بقلم خالد عويس
عددٌ من المعلقين العرب على تغريدات في "تويتر" وكتابات في "فيس بوك"، إلمامهم متواضع للغاية بالسلطة الحاكمة في السودان، وخلفياتها الأيدلوجية، وما فعلته طوال 24 سنة عجافاً في هذا البلد !السودان كان البلد الأول في المنطقة الذي يثب إلى حكمه "الإخوان" عبر إنقلاب عسكري كامل الدسم في 30 يونيو 1989 نفذّه العميد - آنذاك- "الإخواني"، عمر البشير، برعاية مباشرة، وتخطيط دقيق من الزعيم التاريخي للحركة الإسلامية السودانية، الدكتور حسن الترابي، وعلى نحوٍ أدق، "المكتب الخاص" للإسلامويين، وهو المكتب المكلف بمليشياتهم العسكرية وعناصرهم في القوات المسلحة السودانية.السودان في العهد الأول لحكم البشير - الترابي أضحى مسرحاً ومرتعاً للعناصر الإرهابية من حول العالم: بن لادن، أيمن الظواهري، كارلوس، الخُليفي، مصطفى حمزة وغيرهم من الذين استباحوا أرضه وحولوها إلى معسكرات للتدريب تحت نظر الأجهزة السودانية التي باعت لاحقاً كل ملفاتهم إلى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بعد 11 سبتمبر، في مقابل ألّا يصيب الإسلامويين الحاكمين في السودان أذىً جراء ذلك الحادث الدموي الذي زلزل أميركا وجعلها تُكشر أنيابها، وهم الذين جربوا غضبها بعد تفجيري نيروبي ودار السلام في 1998 حين قصفت مصنعاً للأدوية لا يبعد إلا كيلومترات عن القصر الرئاسي ورئاسة الجيش!
كل ذلك، وبعض المتابعين العرب يرون في البشير ورهطه من القوم ذوي الصلاح والتُقى !البشير تسبب في كارثة فصل جنوب السودان بعد مقتل مليوني سوداني في حرب مجنونة، ومقتل 300 ألف سوداني في دارفور، تبعاً للأمم المتحدة، نتيجة تكريس القبلية والاستعلاء الثقافي، وإعدام 28 ضابطاً من كبار ضباط الجيش في العشر الآواخر من رمضان 1990 وبعد ساعات فقط من توقيفهم بتهمة الإعداد لإنقلاب عسكري في واحدة من أبشع الجرائم ! وهو تسبب في إنهيار الإقتصاد السوداني. فالدولار الذي كان يعادل 6 جنيهات فقط في عهد الحكم الديمقراطي (1986 - 1989) يبلغ الآن أكثر من 7 آلاف جنيه بسعر جنيه ذلك الزمان، هذا في ظل إنهيار زراعة القطن، العماد الرئيس للميزانية السودانية، إلى جانب الصمغ العربي، وتصدير الثروة الحيوانية. الإقتصاد الذي إزدهر نسبيا بعد تدفق النفط، تدهور سريعاً بعد أن ذهب جنوب السودان بجلِّ النفط، فيما لم يحسن نظام البشير استغلال موارده، فبددها على أجهزته القمعية وفساد مسؤوليه !والآن، تتكشف عورة نظام البشير بالكامل، لتسقط عنه في نظر الشعب السوداني، وشعوب المنطقة، حتى ورقة التوت الإنسانية، بعد الأمطار الغزيرة التي ضربت البلاد، ولم تستثن الكارثة حتى العاصمة، الخرطوم. العشرات لقوا حتفهم، ومئات الآلاف تضرروا جراء إنهيار آلاف المنازل. في هذا الوقت، كان البشير يحاول جاهداً الوصول إلى طهران حيث الحليف وثيق الصلة بنظامه، بدلا من أن يكون وسط أهله في الكارثة.وحين فشل في الوصول إلى طهران، فضّل أن يتفقد أحوال رعيته الغارقة من على مروحية، هو وكبار مسؤولي دولته التي تأخرت أسابيع عن تقديم أي شىء للمنكوبين !الذي فعل ذلك، هم شباب وشابات تنادوا لمبادرة أطلقوا عليها اسم "نفير"، وتعني النجدة أو "الفزعة" لتقديم العون الذي انتظم السودانيين في جميع أنحاء العالم. وسارعت دولٌ شقيقة وصديقة على رأسها السعودية والإمارات وقطر ومصر والمغرب والجزائر وإثيوبيا واليابان والولايات المتحدة لتقديم إغاثة عاجلة.لكن، حتى هذه الإغاثة لم تسلم من فساد السلطة الإخوانية، حيث اعترف مسؤولوها -مندور المهدي - بتسرّب مواد إغاثية إلى الأسواق.
وفي خضم هذه المحنة كلها، وبدلاً من أن يسارع شباب الإخوان في السودان للمساعدة في عون المنكوبين، كان همهم الأول التظاهر أمام السفارة المصرية ضد وزير الدفاع المصري، الفريق أول عبدالفتاح السيسي، تضامناً مع ضحايا "رابعة العدوية"، في حين كان ضباط الجيش السوداني في استقبال نظرائهم المصريين الذين جاءوا على متن طائرات "الإغاثة" التي أرسلها السيسي!ليس هذا فحسب، فالنظام الآن يعتقل الفرق الميدانية لمبادرة "نفير" لإجبارهم على ارتداء قمصان عليها شعار الحزب الحاكم واسمه أثناء توزيع المواد الإغاثية التي جمعتها "نفير"، أو تسليمها لجهاز الأمن ليتولى هو توزيعها.ويسعى أيضاً لوقف عمل "نفير" بحجة أنها "منظمة" غير مسجلة مع أنها ليست منظمة ولا مؤسسة، هي مجهود طوعي جماعي وقتي ينبغي أن تشكرهم الحكومة المُقصّرة كل التقصير عليه. ليس هذا فحسب أيضاً. فذهنية "الإخوان" تفتقت عن طريقة أخرى لإذلال المنكوبين ببحثها إمكان توزيع الإغاثة العربية والدولية عبر بطاقات مخصصة لذلك، بحيث يعاني السوداني من نكبة الأمطار، ومن إذلال السلطات له!نسبة كبيرة من السودانيين أدركت الآن، بعد سنوات المعاناة هذه كلها، أن "الإخوان" الحاكمين ليسوا مهتمين البتة بالدماء التي سالت في الجنوب، والتي تسيل في دارفور، قدر اهتمامهم بدماء "الجماعة" فقط سواء كان ذلك في مصر أو أفغانستان. وأدركت أن "الإخوان" الحاكمين في السودان لم ينظروا في كارثة الأمطار سوى لمصالحهم هم في التسويق لأنفسهم والتكسب من المحنة. نسبةٌ مقدرة من العرب تدرك ذلك أيضاً. لكن يتبقى مجهود كبير ليبذل من أجل إقناع البقية الباقية بأن "إخوان" السودان الحاكمين، برهنوا على مدى عقدين ونصف على أسوأ أنواع الفاشية والقمع والترهيب والفساد وانعدام الشعور الإنساني.
نقلا عن موقع قناة العربية