أحزان كنيســـة "أم الأحزان" في بغداد
تظهر الطيور تصرفا مكررا في كل عام فيما يصطلح عليه ب "هجرة الطيور" وذلك بالعودة الى مكان ولادتها، فتضع بيوضها للجيل الجديد في مسيرة لا تتغير الا بالتغيرات البيئية العاصفة والعظيمة، ويعزي العلماء تلك التصرفات الى الوازع – الغريزي- غير المخطط له من قبل الطيور..
لكن هذه الغريزة عند الأنسان تأخذ شكلا وطورا آخرا تمتزج فيه الخلجات والأرهاصات وعوامل نفسية وعاطفية وأنسانية متشابكة ومنوعة. فتصّرف الأنسان بالحنين او العودة الى مكان الولادة، مرابع الصبا، المدينة أو الوطن، ليس غريزيا فقط! فهذا التصرف هو التعبير الحقيقي لأنتماء الأنسان الى ارقى المخلوقات الموجودة على سطح هذا الكوكب، انه تعبير عن كل الأبعاد الأنسانية التي تكون وتشكل شخصيّة الأنسان.وكما يكتب المدعي الأمريكي العام والكاتب –اوليفر ويندل هولمز-:"المكان الذي نحبه هو البيت،لكن بالرغم من ان اقدامنا قد تغادر البيت، الا ان قلوبنا تبقى ساكنة فيه!".وربما تكون هذه العبارات ابلغ وصف لأنتماء الأنسان –الواعي- الى جذوره، مكان ولادته و الى وطنه.
كنيسة "ام الأحزان"
تعتبر الكنيسة من اقدم كنائس بغداد الموجودة لحد هذا اليوم، فقد انشأت عام 1843، ثم جرى توسيعها لتأخذ شكلها الموجود الآن ابتداءا من العام 1887وانتهى العمل بها عام 1898. تعتبر الكنيسة من الناحية المعمارية آية في الفن من ناحية المزج ما بين فن العمارة البيزنطية (الغربية) والبناء العربي. فهي تمتاز بالأعمدة الرخامية داخل الكنيسة وبالقبة الكبيرة والقبب الصغيرة، اما في الفناء الخارجي فقد بدى واضحا وجليا النظام العباسي في الأقواس والأعمدة التي ترتكز عليها. وربما تكون لها مثيلات في منطقة الشرق الأوسط، لكن الأقرب لها عمرانيا هي كنيسة المهد في بيت لحم بالقدس. وبسبب من قدمها، فقد عانت الكنيسة كثيرا من طفح المياه الجوفية نتيجة انخفاضها وارتفاع نسب مياه دجلة، وبسبب من عدم وجود نظام عصري لتصريف المياه الجوفية، وقد جرت الأعمال الهندسية والترميمات مؤخرا لغرض تفادي هذه المشكلة المزمنة.
