الحضارة الأشورية
على بعد 5.. كم إلى الشمال الشرقي من بابل وعلى الواجهة الغربية من جبال كردستان العراق التي تقطعها روافد نهر دجلة , في هذه المنطقة الجبلية الوعرة القاسية نشأت دولة تصدّرت التاريخ لمدة (2000 سنة ) تقريبا .. وهي الدولة الأشورية التي نشأت في هذه المنطقة المذكورة القاسية المناخ .
وقد عاش الآشوريون حياة عسكرية شاقة بسبب الظروف الطبيعية الصعبة , مع المعاناة من غزو الشعوب الجبلية المحيطة بهم واستعمارها لهم وخاصة من قبل الميتانيين والحثيين , حتى تحرروا من هذه السيطرة وقاموا بتشكيل حكومة فتية شنت حروبا طاحنه في الجنوب والشرق ، فاستولوا على سومر وبابل وأكاد ، وعلى فينيقية ومصر ، وظل الآشوريون حوالي 2000عام يسيطرون بقوتهم على مناطق واسعة امتدت من مصر حتى طوروس ، وقد مر الأشوريون بثلاثة أدوار- كما جاء في كتاب : العرب واليهود في التاريخ للمؤلف المهندس أحمد سوسة
.1- العهد الآشوري القديم ويبدأ من 3000 - 1595- ق . م وفي هذا العهد بنيت مدينة آشور ولم يكن لهم كيان سياسي واضح وخضعوا للأكاديين ثم استغل بعض أمرائهم في أوائل العهد البابلي القديم وكونوا مملكة مستقلة باسم مملكة أشور .. وقضى عليها حمو رابي ..
2- العهد الآشوري الوسيط : 1595 - 911 ق.م .. عانى الآشوريون من ظروف حرجة في هذه الفترة ، ولكن على الرغم من تعرضهم لهجمات القبائل الآرامية وغزو الشعوب الجبلية كالحوريين والميتانيين ؛ ولكن استطاعوا التغلب على هذه المحن التي ألمت بهم ، وخرجوا منها أقوياء منتصرين على ما حولهم ، ومحافظين على كيانهم السياسي ، وظهر في هذا الدور عدد من الأمراء الأقوياء ، منهم آشور أو بلط الأول 1395 – 1330 ق.م الذي قضى على الحوريين وضم مملكتهم ” ميتا ني ” لملكه ثم توسعت في عهد “ أداد نيراري الأول ” 1300 ق.م وفي زمن ” شلمنصر الأول ” 1276 – 1245 ق.م , توسعت الدولة أكثر نحو الشرق وإلى الغرب والجنوب , ثم أصيبت الدولة بانتكاسة دامت حوالي 130 عاما إلى أن أعاد الملك ” تغلات بلاصر الأول “ 1115 – 1.77 ق.م الذي أعاد للدولة هيبتها وسيطرتها , ولكن ضعفت خلفاؤه من بعده ، وتدهورت أحوال الدولة حتى عام 911 ق.م على أثر تسلم الملك ” أداد ..
3- العهد الآشوري الحديث ، واستمر من عام 911 – 612 ق.م ويقسم هذا العهد إلى دورين : الإمبراطورية الأولى ثم الثاني ، تفصل بينها ما فترة انتكاس وينتهي هذا العهد بسقوط الدولة الآشورية واحتلال العاصمة ” نينوى ” وفي هذا العهد وصلت آشور إلى الذروة إلى أن سقطت ، وقد أسسوا إمبراطورية عظمة وصلت إلى أقصى اتساعها فسيطرت على كافة الهلال الخصيب وآسيا الصغرى وسواحل بحر إيجة ومصر والخليج العربي ومصر وعيلام ، ثم توغلوا في المناطق الجبلية في الشمال والشرق حتى بلاد أرمينية ويمكن تقسيم هذا العهد إلى إمبراطوريتين..
أ-الإمبراطورية الأولى: تمتد بين سنتي 911-824 حكم فيها أربعة ملوك أشهرهم آشور ناصر بال الثاني حكم من 881-859ق م نظم الجيش ودربه وقام بتوسيع فتوحاته في المناطق الجبلية الشمالية الشرقية ووطد الأمن واستولى على موانئ فينيقية وبعض المدن الآرامية ومنها دمشق.
