TODAY - 12 April, 2011
معرض عن طفولة نابليون الثاني الذي ولد وفي فمه ملاعق من ذهب
حمل لقب «فرخ العُقاب» واشتهر به بفضل مسرحية من بطولة سارة برنار
مجموعة من المعروضات
باريس «الشرق الأوسط»
مع أولى بوادر الطقس الربيعي، صار في إمكان الباريسيين الخروج في نزهات إلى الضواحي والمدن التاريخية القريبة من العاصمة، وحضور مهرجانات ومعارض، لا يكاد يمر أُسبوع من دونها. وفي فونتنبلو، المدينة الصغيرة التي تبعد 60 كيلومترا إلى الجنوب من باريس، يقام في قصرها الملكي معرض فريد من نوعه، يركز على طفولة الإمبراطور نابليون الثاني، نجل القائد العسكري نابليون الأول من زوجته الثانية الأميرة النمساوية ماري لويز. إنها، إذن، طفولة إمبراطور ابن إمبراطور، وحفيد ملك النمسا من ناحية الأُم. أي أنه من أولئك الذين يقال عنهم إنهم ولدوا وفي أفواههم ملاعق من ذهب. حمل منذ ولادته، عام 1811، لقب «ملك روما»، ثم «أمير بارما»، قبل أن يمنحه جده الملك لقب «دوق رايشتاد». كما جلس على العرش، لفترة وجيزة، تحت اسم نابليون الثاني، عند تخلي أبيه عن الحكم. ويبقى اللقب الأكثر شبها به هو «العُقيب»، أي العُقاب الصغير، على الرغم من أنه عرف به بعد وفاته منفيا عند جده في قصر «شونبرون» في فيينا، وعمره فوق العشرين بسنة. وقد انتشر اللقب بين الناس، في ما بعد، بفضل مسرحية كتبها إدمون روستان، صاحب رواية «سيرانو دو بيرجراك»، وأدت دور البطولة فيها الممثلة الفرنسية الشهيرة سارة برنار، عام 1900.
في قصر فونتنبلو الملكي الذي كان سكنا لملوك فرنسا ويعود تاريخ إنشائه إلى القرن الثاني عشر، يمكن للزائر أن يشاهد ثياب الطفل الإمبراطوري الذي كان العاملون في البلاط يخاطبونه بـ«صاحب الجلالة» وهو في المهد. كما يضم المعرض قبعاته الكثيرة وجواربه وأحذيته والسلاسل الذهبية التي صيغت لعنق الأمير، وأُرجوحته، ومهده الأول، وعربته الصغيرة، ومصاصاته، وألعابه التي كان يتسلى بها، وأسلحته وسيوفه المقلدة، ووريقاته التعليمية الأُولى، وصوره التي رسمها كبار فناني عصره. فهو قد حمل اللقب النبيل منذ أن أطلق صرخته الأُولى، عقب ولادته. وكان أبوه قد طلق زوجته جوزفين لكي يقترن بالمرأة التي تلد له وليا للعهد. ولما تحققت أُمنيته، أمر فرق المدفعية في باريس بإطلاق ألف طلقة وطلقة، احتفالا بقدوم الوريث، وحسب التقاليد المتبعة عند ولادة أمير ذكر، لأن ولادة الأُنثى كانت تعلن بإحدى عشرة طلقة فحسب.
أنفق البلاط مائة ألف فرنك من الذهب لمواكبة عملية الوضع المتعسرة للإمبراطورة ماري لويز. كما أنفق مثلها ثمنا لثياب الأمير الصغير التي تناقلها عشرات الأطفال الفرنسيين الذين ولدوا من بعده. ويقول دليل المعرض، وهو بالمناسبة الأول من نوعه الذي يخصص بالكامل لمقتنيات طفل دون الرابعة من العمر: إن تلك النفقات لم تكن تساوي الكثير إزاء طفل اشتاق إليه الإمبراطور نابليون طويلا، مثلما انتظرته فرنسا، بلهفة، بل أُوروبا كلها.
لا يمكن للزائر، بعد الاطلاع على تلك الأرقام الذهبية، أن يمر مرور الكرام بثياب الإمبراطور الصغير وتيجانه. إن كل قطعة منها مطرزة بالرموز الملكية وعلامات السلالة، ومحلاة بالدانتيلا الرقيقة ومشغولة بدأب عجيب ومهارة فائقة. وهي قطع فنية و«متحفية» بامتياز، تشهد على براعة سيدة تدعى مينيت، كانت المسؤولة عن تجهيز القصور الملكية بنفائس القماش والخيوط والأنسجة. إن من الصعب التصور أن تلك الثياب قد لبست واتسخت وغسلت وظلت محافظة على رونقها. كيف حفظت ومن سهر عليها ولماذا لم ينهبها العامة ويمزقونها بين الأيدي المتخاطفة، كما يحدث في بلاد أُخرى؟ لقد اعتنت بها الكونتيسة دو مونتسكيو فيزينساك، مربية الأمير والمكلفة بحمله بين ذراعيها، وورثتها من بعدها، وكذلك مدام سوفلو، خادمته الخاصة، واحتفظ سليلو نابليون بها، جيلا بعد جيل، لكي يقدموها للدولة عام 1979. إلى جانب صالة الثياب، عرضت في صالة ثانية لوحات تستعيد مراسم معمودية الأمير الصغير الذي حمل اسم نابليون فرانسوا جوزيف شارل. وهي لم تكن مجرد طقوس دينية، بل كانت استعراضا سياسيا تم إخراجه مثل العروض الفنية الكبرى، في كنيسة «نوتردام».