد من الفضل والعلم ، كما منح رُسله ( صلوات الله عليهم أجمعين ) ، ومن بين ما أخبر ( عليه السلام ) به ما يلي :
أولاً :روى الحسن بن بشار قال : قال الرضا ( عليه السلام ) : ( إن عبد الله - يعني المأمون - يقتل محمداً - يعني الأمين - ) .
فقلت له : عبد الله بن هارون يقتل محمد بن هارون .
قال ( عليه السلام ) : ( نعم ، عبد الله الذي بخراسان يقتل محمد بن زبيدة الذي هو ببغداد ) .
وكان يتمثل بهذا البيت :
وإن الضغن بعد الضغن يفشو عليك ويخرج الداء الدَّفينا
ولم تمضِ الأيام حتى قتل المأمون أخاه الأمين .
ثانياً :ومن بين الأحداث التي أخبر ( عليه السلام ) عنها : أنه لما خرج محمد بن الإمام الصادق ( عليه السلام ) بِمَكَّة ودعا الناس إلى نفسه ، وخلع بيعة المأمون ، قصده الإمام الرضا ( عليه السلام ) .
فقال له : يا عَم ، لا تُكَذِّب أباك ، ولا أخاك - يعني الإمام الكاظم ( عليه السلام ) - فان هذا الأمر لا يتم .
ثم خرج ولم يلبث محمد إلا قليلاً حتى لاحقته جيوش المأمون بقيادة الجلودي ، فانهزم محمد ومن معه ، ثم طلب الأمان ، فآمنه الجلودي .
ثم صعد المنبر وَخَلَع نفسه وقال : إن هذا الأمر للمأمون وليس لي فيه حق .
ثالثاً :روى الحسين نجل الإمام الكاظم ( عليه السلام ) قال : كُنَّا حول أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) ونحن شبان من بني هاشم ، إذ مَرَّ علينا جعفر بن عمر العلوي وهو رَثُّ الهيئة ، فنظر بعضنا إلى بعض وضحكنا من هيئته .
فقال الرضا ( عليه السلام ) : ( لَتَرَوُنَّهُ عن قريبٍ كثير المال ، كثير التبَع ) .
فما مضى إلا شهر ونحوه حتى وَلِيَ المدينة ، وَحَسُنَتْ حَالُه .
عبادة الإمام الرضا ( عليه السلام )
من أبرز خصوصيات الإمام الرضا ( عليه السلام ) انقطاعه إلى الله تعالى ، وتمسكه به .
وقد ظهر ذلك في عبادته التي مثلت جانباً كبيراً من حياته الروحية التي هي نور وتقوى وورع .
يقول بعض جماعته ( عليه السلام ) : ما رأيته قط إلا ذكرتُ قوله تعالى : ( كَانُوا قَلِيلاً فِي اللَّيلِ مَا يَهجَعُونَ ) الذاريات : 17 .
ويقول الشبراوي عن عبادته ( عليه السلام ) : إنه كان صاحب وضوء وصلاة ، وكان ( عليه السلام ) في ليله كُلِّهِ يتوضأ ويصلي ويرقد ، وهكذا إلى الصباح .
وقد كان الإمام ( عليه السلام ) أتقى أهل زمانه ، وأكثرهم طاعة لله تعالى .
فيروي رجاء بن أبي الضحَّاك عن عبادة الإمام ( عليه السلام ) – وكان المأمون قد بعثه إلى الإمام ( عليه السلام ) ليأتي به إلى خُراسان ، فكان معه من المدينة المنورة إلى مرو – يقول : ( والله ما رأيت رجلاً كان أتقى لله منه ( عليه السلام ) ، ولا أكثر ذِكراً له في جميع أوقاته منه ، ولا أشد خوفا لله عزَّ وجلَّ .
كان ( عليه السلام ) إذا أصبح صلَّى الغداة ، فإذا سلَّم جلس في مُصَلاَّه يُسَبِّح الله ، ويحمده ، ويُكبِّره ، وَيُهَلِّله ، ويصلي على النبي وآله ( صلى الله عليه وآله ) حتى تطلع الشمس .
ثم يسجد ( عليه السلام ) سجدةً يبقى فيها حتى يتعالى النهار ، ثم يقبل على الناس يحدثهم ، ويعظهم إلى قُرب الزوال ، ثم جدد وضوءه ، وعاد إلى مُصَلاَّه .
فإذا زالت الشمس قام ( عليه السلام ) وصلى ست ركعات ، ثم يؤذّن ، ثم يصلي ركعتين ، ثم يقيم ويصلي الظهر ، فإذا سَلَّم سَبَّح الله وحمده ، وكبره ، وهَلَّله ما شاء الله .
ثم يسجد ( عليه السلام ) سجدة الشكر ويقول فيها مائة مرة : شكراً لله ، فإذا رفع رأسه قام فصلى ست ركعات ، ثم يؤذن .
ثم يصلي ( عليه السلام ) ركعتين فإذا سلم قام وصلى العصر ، فإذا سَلَّم جلس في مُصَلاَّه يسبح الله ، ويحمده ، ويكبِّره ، ويُهَلِّله ، ثم يسجد سجدة يقول فيها مائة مرة : حَمْداً لله .
فإذا غابت الشمس توضأ ( عليه السلام ) وصلَّى المغرب ثلاثاً بأذان وإقامة ، فإذا سلَّم جلس في مُصلاَّه يُسبِّح الله ، ويحمده ، ويُكبِّره ، ويُهَلِّله ما شاء الله ، ثم يسجد سجدة الشكر ، ثم يرفع رأسه ولا يتكلم حتى يقوم ويصلي أربع ركعات بِتَسلِيمَتَين ، ثم يجلس بعد التسليم في التعقيب ما شاء الله حتى يُمسِي .