خلفه ابنه ” شلمنصر الثالث ” فورث إمبراطورية واسعة حافظ عليها ، ثم قام بتوسيع الإمبراطورية ، وأخضع الآراميين والفينيقيين وإسرائيل , وأخذ الجزية منهم ثم قام بحملتين على بلاد بابل وانتصر فيها , ولكن في السنين الأخيرة من حكمه ثار عليه أحد أبنائه وقامت حروب أهلية دامت سنوات أضعفت الدولة ، وأصيبت بنكسة قوية وانتهت بموت ” شلمنصر الثالث ” ودامت فترة الانتكاس مدة 85 سنة ، وبعدها نهضت الدولة من جديد ، وقامت الإمبراطورية الثانية ..
ب- الإمبراطورية الثانية – 745 – 612 ق.م . تبدأ بتسليم “ تغلات بلاصر الثالث الحكم عام 745 ق.م وحكم هذه الفترة ستة ملوك وصلت الدولة في عهدهم إلى أوج عظمتها واتساعها , وفي هذه الفترة تم السبي الأشوري لليهود وترحيلهم من فلسطين إلى كردستان من قبل سرجون الثاني – الذي قضى على مملكة إسرائيل نهائيا ، وبقيت مملكة يهوذا الذي انتصر عليها سنحاريب وأخذ الجزية منها .. وقام بتهجير اليهود أيضا من فلسطين إلى كردستان ، وأحل محلهم الآراميين من إقليم حماه , وقد نقش سنحاريب على مسلته ما يلي :
أما حزقيا اليهودي فلم يرضخ لسلطاني فحاصرت مدينة من مدنه عدا القرى التي لا تحصى ، واستوليت عليها كلها ، واستخدمت كافة أنواع الآلات الحربية والمنجنيقات ؛ مما ساعدنا على الاقتراب من الأسوار واختراقها ، وقد أخذنا منهم ” من اليهود ” أكثر من 200ألف رجالا ونساء وأطفالا وشيوخا ,و حزقيا هو شخصه جعلته جليسا في قصره بأورشليم كالطير في القفص ، وأحطته بأكوام من التراب للتضييق عليه وعلى كل من يحاول الخروج من باب المدينة ، وسلمت مدنه التي استوليت عليها إلى ملك اشدود وملك عقرون وملك غزة ” ..هذا ما قاله سنحاريب ، أما ما قالته التوراة على شكل رواية مشوشه فقد ذكرت : صعد سنحاريب ملك أشور على جميع مدن يهوذا الحصينة وأخذها وأرسل ملك يهوذا إلى ملك أشور في ” لخيشب قول قد أخطأت , ارجع عني وما جعلت علي حملته , فوضع ملك أشور على حزقيا ملك يهوذا ثلاث مئة وزنه من الفضة وثلاثين وزنه من الذهب ، فدفع حزقيا جميع الفضة الموجودة في بيت الرب وفي خزائن بيت الملك .
وفي عهد ” أسرحدون ” ابن سنحاريب جهز على مصر واحتل الدلتا ونال أسرحدون من الشهرة أكثر من غيره بسبب احتلاله مصر التي كانت تعتبر أقوى دولة في الشرق القديم ، وعندما قامت الثورة في مصر بزعامة [ ترهاقة ] قضى عليه أشور بانيبال بقوة .. وبعد وفاة هذا الملك العظيم ” آشور بانيبال , دب الضعف في الدولة الأشورية ، وفي عام 612 ق.م و سقطت نينوى على يد السلالة البابلية الأخيرة ، فنهبت ودمرت ومات آخر ملوك الآشوريين وسط النيران في قصره , وعلى ذكر السبي الأشوري لليهود ترتب عليه مشاكل عاصرت قيام الصهيونية واحتلال فلسطين من قبل اليهود ، هذه المشكلة هي ” مشكلة الأسباط العشرة المفقودين من اليهود الذين سباهم سنحاريب ، لقد قام الباحثون اليوم بالبحث والتفتيش عن هؤلاء اليهود المسببين في جبال كردستان ” وعرفت مشكلتهم باسم “ الأسباط العشرة المفقودين ” الذين استوطنوا في كردستان وقاموا ببناء القرى بين السكان الأكراد ، وبقوا منعزلين عن اليهود في فلسطين وفي المناطق العراقية الأخرى غير المناطق الجبلية الكردية , وقلدوا الأكراد في نمط معيشتهم , فعملوا بالزراعة وتربية المواشي متمتعين بحماية رؤساء القبائل الكردية مقابل جزية يؤدوها لهم ،
والمهم ذكره بعد مرور 3200 عام على سببهم , مازلوا يتكلمون بلغتهم الأصلية ” اللهجة الآرامية الغربية القديمة , وقامت الوكالة اليهودية بتشجيع هجرة هؤلاء إلى فلسطين للاستفادة من قوتهم للعمل في الزراعة في فلسطين , وقد أيد الباحثون نقلا عن هؤلاء اليهود الأكراد أنفسهم بأنهم أحفاد اليهود الذين سباهم الأشوريون وقد توصل الدكتور ” غرانت ” الطبيب والمبشر الأمريكي الذي قضى عدة سنوات في منطقة كردستان وتجول في أنحائها التركية والعراقية والإيرانية إلى أن أكثر يهود كردستان هم أحفاد السبايا الآشوريين , ولكنهم أخذوا بتعاليم المسيح بعد ظهوره وعرفوا باسم [ النساطرة ] وقال أيضا حتى إن القبائل اليزيدية الفاطمية في كردستان هم من أحفاد الأسباط العشرة اليهودية , وهنالك دراسات متعددة تبحث تعبة لاهثة حول مصير أولئك اليهود الذين سباهم الأشوريون إلى كردستان … وحول هذا الموضوع يمكن إعداد دراسة خاصة لأنها شيقة ومثيرة للاهتمام ..
