آية الطاعة
قوله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ....))( سورة النساء/ الآية 59)
وظاهر الآية الكريمة يدل على أن الله سبحانه وتعالى أمر بإطاعة أولي الأمر على وجه الإطلاق والجزم في جميع الحالات دون أن يقيد طاعتهم بحالة معينة أو شيء ما ، ومن كان الأمر بطاعتهم على هذا الشكل فإنه يجب أن يكونوا معصومين ، وإلا لما صح الأمر بطاعتهم على وجه الإطلاق وبلا قيد أو شرط .
ولا يمكن لمثلي الخوض في بحر هذه الآية العظيمة ولكن من فضل الله العلي العظيم (تعالى شأنه ) تيسير القرآن للذكر ((وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ))( سورة القمر/ الآية 17)
اذن سيتم التعرض في هذا المبحث المختصر الى بيان صوره من صور معانى الطاعة في الآية المباركة اعلاه
ومن هم مصاديق اولي الامر المعنيين بها , وضمن النقاط الآتية :ـ
1 ـ مفهوم الطاعة:
مفهوم الطاعة بكل أنواع مدلولاته وبأي لغة كان , هو من المفاهيم التي ترافق نشأة الإنسان وابتدائا من مرحلة طفولته وبداية نطقه ونشأته , فمن أوليات ما يتعلمه من والديه وخصوصا والدته أو مربيته هو مفهوم الطاعة وتطبيقاتها , وتختلف طرق التعليم والتوجيه لتثبيت هذا المفهوم في أذهان الأطفال , حسب مدارك الآباء والمربين ومدى مستوياتهم الفكرية
واعتقاداتهم الدينية , فتجد هنالك من يستخدم الحكمة في التوجيه والإرشاد لتركيز مبدأ الطاعة وهنالك من يستخدم بالإضافة إلى التوجيه , الترغيب بأنواع المغريات التي تلاءم مرحلة الطفولة وهنالك من يستخدم العقوبات من ضرب وزجر وتوبيخ وغيرها من اجل تركيز هذا المفهوم ...
المهم إن مفهوم الطاعة يصبح وبصوره مبكرة من حياة الإنسان بديهي المعنى , وفي مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا , فان للطاعة معاني ومداليل واهميه وكيفيه ... وذلك وفق ما يريده الله تعالى شأنه ويقره العقل السليم والذوق الرفيع .
2ـ الطاعة في منظومة الشرائع الإلهية
اـ الطاعة بالمعنى العام :
هي الالتزام مع العمل
وهي أساس الشرائع الإلهية والأحكام الربوبية لأنها محور كل تكليف الهي وقانون وضعي فلا فائدة في تشريع لا تطبيق له .
ب ـ الطاعة بالمعنى الخاص:
هي الإيمان بالله(تعالى شأنه)وبدينه الحق والعمل بأحكامه وشريعته التي انزلها على رسوله الأمين(صلى الله عليه وآله)
وطاعة الله تعالى واجبه بالذات ؛ لان له(جل جلاله) الطاعة المطلقة والحاكمية التامة .
وهنالك فرق بين الطاعة والتطوع , حيث إن الطاعة موافقة الإرادة في الفريضة والنافلة .
والتطوع التبرز بالنافلة خاصة .
واصلها الطوع الذي هو : الانقياد , وروح الطاعة تبرز لدى إلتزام الإنسان بما لا ينسجم مع مصالحه الآنية الذاتية .
وهذا هو المعيار الذي يميّز به المؤمن عن العاصي ، فالإزدواجية في الإلتزام بأحكام الله تعالى ، تدلّ على روح العصيان ، بل أحياناً على عدم الإيمان و بعبارة اُخرى ، إن الإيمان يظهر أثره فيما لو كان القانون على خلاف مصالح الفرد ومع ذلك يلتزم به الفرد ، وإلاّ فان العمل بالأحكام الشرعية ، إذا اتفقت مع المصالح الشخصيّة لا يعتبر افتخاراً ولا علامة على الإيمان ولهذا يمكن تمييز المؤمنين عن المنافقين من هذا الطريق فالمؤمنون يلتزمون بجميع الأحكام ، والمنافقون يذهبون إلى التبعيض
وهنالك أكثر من ثمانين موضعاً خاطب الله المسلمين في كتابه الكريم بهذه العبارة ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)) .
وهذا الخطاب يتضمن إشارة إلى ميثاق التسليم الذي عقدته الجماعة المسلمة مع ربّها بعد الإيمان به ، وهذا الميثاق يفرض على الجماعة الطاعة والإِنصياع لأوامر ربّ العالمين ، والإِستجابة لما يأتي بعد هذه العبارة من أحكام (هذه بعض كلمات علماؤنا , وهم :سيد عبد الأعلى الموسوي السبزواري , وشيخ ناصر مكارم الشيرازي , والشيخ الطوسي, حول الطاعة ).