أين تقع الكنيسة؟
ان موقع الكنيسة وتأريخها يمنحنا فرصة للتعرف على حال المدينة آنذاك، وما آلت اليه اوضاعها ؟ تقع الكنيسة في مدينة بغداد (القديمة)، اي في قلب العاصمة، وبجغرافية اليوم فموقعها كائن ما بين شــارعي الجمهورية والرشيد وهما اهم شارعان في العاصمة، وما بين سوق الشورجة –سابقا- السوق العربي لاحقا ، وشارع – عكد النصارى. ولأن للأسماء مسبباتهاـ فقد ســـمي الشارع – الدربونة باللهجة البغدادية- بعكد –عقد- النصارى نسبة الى التمركز العالي للعوائل المسيحية التي كانت تسكن المنطقة وتحيط بالكنيسة، وكذلك ايضا لوجود( 4) كنائس مهمة جدا بجوار كنيسة "ام الأحزان" وفي نفس المنطقة،ومنها: كنيسة اللاتين (بنيت عام 1871)، التي استأجرت للأخوة الأقباط عندما كانوا في العراق في عقد التسعينات، والآن متروكة بلا رعاية ، وفيها الكثير من المراقد ومنهم مرقد الكاهن والعلامة انستاس الكرملي. كنيسة السريان الكاثوليك( بنيت عام 1862)، وهي تعاني من الأهمال الشديد، وكنيسة صغيرة كانت قد وقعت وسط العقار المخصص للسوق العربي من جهة سوق الشورجة، وقد جرى تهديمها،اما الكنيسة الأخيرة فكانت في عكد النصارى وكانت للطائفة الأرمنية( كانت تسمى كنيسة الدولمة)، وقد هدمت وقامت مكانها عمارة تجارية ومحلات و (يزعم البعض ان اسمها الآن "سوق الأرمن"). ان وجود (5) كنائس ، ثلاثة منها بحجوم كبيرة يعطي اي متفحص او باحث صورة، عما كان عليه وضع ونوعية السكان في تلك الأحياء البغدادية الشعبية للسنين التي خلت.فقد كانت المنطقة مليئة بالعوائل المسيحية، والتي سكنت هذه البيوت المتلاصقة والمزدحمةحتى عقد الخمسينات، عندما بدء زحف المعامل والورش والمحلات التجارية والأنتشار مثل الأخطبوط في تلك الأحياء الشعبية مما اثر لاحقا على نوعية السكان، وعلى مستقبل الكنائس ايضا.
"نافكيشـــن" الوصول للكنيسة
هناك قاعدة غير قابلة للنقاش تتبادل النسب فيها، فأحيانا ان وجود الرعية في مكان ما وتمركزها هو الذي يجلب الكنيسة لتلك المنطقة، والعكس صحيح ايضا. لكن مما لاشك فيه ان وجود هذا العدد الكبير من الكنائس رافقه بالتأكيد عدد اكبر من الرعية. فزوار الكنيسة كانوا يأتون من المناطق الملاصقة والقريبة وحتى البعيدة. ولتوضيح المشهد فأن
رحلتنا تبدأ من منطقة عكد النصارى وعكد الراهبات وسوق الغزل وصبابيغ الآل والفضل وشارع الكفاح وسوق الصدرية والعوينة والسنك والباب الشرقي وكمب الأرمن وأحيانا من البتاوين.
كانوا يأتوها سكنة شارع الرشيد والصالحية والكريمات، والعبخانة ومن العكد العريض والعمّار ورأس القرية، ومن منطقة الميدان وشارع الجمهورية والباب المعظم وصولا حتى الأعظمية.كانت زيارة كنيسة ام الأحزان "البعية الكبيغرة" باللهجة الموصلية ،تمثل طقسا عزيزا عند ابناء الطائفة الكلدانية من سكنة بغداد او حتى من زوارها الذين كانوا يأتون من المحافظات الأخرى. ان الوصول للكنيسة كان يمكن من اربعة اتجاهات : من شارع الرشيد عبر عكد النصارى ومدخله عند صيدلية رمزي، ومن جهة شارع الجمهورية وخلف عمارة الكهرباء، اي ببداية عكد النصارى – سوق الكهربائيات- ومن منطقة سوق الشورجة والسوق العربي الآن وعبر بوابتها الجانبية المطلة على السوق، وأخيرا عبرالطرقات القادمة من سوق الغزل، والعّمار وعكد الراهبات حيث تلتقي بالقرب من محل (هادي ابو العنبة) ثم عبر الدربونة من – تحت الطاق – وصولا لعكد النصارى ، فالكنيسة هناك، بعد الألتفاف مرة يسارا ومرة يمينا.