الصفات التي اتصف بها الأشوريون :
ظلت أشور اللاعب الرئيسي على أحداث منطقة الشرق الممتدة من مصر حتى طوروس ومن أرمينيا حتى زغروس . وصف الأشوريون بأنهم قوم طغاة لا يعرفون الشفقة والرحمة في حروبهم , لقد استعملوا أقسى أنواع التعذيب وبإعدام الكثير من شعوب المناطق التي احتلوها بوسائل متعددة بدءا من الخازوق حتى سلخ الجلود وهم أحياء , وعاملو الشعوب المغلوبة معاملة أدنى مستوى من الحيوان , وعز بعض الدراسيين قوتهم هذه لأنهم من سكان الجبال الوعرة القاسية المناخ.. والآشوريون أنفسهم عانوا من قسوة الميتانيين والحثيين ، وإذاقوهم أقسى أنواع التعذيب , إلى جانب عبادة الآشوريين لإلههم أشور عبادة منقطعة النظير , وعملهم هذا هو واجبهم اتجاه إلههم أشور لإرضائه ، وكان مقره في مدينة نينوى الذي زاد سكانها على 300000 نسمه وخاصة في عهد أشور بانيبال .
وقال ديورانت ” في كتابه “ قصة الحضارة واصفا الآشوريين بما يلي : إن ظروفهم الخاصة باعدت بينهم وبين النجم المخنث الذي انحدر إليه البابليون ، ولذلك ظلوا طوال عهدهم شعبا محاربا مفتول العضلات ثابت الجنان , غزير الشعر كث اللحى معتدل القامة , يبدو رجالهم في آثارهم عابسين ثقيلي الظل . يطئون بأقدامهم الضخمة عالم البحر المتوسط الشرقي وتاريخهم هو تاريخ الملوك والرقيق والحروب والفتوح والانتصارات الدموية والهزائم المفاجئة وملوكهم كهنه الإله أشور , ومن أعمالهم التي بولغ بها كما بقول ” ديورانت” حول ذلك على أن أول الأسماء العظيمة في تاريخ آشور هو ” تغلان بلاصر الأول ” وكان هذا الملك صيادا ماهرا
وإذا كان من الحكمة أن نصدق أقوال الملوك فإنه قد قتل وهو راجل 120 أسدا وقتل وهو في عربته 800 وجاء في نفس خطه كاتب أكثر ملكية من الملك منه : إنه يصيد الأمم والحيوانات على السواء .وكان حكم هذا الملك رمزا للتاريخ الآشوري كله وصورة مصغرة منه .. حروب وجزيه .. وقد ثار ابن هذا الملك عليه وخلعه ، واستلمت أم الملك الجديدة ثلاث سنين ، وهي المعروفة باسم ” سميراميس ” وهذه أساس الأسطورة اليونانية حول شخصية هذه الملكة ، وقام بوصفها “ديودور الصقلي”وصفاً بديعاً ..وهذه صورة دموية لسنحاريب وجدت منقوشة على إحدى لوحاته , قضى على الفتن وهاجم أورشليم ومصر ونهب تسع وثمانين مدينة و280قرية ، وغنم 729جواداً و1800حماراً و8000ثوراً و800000رأساً من الغنم و2000.8أسيراً وهذه الأرقام التي يظهر فيها الغلو كانت من الأمور العادية لإعطاء صورة عن جبروت وقوة هذا الملك ,
ومن أفعاله أيضا عندما حاولت بابل إثارة الفتن للتخلص من حكمه حاصرها واستولى عليها ، وأشعل فيها النار فدمرها تدميراً ، ولم يكد يبقي على أحد من أهلها رجلاً كان أو امرأة _صغيراً أو كبيرا ، بل قتلهم من آخرهم تقريباً ، ونهبت المعابد ، وحطمت آلهة بابل ، وأصبح مردوك ..الإله الأكبر خادماً ذليلاً للرب آشور ، ولكن كانت نهاية هذا الملك أليمة وبشعة عندما قام أبناؤه بقتله وهو يتلو الصلوات ..
