لقد احترت كثيراً بوضع مفهوم حقيقي للصداقة.. فوقفت مع نفسي للحظات أتساءل تلك الكلمة العظيمة في معناها, الصغيرة في حجمها.. فهذه الكلمة البسيطة تحمل معاني عميقة جداً.. بل انها تكاد تكون دلالة لإثبات وجود شخصٍ ما أو عدمه.. فهي هويتنا والدليل على ذلك.. المقولة التي نسمعها ونردّدها في أذهاننا كثيراً... وهي المقولة التي يرددها آباؤنا من باب حرصهم علينا لنعرف كيف نختار أصدقاءنا فكثيراً ما نسمعهم يقولون لنا من باب التنبيه والحرص علينا: قل لي من صديقك, أقول لك من أنت.. فليقف كلٌّ منّا مع هذه العبارة للحظات.. وليتخيل نفسه أمام مرآة.. وهذه المرآة تعكس له صورة صديقه.. طبعاً لا أقصد مطابقة الشكل.. وإنما مطابقة الأخلاق.. فهل هي أخلاق حميدة.. أم أخلاق رفيعة.. بالطبع الذي ينظر لمفهوم الصداقة.. على أنها علاقة مصلحة.. لن يجد له هوية أبداً.. ولن يجد لنفسه مكاناً في تلك العبارة, ومن ينظر لها على أنها مجرد علاقة للتسلية والمتعة وتضييع الوقت ليس إلاّ.. فليعلم أنه لن يشعر ذات يوم بمعنى السعادة, أمّا الذي يعرّف الصداقة بمعناها الحقيقي الذي وُجدت من أجلها.. التي هي الأساس الحقيقي للتكافل والتعاون الذي سيبني هذه الأمة.. فهنيئاً له.. هنيئاً.. كأنه يعيش حياته كإنسان فعلاً بكل معنى الكلمة كما أراد له اللّه أن يكون.. فمعنى الصداقة محفور في قلبه لا على الأوراق ولا حتى على الجدران.
وما أرجوه في النهاية هو أن يقف كلُّ منّا للحظات مع نفسه ويعرّف تلك الكلمة بالتعريف الذي يشاء فإن وصل إلى التعريف الحقيقي فليعلم أنه سيكون في يوم من الأيام سبباً من أسباب الوصول إلى النهضة الفكرية المشرّفة كتعريف الحوار بمعناه الحقيقي وتعريف الديمقراطية أيضاً بمعناها الأصلي والكثير من المصطلحات التي لا زالت بأمسّ الحاجةلإعادتها إلى أصلها قوة ومنعة.