ألدنيا تغر، وتضر، وتمر، الدنيا زائلة، وقد جاء في كلام سيدنا علي: << يا دنيا غُرّي غيري، طلقتك بالثلاث، غرّي غيري >> ليس معنى كلامي أن تدع الدنيا، ادرس، أسس عملا، تزوج، الزواج سنة، معنى كلامي ألا تغتر بها، ألا تظنها نهاية الآمال، ألا تظنها محطة الرحال، هي عارية مستردة
بين نقطتين يمر مليون خط منكر، يمر مليون خط منحنٍ، لكن لا يمر إلا خط مستقيم واحد، لهذا قيل: المعركة بين حقين لا تكون، لأن الحق لا يتعدد، والمعركة بين حق وباطل لا تطول، لأن الله مع الحق، أما المعركة بين باطلين فلا تنتهي، وفرق كبير بين معركة لا تكون أصلاً، وبين معركة لا تطول، وبين معركة لا تنتهي.
الآن:
﴿ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ (257) ﴾
(سورة البقرة )
جمع:
﴿ إِلَى النُّورِ (257) ﴾
(سورة البقرة )
أن الإنسان فطر فطرة عالية، وأن منهج الله عز وجل يتوافق مع هذه الفطرة توافقاً تاماً، وأن الشهوات التي أودعها فيه ما أودعها فيه إلا ليرقى بها إلى رب الأرض والسماوات، وقد يهوي بها لأنها حيادية، ولأنه مخير...
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) ﴾
(سورة الشعراء)
ما القلب السليم ؟ القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله، ولا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله، هذه من صفات القلب السليم، السمع مضبوط بمنهج الله عز وجل، إنسان يردّ مليون مقولة، بل ويركلها بقدمه إن خالفت منهج الله عز وجل، عنده حق، عنده ميزان، عنده مقياس.
في الهندسة ؛ بين نقطتين لا يمر إلا مستقيم واحد، حاول أن تمرر مستقيما آخر يأتي فوقه تماماً، لذلك الحق لا يتعدد، والدليل أن الله عز وجل يقول:
﴿ وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ﴾
( سورة الأنعام: 153 )
إنسان يطوف حول الكعبة قال: يا رب هل أنت راضٍ عني ؟ وكان وراءه الإمام الشافعي، قال له: يا هذا هل أنت راض عن الله حتى يرضى عنك ؟ قال له: سبحان الله ! من أنت ؟ قال له: أنا محمد بن إدريس، قال له: كيف أرضى عنه وأنا أتمنى رضاه ! قال له: إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله.
اعتقد يقيناً أن الله يحبك، وأن الله لن يدعك تفعل ما تشاء، من دون أن يربيك، اعلم علم اليقين إما أن تأتيه طائعاً، أو أن تأتيه مضطراً.
حينما تدخل إلى مسجد، وترى في المسجد آلافا فاعتقد يقيناً أن عدداً كبيراً منهم ساقه الله إلى بابه بعد معالجة حكيمة، وحينما يكشف الله لك يوم القيامة عن سر ما ساقه لك من متاعب في الدنيا يجب أن تذوب محبة لله على كل ما ساقه لك.
أ.د. محمد راتب النابلسي