وبمقابل هذه الصورة الدموية ..نجد صورة مشرقة وهي :استلم أحد أولاد سنحاريب من غير القتلة واسمه [عسر هدن] العرش من إخوته السفاحين ,الذي جعل آشور سيد بلاد المشرق , وأفاد عليها الرخاء الذي لم تشهده من قبل ، واسترضى البابليين ، وأطلق آلهتهم الأسيرة وأكرمها ، وأعاد بناء عاصمتهم المخربة ، واسترضى عيلام بتقديم الطعام إلى أهلها ، وكان أول ما قدمه من الإغاثة على هذا النحو عملاً لا يكاد يوجد له مثيل في التاريخ القديم كله , ومات هذا الملك [عسر هدن] وهو سائر إلى مصر لإخماد فتنة فيها بعد أن حكم إمبراطوريته حكماً لم تر له مثيلاً في تاريخها في عدله ورحمته ، وجنى خلفه آشور بانيبال ويسميه اليونان [سردنا بالوس ]ثمرة هذه الأعمال فوصلت آشور من خلال حكمه الطويل إلى ذروة مجدها وثروتها ..
وبعد وفاته ضعفت قوتها ووهنت عزيمتها إلى أن سقطت كما أسلفنا ، وترك لنا الملك آشور بانيبال إحدى لوحاته التي دونت كسجل سنوي لأعماله تنبئ عما فعله بأرض عيلام فيقول:لقد خربت من بلاد عيلام ما طوله سير شهر و25يوماً ، ونثرت هناك الملح والحسك ، وسقت إلى آشور أبناء الملوك وإخوتهم وأعضاء الأسرة المالكة في عيالهم صغيرهم وكبيرهم ، كما سقت منها ما كان فيها من الحطام والإسراف والضياع وجميع أهلها الذكور والإناث كباراً كانوا أو صغاراً ، وما كان فيها من خيل وبقال وحمير ، تفوق في كثرتها أسراب الجراد ,وأخضعت على مدى شهر من الأيام بلاد عيلام بأجمعها ، وأخمدت في حقولها صوت الآدميين ووقع أقدام الضأن والماشية وصراخ الفرح المنبعث من الأهليين ,وتركت هذه الحقول مرتعاً للحمير والغزلان والحيوانات البرية ، ويقال بأنه جيء برأس ملك عيلام القتيل
إلى آشور بانيبال وهو في وليمة مع زوجته في حديقة القصر فأمر برفع الرأس على عمود بين الضيوف ،وظل المرح يجري مجراه ثم علق على باب نينوى حتى تعفن وتفتفت ،أما القائد العيلامي “دنونا”فقد سلخ جلده حياً ثم ذبح كما يذبح الجمل وضرب عنق أخيه وقطع جسمه ووزع هدايا على أهل البلاد تذكاراً لهذا النصر المجيد…فهل هذا تذكاراً أم لإدخال الرهبة في نفوس الناس يقول ديورانت :لم يخطر قط ببال آشور أنه ورجاله وحوش كاسرة أو أشد قسوة من الوحوش, بل كانت جرائم التعذيب والقتل في نظرهم عمليات جراحية لمنع الثورات وتثبيت دعائم الأمن والنظام بين الشعوب المختلفة المشاكسة المنتشرة من الحبشة حتى أرمينيا ,وإلى جاني هذه اللوحات المأساوية المظلمة سترد بعض اللوحات المضيئة في تاريخ هذا الملك كما أوردها “ديورانت”على أن هذا الملك لم يكن مجرد فاتح لا يرتوي من سفك الدماء ..
