جاء في تفسير قوله تعالى(أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين)([1])الخلق جميع أجزاء الشيء وفيه نسبة الخلق إلى غيره تعالى كما يشعر به أيضاً قوله تعالى(فتبارك الله أحسن الخالقين)([2])والأكمه هو الذي يولد مطموس العين, وقد يقال عمن تذهب عينه: كمهت عيناه حتى أبيضتا, قال الراغب: والأبرص من كان به مرض وهو مرض جلدي معروف وفي قوله: وأحيي الموتى حيث علق الإحياء بالموتى وهو جمع دلالة ولا أقل من الأشعار بالكثرة والتعدد , وكذا قوله: بإذن الله سيق للدلالة على صدور هذه الآيات المعجزة منه عليه السلام مستند إلى الله تعالى من غير أن يستقل عيسى(عليه السلام)بشيء من ذلك, وإنما كرر تكرارا يشعر بالإصرار لما كان من المترقب أن تصل فيه الناس فيعتقدوا بألوهيته استدلالا بالآيات المعجزة منه الصادرة عنه عليه السلام. ولذا كان يقيد كل آية يخبرها عن نفسه مما يمكن أن يضلوا به كالخلق وإحياء الموتى بإذن الله ثم ختم الكلام بقوله: إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم. وظاهر قوله: أني أخلق لكم الخ, أن هذه الآيات كانت تصدر عنه صدوراً خارجياً لا أن الكلام مسوق لمجرد الاحتجاج والتحدي, ولو كان مجرد قول لقطع العذر وإتمام الحجة لكان من حق الكلام أن يقيد بقيد يفيد ذلك كقولنا: أن سألتم أو أردتم أو نحو ذلك على أن ما يحكيه الله سبحانه من مشافهته لعيسى يوم القيامة يدل على وقوع هذه الآيات أتم الدلالة قال(إذ قال الله يا عيسى بن مريم أذكر نعمتي عليك وعلى والدتك ـ إلى إن قال وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير فيها فتكون طيرا بإذني وتبريء الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى)([3]).ومن هنا يظهر فساد ما ذكره بعضهم: أن قصارى ما تدل عليه الآية أن الله سبحانه جعل في عيسى بن مريم هذا السر. وأنه أصبح على الناس بذلك, وأتم الحجة عليهم بحيث لو سألوه شيئاً من ذلك لأتى به , أما أن كلها أو بعضها وقع فلا دلالة فيها على ذلك.([4]) وفي تفسير القمي في قوله تعالى : وأنبئكم بما تأكلون الآية عن الباقر(عليه السلام) أن عيسى كان يقول لبني إسرائيل أني رسول الله إليكم , وإني أخلق من الطير كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص , والأكمه هو الأعمى : قالوا : ما نرى الذي تصنع إلا سحراً فأرنا آية نعلم أنك صادق قال: أرأيتكم أن أخبركم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم. يقول : ما أكلتم في بيوتكم قبل أن تخرجوا وما أدخرتم بالليل ـتعلمون أني صادق ؟ قالوا: نعم فكان يقول: أنت أكلت كذا وكذا وشربت كذا وكذا ورفعت كذا وكذا فمنهم من يقبل منه ويؤمن . ومنهم من يكفر . وكان لهم في ذلك آية أن كانوا مؤمنين.([5])
[1] ـسورة آل عمران / آية(49)
[2] سورة المؤمنون/آية(14)
[3] ـ سورة المائدة/آية(110)
[4] ـ تفسير الميزان/ج 3 ص 216
[5]ـ تفسير الميزان / ج3 ص 235
منقول