التلوث- بعبارة بسيطة- هو تخريب وتدمير ما يحيط بالإنسان من ماء وهواء وحجر وشجر، وهذا التخريب يُخرج الأشياء عن طبيعتها، لتكون سبباً لآفات- ربما تكون قاتلة- تُصيب الانسان والكون.
والتلوث أنواع منه التلوث البيئي: المتمثل بتلوث الماء والهواء والمناخ والحقول والغابات والثروة السمكية والمستشفيات وأنظمة الصرف الصحي وغيرها، وهناك أيضاً التلوث البصري، ويراد به تشويه المناظر التي تقع عليها عين الإنسان، ويشعر عند النظر إليها بعدم ارتياح نفسي، وأيضاً التلوث السمعي، أو الضوضاء وغيرها من صور التلوث الواضحة، وهنالك صور أخرى من التلوث غير بارزة سنتكلم عنها في نهاية المقال.
هذه الملوثات لها تأثيرها الكبير على صحة الإنسان وحياته، والمسبب الأول في كل هذا الخراب هو الكائن البشري، وذلك لسوء استخدامه لما يحيط به، وأيضاً بسبب التوسع الصناعي، والتقدم التكنولوجي، وبالمحصلة فإن الإنسان هو المتضرر الأكبر من تخريبه لبيته الكبير( الكون).
والعراق بعد عام 2003، حصل فيه من التلوث ما لا يمكن التغطية عليه؛ وذلك بسبب آلة الحرب الأمريكية التي لم تتوان عن استخدام الأسلحة المحرمة وغير المحرمة من أجل تحقيق أهدافها على أرض العراق، والخاسر في كل هذه المهزلة هو الانسان المسلوب الإرادة؛ بسبب بطش وطغيان وإرهاب الحكومة، وآخر التقارير التي تحدثت عن التلوث في بلاد الرافدين، هو التقرير الذي نشر يوم 25/7/2013م، حيث أشارت مصادر صحفية إلى أن مؤسسة (ميرسر) وضعت العاصمة بغداد في أسفل درجات السلم العالمي للعواصم النظيفة، حيث جاءت بغداد في الترتيب الأخير للعام الرابع على التوالي، وكانت في التسلسل (221) وعدّتها المؤسسة من أقبح مدن العالم وأكثرها بشاعة.
والديمقراطية المزيفة التي شوهت المشهد العراقي نتج عنها أنواعاً نادرة من التلوث، ويمكن تصنيفها على النحو الآتي:-
1.التلوث السياسي: ويقصد به ضعف الامكانيات الفكرية والخبراتية وغياب المبدئية للساسة في تعاملهم مع الواقع، وعدم تغليب المصلحة العليا على المصالح الدنيا، المتمثلة بالمصالح الشخصية والحزبية والفئوية والقومية، وبالتالي ينعكس آثار هذا التلوث على القرارات والمواقف الصحيحة الواجب اتخاذها.
2. التلوث الفكري: ويقصد به المحاولات الحثيثة الهادفة لتغيير المناهج المدرسية والجامعية؛ ونشر ثقافة غريبة عن الواقع؛ لهدم الفكر الإنساني؛ ولتحقيق أهداف استراتيجية فكرية سياسية غريبة عن روح التآلف المجتمعي العراقي.
3.التلوث الاقتصادي: ويقصد به الخراب المستشري في عموم الدولة العراقية الحالية، حيث الفساد المالي والإداري والعقود الوهمية التي ملأت جيوب غالبية الساسة على حساب الشعب.
4.التلوث الاجتماعي: ويقصد به محاولة غالبية الساسة بث روح الفرقة والتناحر بين العراقيين، ومن ذلك تشجيع الفكر الطائفي والمذهبي والعرقي والقومي.
5.التلوث الأخلاقي: ويقصد به المحاولات الخبيثة الهادفة لاجتثاث القيم الأخلاقية السامية من المجتمع، وأيضاً يراد به استخفاف غالبية الساسة بالقيم والمبادئ والأخلاق.
ما ذكرته هنا هي بعض أنواع التلوث التي خيمت على المشهد العراقي الحالي، وهذا يتطلب من الجميع العمل من أجل تنقية هذه الأجواء الملوثة، وإنقاذ البلاد من هذه الآفات قبل فوات الأوان.
والحل في تقديري لهذه الآفات القاتلة يتمثل بتقوية العمل السياسي للقوى المناهضة للأوضاع المأساوية؛ عبر مشروع متكامل حضاري جامع للعراقيين، ويحافظ على وحدة البلاد، بعيداً عن المحاصصة الحزبية والطائفية والعرقية، وتشجيع الابداع الفكري السياسي بعيداً عن الجمود العلمي والديني، وإفساح المجال أمام الحراك الشبابي بتياراته الفكرية؛ ليأخذ دوره المناسب في العمل السياسي المستقبلي، وصولاً إلى عملية سياسية تقوم على أصول فكرية معتبرة في السياسة الحضارية والخدمية. وأيضاً يكمن الحل في نظام مالي واقتصادي يراعي المشكلة الاقتصادية، ونظام متكامل وفق قواعد صحيحة في ادارة المال والثروات على أن يقنن لهما بمواد دستورية تصف أبعاد المشكلة، وتعطي أطر المعالجة بثوابت محكمة تمكن المشرع العراقي من التعامل مع الواقع خدمة للبلد والناس. وهنالك متعلقات أخرى بالحلول يمكن مناقشتها في قابل الأيام.
هذا الظلام الذي يغلف جمال بغداد سيعقبه نور واعمار وتطور، وأبنائك يا بغداد لن يسكتوا على جريمة تخريبك، وهم عازمون على أن يعيدوا لك مجدك التليد.