فعاليات الكنيسة وملحقاتها
تنوعت الألقاب التي تقلدتها كنيسة "ام الأحزان" ما بين كنيسة، الى ابريشية، الى كاتدرائية وحسب المهمة التي تقوم بها وبتوجيه من (الباطريارك) الذي هو راعي الكنيسة ورأسها . فقد انتقل المركز الكنسي ولسنين طويلة اليها، مما جعلها في واجهة الأحداث فيما يخص احوال الشعب والرعية الكلدانية آنذاك. فبلأضافة الى عقار الكنيسة وبنائها، فقد كان ملحقا بها بيت الكهنة، وخلفه كان يوجد منزلا تابع للكنيسة ايضا سكنه لفترة البطريارك –غنيمة- كما كانت تتبعها ايضا مدرسة راهبات الكلدان وهي ملاصقة لها قبالة بيت الكهنة، اما في باحة الكنيسة فقد كانت تطل العديد من الصفوف الدراسية حيث (الروضة والتمهيدي والصف الأول)، هذا اضافة الى مكاتب وغرف ملحقة ايضا للأعمال الكتابية والتمارين الموسيقية، جدير بالذكر ان مدرسة (الطاهرة) كانت تحاذي الكنيسة ايضا ومن جهة الفرع الذي كان فيه (مكوي) الأخ حكمت، شقيق فريد الأسكافي.. كانت الكنيسة تؤدي مراسيمها - كباقي الكنائس- في تقديم القداديس والذبائح الألهية اليومية، وقداديس أيام الأحد، والأعياد ، ودرب الصليب والصلوات الخاصة المتعلقة بالقديسين والقديسات، مراسيم العماذ للولادات الجديدة والتناول الأول، مراسيم الزواج وطقوس الصلات على الموتى، اضافة الى أقامة المراسيم الدينية و الحفلات الرسمية كرسامة الاساقفة و الكهنة و الشمامسة. كانت الكنيسة تمتلء الى آخرها في قداديس الأحد والأعياد للدرجة التي يجري فيها فتح (التختبنت) وهو ، موقع الجلوس والكراسي الأضافية في نهاية الكنيسة وعلى علو من الأرضية.
كهنتها والأبوان موسيس وفيليب
في كنيسة بهذا الحجم و في منطقة بهذه الكثافة فأن اعداد الكهنة والخدام فيها كان كبيرا ويذكرالأب (نظير دكــو) انه وصل في فترة ما الى (18) كاهن مقيم فيها. وقد شهدت سني الخمسينات والستينات بروز كاهنان تركا بصمتهما على الرعية وتأريخ الكنيسة حتى يومنا هذا. كان الأول، الأب قرياقوس موسيس، ولقبه ابناء الكنيسة والمنطقة (ابونا عنتر)، بسبب من وقاره الكبير ودفاعه الصلب عن المعتقد المسيحي تجاه الرياح الصفراء التي جاءت بالرئيس (عبد السلام عارف) واستهدافه للمسيحين، ومن بعض ضعاف النفوس الذين كانو يقومون بمضايقة اتباع الكنيسة اثناء مسيرهم للوصول للكنيسة. لقد كان كاهنا متواضعا خدم الكنيسة بكل روحه ووجدانه وقلبه ، لكن من مهازل القدر ان يرحل الأب الفاضل بعد فترة وجيزة من ترقيته الى مرتبة المطران، ونقله الى العماديبة، رحل وهو بعمر (46) عاما فقط . اما الثاني فكان الموسيقار والفنان الرائع الأب (فيليب هيلاي)، هذا الأنسان المتميز بشخصيته الفريدة وعطائها الكبير، للرعية والفن والثقافة العراقية. فقد تخرجت من تحت يده وبأدارته عشرات الفرق التي كانت ترنم في كل كنائس بغداد، وقد نمّى الذائقة الموسيقية لدى المئات، كما كتب موسيقى وألحان معظم المدائح والترانيم الكنسية التي ما كان لها ان تتناقلها الأجيال لولا توثيقها من قبله (وبجهود آخرين ربما لا نعرفهم او لم نسمع بهم ايضا)، كذلك اشتهر بكتابة عشرات المقدمات الموسيقية للمسلسلات والتمثيليات التي كانت تعرض في التلفزيون او تبث من اذاعة بغداد. مع كل هذا السجل، فقد كان خادما متواضعا في كنيسة ام الأحزان، كنيسته المحببة جدا. رحل الأب فيلب في العام 2002 أثر جريمة بشعة ارتكبها (جناة مأجورين)، قاموا بقتله خنقا بالأسلاك الكهربائية وهو في كنيسته التي يخدم بها في منطقة المشتل على اطراف بغداد.
