ضربة صاروخية - جوية لسوريا في الأفق.. ثم ماذا بعد؟

المحللون يعتقدون أن هدف هذه العملية العسكرية، قد يتضمّن عناصر جانبية أخرى، خاصة بعد أن بدا واضحاً أن ثمّة توجّهاً لدى القِوى الغربية لتوجيه ضربات أيضاً إلى الجماعات الجهادية الأصولية في سوريا، والتي تنشط أيضاً في العراق، جنباً إلى جنب مع ضرب النظام




بغداد/ متابعة المسلة: تفيد مؤشرات متواترة أن ما كان متوقّعاً، بات مؤكّدا: الضربة العسكرية الأمريكية - الأوروبية لسوريا، ستتمّ خلال الأيام القليلة المقبلة، وربما تأتي مباشرة بعد نشْر التقرير المُنتظر لأجهزة المخابرات الأمريكية حول الهجوم الكيميائي على منطقة الغوطة القريبة من دمشق.
بيْد أن المحلّلين يعتقدون أن هدف هذه العملية العسكرية، قد يتضمّن عناصر جانبية أخرى، خاصة بعد أن بدا واضحاً أن ثمّة توجّهاً لدى القِوى الغربية لتوجيه ضربات أيضاً إلى الجماعات الجهادية الأصولية في سوريا، والتي تنشط أيضاً في العراق، جنباً إلى جنب مع ضرب النظام.
وهذا بالتحديد، ما برز واضحاً في مؤشريْن إثنين: الأول، الاجتماع الموسّع الذي عقده يوم الاثنين 26 أغسطس القادة العسكريون من دول غربية وشرق أوسطية في عمّان (الأردن)، والذي وضع على رأس جدول أعماله خُططاً لإضعاف المنظمات المتطرّفة في سوريا، في الوقت نفسه الذي يتمّ البحث فيه في المضاعفات المُحتملة للضربة العسكرية الغربية ضد سوريا على دور الجِوار (العراق، الأردن، تركيا ولبنان).
والثاني، هو التحذير الذي أطلقته مؤسسة دراسات الحرب الأمريكية (ISW) وثيقة الصِّلة بالبنتاغون، من أن الإكتفاء بتوجيه ما أسمته "ضربة تكتيكية" للنظام السوري، من دون استراتيجية واضحة المعالم، ستكون "من دون جدوى وقد تؤدّي إلى عكس المرجو منها".
النقاط الرئيسية الواردة في دراسة "مؤسسة دراسات الحرب الأمريكية"
- السفن الحربية الأمريكية في شرق المتوسط، باتت مستعدّة لقصف سوريا بصواريخ توماهوك بعيدة المدى. مثل هذا الهجوم، سيتسبّب بدرجات مُتباينة من الأضرار لقُدرة النظام السوري على استخدام المزيد من الأسلحة الكيميائية أو مواصلة عملياته ضدّ المعارضة بشكل فعّال.
- الضربة لن تتمكّن من إزالة القُدرات العسكرية أو الكيميائية للنظام، ولن تُسبِّب أكثر من خفْضٍ مؤقّت في عملياته العسكرية.
- بيْد أن مثل هذا الهجوم، سيكون عديم الفعالية، ما لم يكن جزءاً من جُهد متَّسق لتحقيق أهداف استراتيجية أمريكية عُليا، في مقدِّمتها إلحاق الهزيمة بالمنظمات المسلّحة المتطرّفة في سوريا، لصالح المنظمات المُعتدلة والعِلمانية التي يجب مساعدتها لمُجابهة المتطرِّفين الجهاديين.
- العمليات العسكرية المحدودة بصواريخ توما هوك، لن تحقّق وحدها مثل هذه الأهداف.
في الأثناء، توضح مصادر دبلوماسية أن الولايات المتحدة وحلفاءها، سيكونون مضطرّين بعد الضربة العسكرية، إلى الأخذ برأي مؤسسة دراسات الحرب هذا، الذي تؤيِّده أطراف عديدة في وزارتيْ الخارجية والدّفاع الأمريكيتيْن، كما لدى القوى الإقليمية الشرق أوسطية الحليفة لأمريكا.
وهذه الخطوة، أي إضعاف المنظمات المتطرّفة، ستصبح على أيّ حال حتمية، لأن الغرب لن يسمح بتحويل الضّعف الذي سيطرأ على النظام بعد الضربة، إلى قوة لهذه المنظمات.
سيناريو هذه الضربة بات واضحا حسبما يبدو: قصف بصواريخ كروز "توماهوك" بعيدة المدى من السّفن الحربية الأمريكية، التي تقف الآن في شرق المتوسط قُبالة الساحل السوري، وربما أيضاً من سُفن بريطانية وفرنسية ومن القواعد العسكرية البريطانية والأطلسية، في كل من قبرص اليونانية وتركيا.
