اللهم صل على محمد وآل محمد الاطهار وعجل فرجهم ورحمنا بهم
في صفحة الحياة قد يمتد إليك من أحدهم معروف، لم يكن يراعي فيه القرابة، ولا مصلحةً معينة، وإنما إنسانيةٌ فاضت بها رحمة الإنسان لأخيه الإنسان، مشهدٌ قد يُقْفَلُ عليه في ذاكرة البعض، لكن آخرين سيجعلون منه مُنبِّهاً مستمراً إلى اللحظة التي يردُّون فيها المعروف، ويُشبِعون نَهَمَ النفس العطشة إلى الوفاء بالجميل، وفي الوفاء هذا تتجمهر صور التعامل بين الإنسان ومخلوقات الأرض، وتقف على أبوابها معاملاتٌ ضخمة، وعهودٌ طويلةٌ وعقود، فهل الوفاء قيمةٌ سهلة حتى تظل حبيسة حروفها؟ أم هي حركةٌ من التفاعل النشط في أوراق الحياة؟ام العمل بالوفاء من اجل مصلحة
وفوائد دنيوية.
دعونا اليوم نتعرف على خُلُقِ الوفاء، ونبحث صور تطبيقه، والوسائل المعينة على التحلي به، ونسألكعادتناهل تطبيقه صعبٌ في أرض الواقع؟ وهل الصداقة والأخوة العميقة تُغنِي عن الالتزام بالوفاء؟
فإن القيمة التي نتناولها اليوم هي من القيم النبيلة، والخصال الجليلة القدر، العظيمة الأثر في صياغة شخصية المسلم فرداً، وفي بناء المجتمع على أسسٍ من الثقة المتبادلة بين أطرافه، وحفظ الذمم، والوفاء بالعهود، وصدق الكلمة، والالتزام بالعقود؛ ولهذا فإن موضوع الوفاء يتصدر في الحقيقة منظومة القيم في هذا الدين الحنيف، وذلك لِما يشتمل عليه في ذاته من معانٍ جليلة لا يمكن أن تستقيم حياة الفرد والمجتمع بدونها، ولأنه يتوسط عِقدَ القيم الرفيعة الجليلة التي تَبنِي مجتمعاً متماسكاً، وتُحقق أخوةً صادقة، وتنشر التعاطف والمودة والرحمة بين أفراد المجتمع، وتعكس حضارةً صادقةً لهذه الأمة، تدعو بعد ذلك إلى الخير، وتبشِّر بالأخلاق والقيم، وتعلنُ شعار الوفاء شعاراً لا تتنازل عنه هذه الأمة مهما كلفها ذلك طالما أنها أعطت وعداً أو التزمت بعهد؛ ولذلك موضوع الوفاء موضوع مهم الذي لا يتحلى بة غير المؤمنين الحق.
والوفاء معلوم، ومع ذلك فإن بعض أهل العلم يحاول أن يعطي الوفاء تعريفاً جامعاً مانعاًكما يقالفيقول بأن الوفاء يعني: إتمام الوعد، والإتيان به بلا نقضٍ، ودون نقص، وهذا يشمل عهد الإنسان لربه تبارك وتعالى، كما يشمل الوفاء بعهوده مع سائر الخلق، ونحن مع أهمية الوفاء بالعهد الذي بين الله تبارك وتعالى وبين العبد المخلوق العابد لله جل وعلا فإننا نريد أن نركز حديثنا أكثر على موضوع الوفاء بالعهود بين الناس؛ ذلك أن الأول واضحٌ ظاهر؛ فإن الناس تَعلَم أن الله سبحانه وتعالى قد أمر عباده بأن يفوا له بعهوده، وعهد الله عز وجل وميثاقه الذي أخذه عليهم هو أن يؤمنوا به، وأن يعبدوه حق العبادة، ولا ريب أن من كان وفيًّا في عهده مع الله عز وجل فإنه يكون وفيًّا بعد ذلك في سائر عقوده ومواثيقه ومواعيده، ومن كان مُخِلاً مضيعاً للعهد الذي بينه وبين الله سبحانه وتعالى فهو لِما سوى ذلك من العهود والمواثيق والعقود أكثر تضييعاً والعياذ بالله.
