سيناريو الحرب ضد سورية، بين أمريكا التي يخونها الذكاء وحكمة حلفاء دمشق

رؤية وقراءة المسلة :

إنها الحرب في الشرق الأوسط مرة أخرى.

ومرة أخرى سيكون للمياه دور في هذه الحرب المتوقعة على مدن الصحراء العربية، فمن حرب الخليج، حيث رست بارجات أمريكا ومن معها، عامي 1991 و2003، في الحرب مع العراق، إلى حرب المتوسط حيث تتجه البوارج نحو حرب جديدة ضد سورية.

في المرتين، العراقية والسورية، كانت السلاح أمريكياً وكانت إمارات الخليج هي الدافع والمحرض.. وفي المرتين كان (البعث) بنسختيه هو الحزب الحاكم في بغداد ودمشق.

في المرة العراقية كان هناك سلاح كيمياوي قد جرى استخدامه ضد مدنيين عراقيين لكن الكيمياوي العراقي الذي تورط به صدام بقي أبعد ما يكون عن أن يستخدم كدافع لحربي أمريكا في الخليج، بينما الكيمياوي السوري الذي لم يتأكد بعد تورط بشار الأسد به تقدم على كل شيء ليستخدم كذريعة مباشرة لشن حرب أمريكية جديدة في المنطقة ضد سورية.

أمريكا هي نفسها في الحالين، لكن لا البعث السوري هو البعث العراقي ولا صدام حسين هو بشار الأسد.

في الحرب التي أسقطت صدام عام 2003 كان صدام فرداً، وقد تخلى عنه الجميع، حزبه وجيشه وعشيرته ومدينته وطائفته وقوميته، وهو ما سهّل اسقاطه، بينما يستمر بشار الأسد في السلطة بعد تمرد كبير منذ ثلاث سنوات ضد حكمه، وهو تمرد مدعوم إقليميا ودوليا وبمشاركة تنظيم القاعدة وباشتراك آلاف من المتطوعين الجهاديين العرب والمسلمين، من افغانستان حتى الشيشان مروراً بدول الخليج وبدول المغرب العربي وبجهاديي أوربا.

حزب البعث السوري هو طرف أساسي وفاعل في الحكم السوري، بخلاف ما كان عليه حال البعث العراقي الذي بدا في سنواته الأخيرة ليس أكثر من ديكور تراثي لتزيين قصر الدكتاتورية الفردية الحديث.

وفي سورية لا يتوقف التمترس الشعبي وراء حكومة بشار الأسد فقط عند حدود طائفة الرئيس المهددة بالإبادة في حال تمكن مناؤوها من السلطة، وإنما أيضاً تقف مصائر قوميات وديانات أخرى، كالمسيحين والدروز والكرد، على احتمالات خطرة جراء أي تغيير يطيح بالحكم المدني السوري لصالح حكم ذي صبغة اسلامية، خصوصا أن أبناء هذه المكونات السورية كانوا هدفا لتهديد مباشر وتصفيات مباشرة على أيدي المتمردين السوريين الذين بدأوا تمردهم بشعار: المسيحي ع بيروت والعلوي ع تابوت.

هذه المعادلة الإثنية السورية المعقدة هي السبب المباشر الذي حفظ للنظام سلطته حتى الآن ومنع الغرب وأمريكا من التدخل قبل هذا الآوان، وزاد الوضع تعقيداً تشكّل جبهة النصرة المتشددة ودخول تنظيم (دولة العراق والشام) على الخط، وبما زاد الأقليات تماسكاً وضاعف من مخاوف الغرب الذي أربكه رفض المعارضة السورية و(جيشها الحر) النأي بنفسيهما عن (النصرة) الحليف (اللدود) في القتال ضد الحكومة السورية.

وعملياً على الأرض فإن سورية ومنذ عامين في الأقل هي ميدان لاصطراع إرادات إقليمية لها أذرعها في النزاع السياسي والمسلح الدائر من أجل الحفاظ على السلطة وانتزاعها.