شاهد من اهلها
لقد مـّر على الكنيسة اناس كثر، مابين الرعية والخدام والآباء الكهنة والشمامسة والمرنمين، وقد شاءت الصدف ان التقي بأحد هؤلاء الذين خدموا الكنيسة لسنين كثيرة ابتدأت منذ اوائل الستينات وحتى ايام قليلة قبل ان يغادر العراق الى الغربة، انه السيد "آزاد ايليا حنا" الذي كان يشغل منصب المسؤل الأداري في كنيسة "ام الأحزان". وهو من مواليد رأس القرية، وعاش طويلا في ازقتها ومنها "دربونة الجنابين" التي كانت تطل على شارع الرشيد من الجهة المقابلة لمكتبة مكنزي وبيت اللنج وستوديو ارشاك، وبين نهاية "العكد العريض" من الجهة الثانية. ويتذكر انه شارك في حملة العمل الطوعي التي جرت لترميم الكنيسة في عقد الستينات من القرن الماضي، ويقول حول تلك الأيام، ان حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم كانت قد خصصت مبلغا سنويا لدعم الكنيسة من اجل ترميمها عند الحاجة، لكن بمجئ عبد السلام عارف، فقد قطعت حكومته تلك المساعدات، فقام الأب موسيس بدق ناقوس الكنيسة لمدة نصف ساعة متواصلة، وكان هذا شيئا ملفتا للنظر، فأقبل تجار عكد النصارى والمنطقة المحيطة بالكنيسة لأستيضاح الأمر، فشرح لهم ما جرى، فما كان منهم الا ان تكاتفوا وجمعوا المال اللازم وقدموه للكنيسة بغية القيام بالترميمات اللازمة من اصلاح الجدران وسحب المياه المتراكمة (النزيز) حيث ارتفع منسوبها الى مستوى صار يهدد اساسها من الأنهيار. جدير بالذكر ان الناقوس كان يقرع يوميا عند ابتداء القداس ، اما المرة الأخرى فكان يقرع عند وجود قداس الجناز للموتى، وهذا كان بمثابة اشعار لسكنة المنطقة للتوجه والمشاركة بالصلوات، اما أشهر من قرع الناقوس وخدم في الكنيسة بأخلاص في تلك الفترة فقد كان (الساعور هرمز) او كما نسميه – ســعورا هورمز – فقد استبسل هذا الأنسان في التفاني والعمل وخدمة الكنيسة والكهنة والرعية، خاصة في الأيام العصيبة لسحب مياه (النزيز) الآسنة. ويتذكر السيد (آزاد) ايضا، بيت الكهنة الملحق بالكنيسة ويسمى (قونغ) والبيت الملحق خلفه والذي سكنه البطرك "غنيمة" ومدرسة "راهبات الكلدان" التي اغلقت منذ مدة طويلة وأنتهى الأمر بها الى تأجيرها (بالمساطحة) مع تجار المنطقة. كما يتذكر الكيفية التي تغير فيها سكان تلك المناطق، وزحف الورش الصناعية والمعامل والمحال التجارية ، وأنتقال الناس الى مناطق بعيدة عن الكنيسة،لا بل هجرة الكثيرين نتيجة الحروب والحصار والأزمة التي حلت بالبلد خاصة بعد العام 2003، كما لا يخفي ألمه من المحاولات المستمرة للعديد من التجار الطامعين بعقار الكنيسة، خاصة وأنه يقع الآن وسط منطقة صناعية وتجارية حيوية جدا، ان كان من جهة عكد النصارى الذي صار اكبر سوق للكهربائيات في بغداد او من جهة السوق العربي وحاجة التجار للمساحات الزائدة لغرض الخزن.
