مافيات الـ-56- او الرجل 56 هي مفردة جديدة تضاف الى القاموس الشعبي،وتدل على الشخص النصاب والمحتال حصرا في حدود المادة 456 المتعلقة بعقوبة النصب والاحتيال،ومن ملامح هذا الشخص اناقته المتكلفة وتبجحه المفرط وكثرة الهواتف النقالة في يديه من دون ان يكف عن الثرثرة في مناقبه الفارغة وسعة معارفه الوهمية باصحاب الخدمة العامة، وهذا الرجل يتصيد ضحاياه عبر شبكة واسعة من المتعاونين معه من الفاسدين في المرافق العامة.
اذن هذه بعض من قصة متعهدي التعيينات المحتالين فما احوجنا الى التدقيق في التفاصيل ومن ثم التوصل الى حل يحفظ للمرافق العامة هيبتها من هؤلاء.
(شكد دفعتوا ) كلمة يرددها اغلب موظفي دوائر الدولة همساً في آذان مراجعيهم، من الذين يبحثون عن أسمائهم في وزارات لم تعلن أصلاً عن درجات وظيفية شاغرة ؟!
هكذا بدأت حديثها (ن.م) موظفة في إحدى الوزارات قائلة : نفاجأ يوما بعد آخر بأشخاص يبحثون عن أسمائهم بين ثلاثة أقسام هي القانونية والإدارية ليصلوا إلى الموارد البشرية، فتنتهي رحلتهم خالية الوفاض بلا أمر اداري ولا وساطة تنتظرهم! وهذا ما حدث عندما حضر شاب بعد أن تأفف بمرارة ليعلن عن دفع مئات الدولارات لمعاملة تعيين لم تروج أصلاً ، ثم لنجد أمامنا ضحية بعد أيام قليلة وبأمر إداري مزور صادر عن القانونية والإدارية في وزارتنا، فدراما مافيا التعيين متجددة وضحاياها من الفئات المغلوبة على أمرها ، ما جعلها لقمة سائغة لبعض الفاسدين في الدوائر الحكومية.
مافيات التعيين
أول هم يعتلي وجوه الأوساط الشبابية هو البحث عن التعيينات في الدوائر الحكومية بعد التخرج، فهذه الشريحة قد تبحث عن ضالتها في التعيين بأساليب ملتوية وغير شرعية، فيكونون بالتالي ضحايا لمتعهدي التعيينات الوهمية ممن يتربعون على عرش النصب والاحتيال، ويجدون في التعيين مرتعا لممارسة مهنتهم في التحايل على الناس الأبرياء ، فاليأس من التعيين وعدم وجود آليات واضحة، يدفعان الكثير باللجوء إلى دلالي التعيينات لعلهم يحصلون على موطئ قدم ولو في الأحلام في أحدى الوظائف الحكومية لضمان مستقبلهم، كل تلك الأمور كان لها الدور البارز والمتنامي لتفشي ظاهرة النصب والاحتيال، فضلا عن التهاون والتساهل بعدم تطبيق القانون على الجميع، إذ ليس هناك بيت عراقي بالاغلب الا وسعى للحصول على التعيينات بالطرق الملتوية أو عن طريق المعارف مقابل مبالغ مالية باهظة، واغلب من يتعرضون للنصب هم الناس البسطاء القادمون من محافظات العراق ، فهؤلاء يمثلون فرصة سانحة لمافيا التعيينات لغرض سرقة أموالهم، وتبدأ معاناتهم مع المحتالين حال انخراطهم في طوابير التعيينات بحثاً عن بصيص آمل في تعيين حكومي خال من الوسطاء والمحتالين.
التقديم و اشكالياته
التقديم يقسم إلى أنواع عدة منها التقديم المباشر الذي يحتاج إلى شخص يتمالك أعصابه نتيجة للاهانة التي يتعرض لها في صف الطابور، فتجعل منه إنسانا مجردا من المشاعر، وخلف كل تلك الاهانات تجد من لا ينصفك، وأما الطريقة الثانية هي التقديم على الانترنت والطريقة الثالثة والمعروفة الآن عندما تجد نفسك تقدم على تعيين من خلال شخص لا يمت بصلة لأية وزارة ويتضح بالتالي انه عاطل عن العمل أصلاً ، هذا ما تتحدث عنه علياء السلطاني خريجة معهد تقول : لأعوام كثيرة وأنا أقف في طابور التعيينات بحثا عن نافذة أمل حتى وان كان متأرجحا في الحصول على تعيين ، ويبدأ حلمي بالتبدد حال ولوجي شباك تسليم الاضابير لأجد دوري لم يكن في هذا اليوم وهو مخصص للدراسات الصباحية ، وبالتالي أجد نفسي متخذة مسيرة زملائي في البحث عن دلالي التعيين، فاليوم لا فرق بين حامل الشهادة عن غيره لان اليأس يدفع الجميع للوقوع تحت طائلة النصب والاحتيال .
