كنه الذات الالهية، والتي يصطلح عليها العرفاء ( بالهوية الغيبية )غير معروفة لأحد، ولا مشاهدة من قبل احد، ولا ظاهرة لأحد، ولا معبودة من أحد، ولا مقصودة من قبل أحد ،لانها بطون وخفاء مطلق، فلا اسم ولا رسم لها ( أي لا حدّ و لا قيد لها لانه المطلق ) حتى تُعرف أو تظهربكنهها بدون توسط شيء كما يقول الإمام الخميني ( روحي فداه ) في كتابه القيّم مصباح الهداية الى الخلافة والولاية.فهذه الذات الالهية المقدسة ، لما ارادت ان تخرج من مقام الغيب والبطون وحضرة الخفاء والكمون ، قامت وتنزلت من مقام اطلاقها الذاتي وغيبها وخفائها وظهرت في مقامين من مقامات الوجود .المقام الأول : مقام الاحدية الذاتية . التي هي تجلي الذات المطلقة بإسم الباطنْ .المقام الثاني : مقام الواحدية . التي هي تجلي الذات المطلقة بإسم الظاهر .فهما الاسمان الاولان اللذان ظهرت بهما الذات المقدسة في عالم الوجود .وهذا التنزل هو ما يصطلح عليه العرفاء بالظهور والتجلي .حيث عرفوا الظهور انه : صيرورة المطلق متعينا ( إي ظاهرا ومتجليا ) بشيء من التعيّنات .والظهور والتعيّن أمران ضروريان لأنّ الذات الالهية لو لم تتعيّن لبقيت على اطلاقها ووحدتها الصرفة ،ولبقيت في مقام الغيب والخفاء .وعن هذا السرّ أخبر الحق تعالى في الحديث القدسي المذكور : كنت كنزا ً مخفيا فأحببتُ أنْ أعرف فخلقتُ الخلق لكي أعرفْ .ومعناه كما يقول السيد حيدر الآملي (قده) هو انه : كنتُ ذاتا أو وجودا ً باطنا مخفيا ً ،( فأحببتُ أنْ أعرفْ ) اي أردتُ أن أكون ظاهرا ً بمقتضى ذاتي وكمالاتي ، في مظاهر أسمائي وصفاتي ، حتى لا يكون هناك كمالا في الوجود إلاّ لي . ( فخلقتُ الخلق ) أي ظهرتُ بأعيانهم وتعيانتهم في مرتبتي الاحدية والواحدية ، فليس في الوجود إلا أنا وأسمائي وصفاتي وكمالاتي،( لكي أعرفْ ) .وبما ان الحبيب المصطفى (ص) عرّف انّ أول التعينات والتجليات الذي تعيّن به الذات المقدسة الاحدية قبل كل تعيّن ظهرت به من التعيّنات الغير المتناهية ، بقوله (ص) : أول ما خلق الله نوري ، فهو بذلك قد شمل كل التعينات ، فهو فرد واحد في الوجود لا نظير له ، إذ لا تعيّن يساويه في المرتبة ، وليس فوقه إلاّ الذات الأحدية المقدسة المطلقة المنزهة عن كل تعيّن وصفة واسم ورسم وحدّ ونعت . فله الفردية مطلقا . وايضا أول ما حصل به (ص) الفردية المطلقة، انما كان بعينه الثابتة . ( فالاعيان الثابتة هي مرتبة من مراتب ظهور وتعيّن حقيقة كل موجود في علمه تعالى أزلا وابدا ً . وهي صور تجليات الاسماء الالهية في مرتبة علمه تعالى . وتسمى بمعلومات الحق تعالى . فيكون وجود حقائق الموجودات وجودا وتعيّنا علميا ً . فكل الموجودات على الاطلاق لها اعيان ثابتة في علمه تعالى.وهذا التجلي والافاضة في تلك المرتبة الوجودية العلمية ، كان بالفيض الاقدس ( مصطلح عرفاني ) يطلق على هذا التجلي الذاتي الاحدي . فأول عين ثابتة أفاض به الحق تعالى بفيضه الاقدس في تلك المرتبة العلمية ، كانت العين الثابتة للإنسان الكامل الذي هو حقيقة نبيّنا محمد صلى الله عليه واله .فشمول التعيّن الاول الذي هو حقيقة نبيّنا محمد صلى الله عليه واله، كل التعيّنات ( اي جميع المعقولات أو الموجودات العلمية بهذا الاعتبارالتفصيلي سميّ ( فرقانا) وبإعتبار الجمع (قرآنا)لجمعيتها في حقيقته اي في حقيقة الانسان الكامل سمّى نفسه (قرآنا ) وقال : أنا القرآن الناطق.فإذا عرفت هذه الحقيقة ، فتكون معجزته (ص) الدالة على نبوته صلى الله عليه واله هي القرآن الذي هو نفسه ، وحقيقته بإعتبار جمعيتها ( اي نفسه الشريفة) للحقائق كلها .فليس لحقيقة من الحقائق هذه الجمعية ، لأنّ الحقائق كلها داخلة تحت الحقيقة المحمدية دخول الجزء في الكلّ . ولا لكتاب من الكتب دلالة على تلك الجمعية ، فإنّ القرآن ايضا أحدية جمع جميع الكتب الالهية .