سأعترف إليكم بحبي للأجنبي، وأبدي كل إعجابي ببضاعتهم وأشعر بالزهو والفخر عندما أرتدي بنطالاً أجنبياً أو أنتعل حذاءاً أجنبياً أو أدخن سيكاراً أجنبياً، ربما من باب الإخلاص والوفاء . فتراني عندما أسافر لأي بلد أجنبي ألتزم بجميع قوانينهم وربما أزيد من جيبي بعض ما يرضيهم ويعجبهم فتجدني لا أعبر إلا من الخطوط البيضاء، ولا أدخن في الأماكن العامة خوفاً من أن يصاب أحدهم بالعطس فأكون أنا سبباً في تلوث البيئة، وأحترم نقاط التفتيش واقف بــ "إجلال" أمام العسكري أو المدني الذي ربما يكون رجل أمن ليفتش كل أجزاء جسدي بما فيها المناطق الحساسة ، هذه الخصوصية التي لا يمتلكها إلا السعداء من أبناء شعبي .
وبعد العودة لدياري تختلف كل تصرفاتي لأني إبن هذا البلد فلا يهمني أن أقذف النفايات في الشارع، أو أن أدخن في الحافلة أو حتى في المشفى وإذا حاسبني رجل الشرطة أنهال عليه بالضرب عندما أرى بنيته أضعف مني، أما أذا كان أقوى مني فاكتفي بالسب والشتم لأنه أضعف الإيمان، وعندما يطلب أحد مساعدةً مني أتغاضى عنه وكأني لم أسمعه، إلا إذا كان أجنبي فسأسخر له كل طاقاتي وأكون سعيداً بتقديم خدماتي الطوعية ولا أريد منه جزاءاً ولا شكورا ، وهذه صفة من الصفات التي يمتلكها أغلب أبناء شعبي وأنا لم ولن أشذ عن القاعدة، وربما يزيدون عني بحسب قدراتهم الفنية ، إحتراما للأجنبي لإحتلاله بلدي ونهب خيراته .
وذات يوم فرحت كل الفرح وكانت ملابسي لا تسعني عندما سمعت دعوة لحَمَلَةِ شهادة دكتوراه بالطب البيطري من قبل خبراء أجانب لعالم الحيوان وبما أنني امتلك حماراً ومن باب التطفل ذهبت لحضور المؤتمر حتى أستفيد من علمهم في تطوير طاقات حماري على قدرة التحمل، إلا أن أحد الحضور الذي كان حاضراً لم يعجبه العجب فراح وجلس بجانب الخبراء فسأله الخبير عن مجال عمله في الطب فرد عليه انه متخرج من كلية الطب البيطري وهو الآن يكمل دراسة الماجستير وكلف بإعداد رسالته عن ( تأثير مستوى الطاقة والبروتين والأحماض الأمينية على الكفاءة الإنتاجية والمناعة عند الفَرّوج ) وقد حضر هنا لغرض الحصول على معلومات تفيد بحثه، فصرخ الخبير بكلمات عربية لاعناً الداعين لهذا اللقاء وأنهى المؤتمر فغضبت كونه فوت عليَّ فرصة لقائي بالأجانب وضيع لحظات كنت أريد بها التحدث عن فصيلة الحمير لما له من فوائد جمة وأساليب تربيته وكذلك ضاع يومي من غير فائدة لقضاء عملي بأرضي .
فقلت عليَّ أن أعوض ما خسرته من هذا اليوم بزيارة حديقة الحيوانات ورحت أربط حماري خارجها إلا أنه رفع قدميه الأماميتين إلى الأعلى مراراً وتكراراً وجحظ عينيه ونهق نهقة ثم ولى هارباً، عرفت أنه خاف من الحمار الوحشي الذي كان على مقربةٍ من مربطه ، رحت أركض خلفه وقمت بضربه لأنه افسد عليَّ نزهة التفرج في عالم الحيوان كما أفسد ذلك الطبيب البيطري عليَّ فرصة اللقاء مع الخبراء الأجانب .
وفي طريق عودتي للبيت إلتقيت بفتاة أجنبية شعرها منسدل، بشرتها شقراء، عيونها زرقاء، نحيفة الخصر ، شبه عارية كلمتني وكلمتها أحسست بحبها فأخذت كل ما في جيبي كهدية حبيب وقالت "روح إلحق خمارك يخمار" فتعجبت كل العجب كيف عرفت أني مخمور، رجعت إلى داري ألعن نساءنا المحتشمات اللواتي لم ترَ أجسادهن نور الشمس.
جاسم الزركاني