قال الله عز وجل في محكم كتابه العزيز :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ )﴿58/11﴾ سورةالمجادلة
في اللغة"التفسح الاتساع في المكان والتفسح والتوسّع واحد
والاتساع في المجلس أن يتسع الجالس ليسع المكان غيره وفسح الله له أن يوسع له في الجنة.
أشار القرآن الكريم مرّات عديدة إلى الآداب الإسلامية في المجالس ضمن المسائل الأساسية، ومنها آداب التحيّة، والدخول إلى المجلس، وآداب الدعوة إلى الطعام. وآداب التكلّم مع الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وآداب التفسّح للأشخاص القادمين، خصوصاً ذوي الفضيلة والسابقين في العلم والإيمان(1).
وهذا يرينا بوضوح أنّ القرآن الكريم يرى لكلّ موضوع في محلّه أهميّة وقيمة خاصّة، ولا يسمح لتساهل الأفراد وعدم إهتمامهم أن تؤدّي إلى الإخلال بالآداب الإنسانية للمعاشرة.
وقد نقلت في كتب الحديث مئات الروايات عن الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة الأطهار (عليهم السلام) حول آداب المعاشرة مع الآخرين. جمعها المحدّث الكبير الشيخ الحرّ العاملي في كتابه وسائل الشيعة، ج8، حيث رتّبها في 166 باباً.
وملاحظة الجزئيّات الموجودة في هذه الروايات ترشدنا إلى مبلغ إهتمام الإسلام بالآداب الإجتماعية. حيث تتناول هذه الروايات حتّى طريقة الجلوس،
وطريقة التكلّم والإبتسامة والمزاح والإطعام، وطريقة كتابة الرسائل، بل حتّى طريقة النظر إلى الآخرين، وقد حدّدت التعليمات المناسبة لكلّ منها، كما وردعن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله:
(ليجتمع في قلبك الإفتقار إلى الناس، والإستغناء عنهم، فيكون إفتقارك إليهم في لين كلامك وحسن سيرتك، ويكون إستغناؤك عنهم في نزاهة عرضك وبقاء عزّك)(2).
والآية تتضمن أدباً من آداب المعاشرة، ويستفاد من سياقها أنهم كانوا يحضرون مجلس النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيجلسون ركاماً لا يدع لغيرهم من الواردين مكاناً يجلس فيه فادَّبوا بقوله: { إذا قيل لكم تفسَّحوا } الخ، والحكم عام وإن كان مورد النزول مجلس النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
والمعنى: يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم توسَّعوا في المجالس ليسع المكان معكم غيركم فتوسَّعوا وسَّع الله لكم في الجنة
إنّ ما يرفع مقام الإنسان عند الله شيئان: الإيمان، و العلم.
وبالرغم من أنّ الشهيد في الإسلام يتمتع بمقام سام جدّاً، إلاّ أنّنا نقرأ حديثاً للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) يبيّن لنا فيه مقام أهل العلم حيث قال: (فضل العالم على الشهيد درجة، وفضل الشهيد على العابد درجة .. وفضل العالم على سائر الناس، كفضلي، على أدناهم)مجمع البيان
يذكر صاحب تفسير الميزان قدس الله سره بأن ذيل هذه الرواية لا يخلو من شيء فإن ظاهر رجوع الضمير في " أدناهم " إلى الناس اعتبار مراتب في الناس فمنهم الأعلى ومنهم المتوسط، وإذا كان فضل العالم على سائر الناس وفيهم الأعلى رتبة كفضل النبي على أدنى الناس كان العالم أفضل من النبي وهو كما ترى.
اللهم إلا أن يكون الأدنى بمعنى الأقرب والمراد بأدناهم أقربهم من النبي وهو العالم كما يلوح من قوله: وفضل النبي على العالم درجة، فيكون المفاد أن فضل العالم على سائر الناس كفضلي على أقربهم مني وهو العالم.
وعن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) نقرأ الحديث التالي: (من جاءته منيّته وهو يطلب العلم فبينه وبين الأنبياء درجة)
إن الموفّقية في طريق التكامل وجلب رضا الله والقرب منه مرهون بعاملين أساسين هما: الإيمان والعلم، أو الوعي والتقوى وكلّ منهما ملازم للآخر، ولا تتحقّق الهداية بأحدهما دون الآخر.
ورد في حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال:
(فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب)


والطريف هنا أنّ العابد ينجز عبادته التي هي الهدف من خلق الإنسان، ولكن بما أنّ روح العبادة هي المعرفة، لذا فإنّ العالم مفضّل عليه بدرجات.
ونقرأ في حديث للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): (يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء، ثمّ العلماء، ثمّ الشهداء)
وقوله: { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أُوتوا العلم درجات } لا ريب في أن لازم رفعه تعالى درجة عبد من عباده مزيد قربه منه تعالى، وهذا قرينة عقلية على أن المراد بهؤلاء الذين أُوتوا العلم العلماء من المؤمنين فتدلُّ الآية على انقسام المؤمنين إلى طائفتين: مؤمن ومؤمن عالم، والمؤمن العالم أفضل وقد قال تعالى:
{ هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون }[الزمر: 9].
ويتبين بذلك أن ما ذكر من رفع الدرجات في الآية مخصوص بالذين أُوتوا العلم ويبقى لسائر المؤمنين من الرفع الرفع درجة واحدة ويكون التقدير يرفع الله الذين آمنوا منكم درجة ويرفع الذين أُوتوا العلم منكم درجات.

************************************************** ****************************
تفسير الأمثل
تفسير الميزان

تفسير مجمع البيان

1ـ جاءت هذه التعليمات من خلال التسلسل في الآيات التالية: آداب التحيّة والسلام. النساء / 86، آداب الدعوة إلى الطعام. الأحزاب / 53، آداب التكلّم مع الرّسول. الحجرات / 2، وآداب التفسّح. في الآيات مورد البحث.
2- وسائل الشيعة، ج8، ص401.



منقول