ويمضي السيد (آزاد) بالقول، ان الرعية لم تعد تأتي للكنيسة كما كان عهدها سابقا، بل تقتصر زياراتهم في المناسبات، اذ اصبحت مثل المزار، فيما يقام فيها قداس شهري. تعود الكنيسة وملحقاتها بالملكية الى الكنيسة الكلدانية، وهي المسؤلة عنها وعن الحفاظ عليها وترميمها، يذكر ان حملة كبيرة جرت في العام 2005، حيث جرى اصلاح بعض الدعامات(الدنك) داخلها وأعيد طلاء الكثير منها، كما جددت وحسنت منظمة الأنوار الكهربائية،و نصب لها نظام التكييف المركزي. اما في ترتيب الكنائس فأنها تعتبر كاتدرائية، نسبة الى تأريخها وحجمها وموقع الباطريارك فيها. ومما تتميز به هذه (البيعة) ان العديد من جدرانها الداخلية وحتى الأعمدة الخارجية في الرواق قد ضمــّت رفات العديد من رجالات الكنيسة المهمين ومنهم الباطريارك "غنيمة"، و الباطريارك "بولص شيخو" والوزير عبد الجبار خياط وكهنة وشخصيات كثر. وفي تأريخها الطويل زارتها شخصيات عديدة يذكر منها الرئيسان اللبنانيان بشارة الخوري عام 1947 ، وشارل الحلو عام 1967 ووزير فرنسي في زمن الحصار على العراق. ومن الطرائف التي يذكرها السيد (آزاد) عن تأريخها، ان الكنيسة بنيت بحجم صغير عام 1843، وبعدها بسنين وجراء زيادة رعيتها وزوارها فقد اقدمت القيادة الكنيسة على التوجيه لشراء الدور المجاورة والمحاذية لها، فجرى توسيعها ابتداءا من العام 1888 حتى العام 1898 حيث جرى افتتاحها من جديد وبحجمها الحالي. ويذكر ان الحجر والمرمر الذي استعمل في بنائها وبناء دعاماتها والأعمدة كان قد نقل من الموصل مستخدمين(الكلك)، وسيلة النقل المشهورة عبر الأنهر آنذاك.
هل تبوح الجدران بأسرارها؟
ليس من باب الخيال بمكان، لكنها تبقى امنية بأن يتمكن الأنسان يوما ما، أن يتمكن بمجرد ان تلامس اذنيه جدران هذه الكنيسة او أعمدتها ، ان تشي وتبوح له بما مر عليها من بشر وذكريات. بين لعب الأطفال وركاضهم فيما اهاليهم يتبادلون الكلام والأحاديث بعد قداس الأحد حيث كانت الكنيسة تغص بالناس حد التخمة، وبين هلاهل اهالي العرسان الجدد او الأطفال حديثي الولادة حيث يقتبلون ســّر العماذ، او بين آهات وبكاء وصراخ الأمهات والزوجات والأخوات لرحيل عزيز عليهم بعد قداس الجناز وبدء رحلة النهاية نحو مقبرة الكلدان التي كانت قائمة قرب ساحة الطيران ، في الجهة المقابلة ل "تانكي اسالة الماء" ، ومن ثم في المقبرة الجديدة على "طريق بعقوبة". لا اظن ان مسيحيا سكن بغداد، او كلدانيا بالتحديد لم يزر كنيسة "ام الأحزان" ان كان لحضور احد القداديس المهمة في الأعياد، او في درب الصليب او اعتمذ هو بها، او كان والداه قد تزوجا هناك وكتبت اسمائهم في سجلات الكنيسة. لا
اتصور ان احدا لم يسمع يوما بالأب الراحل (موسيس) او كما يحلو تسميته "ابونا عنتر" او الموسيقار فيليب ، او حتى الأب توما مركو الذي بقى يخدم فيها حتى وفاته. اجيال كثيرة مرّت عبر بوابة الكنيسة الغالية، التي تبقى الآن موصدة اغلب ايام السنة، فيما السكون القاتل يلف جدرانها التي كانت تصدح بالترانيم والموسيقى الكنسية الرائعة او بالأدعية من اجل الخير والسلام والمحبة بين البشر.