بل اهتم بالمباني وشجع الفنون والآداب ,فقد بعث إلى جميع أنحاء دولته يدعو المثاليين والمهندسين ليضعوا له رسوم الهياكل والقصور ,وأمر عدداً كبيرا من الكتبة أن يجمعوا وينسجوا كل ماخلفه السومريون والبابليون من آداب ووضع كل ذلك وجمعه في مكتبة نينوى العظيمة ,وقد وجدت كلها سليمة تقريباً رغم مرور 5200سنة عليها ، ويقال إن الملك “آشور بانيبال” أذا فرغ من تأليف ألواحه الأدبية خرج إلى الصيد باطمئنان الملوك وثقتهم بنفسهم وليس معه من السلاح إلا السكين وحربة وقابل الأسد وجهاً لوجه وإذا جاز لنا أن نصدق ما كتبه عنه
معاصروه فأنه لم يكن بتردد قط في أن يتولى قيادة الهجوم عليها بنفسه وكثيراً ما سدد الضربة القاضية بيده ,وقد افتتن به الشاعر “ببرون”ونسج حوله ملحمة تحمل اسمه ، نصفها أسطوري والنصف الآخر تاريخي , صور فيها ما بلغته آشور في عهده من المجد والثروة , وما داهمها بعدئذ من خراب وما حل بمليكها من يأس وقنوط . وقال دبورايف عن الحكومة الأشورية ونزعتها الاستعمارية ما يلي : إذا جاز لنا أن نأخذ المبدأ الاستعماري القائل: إن سيادة حكم القانون ونشر الأمن وازدهار التجارة في العالم يبرر إخضاع كثير من الدول طوعا أو كرها لسلطان حكومة واحدة إذا جاز لنا أن نأخذ بهذا المبدأ كان علينا أن نقر لآشور بذلك الفضل الكبير ، وهو أنها أقامة في غربي آسيا حكما كفل قسطاً من الرخاء والنظام أكبر مما استمتع به هذا الجزء من الأرض قبل ذلك العهد ،
وهذا ما يفعله بوش إذا جاز لنا أن نقيس أيضا كما قاس ديورايت القتل والدمار في سبيل الديمقراطية لاشك أن الإمبراطورية الآشورية شملت أوسع إمبراطورية شهدها عالم البحر المتوسط حتى ذلك العهد .. وفي حال تراخي السلطة المركزية أدى إلى الثورة الشعبية , أو في تراخي دفع الجزية , والأتاوى ، ذلك وضع تقلان فلاصر وسنحاريب خطة سياسية طبقها الاتحاد السوفيتي وغيرة لبدء الخطة تقضي بتهجير أهل البلاد المفتوحة إلى بلاد أخرى بعيده.. كما أسلفنا .وقد اعتمد الآشوريون على الجيش الذي أصبح أقوى جيش بالعالم آنذاك , لأن آشور تعتبر أن أقوى دعامة للدولة هي القوة ، ولذلك سبقت غيرها في فنون الحرب , فهي أول من نظم فرق العرسان والمركبات والمشاة والمهندسين لتعويض الأبنية , وكانوا يجبرون الفنون الحربية بتعبئة الجنود والسرعة في تحريكهم ومهاجمة كل من جيش الأعداء على انفراد , وقد اقتبس ذلك ” نابليون “ واستعار منه أعظم الفائدة في حروبه , وقد طوعوا الحديد وصنعوا منه لباسا للجنود من الرأس حتى الركبتين ،وقد قلدهم بذلك فرسان أوروبة في العصور الوسطى , وكان الملك يقود الجيش في الطليعة مع مركبته الملكية , وقد قيل عن القادة ما يلي:
” لم يكن القواد قد تعلموا أن يموتوا في فراشهم ,,.. إلى جانب ذلك كانت القوة الثانية التي اعتمد عليها الأشوريون هي قوة الدين .. والإخلاص لعبادة الههم “ آشور .فكل شيء في سبيل الإله آشور ولا اله غيرة عندهم ..يبررون القتل والتمثيل في أبشع صورة في سبيل مرضاه هذا الإله آشور .. لأن هذه هي إرادته .. حكومتهم أبعد عن الطابع الدنيوي .. إنها كهنوتية .. ما أشبهها باليهود .عرف عن الآشوريين التمثيل الفظيع بأسراهم .. لا يمكن تبرير ذلك من الناحية الإنسانية .. ولكن هذا هو قانون الحرب .. ونرى ذلك عند كل الإمبراطوريات التي قامت على الفتح والتوسع ..اتبعت أساليب متعددة في القتل والتعذيب .. مثل الإمبراطورية الرومانية .. التي كانت تلقى بالأسرى في باحة المسرح للوحوش الكاسرة تمزقهم وتلتهمهم أمام الحشود من الناس ، وعلى مرأى من الإمبراطور وماشيته ، ويجدون بذلك لذة وتسلية ، أو نشر اليهود لأسراهم بالمنشار .. ولسنا ببعيدين العهد عن أعمال الصليبيين والمغول في نفس المنطقة التي نتكلم عنها ..