فمقابل جبهة تركيا والعربية السعودية وقطر وبعض الفصائل اللبنانية المناوئة لبشار والداعمة لإرادة وجهد التغيير تقف إيران وحزب اللهاللبناني وبعض الأطراف العراقية من أجل منع التغيير الذي سيخل بالتوازنات القائمة منذ عقود في المنطقة.

في هذا التصارع الإقليمي المحموم تحرص إسرائيل على التفرج من مرتفعات الجولان على ما يحدث في سورية التي تحترق أمامها في مشهد طويلاً ما انتظرته إسرائيل

الحسابات الإسرائيلية تذهب حتماً إلى أن ما سيفضي إليه الحال، قريبا أو بعد سنوات، هو ذكرى دولة مزعجة كانت هنا، وستحتاج إلى ستين عاماً في الأقل لتستعيد توازنها المختل، ستين عاما ستكون كافية لحسم كل شيء لهذه الدولة التي ولدت قبل ستين عاماً أيضاً وبقيت تنتظر طيلة سنواتها الستين لتقف عند هذه اللحظة التاريخية الفارقة.

وبعيداً عن دول الإقليم الشقيقة والصديقة وعن اسرائيل العدو التاريخي، فإن انقساماً آخر في المجتمع الدولي إزاء سورية بدا هو الآخر أكثر دراماتيكية في تصارعه على النفوذ، الصين وروسيا في مواجهة أمريكا وفرنسا وانكلترا وسواها من دول الغرب الأوربي.

روسيا التي بقيت طيلة هذه السنوات قلقة بين دعم حليف استراتيجي، حكومة بشار، وبين تحسّب لكل الاحتمالات تضطر معه أحياناً لمغازلة المعارضة السورية تقف اليوم ومع انطلاق نُذُر الحرب الأممية ضد سورية كما هي روسيا دائماً، وقبلها سلفها الاتحاد السوفيتي، معلنةً عدم تدخلها في أية حرب تشنها أمريكا ضد سورية ومكتفية بالتحذير من التداعيات الخطيرة المحتملة لهذه الحرب.

ولكن كيف ستكون الحرب التي بدت المعارضة السورية في أسرع ما تكون عليه مع أولى بوادر هذه الحرب حين العنت انها ستشن بعد ثماني وأربعين ساعة؟

هذه الحرب ستكون أقرب إلى التدخل الأمريكي الأوربي في ليبيا منها إلى حربي الخليج.. ستكون الذراع الصاروخية بعيدة المدى هي المتحكمة فيها بعيداً عن الميدان الأرضي المباشر، الآن في الأقل، وذلك لدك مواقع ستراتيجية من شأنها أن تضعف القبضة الحكومية السورية ضد مناوئيها. ستعمل أمريكا على أن لا يكون تدخلها مباشرا في حسمه الصراع، لكنها ستخلّ بالموازنة التي رجحت كفة الحكومة خلال الأشهر الأخيرة، وربما ستكون أمريكا أكثر ذكاءً،وهي التي كثيرا ما يخونها ذكاؤها، فتعمل على توجيه ضربات مركزة ضد مواقع (النصرة) و(دولة العراق والشام) فصيلا القاعدة على الأرض السورية وذلك بالطريقة التي دكت بها معاقل متشددي أنصار الإسلام في كردستان العراق أثناء حرب 2003.

وإذا ما بقي السيناريو الأمريكي بهذه الحدود، وهو سيناريو محكوم بمراعاة الطبيعة الإقليمية للصراع في سورية، فإن التحكم بضبط الأعصاب من قبل حلفاء سورية الإقليميين يبقى ممكناً ولكن ليس إلى الحد الذي يقترب من خطوط حمر لا ينبغي الإقتراب منها.

الشعور بالخطر الحقيقي يجعل أكثر الحكماء صبراً يعمل على دفع الكل في أتون الخطر نفسه، خطر احتراق الجميع بنار دمشق.