تفـّرق ناسها بين مناطق بغداد الكثيرة، ومحافظات العراق وحتى دول العالم بقاراته المنوعة، تفرقوا ولا يعرفون ان كانت الحياة ستجمعهم يوما مع حبيبتهم الغالية، كنيسة "ام الأحزان" ام ان قساوة الزمن قد حكمت بأن نبقى بعيدين عن اعـّز ما يمكن ان يمتلكه الأنسان ويكنزه في مسيرة حياته الطويلة، الذكريات والناس والأماكن التي تشكل العمود الفقري والحبل السري لتواصل الأنسان بين ماضيه وحاضره ومستقبله.
بالأمكان استبدال الكثير من الأماكن والبيوت والشوارع، لابل حتى الأوطان، بالأمكان استبدالها، لكن ان تستبدل حارات وطرقات و "درابين" طفولتك وصباك وشبابك، فهذا أمر مستحيل، ويستحيل هذا المنع الى مرارة وغصّة عميقة عند الأنسان حينما يشعر ان الزمن والظروف تسير عكس احلامه وتوقعاته.
"ام الأحزان"
هذه التسمية المختصرة هي احدى تجليات البتول مريم العذراء، ام المسيح، نسبة الى ما عانته من آلام وأحزان جراء العذاب الذي تحمله المسيح في مسيرته للصلب، او عملية صلبه بحد ذاتها، فالتسمية الكاملة للكنيسة هي (( كنيسة مريم العذراء "ام الأحزان" للكلدان الكاثوليك)) ، فيما هناك تجليات أخرى لها مثل، العذراء "سيدة النجاة" والعذراء "ام النعم" والعذراء "ام الهدايا" وغيرها من التجليات.
هل كانت تعلم "ام الأحزان" بحجم الألم والدمار والخوف الذي سيضرب الوطن يوما ما؟
هل تصورت ما سيؤل اليه حال ابنائها وبناتها على يد الجهلة ، وأن رحلة مليئة بالصعاب ستغير حياتهم في الأنتظار والحرمان والغربة؟
ملكة المحبة
ليس صعبا او مستحيلا ان نطلب الأمن لوطننا، ان نطلب السلم لأهله، ان نطلب الخير والبركة والنعم لناسه الطيبين، هذا ليس صعبا ابدا! انه بمتناول الناس، وكل ما يحتاجوه الى ارادة خيرة، الى اناس اوفياء لثقة الجمهور بهم. فمثلما بنــوا الصرح والبنايات والعتبات المقدسة، يقينا يستطيعون بناء الفرح للناس حتى يستمتعوا حقا بالكنوز الروحية التي يضمها العراق بكل محافظاته ومدنه. فما قيمة البناء ان لم يفد الأنسان، انه هو من يجب أن يستمتع به وان يكون هو الهدف من ورائه. ما قيمة اكبر المزارات والمراقد ان كانت مدننا خالية من البشر، هؤلاء المعنيون بغنى كل الموروث الديني للعراقيين، من مسلمين ومسيحين وصابئة مندائيين ويزيدية ويهود وزرادشتية، ومن اتباع كل الملل والديانت المعروفة لنا او غير المعروفة. يبقى الأنسان هو المعني بكل الخيرات، ويجب ان يبقى الهدف من اي عمل نبيل يقدم عليه كل رجالات العلم والثقافة والسياسة والأدب.
هذه دعوة لكنيستنا الفاضلة، ودعوة لوزارة الثقافة ولكل الجهات المعنية بالثقافة العراقية والموروث الشعبي والوطني ، ان كنيسة "ام الأحزان" وغيرها من الصرح، هي مكون من مكونات شخصيتنا العراقية المتميزة. هي ركن، مثلها مثل المعبد اليهودي والجامع والمندي والحسينية و معبد لالش عند الأخوة اليزيدية، مخزن الذكريات والأرتباط الروحي بالأرض والوطن، هي اوطان مصغرة، تكبر عندما نرعاها، وتولد الأحزان حينما تهمل. هكذا هي الروح البشرية، جملة من المشاعر والأحاسيس والذكريات المترابطة.