وكذلك ما فعلته الحرب العالمية الأولى والثانية التي حصدت الملايين .. وتشهد الآن ما تفعله أمريكا في العراق وأفغانستان إنه لأفظع من الآشوريين .. وبوش في طليعة الدمويين في العالم منذ أن قامت الدولة وحتى الآن ..اهتم الآشوريون بالزراعة .. لوفرة الأنهار والمياه في منطقتهم .. وسبقوا غيرهم في الفن الزراعي ..أقاموا السدود واخترعوا الشادوف .. وجروا المياه على قناطر ، وهم أول من اتبع هذا النظام لجر المياه إلى المناطق الأكثر ارتفاعا .. وأول من أوجد الأقنية ..وعرفوا نظام المصارف ووضعت الفوائد من قبل الممولين حتى 2 % وسكوا النقود المختلفة المعادن , وشجعوا الإكثار من النسل ، وكان الإجهاض عن قصد جريمة تعاقب عليها , وفرضوا الحجاب على النساء المتزوجات تحت طائلة العقوبة ..أن المهتمين بالزراعة وضعوا قوائم تكاد تحتوي على ما كان في الأرض من زراعات وقدموا بذلك العون لعلماء التاريخ الطبيعي من اليونان .
برعوا في صناعة الحلي من جميع أنواع المعادن وبأشكال مختلفة , وكان الأثاث الذي فرشوا به قصورهم ومنازلهم من أحسن ما وجد بالتاريخ والمصنوع من أفخم الأخشاب والمقوى بالمعادن والمرصع بالذهب والفضة والبرونز والأحجار الكريمة , وكان التصوير بالطلاء والممزوج بالغراء وصغار البيض أصبح من الفنون الأشورية الخاصة الذي انتقل إلى بلاد فارس .. وبرع الأشوريون خاصة بفن النقش ..
وقال ديورانت إن فن النقش قديمه وحديثه لم ينجح في نحت الحيوانات نجاح الفن الأشوري .. إنك لا تمل من النظر إلى مكان الحيوانات القوية ونفورها الطبيعي ..
تغلات فلاصر الثالث،
سرجون الثاني،
آشورناصربال
هل هنالك أروع من نقوش سرجون الثاني .. أو نقش اللبوة الجريحة التي أمامك تتحرك من الألم والاحتضار أو مناظر صيد أشور ناصر بال الثاني وأشور بانيبال لأساد , أو منظر اللبوة المستريحة أو الأسد الذي أطلق توا من الشرك , أو نقش أسد ولبوءة يستظلان تحت الشجرة .. كل هذا قد قيل عنه : من أجمل روائع هذا الفن في العالم كله .أما المباني فقد قال عنها ديورانت : كان الأشوريون كالبابليين الأقدمين والأمريكيين المحدثين لاينشدون الجمال في مبانيهم بل كانوا ينشدون العظمة والفخامة في ضخامته ، وقد استخدموا اللبن في مبانيهم .. وانفردوا عن غيرهم بوضع واجهات من الحجارة .. واقتبسوا الأقواس والعقود وعدلوا عليها كثيرا .. وأقاموا الأعمدة والتيجان .. ومهدوا بذلك للفرس واليونان .
وقيل أن أعظم المحاربين الستة من ملوك آشور هم أيضا أعظم البنائين ، منهم مثلا” تغلان بلاصر الأول , بنى هيكلا جاء وصفه كما يلي : جعل داخله متلألئا كعتبة السماء وزين جدرانه باللآلئ تحاكي النجوم المشرقة .. وجعله فخما ذا سناء وبريق أو لتناسق قصر سرجون الثاني أو قصر سنحاريب الذي سماه [ منقطع النظير ] . الذي يفوق في ضخامته كل القصور القديمة .. أو مكتبة أشور بانيبال ودقة تصنيف ها وكأنها صنفت الان
منقول