وعن الكافي والعياشي عن الامام جعفر الصادق(ع) ، والقمي عن الامام محمد الباقر صلوات الله عليهما :
ذكر الله لأهل الطاعة أكبر من ذكرهم إياه ألا ترى أنه يقول (( اذكروني أذكركم)) .
ولذلك قال علماء الأخلاق إن الصبر على ثلاث شعب:
الصبر على الطّاعة: أي المقاومة أمام المشاكل التي تعتري طريق الطاعة.
الصبر على المعصية: أي الثبات أمام دوافع الشهوات العادية وارتكاب المعصية.
الصبر على المصيبة: أي الصمود أمام الحوادث المرّة وعدم الإنهيار وترك الجزع والفزع
وقال مولانا موسى بن جعفر(عليهما السلام) لهشام :
ياهشام ... ولا نجاة الا بالطاعة , والطاعة بالعلم والعلم بالتعلم , والتعلم بالعقد يعتقد ولا علم الا من عالم رباني ومعرفة العلم بالعقل
3ـ من نتائج الطاعة:
للعلماء في تعريف الإسلام تعاريف كثيرة منها : انه تأدية الطاعات على السلامة من الأدغال , ويجب أن تكون جميع نشاطات الإنسان الماديّة والمعنوية في الحياة مشفوعة بالفكر والتدبّر، ويتّضح من هذه العبارة أمران :
الاول ـ إنّ الإنسان إضافة إلى وجوب التسليم أمام أوامر الله يجب أن يُطيع هذه الأوامر عن تفكّر وتعقّل لا عن اتّباع أعمى، وبعبارة اُخرى على الإنسان المؤمن أن يعي أسرار الأحكام وروحها ليس فقط في مجال تحريم الخمر والقمار، بل في جميع المجالات ولو إجمالاً.
ولا يعني هذا الكلام أنّ إطاعة الأحكام الإلهيّة مشروطة بإدراك فلسفتها وحكمتها، بل المراد أنّ الإنسان يجب عليه بموازاة الطّاعة العمليّة أن يسعى إلى فهم أسرار وروح الأحكام الإلهيّة .
الثاني ـ أنّ على الإنسان أن لا يحصر تفكيره في عالم المادّة وحده أو عالم المعنى وحده ، بل عليه أن يفكّر في الإثنين معاً، لأنّ الدنيا والآخرة مرتبطتان وكلّ خلل في أحدهما يخلُّ بالآخر، وأساساً لا يُمكن أن يؤدي أحدهما إلى رسم صورة صحيحة عن الواقعيّات في هذا العالم ، لأنّ كلاًّ منهما هو قسم من هذا العالم ، فالدنيا هي القسم الأصغر والآخرة القسم الأعظم ، فمن حصر فكره في أحدهما فإنّه لا يمتلك تفكيراً سليماً عن العالم
وقد بين لنا أئمتنا الطاهرين(عليهم السلام) الكثير من أسرار ونتائج الطاعة وكيفيتها وأهميتها...
عن سليم بن قيس الهلالي قال : سمعت اميرالمؤمنين عليه السلام يقول : (احذروا على دينكم ...، إلى قوله :
ولا طاعة لمن عصى الله ، إنما الطاعة لله ولرسوله ولولاة الأمر ، وإنما أمر الله تعالى بطاعة الرسول لأنه معصوم مطهر لا يأمر بمعصية ، وإنما أمر بطاعة أولى الأمر لأنهم معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصية ) .
وعن على بن ابراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة عن أبى جعفر عليه السلام قال :
ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرحمن تبارك وتعالى الطاعة للإمام بعد معرفته . ثم قال : إن الله تبارك وتعالى يقول : (( من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما ارسلناك عليهم حفيظا )) .
وفي أصول الكافي على بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس بن عبد الرحمن عن حماد عن عبد الاعلى قال : سمعت أبا عبد الله ( ع ) يقول :
السمع والطاعة أبواب الخير السامع المطيع لا حجة عليه ، والسامع العاصي لا حجة له ، وإمام المسلمين تمت حجته واحتجاجه يوم يلقى الله عز وجل ، ثم قال : يقول الله تبارك وتعالى : (( يوم ندعو كل أناس بإمامهم )) .
وفي كتاب التوحيد بإسناده إلى عبد الله بن الفضل الهاشمي عن أبي عبد الله عليه السلام حديث طويل يقول فيه :
فقلت : قوله عز وجل (( وما توفيقي إلا بالله )) وقوله عز وجل : ((إن ينصركم الله فلا غالب لكم وان يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده)) فحال تبارك وتعالى بينه وبين تلك المعصية فيتركها كان تركه بتوفيق الله تعالى ذكره ومتى خلى بينه وبين المعصية فلم يخل بينه وبينها حتى يرتكبها فقد خذله ولم ينصره ولم يوفقه .