اليس من حقنا ان نقول كفاية حروب، وفساد وحرمان وتفجيرات وأحقاد بيننا نحن ابناء هذا البلد المعطـــأء؟
يحق لنا، مثلما يحق لكل شعوب الأرض ان تفرح بما عندها من تراث وتأريخ، فهل يكون مسؤلينا بمستوى الحدث؟
هــذا ما نتمناه، منهم ومن شعبنا التواق للأمن والأستقرار والسلام والرفاه.
**
هذه بعض المعلومات التي وردت في موضوعة الأب ((نظير دكو)) والمنشورة في موقع (عينكاوة دوت كوم) 2008/5/1بتأريخ
فعلا ان هذة المنطقة تحوي اقدم المؤسسات المسيحية من ( كنائس و اديرة و مدارس ) و لكن اكثرها اما هدمت او تركت و هي كالتالي :
1. كاتدرائية القديس يوسف للاتين ( مأهولة حاليا من قبل الأخوة الأقباط الأرثوذكس ) .
2. كاتدرائية سيدة النجاة للسريان الأرثوذكس ( مغلقة و بحالة يرثى لها ). 3. كاتدرائية ام الأحزان الكلدانية ( لازالت قائمة و هي اليوم بأبها صورها بعد الترميمات التي طالت كل مرافقها ) .
4. كنيسة الروم الكاثوليك ( هدمت حالياً و شيد عوضا عنها عمارة تجارية / و كانت تسمى كنيسة الدولمة )
5. كنيسة الأرمن ( هدمت و شيد عوضاً عنها عمارة تجارية كبيرة تعرق بسوق الأرمن ).
6. دير الراهبات الكلدانيات ( هدم و حول الى محال تجارية )
7. دير راهبات الدومنيكانيات ( هدم و حول الى محال تجارية ) ا البلد المعطاء؟
يحق لنا، مثلما يحق لكل شعوب الأرض ان تفرح بما عندها من تراث وتأريخ، فهل يكون مسؤلينا بمستوى الحدث؟
هذا ما نتمناه، منهم ومن شعبنا التواق للأمن والأستقرار والسلام والرفاه.
و من اشهر الكهنة الذين خدموا فيها :** # مثلث الرحمات الاب ( المطران ) قرياقوس موسيس ( المعروف بالقس عنتر ) # الأب ( المرحوم ) فيليب هيلاي . # الأب ( المرحوم ) يوسف كادو . # الأب ( المرحوم ) وحيد توما عسكر العنكاوي . # الأب ( المرحوم ) عمانوئيل موسى الراهب . # الاب ( المرحوم ) توما مركو . # الأب صلاح هادي خدور / الأب نضير دكو ( عين عام 1997 و نقل الأب صلاح بعدها بثلاث اشهر الى كنيسة مار ماري ) الكنيسة كانت تحوي في جرد عام 1997 على 850 عائلة كلدانية في مناطق مختلفة توزعت بين : 1. عقد النصارى 200 عائلة . 2. السنك 200 عائلة . 3. المربعة 350 عائلة ( سريان كاثوليك ) 4. الصالحية 65 ( عائلة ) 5. مجمع السلام 400( عائلة كلدان ) 6. أظافة الى عوائل اخرى متناثرة في مناطق باب المعظم و شارع حيفا ...
هناك مؤسسات كنسية لابناء شعبنا في المنطقة ما احوال هذة المؤسسات اليوم , و التي تعتبر احدى اهم الشواهد التاريخية لوجود ابناء شعبنا على هذة الأرض ؟؟؟
**كما لا يسعني الا ان اشكر (عينكاوة دوت كوم) معيننا الذي لا ينضب في المعلومات والمواضيع وقد استعرت بعضا من الصورة في الموضوع المنشور عام 2008 بعنوان :عقد النصارى و أم الأحزان وجهان لعملة.
كمال يلدو
ايلول