29, Aug,2013
سوريا: هل التدخل قانوني ؟
مجلس العموم البريطاني يناقش التدخل
كلايف كولمان _ مراسل بي بي سي للشؤون القانونية
تعبير "القانون الدولي" يعطي الاطباع أنه قائم على بعض الأسس التي أقرتها، واستوعبتها وطبقتها كافة الشعوب. الحقيقة غير ذلك في الواقع.
من الصعوبة إن لم يكن الاستحالة الحصول على تعريفات دقيقة تتعلق بالتدخل العسكري، وليست هناك محكمة دولية جاهزة لاصدار قرار قانوني بالمضي قدما.
لكن هناك إطار يتطور باستمرار يحكم التدخل العسكري على أسس إنسانية، يدعى "مسؤولية الحماية"، ولد من رحم الكوارث الإنسانية في كوسوفو ورواندا في تسعينيات القرن الماضي.
هذا الإطار مقبول على نطاق واسع، ولكن لا إجماع عليه، ويرتكز على ثلاثة مبادئ.
يترتب على الدول حماية رعاياها من الإبادة وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية، وفي نفس الوقت يلتزم المجتمع الدولي بمساعدة الدول على الحيلولة دون وقوع تلك الجرائم.
وإذا توفرت أدلة قوية على وقوع تلك الجرائم وعجزت الدولة عن منعها فعلى المجتمع الدولي أن يستخدم كافة الوسائل السلمية لوضع حد لتلك الجرائم.
إذا فشلت الوسائل السلمية فبالإمكان استخدام وسائل عسكرية.
ومن أجل ضمان الشرعية الكاملة ينبغي الحصول على تفويض من مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة.
في الحالة السورية هناك دولة أو أكثر من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن ممن يعارضون التدخل، مما يعني عدم توفر الإجماع.
"تحالف الراغبين"
في أوضاع كالتي استعرضناها سابقا يخدم مبدأ "مسؤولية الحماية" الذي يشار إليه بـ "R2P" كإطار قانوني لاستخدام المجتمع الدولي التدخل العسكري كملاذ أخير، من خلال بناء تحالف من دول المنطقة، أو تحالف اصطلح على تسميته "تحالف الراغبين".
هناك عدد من الشروط التي تحكم مبدأ "R2P"، منها توفر أدلة قوية لارتكاب انتهاكات، واستنفاد كافة الوسائل السلمية والدبلوماسية، ويجب أن تستهدف القوة المستخدمة إنهاء الانتهاكات وحماية المدنيين.
بعبارة أخرى هناك حدود لاستخدام القوة، لكن اذا توفرت الشروط يكون الاستخدام المحدود والهادف للقوة مبررا في القانون الدولي، حسب بعض المحامين والمعلقين.
لكن التدخل العسكري منوط بالحكومات لا بالمحامين، عليها اثبات أن المتطلبات القانوني للتدخل العسكري متوفرة، وفي حالة سوريا ستقول الحكومات ان الانتهاكات مستمرة وان جميع الوسائل السلمية لايقافها قد استنفدت وان العمل العسكري المحدود قد يحقق هدفين: إنهاء الانتهاكات وحماية المدنيين.
قانونيون: هل يوجد أساس قانوني للتدخل العسكري في سوريا؟
هل يوجد مسوغ قانوني لضرب سوريا؟
قد تفضي مزاعم استخدام النظام السوري أسلحة كيمائية ضد مدنيين إلى رد فعل عسكري أمريكي. لكن مع اعتراض روسيا والصين، قد لا يبدي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تأييدا للخطوة، وهو ما يطرح تساؤلا بشأن الأساس القانوني للتدخل العسكري.
ويطرح هنا مجموعة من الخبراء وجهات نظر بشأن الأساس القانوني للضربة العسكرية في حالة غياب قرار أممي.
جيوفري روبرتسون، محامي دولي في حقوق الإنسان
لا يوجد ما يدعو على الإطلاق لقرار يصدره مجلس الأمن للموافقة على تحركات ترمي إلى وقف أو معاقبة أو ردع جريمة ضد الإنسانية.
بيد أن استخدام أي قوة يجب أن تكون نسبية ويجب أن يكون هدفها هو ردع سوريا ومنع استخدامها غازات سامة في المستقبل. وهذا ما يعني التحرك العسكري المحدود للغاية، وربما اغلاق القواعد الجوية مع التهديد بتعزيز التحركات في حالة استخدام المزيد من الغازات السامة.
فليس من الممكن أن يحظر العالم استخدام أسلحة كيمائية ثم يقف مكتوف الأيدي حيال استخدم دولة ما لها وقتل مدنيين.
ويبرز عبء تقديم الدليل على أولئك الذي يرغبون في استخدام القوة من حيث إثبات تورط سوريا دون شك.
وسيكون من الأفضل تقديم الدليل أمام محكمة دولية، وقد تكون هذه الخطوة في حد ذاتها مبكرة وقد يلزم تقديم الدليل أمام مجلس الأمن، واذا قبل معظم الأعضاء ذلك فسيكون بالإمكان المضي قدما في استخدام القوة بهدف الردع..