القصف المرتقب سيستهدِف بالدرجة الأولى، الدفاعات الجوية والمطارات العسكرية السورية، وقد يشمل أيضاً مقرّات تحكّم وقيادة عسكرية ومدنية سورية، بما في ذلك ربما بعض القصور الرئاسية.
هدف الهجوم، الذي قد لا يستمر أكثر من يومين، سيقتصر على "مُعاقبة" النظام السوري بعد إدانته رسمياً في واشنطن وعواصم القرار الأوروبي الثلاث، باريس ولندن وبرلين، باستخدام الأسلحة الكيميائية في غوطتي دمشق، وحسبما يتردد، لن يتضمّن الهجوم المرتقب العمل لا على تغيير النظام ولا قلب المُعادلات العسكرية الرّاهنة على الأرض بشكل جذري.
ردّ النظام.. كيف سيكون؟
سؤال: كيف قد يردّ النظام السوري على هذا الهجوم؟ الأرجح، أن الجواب سيكون كالمُعتاد، كما مع الهجمات الإسرائيلية السابقة عليه: سنرد في الزمان والمكان المناسبيْن. وهما، كما هو معروف زمان ومكان لا يأتيان أبدا مثلما كان الحال طيلة ثلاثين عاما.
وهذا الأمر بات مؤكّدا، بعد أن أعلنت روسيا صراحة أنها "لن تقاتِل مع أحد في سوريا"، وبعد أن نأت إيران بنفسها عملياً عن مسألة الأسلحة الكيميائية، وبالتالي، سيكون النظام وحيداً هذه المرّة، دولياً وإقليميا، ولن يكون أمامه سوى لعق الضربات واستيعابها، ثم إطلاق الأبواق الإعلامية التي تتحدّث عن الصمود والتصدّي، وأيضاً عن "الحرب الصليبية" عليه.
مُضاعفات أهَـمّ
صحيح أن النظام لن يسقط بعد هذه الضربة، لكنه سيهتزّ بعُنف، ليس فقط بسبب الخسائر العسكرية التي سيُمنى بها، بل أيضاً لأن الضربة الصاروخية ستغل يد النظام في مجال استِخدام أسلحة الدمار الشامل (بما في ذلك صواريخ سكود).
بيْد أن الأهَم حسب مراقبين، هو أن الضربة المتوقّعة، ستدشّن نهاية "النأي بالنفس" التي مارسها الرئيس الأمريكي أوباما عن الأزمة السورية (وباقي أزمات الشرق الأوسط في الواقع)، على رغم الأهوال الإنسانية الهائلة التي أفرزتها هذه الأزمة. فدخول الحمّام السوري، ليس كما الخروج منه، كما يقول المثل الشعبي العربي.
هذا الدخول سيعني أموراً عدّة على الجانبين، الأمريكي والسوري. فهو سيعني أولاً، أن سياسة أوباما الخاصة بالإستدارة شرقاً نحو آسيا - المحيط الهادي والصين، بعيداً عن الشرق الأوسط، ستشهد تعديلات أساسية عليها، إذ لن يكون بمقدور أوباما، حتى ولو أراد، بعد الضربة الجوية – الصاروخية، أن يتنصّل مما يجري في سوريا، بل سيكون لزاماً عليه المتابعة الدقيقة لمُحصّلات ما بعد الضربة، وإلا فإن مخاوف مؤسسة دراسات الحرب الأمريكية من النجاح التكتيكي والفشل الإستراتيجي للضربة، ستُصبح نبوءة ذاتية التحقّق.
علاوة على ذلك، ستؤدّي الضربة كما أشرنا أعلاه، إلى ضعضعة النظام السوري وتقوية شوكة المنظمات الجهادية، التي باتت تلعب في الآونة الأخيرة الدّور الرئيسي في العمليات العسكرية. ولذلك، ستجد إدارة أوباما نفسها مُلزَمة بتقوية المعارضة المُعتدلة السورية، وهذا قد يتعزّز إلى حدٍّ بعيد، إذا ما عمدت الولايات المتحدة إلى قصف تجمّعات جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام، في خِضَم توجيه الضربة العِقابية للنظام السوري.
أما على الصعيد الداخلي السوري، فمن المتوقّع أن تدخل الأزمة بعد الضربة مرحلة جديدة، تتساوى فيها موازين القِوى الدولية والإقليمية بين الولايات المتحدة وحليفاتها وبين روسيا وإيران وحليفاتهما، الأمر الذي يجعل من مسألة الحلّ السياسي الدولي للأزمة، احتمالاً وارداً. هذا ناهيك عن أن الضربة ستؤدّي بالضرورة إلى التدويل العسكري والدبلوماسي الكامل للأزمة السورية.
وهذه النقطة الأخيرة تحديدا، قد تكون المُحصِّلة الأهَم للضربة المُرتقبة.