متحف «فايكنغ» في أوسلو.. حضارة رجال الشمال
توجد في أوسلو، عاصمة النرويج، مجموعة كبيرة من المتاحف الأثرية، والقصور التاريخية، والقلاع الحصينة، والكاتدرائيات الشامخة، التي تسجل حضارة «فايكنغ» (رجال الشمال). إنها شعوب ما تسمى اليوم «إسكندنافيا» (النرويج، والسويد، والدنمارك).
أصل الكلمة هو «فيكنغر» (بحاريون) لأنهم بدأوا بالإبحار في البحار. وأصل كلمة «النرويج» هو «نوريغر» (طريق الشمال).
عندما بدأت حضارتهم (القرن 7) كانت قبلية ومتوحشة. واستمرت لخمسمائة سنة تقريبا. اكتسحوا أوروبا، حتى البحر الأبيض المتوسط. ووصلوا إلى بلاد العرب (القرن 10). وقبل ذلك، وصلوا إلى ألمانيا الحالية (القرن 9).
وحتى اليوم، توجد جذور حضارية، وعرقية، ولغوية، وثيقة تربط بين قبائل «فايكنغ» (أجداد الإسكندنافيين)، وقبائل «جيرمان» (أجداد الألمان). لكن، ظلت العلاقة متوترة بين «أولاد الأعمام»، لأن كل جانب يريد أن يبرهن على أنه أقوى وأهم من «ابن عمه». في متحف تاريخ النرويج، بالقرب من القصر الملكي في أوسلو، آثار الجذور الحضارية التي ربطت القبائل الإسكندنافية والقبائل الألمانية، وأيضا آثار الحروب بينهما.
وفي متحف «ريسستانس» (المقاومة)، بالقرب من مبنى البلدية، آثار آخر حرب بينهما: الحرب العالمية الثانية (القرن 20)، عندما احتل الألمان الإسكندنافيين. وجاء الزعيم الألماني هتلر إلى أوسلو، وأعلن أن الألمان، أخيرا، انتقموا لاحتلال قبائل «فايكنغ» للقبائل الألمانية قبل عشرة قرون تقريبا.
وفي متحف «كون تيكي»، رحلات ثور هيردال، رحالة نرويجي (القرن 20)، بنى سفنا من الأخشاب، مثل سفن أجداده، ليثبت أنهم اكتشفوا أميركا قبل كولومبس، ثم بنى سفنا من ورق البردي، ليثبت أن الفراعنة عبروا المحيط الأطلسي، ووصلوا إلى أميركا اللاتينية، حيث توجد، حتى اليوم، أهرام تشبه أهرام مصر.
وفي متحف «فيكنغكبشوسيت» (سفن فايكنغ)، التابع لجامعة أوسلو، توجد، بالإضافة إلى السفن وبقاياها وفنون صناعتها، خرائط عملاقة تصور غزوات «فايكنغ»:
أولا: غربا، وصلوا إلى أيسلندا، وغرينلاند، ونيوفاوندلاند (كندا الآن). ووصلوا إلى «الدنيا الجديدة» قبل كريستوفر كولومبس بخمسمائة سنة تقريبا.
ثانيا: جنوبا، وصلوا إلى فرنسا (نهر السين، ونورماندي) في عهد الإمبراطور شارلمان.
ثالثا: شرقا، وصلوا إلى البحر الأسود وبحر قزوين (وتاجروا مع العرب والمسلمين، وحاربوهم أحيانا).
* احتلال بريطانيا الأول
* بدأ الفايكنغ غزواتهم الكبرى بغزو «الجزيرة المقدسة» في بريطانيا (القرن 8)، والتي كان فيها «لندسفارن»، أشهر مركز للدراسات المسيحية في كل أوروبا، ودمروا كنائسه، واعتقلوا قساوسته، ودخلوا أديرته، واغتصبوا راهباته. وأخذوا آلاف الرهائن، وعادوا بهم، واستخدموهم عبيدا. وأخذوا، أيضا، عشرات الصلبان والقوارير الدينية المصنوعة من الذهب.
وحسب «أنغلو ساكسون كرونيكل» (ملفات تاريخية بريطانية): «في اليوم السادس قبل نهاية شهر يناير (كانون الثاني) في تلك السنة (سنة 787)، عاث الكفار الوثنيون فسادا في (كنيسة الله)، في الجزيرة المقدسة. اغتصبوا كثيرا، وقتلوا كثيرا».
استعمر «فايكنغ» الجزر البريطانية، أو قام بغزوها من وقت لآخر، كلها، أو بعضها، لأربعمائة سنة تقريبا (القرن 8 إلى القرن 12).
ومن مفارقات التاريخ، أنه، في الوقت الحاضر، خلال النقاش حول استقلال اسكوتلندا عن بريطانيا، يقول اسكتلنديون إنهم أول من طرد «فايكنغ» (في القرن 10). بينما ظلت أجزاء أخرى من بريطانيا تابعة للنرويج لأكثر من 200 سنة بعد ذلك. ويقولون إن التاريخ، لهذا، أثبت أن الاسكوتلنديين أكثر شجاعة من الإنجليز، والويلزيين، وحتى الآيرلنديين.
* مؤيدون ومدافعون
* في الوقت الحاضر، يدور نقاش بين مؤرخين بريطانيين ومؤرخين نرويجيين حول ما حدث في غزوة «الجزيرة المقدسة». وفي الشهر الماضي، أقيمت ندوة عن هذا الموضوع في جامعة أوسلو. ورغم أن كثيرا من المؤرخين يصفون «فايكنغ» بأنهم كانوا متوحشين، يدافع أحفادهم عنهم.
في جانب آخر، كتب المؤرخ البريطاني القديم، الكين اليوركي: «لم ير أي شخص في أي مكان مثل هذا الدمار». ووصفت وثائق بريطانية من العصور الوسطى «فايكنغ» بأنهم كانوا مثل «ذئاب وسط حملان».
في الجانب الآخر، يدافع أحفاد «فايكنغ» عن أجدادهم قائلين إن حادث «الجزيرة المقدسة» لم يكن غزوة، أو حربا، ولكن كان «مهمة تجارية»، ثم، لسبب ما، حدث «سوء فهم، وتطور الوضع».
يشير الذين يدافعون عن «فايكنغ» (أخيرا، بدا حتى مؤرخون بريطانيون يدافعون عنهم) إلى إسهامين إيجابيين:
أولا: علموا البريطانيين فن بناء السفن، والإبحار في المحيطات (ربما لولاهم ما كان البريطانيون أسياد البحار، شرقا وغربا).
ثانيا: صارت لغتهم أصل اللغات السويدية، والنرويجية، والدنماركية، والهولندية، والألمانية، وغيرها.
ثالثا: على أي حال، لم يكونوا أسوأ غزاة، قبلهم، وبعدهم