وعن على بن إبراهيم عن أبيه وعبد الله بن الصلت جميعا عن حماد بن عيسى , في كتاب الاحتجاج للطبرسى ( ره ) حديث طويل عن أمير المؤمنين علي عليه السلام يذكر فيه جواب بعض الزنادقة عما اعترض به على التنزيل أجاب عليه السلام عما توهمه من التناقض بين قوله : (( الله يتوفى الأنفس حين موتها )) وقوله : (( يتوفاكم ملك الموت)) ، ((وتوفته رسلنا)) ، ((وتتوفاهم الملائكة))
بقوله(ع) : فمن كان من أهل الطاعة تولت قبض روحه ملائكة الرحمة ، ومن كان من أهل المعصية تولت قبض روحه ملائكة النقمة ، ولملك الموت أعوان من ملائكة الرحمة والنقمة يصدرون عن أمره فعلهم فعله ، وكل ما يأتونه منسوب إليه ، وإذا كان فعلهم فعل ملك الموت ، وفعل ملك الموت فعل الله ، لأنه يتوفى الأنفس على يد من يشاء ، ويعطى ويمنع ويثيب .
4ـ طاعة الله(تعالى شأنه)
لاشك ولا اشكال بان اهم معاني الطاعة , هذه الحقيقة الحقه وهي : إن طاعة الله (عز وجل )واجبه بالذات
فكيف ان طاعة الله تعالى واجبه بالذات ؟
وهنا اتشرف بعرض بعض الدرر الثمينة والجواهر النفيسة من كلمات مولى الموحدين وسيد المتقين وامير المؤمنين علي المرتضى بن ابي طالب(ع) لتحيا بها العقول وتبتهج بها الفطرة السليمة , وتخشع لها القلوب وتتصدع من خشية باريها .
قال امير المؤمنين علي (عليه السلام)( نهج البلاغة / جمع الشريف الرضي /جزء من خطبه رقم1) :
أوّل الدّين معرفته(الله تقدست اسماؤه) ، و كمال معرفته التصديق به ، و كمال التصديق به توحيده ، و كمال توحيده الاخلاص له ، و كمال الاخلاص له نفي الصفات عنه ، لشهادة كلّ صفة أنها غير الموصوف ، و شهادة كلّ موصوف أنه غير الصفة ، فمن وصف اللّه سبحانه فقد قرنه ، و من قرنه فقد ثناه ، و من ثناه فقد جزأه ، و من جزأه فقد جهله ومن جهله فقد أشار اليه ، و من أشار اليه فقد حدّه ، و من حدّه فقد عدّه ، و من قال فيم ؟ فقد ضمّنه ، و من قال علام ؟ فقد أخلى منه .
كائن لا عن حدث ، وجود لا عن عدم ، مع كل شي ء لا بمقارنة و غير كلّ شي ء لا بمزايلة ، فاعل لا بمعنى الحركات والآلة ، بصير إذ لا منظور اليه من خلقه ، متوحّد إذ لا سكن يستأنس به و لا يستوحش لفقده أنشأ الخلق أنشاء و ابتدأه ابتداء ، بلا رويّة اجالها ، و لا تجربة استفادها ، و لا حركة احدثها ، و لا همامة نفس اضطرب فيها احال الأشياء لأوقاتها ولائم بين مختلفاتها ، وغرز غرائزها والزمها اشباحها عالما بها قبل ابتدائها ، محيطا بحدودها و انتهائها ، عارفا بقرائنها و احنائها ....(انتهى)
اذن فهل بعد ذلك من ريب بان لهذا الموجودات صانع البسها لباس الوجود وأسبغ عليها النعم ظاهرة وباطنه ولا يمكن لها الاستغناء مطلقا عنه(جل جلاله) لأنها قائمه بكل شؤونها به (تقدست أسماؤه)
النابع وجوده من ذاته المقدسه الأزلي الأبدي المتصف بجميع الصفات الكمالية الحقيقية الثبوتيه من علم وحياة وقدره...والمسلوب عن ذاته المقدسة كل صفات النقص والاحتياج(السلبية)فهو العلة الحقيقية الغنية المطلقة لكل العلل والمعلولات , فهو الواحد القهار الذي ((مَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ))( سورة المؤمنون/ الآية 91), و(( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ))( سورة الأنبياء/ الآية 22) , الأحد الصمد الذي ((لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَم ُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ , وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ))( سورة البقرة/ الآية255) ...فعلى هذه الحقائق وغيرها كثير , اوليس من البديهي إن لله الطاعة الحقيقية المطلقة التامة , ولا يوجد سواه من يستحق العبادة الخالصة , والدين الخالص , بل إن من نعم الله الكبيرة على عباده توفيق الطاعة ففيها السعادة والشرف والعزة , وهي الروح والريحان والجنة .