مسؤول حكومي لكنه وهمي
تقول هدى جاسم (30عاما) خريجة احدى الجامعات العراقية، منذ سنوات وأنا أتخبط بين أيادي المعقبين من المعارف للحصول على تعيين في احدى دوائر الدولة، وفعلا وجدت ضالتي عن طريق أحد أقاربي، وبدأت حكايتي مع مافيات النصب والاحتيال حال خضوعي للتفاوض في هذا الأمر، والموافقة على دفع المبلغ وبشروط مسبقة ، أولها ان يتم دفع المبلغ حال تسلمي الأمر الإداري ، وفعلا قبل تسليم المبلغ في مبنى إحدى الوزارات ارسلت نسخة من الأمر الإداري ملحقا بأمر الوزير عن طريق خدمة الهواتف المجانية الوات ساب! ، وبعد سؤالي عن التعيينات من قبل موظفي الوزارة المعنية للتأكد من وجود درجات وظيفية خاصة لم يعلن عنها من مكتب الوزير للتعيينات . وذهبت لمقابلة الوسيط الذي يحمل رتبة عسكرية لدفع المبلغ في تلك الوزارة ! لكن الخطة تغيرت فدفع المبلغ في أحد شوارع المنطقة الخضراء المغلقة بصبات كونكريتية، وقد استغل بذلك جهلي بالأمور العسكرية وأقنعني بكلامه المعسول ، وأوضح لي ان الدفع بعيدا عن الوزارة ضروري للتخلص من رقابة النزاهة، وبعد أسابيع قليلة اكتشفت أنه محتال، يحتال على الناس بمنصبه الوهمي كنقيب في (…….)؟! مستغلا عمل أصدقائه ومعارفه والمتعاونين معه في الدوائر الرسمية للنصب على الناس في التعيين ؟!.
مأساة التعيينات
أما ضرغام المحمداوي فتحدث قائلا: ان البطالة هي التي حطمت مستقبل العديد من الشباب واجبرتهم بالبحث عن أية ثغرة للأمل حتى لو كانت من صنع النصابين والمحتالين ، فبعد سعيي الدؤوب بين جميع أقراني في إيجاد وظيفة في احدى المؤسسات العسكرية، وقد تعرفت على من مهد لي الفرصة للتعيين في هذا المجال مقابل ثلاثة آلاف دولار، وبعد جدال كبير بشأن طريقة دفع المبلغ، انتهى الجدل بتسليم المبلغ في أحد المطاعم المعروفة مع (50 ) شخصا أخر، على ان يتم تقسيمهم على شكل وجبات وبأوقات متقاربة، وأما دور الوسيط فيتمثل بأخذ 100 ألف دينار (تعب أيده )، و بعد فترة 3 أشهر قام الوسيط بتبليغي وقت أجراء الفحص العام في الأدلة الجنائية للتخلص من أي وشم احمله في جسدي، وفعلا قبل اجراء الفحص قمت بعملية إحراق الوشم فأصابني تشوه في يدي وحروق عميقة ، وبعدها اتضح بأن الضابط لا وجود له ولا التعيين كذلك، وكل فصول المسرحية تلك كانت كمينا للمماطلة وكسب ثقتنا، فالدرجات الوظيفية تذهب إلى بعض الأشخاص بعينهم ليوزعوها بين معارفهم وأقاربهم من المحتاجين!؟.
ثغرات التنقل بين الدوائر
ان التعيين ودفع الأموال الباهظة لا يعدان آخر هم للباحثين عنه ، حتى تبدأ رحلة التنقلات مابين دائرة وأخرى ، لتتيح الفرصة لأصحاب النفوذ في المؤسسات الحكومية لاستغلال مناصبهم لمصالحهم الشخصية، وخاصة السلك العسكري وهذا ما يتحدث عنه احد منتسبي الشرطة الذي طلب عدم ذكر اسمه قائلا: ان أكثر الأماكن التي تثير رعبنا هي الأماكن الساخنة، فتتم مجاراتنا لدفع مبالغ لنضمن عدم نقلنا اليها ؟! وبدأت حكايتي عندما جاءني كتاب استبيان لطلب رأيي في النقل لإحدى المحافظات وكان ردي باني لا ارغب بالنقل لتلك المحافظة، كوني من سكنة محافظة بغداد ولانني على الصنف المدني الذي يرغب اغلب منتسبينا في الحصول عليه، ولكن الثغرات تصنع المعجزات في الاحتيال، فهناك من قام بترهيبي بان الاستبيان سيتم التلاعب به وسيتم تبديل رأيي من لا ارغب إلى ارغب ، وللحد من هذا التلاعب طلب مني دفع مبلغ 350 دولارا ورفضت، وعن طريق بعض المعارف اتضح فعلا وجود أمر أداري للنقل ولكني لست أنا المقصود! ولكن الصدفة في تشابه الأسماء لعبت دورا كبيرا، جعل ذلك المحتال لمساومتي على موضوع ليس له وجود أصلا وقد تم حله بتثبيت رأيي بعدم الرغبة بالنقل . (56) آخر ألقاب النصابين والمحتالين
