قال لي احد الاخوة :
منذ زمن معتد به وأنا اعرف معنى العشق للوطن ومعنى الانتماء للجماعة ومعنى أن تكون وفيا لا خائنا وان تكون صادقا لا متملقا وعرفت أن العشق والظلم نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان ..
وان موضع العشق القلب حيث الفطرة السليمة ..
وان بيت الله قلب الوطنيين وان الشجاعة في القلب وان العاشق وطني بالفطرة وان الوطني الهي بالفطرة فعشقت ربي ووطني وشعبي ولا أخاف أن أصرح بهذا الحب ولو كره الكافرون والمحتلون والمجرمون .
ومنذ زمن معتد به عشت مع الوطنيين في جبال العراق وعرفت معنى أن تفترش الأرض وتلتحف السماء وان تكون بلا سقف ولا مطبخ ولا كهرباء سنوات الشباب ..
وعرفت أن الوفر الثلجي المتراكم على سفوح الجبال هو أطيب واطهر من كل المثلجات وان الشمس تنحني لمتسلقي القمم وهم يحملون السلاح ضد الهدام .
وفي جبال وطني كان العلماني والاسلامي والعربي والكردي يشعرون بألفة الوطن ويعرفون معنى الوفاء ويكرهون الخيانة ويكرهون الشقاق ويقاتلون صدام.
وهم يعرفون معنى اناشيد الفداء ويسمعون بتمعن كلمات الامهات للاطفال وهي تتحدث عن الأب الشهيد والخال المقاتل وعن الرغبة الاكيدة بالخلاص .
وبين غدران وطني كان الجميع يبحث عن البقاء لا كأفراد على قيد الحياة فهذا غير مهم كما انه مخالف للواقع بل عن البقاء كجماعات وعن التواصل حتى لو تمزقت الجبال وانتشر الكيمياوي وصارت الخضراء منطقة محروقة .
كنا نبحث عن تذكرة عن رمز لو رأيناه لتذكرنا بعضنا البعض .
ولاني من مدينة ترابية الاجواء منيرة في السماء اقترحت ان نتذكر بعضنا كلما تطلعنا الى القمر في السماء ..هذا الحبيب الترابي القاحل المنير المشع رغم كل الظلمات .
هو الحنين والشوق الى الجماعة الى من تركوا اهلهم ومدارسهم واعمالهم وحملوا في قلوبهم وطن لا تسعه القارات ولكن وسعه قلب عاشق .
وفي قرى وطني في كردستان تعلمت ان احب رموزهم ورجالهم المقاتلين من امثال كاكا محمود وملا خضر وان اسمع قصصهم الشعبية ومبالغاتهم الفلاحية واعتبرت ان بلدي بخير لانه يحب الشجعان ويقدس الرجال الرجال .
وقبل الشمال نشأت في الجنوب وتعلمت ان احب المطر لان بدر شاكر السياب تغزل به رغم ان المطر كان يجعل مدينتي طينا على طين ويجعل ذهابي الى المدرسة كارثة وسقوف البيوت تخر على رؤوسنا .
وبين اهوار الجنوب وعند الجبايش وعلى المشحوف كنت افهم كل كلمات مظفر النواب وارى ان شريط عتاد البي كي سي بيد الشجعان اجمل من ضفيرة حبيبتي وادركت صدق مقولة يا لعيبي كَل للمايل ما مش مايل الا ويغركَ .
ولكن منذ زمن قريب صارت جبال بلدي كالعهن المنفوش ..
وتيبست شفاه الاهوار ...
وظهر الصدأ على ضفاير الارامل واصيبت قلوب العاشقين بالجلطة واحتاج العراق كله الى قسطرة .
ولان القلوب بيوت الله ولان التطهير فعل الله حيث يذهب الرجس من بيوتنا ويطهر ارحامنا واصلابنا تطهيرا جاء القمر يستوطن العراق .
جاء الصدر بن الحسين الشهيد في موعده الصحيح وبه ثبتت الرؤية الشرعية عند السنة والشيعة في يوم واحد واحتفل العراقيون جميعا بعيد الفطرة السليمة.
جاء الصدر بن العراق بعد ان اكمل العراقيون نسج خيوط عباءته من عقول رجالهم وبعد ان صبغت الشريفات لون عمامته من كحل الفرات وافترشت النوايا الطيبات بياض شجاعته وكفنه .
جاء من كان عند السياب مطرا ،وشاجورا عند النواب،وقمرا عندي.
جاء من لاجله كتبت القصائد ...
وبه صار الرجال رجالا، وصار الالهيون ثقاة ،وصار الوطنيون اوفياء .
وظل العراقيون ينبضون بعد القسطرة التي امتدت عبر شرايين صلوات الجمعة في وسط وجنوب العراق .
ولكن منذ زمن اقرب ..
ارادوا من جديد قتل العراق ،بانتزاع القلوب ،واحتلال الجبال والسهول والشواطيء والسماء والاهوار فداسوا كل الطرقات وخربوا كل شيء حتى النفوس ..
اذ صار العلماني مبغضا والاسلامي متطرفا والكردي عدوا للفداء والعربي خائنا للجوار ..
ودخلنا في حيص بيص ثم أظهروا حصان طروادة الكارتوني عند كل الفئات وبكل الالوان ،بعد ان استنسخوه الاف المرات وآخر النسخ ظهر علينا الكاشخ بقصص الفضائح وكأنه يريد ان يجعل قصص العراق الداميات مثل قصص الفنانات وهو لا يعلم اننا لا نحب ولا نعشق الا قصص الفداء ..
وليس غريبا ان ترى كل النسخ تتضامن مع بعضها وكما ورد على لسان الحكمة اجتماع اهل الباطل على باطلهم وتفرق اهل العراق عن حقهم .
قلت له:
وطني في مراتب السجود أشم فيه عطر الجوري والرياحين ..
وفي سجدتي الشكر افترش خده الندي كخدود الاطفال..
وطني اتم الصلاة فيه واصوم ..
وفيه الحج كل آن آن ..
وهو زكاة الوجود ..ومنازل السعادات ..واخلاق العرفاء ..
وطني لا تربكه مطايا طروادة ..ولا ضباع العوجة ..
فهوعصي على كل العصي ..
لا تحبسه القضبان ولا صواريخ الامريكان ..
وطني تواصل الاجيال وتكامل الوطنيين وارث الشجاعة والكفاح ..
وطني لا يخلو من حسين حتى قيام الحسين ..
والعاشق في وطني فطري وتوقيته قمري ولباسه كفن صدري ..
وانتماؤه للجماعة لاستمرار صلاة الجمعة والجماعة ..
لكي تمطر السماء فيكون من الشاكرين ..
ويرفع الشاجور بوجه المحتلين فيكون من الظافرين ..
ويكرر السجود على ارض العراق ..
ولا يمسح جبهته من ترابه حتى لا ينكره اطفاله وتهجره النساء ويتبرأ الكبار منه ..
ولا مكان للخائنين بين العاشقين ..ولا للخائبين من الكاشخين الفضائحيين .
ولكن العشاق لا يسفكون دماء العذال ..
بل يرمونهم بالحق فاذا الخائنون يزهقون ..
والى موعد قريب وسنرى وترون !!!