ثم يفطر ( عليه السلام ) ، ثم يَلبث حتى يَمضي من الليل قريب من الثـلث ، ثم يقوم فيصلي العشاء والآخرة أربع ركعات ، فإذا سَلَّم جلس في مُصَلاَّه يذكر الله عزَّ وجلَّ ، ويُسبِّحه ، ويحمده ، ويُكبِّره ، ويُهَلِّله ما شاء الله ، ويسجد بعد التعقيب سجدة الشكر ثم يأوي إلى فراشه .
وإذا كان الثلث الأخير من الليل قام ( عليه السلام ) من فراشه بالتسبيح ، والتحميد ، والتكبير ، والتهليل ، والاستغفار ، فَاسْتَاكَ ثم توضأ ، ثم قام إلى صلاة الليل ، ويصلي صلاة جعفر بن أبي طالب ، ويحتسب بها من صلاة الليل ، ثم يصلي الركعتين الباقيتين .
ثم يقوم ( عليه السلام ) فيصلي ركعتَي الشفع ، ثم يقوم فيصلي الوَتْر ، ويقول في قنوته : ( اللَّهم صَلِّ على محمد وآل محمد ، اللَّهم اهدِنَا فيمن هديت ، وعَافِنَا فيمن عافيت ) .
ثم يقول ( عليه السلام ) : ( أستغفرُ الله وأسألُه التوبة ) ، سبعين مرة ، وإذا قرب الفجر قام فَصلَّى ركعتَي الفجر ، فإذا طلع الفجر أَذَّن وأقامَ وصَلَّى الغداة ركعتين ، فإذا سَلَّم جلس في التعقيب حتى تطلع الشمس ، ثم سجد سجدة الشكر حتى يتعالى النهار .
فهذه هي صلاة الإمام الرضا ( عليه السلام ) المفروضة ونوافلها ، وما يقرأ فيها من سور القرآن الكريم ، والتعقيبات التي يؤديها .
ومعنى ذلك أنه ( عليه السلام ) كان في أغلب أوقاته مشغولاً بعبادة الله ، فإنه ( عليه السلام ) قد سَرى حُبُّ الله في قلبه ، وتفاعل في عواطفه ومشاعره حتى صار عنصراً من عناصره ، وخصوصية من خصوصياته ( عليه السلام ) .
زهد الإمام الرضا ( عليه السلام )
من ذاتيات الإمام الرضا ( عليه السلام ) وعناصره هو الزهد في الدنيا ، والإعراض عن مباهجها وزينتها .
وقد تحدَّث عن زهده محمد بن عباد قال : كان جلوس الرضا ( عليه السلام ) على حصيرة في الصيف ، وعلى مسح في الشتاء ، ولباسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز الناس تزيأ .
ويقول الرواة : إنه التقى به سفيان الثوري ، وكان الإمام ( عليه السلام ) قد لبس ثوبا من خز ، فأنكر عليه ذلك وقال له : لو لبست ثوبا أدنى من هذا ؟
فأخذ الإمام ( عليه السلام ) يده برفق ، وادخلها في كمه ، فإذا تحت ذلك الثوب مسح ، وقال ( عليه السلام ) له : ( يا سفيان : الخِزُّ للخلق ، والمسح للحق ) .
فقد كان الزهد من أبرز الذاتيات في خلق الإمام الرضا ( عليه السلام ) ومن أظهر مُكوّناته النفسية .
ويجمع الرواة أنه ( عليه السلام ) حينما تقلَّد ولاية العهد لم يحفل بأي مظهر من مظاهر السلطة ، ولم يُقِم لها أيَّ وزنٍ ، ولم يرغب في أي موكبٍ رسمي ، وَكَرِه ( عليه السلام ) مظاهر العَظَمة التي يقيمها الناس لملوكهم .
شهادته(عليه السلام)
استشهد الإمام الرضا (ع) يوم 17 صفر 203ه، وقيل: اليوم الأخير من صفر في مدينة طوس في خراسان نتيجة للصراع الدائر بين أهل البيت(عليهم السلام) وأنصارهم، وبين بني العباس ـ بالإضافة إلى بروز شخصية الإمام الرضا(عليه السلام) وتفوّقها على شخصية المأمون ـ دفع المأمون إلى التفكير بشكلٍ جدِّي بتصفية الإمام(عليه السلام) واغتياله، وتمّ له ذلك عن طريق دسِّ السم للإمام(عليه السلام).
فضل زيارة الإمام الرضا ( عليه السلام )
أثرت عن الإمام الجواد ( عليه السلام ) عدّة روايات تحدّث بها عن فضل الزيارة لمرقد أبيه الرضا ( عليه السلام ) ، وما أعدّه الله للزائر من الأجر والثواب ، وهذه بعضها :
1- روى عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال : سمعت محمّد بن علي الرضا ( عليهما السلام ) يقول : ( ما زار أبي أحد فأصابه أذى من مطر أو برد أو حرّ إلاّ حرّم الله جسده على النار ... ) .
2- روى علي بن أسباط قال : سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) : ما لمن زار أباك بخراسان ؟ فقال ( عليه السلام ) : ( الجنّة والله الجنّة).
3- روى عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال : قلت لأبي جعفر : قد تحيّرت بين زيارة أبي عبد الله الحسين ( عليه السلام ) وبين زيارة قبر أبيك بطوس فما ترى ؟ فقال لي : ( مكانك ) ، ثمّ دخل وخرج ودموعه تسيل على خدّيه ، فقال : ( زوّار أبي عبد الله كثيرون ، وزوّار قبر أبي بطوس قليلون ) .
--------