أطلقت الكثير من الألقاب على النصابين والمحتالين أولها القفاص لتندرج بقائمة لا تكاد تنتهي (لفاح و خماط ) حتى تطورت بتطور أساليب النصب والاحتيال للوصول إلى لقب أخير وليس آخيرا وهو جماعة الـ(56) المأخوذ من المادة القانونية 456 المتعلقة بعقوبة النصب والاحتيال. بهذه العبارات أوضح احد المواكبين لعمليات الاحتيال طالبا عدم ذكر اسمه قائلا: ان اغلب من يطلق عليهم جماعة الـ( 56) هم من الذين يجدون في العراق الأرض الخصبة ومرتعا يتداولون فيها النصب والاحتيال لاسيما في مجال التعيينات، ويضيف من معالم الرجل الـ (56) انه انيق اللباس وطليق اللسان بأعذب الكلمات، ويحمل بين كفي يديه أكثر من موبايل، كما انه يدعي كثرة معارفه من كبار المسؤولين، ليلقى قبولا أكثر لدى الجميع، وبعد أن يكسب ثقة اغلبهم يسعى لتمهيد وطلب مبلغ مالي مقدما لغرض التعيين، ثم يبدأ بالتملص من وعوده بحجج واهية وأعذار غير مقنعة، متنقلا من مكان إلى آخر، حتى تنتهي القصة نهاية غير متوقعة.
الوساطة بالتعيينات جريمة
يقول المحامي علي حميد عزيز: ان دفع الأموال مقابل التعيين سلوك غير شرعي ولا قانوني، وغالبا ما تحسم تبعاته السيئة بالحلول العشائرية من دون اللجوء إلى القانون، لأن القانون في مثل تلك الحالات يعاقب الراشي والمرتشي على حد سواء، فالوساطة بالتعيينات غير مقبولة وتعد جريمة يحاسب عليها القانون، والقانون المدني يختلف عن الجنائي، فالأخير ينظر إلى جريمة الاحتيال وتأثيرها في أمن المجتمع واستقراره، وتكون مدة الحكم من سنة إلى خمس سنوات حسب نوع الجريمة، أما القانون المدني فيحتاج إلى دليل اثبات حدده القانون، فإذا كانت قيمة المبلغ أكثر من 5000 آلاف دينار لا يجوز أثباته الا بدليل كتابي سواء كان رسميا أو غير رسمي، ويفضل ان يحتوي أما على بصمة أو خط يد أو توقيع يكون فيه إقرار قانوني، وأما اذا كانت قيمة المبلغ اقل من (5000) الاف دينار فيجوز اثباته (بالبينة الشخصية) أي الشهود، وإذا لم يستطع أي مدع اثبات ذلك بالأدلة الملموسة، فان القانون يمنح المدعي الحق بالزام المدعى عليه باليمين لحسم القضية.
النصوص التشريعية بالعقوبات
النص التشريعي لجريمة الاحتيال المادة (456) من قانون العقوبات:
(1 -يعاقب بالحبس كل من توصل إلى تسليم أو نقل حيازة مال منقول مملوك للغير لنفسه أو إلى شخص آخر وذلك بإحدى الوسائل التالية : أ-باستعمال طرق احتيالية . ب- باتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة أو تقرير أمر كاذب عن واقعة معينة متى كان مــن شأن ذلـك خداع المجني عليـه وحملــه على التسـليـم .
2 – يعاقب بالعقوبة ذاتها كـــل مــن توصل بإحدى الطرق السابقة إلى حمل آخر على تسليم أو نقل حيازة سند موجب لدين وتصرف في مال أو إبراء أو على أي سند آخر يمكن استعماله لإثبات حقوق الملكية أو أي حق عيني آخر أو توصل بإحدى الطرق السابقة إلى حمل آخر على توقيع مثل هذا السند أو إلغائه أو أتلافه أو تعديله). ولوسائل الاحتيالية أوردها المشرع العراقي على سبيل الحصر وهي :1 – استعمال طرق احتيالية 2 – اتخاذ اسم كاذب 3 -الاتصاف بصفة غير صحيحة 4 – تقرير أمر كاذب عن واقعة معينة متى كان من شأن ذلك خداع المجني عليه وحمله على التسليم . ولجريمة الاحتيال ركنان هما :الركن المادي والركن المعنوي، فالركن المادي يتكون من ثلاثة عناصر العنصر الأول نشاط الجاني والثاني النتيجة الثالث العلاقة السببية، أما الركن المعنوي فيتمثل بالقصد الجرمي لان جريمة الاحتيال من الجرائم العمدية .
الصباح
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نفح طيب...( ذي قار)