سيجرون سكوغلي، رئيس كلية الحقوق بجامعة لانكستر
يلزم تناول الوضع في سوريا من خلال ميثاق الأمم المتحدة. فإذا قرر مجلس الأمن أن الوضع يمثل خرقا أو تهديدا للسلام والأمن الدوليين، فسيتوافر لديه حجة التفويض التي تحدد استخدام الوسائل العسكرية الرامية لاستعادة السلام والأمن إن لم تفلح الوسائل غير العسكرية وحدها.
وتحتاج مثل هذه القرارات إلى موافقة جميع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن. وفي الوضع الراهن ليس من المحتمل أن توافق روسيا والصين على مثل هذه الاجراءات. ومن ثم فإن قانونية التدخل دون موافقة صريحة من مجلس الأمن – التدخل لأغراض إنسانية – سيصبح محل شك.
ولا يعد التدخل بدون موافقة مجلس الأمن شرطا في ميثاق الأمم المتحدة، غير الدول يجب عليها بمقتضى هذا الميثاق تعزيز وتشجيع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
وإذا ارتكبت السلطات السورية جرائم قتل جماعية استهدفت سكانها، فستكون قد ارتكبت جرائم ضد الإنسانية. وفي مثل هذه المواقف، يكون لزاما على الدول اتخاذ تحرك واضح على أساس مسؤولية توفير الحماية، بعد موافقة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، دون أي أحكام قانونية صارمة.
غير أن هذه التحركات يلزم اتخاذها بطريقة تقلل على الأرجح استمرار المعاناة الإنسانية للسكان، وقد لا تكون الحملة العسكرية ردا مناسبا في مثل هذه الظروف.
وقد يمثل التدخل الغربي عذرا يدفع السلطات السورية إلى ارتكاب المزيد من الجرائم البشعة ومن ثم تفاقم المعاناة.
روبرت ماكوركودال، مدير المعهد البريطاني للقانون الدولي والمقارن
يخضع استخدام القوة من جانب دولة ما في وضعية تمثل تهديدا للسلام والأمن الدوليين، كما في حالتنا هذه، لميثاق الأمم المتحدة. وهذا يتطلب موافقة مجلس الأمن الدولي كي تكون الخطوات قانونية (ما لم تكن بهدف الدفاع عن النفس).
وتؤخذ هذه الموافقة في الاعبتار حتى وإن توافرت وجهات نظر مغايرة، كما حدث في التدخل ليبيا عام 2011. وعدم وجود هذه الموافقة هو سبب اعتبار استخدام القوة المسلحة في العراق عام 2003 غير قانوني.
وإن توافر دليل نزيه يتسم بالقوة يشير إلى استخدام الحكومة السورية أسلحة كيمائية فذلك سيمثل انتهاكا للقانون الدولي يبرر تحركا دوليا قانونيا.
وقد تستخدم الدول مجموعة من التدابير غير العسكرية مثل المساعدات الإنسانية التي تؤثر على المواطنين، وضرورة عدم تقديم دول أي دعم عسكري لدول تقوم بمثل هذه التحركات ضد مواطنيها.
وثمة حجج تشير إلى احتمال اجراء تدخل مسلح لدواعي انسانية، كما حدث من تبرير خلال التدخل في كوسوفو عام 1999، أو كجزء من مسؤولية الدولة لحماية جميع مواطنيها من ضحايا جرائم الحرب والابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية والتطهير العرقي بوصفه انتهاكا مجمعا وممنهجا لحقوق الانسان، وهو ما كان سببا جوهريا لبعثة حفظ السلام الأممية في دارفور عام 2006.
دابو أكاندي، محاضر بكلية حقوق أكسفورد
إن لم يكن هناك اي تكليف من مجلس الأمن الدولي لاستخدام القوة، فسيكون من الصعب للغاية الاحتجاج بقانونية أي استخدام للقوة.
ويبرز تحرك بريطانيا قدما بوصفه الأقرب إلى الأساس القانوني، وهي عقيدة التدخل لأغراض إنسانية، أي فكرة السماح باستخدام القوة عندما تبزغ حاجة إنسانية ملحة.
لكن هذه الرؤية للقانون الدولي ترفضها معظم الدول، حتى الولايات المتحدة، كما أن عقيدة "مسؤولية توفير الحماية" لا تهيئ الحق القانوني للتدخل بدون موافقة مجلس الأمن.
ويختلف الوضع السوري عن كوسوفو، حين استخدمت الولايات المتحدة القوة لدواع إنسانية. ففي كوسوفو لم يفوض مجلس الأمن استخدام القوة بل قال إن ميلوسوفيتش يتعين عليه أن يفعل أشياء بعينها، كما قالت الولايات المتحدة إن (تحركاتها) كانت جزءا من تطبيق إرادة المجلس.
وفي حالة سوريا ليسوا حتى قادرين على جعل مجلس الأمن يطلب هذه الطلبات.