الانتحار الفاشل
الکاتب علي عبد الحسين
منذ فترة سمعتُ أنهُ حاول الإنتحار. كيف؟ صوب بندقية صيد الشوزني الى رأسه وأطلق النار...لكن لم يمتْ! والكل حائر منذهل كيف طلقة الشوزني لم تقتله؟ لقد تشوه وجهه للغاية ولم يكن في مقدور اغلب الناس إلقاء النظرة اليه...أنه فقد جزءا من وجهه...وخلفته حفرة سوداء محفوفة باللحم المحترق...تبسم خجلاً وطأطأ برأسهِ قليلاً فرد قائلاً؛ لقد كنت أحمق فأقدمت علی ذلك الفعل المشين...وسكتَ...لم يشبع فضولي جوابه واستطردت سائلا؛ ولكن ما هي الاسباب ...؟ أحسَ بمدى إصراري وفضولي فأجابَ؛ فشلتُ في الحبِ فلم أر دافعاً للعيش فقررتُ الانتحار...
من شدِّ دهشتي قصدته في حي اهوازي جديد...لأرى هذه المعجزة...فنزلتُ عنده بسيماء ضيف وبصحبة أحد أقاربهِ...رحب بنا وقدم لنا الضيافة العربية التي تتغلب على الظروف الصعبة وتبرز جمالية الاخلاق العربية...فجرى الحديث بيننا وتشعب الى شعب كثيرة...وفي شعبةٍ متاحة إغتنمتها فسئلتهُ عن دوافع الانتحار التي قادته الى هذه الحال...
مكثَ قليلاً...فقد جف ريقه...شرب قليلا من الماء وإندفع بحماس للكلام...كأنما غضبَ ولا يشفيهِ الا البوح...
عشقتها منذ الصغرِ، كانت عربية سمراء جميلة رهيفة القد كغصن البانِ...كنتُ في الصف الخامس الابتدائي وهي كذلك...شغفتُ بها...وتتبعتها خطوة خطوة في كل حياتها...كم عانيت من جوى الحب؟! كم عانيتُ من ركض وراء طيف الحبِ؟! كم عانيتُ من الاغيار؟!!
ومضتْ السنونُ...كبرتُ وكبرتْ...وكبر حبي لها...بلغتُ الثلاثين من اعوامي وكذلك هي بلغتْ...لم أتزوج رغم إصرار أهلي...رغم القال والقيل...رغم الوحدة وضنى الحبِ...إنتظرتها...وإنتظرت حتى تتخرج من الجامعة...لكن (وهز رأسه وزفر من الاعماق) ولكنها بدل التخرج من الجامعة تخرجت من حب طالب فارسي أتى يدرس من شيراز الى الاهواز...
لم أعرف شيئاً عن حبها لذلك الغريب حتى ليلة زفافها...لقد رأيتها بعيني تمسك يده...أصابني دوارٌ شديد وسقطت ارضاً...بعد ساعة وجدت نفسي في المنزل...لقد مسني الجنون...وغزتني الاسئلة الناهشة...كيف لم تعشقني طيلة العشرين سنة وها هي قد عشقت الغريبَ وتزوجت منه؟ كيف؟ كيف..........ألم تكن من بنات حارتنا...ألم نكبر سوية؟ ألم أعشقها خلال هذه السنين...ألم أخلص لها العشق ؟ألم تكن عربية من دمي ولحمي؟؟؟؟؟؟
في منتصف ذلك الليل الشتوي حيث وجدت نفسي غاضباً شد الغضب ومجنوناً بلا حيلة...وجدت شيئاً آخراً الى جنبي وهو بندقية أبي...لمحت فيها يد الخلاص...فمددت يدي نحوها ،حشوتها...وأطلقت الرصاص... وبكى...وبكى...وصاح بألم صاعد من الاعماق...لماذا لم أمت...لماذا....؟؟؟؟
حضنته بكل شفقة وحزن...وبكينا معاً...بكينا شقاء العشق ...وعجز الانسان...ثم حاولنا تسليته ليكف عن بكاءه المرير...وبعد فترة...كف عن البكاء...وكفكفنا دموعه...و وادعناه لائمين أنفسنا و فضولنا لما تسببنا له من يقظة الآلام...وصرخة الجراح العميقة