ولكن نظراً لأن الوفاء بالعهود حينما يكون في معاملاتنا المالية وفي علاقاتنا الاجتماعية.. داخل البيت والمسجد وفي المدرسة وفي الشارع وفي أسواقنا وفي ملتقياتنا ومنتدياتنا الاسلامية فلا ريب أن كل هذه الدوائر هي مما يحتاج إلى قيمة الوفاء؛ لأنها كما قلتُ هي لبُّ الثقة بين الناس، وهي التي تحقق أن تسود الأمانة والصدق علاقات الناس، كما أنها تعلن تَحمُّل الإنسان.. تَحمُّل الوفيّ لمشاق حفظه والتزامه بما عاهد عليه غيره أو بما وعده به أو بما تعاقد عليه مع غيره، وبذلك يسود الوئام والمحبة بين الناس، فالاحتياج إلى الوفاء وإلى الحديث عن الوفاء واضحٌ جلي.
الايات القرأنية تبين والجزاء للموفون بعهودعم والحساب لغير الموفون
قال تعالى
{ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (البقرة:177).
{... وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ...}،
{... أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}،
{... وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ...} (التوبة:111).
{... وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ...} (البقرة:40)
{... وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا } (الإسراء:34)،
{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا...} (النحل:91)
{وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (النحل:92).
{ فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} (التوبة:76-78).
أحببت أن أبين أن الإنسان لازم أول شيء تكون علاقته كبيرة مع رب العالمين حتى يقدر ان يتعامل مع الناس، طبعا حسب معلوماتي أن الوفاء في هذا الزمن صفة نادرة في علاقة الإنسان مع انسان اخر باي صفة كانت..،السبب طغيان الحياة أو النظرة المادية للأمور والمصلحة، فهذه هي التي تؤثر كثيراً، بجانب ذلك ضعف العقيدة في نفوس كثير من الناس؛ لأن هذه تحتاج إلى تضحية، وإلى صبرٍ كبير، وهذا لا يتأتى لشخصٍ ربما تكون عقيدته عقيدة هشة في نفسه. تغلب على الأنانية الموجودة لدى كل شخص.. والآن كما هو معلوم نحن لا نعمم لكن لدى كثير من الناس لغة المصلحة؛ يقول كثير من الناس ما الذي يكلفني أن أفعل هذا الأمر وما فائدتي منه؟! العقيدة النفعية أو هذه اللغة النفعية هي التي توجه وتقوم على أساسها علاقة كثير من الناس (النفع بمقابل)، فهي قد تؤثر.
الله سبحانه وتعالى يقول في يوم القيامة عن الكفار: { فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} (الشعراء:100-102)، يتبين لنا من هذا أن في هذا الزمن عملة الوفاء عملة نادرة، وأن الصداقة تكون نادرة { فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ}.
قال الشاعر:
وإن قلت في شيءٍ نعم فأتِمَّهُ ... فإن نعم حقٌّ على الحرِّ واجبُ
وإلا فقل: لا، تَسْتَرِحْ وتُرِحْ بها .... لكي لا يقولَ الناسُ إنك كاذبُ
وقال آخر:
إن الوفاء على الكريم فريضةٌ ...... واللؤم مقرون بذي الإخلافِ
وترى الكريم لمن يعاشر منصفاً ... وترى اللئيم مجانبَ الإنصافِ
وقال اخر
خليليَّ جربتُ الزمان وأهلَهُ ... فما نالني منهم سوى الهمِّ والعَنَا
وعاشرتُ أبناءَ الرجال فلم أجد ....... خليلاً وفيًّا بالعهود ولا أنا