بقلم: محمد عبد الجبار الشبوط
أثارت قضية احتجاز الصحافي البرتغالي ديفيد ميراندا الذي يعمل لحساب صحيفة "الغارديان" البريطانية في مطار هيثرو في لندن الجدال القديم الجديد حول العلاقة بين حرية الصحافة وبين مكافحة الارهاب. فالى أي مدى يمكن ان تسمح الدولة الديمقراطية للصحفيين بحرية الوصول الى المعلومات ونشرها؟ والى أي حد يمكن ان تقيد قوانين واجراءات مكافحة الارهاب هذه الحرية؟ وماهو المعيار الذي يحدد الجواب؟ هذه هي المسألة التي تثيرها القضية في اعرق بلد ديمقراطي في العصر الحديث.
كان ديفيد يشتغل على انجاز تحقيق ادى به الى الوصول الى وثائق ومعلومات تعود الى جهاز الامن الوطني لا تحبذ ادارة الجهاز نشرها لأنها تشكل خطرا على الامن الوطني. وكان حين احتجز في مطار هيثرو، بموجب المادة 7 ارهاب، قادما من برلين في طريقه الى محل اقامته في ريو دي جانيرو. واستمر التحقيق معه 9 ساعات افرج عنه بعد ذلك. ويوم امس طلبت السلطات البريطانية من صحيفة "الغارديان" اما تسليمها الوثائق او اتلاف الـحاسوب والاقراص المدمجة التي تحوي هذه الوثائق. يلاحظ ان "الغارديان" استخدمت الفعل ask والفعل request للاشارة الى طلب السلطات الامنية البريطانية. وكما هو معروف يمكن ترجمة الفعلين عربيا بكلمتي التمست او سألت. بمعنى انها لم تستخدم فعل الامر "طلبت" او "امرت". وهذا يدل ايضا على طريقة حضارية ناعمة في التعامل مع هذه المسألة التي ادرجت ضمن العناوين الامنية.
يدور الان نقاش قانوني وسياسي في بريطانيا حول هذه المسألة. لكن النقاش لم يصل الى مستوى توجيه الشتائم والسباب والنقد اللاذع الى الحكومة البريطانية والاجهزة الامنية ذات العلاقة بالموضوع. قصارى التصريحات تدور حول عدم اخبار ميراندا عن سبب احتجازه منذ البداية او مدى توافق المادة 7 ارهاب مع قضيته، اضافة الى مطالبة رئيس الحكومة ووزيرة الداخلية بتقديم ايضاح رسمي الى البرلمان.
ثمة تفهم لضرورات الامن. خاصة وان وزير الداخلية قالت ان الاجراء يأتي ضمن مسؤولية الدولة في الحفاظ على امن المواطنين والبلاد. وبالتالي فان الامن الوطني يشكل سقفا لحرية الصحافة. فاذا ما وصلت الحرية الى هذا السقف توقفت. وهذا ما تشير اليه شروحات المادة 19 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان التي تنص على ان "لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الاراء دون أي تدخل واستقاء الانباء والافكار وتلقيها واذاعتها باي وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية." تقول الشروحات ان الامن الوطني والخصوصية هما القيدان اللذان ينبغي احترامهما اثناء ممارسة حرية التعبير والنشر والوصول الحر الى المعلومات.
نحن معاشر الصحافيين والكتاب نطالب دائما بحرية التعبير والنشر والوصول الحر الى المعلومات. ومطلبنا هذا شرعي، اذ لا يمكن ان نمارس مهنتنا بدونه. وفي نفس الوقت فاننا نضع نصب اعيننا مدى الضرر الذي يمكن ان تلحقه ممارستنا لهذا الحق ان وجد. وعادة ما نمارس رقابة ذاتية على انفسنا لضبط شهيتنا الصحفية نحو الحصول على المعلومات ونشرها.فاذا ما وجدنا ان ذلك يضر الامن الوطني او الخصوصيات توقفنا عن ذلك. فان لم تحقق الرقابة الذاتية هذا الامر، تلفت نظرنا الى ذلك مؤسسات واجهزة ذات علاقة، مثل القضاء والمحاكم والمؤسسات ذات العلاقة بالامن الوطني. ويفترض بنا ان نتعاون مع هذه الاجهزة لأن الحفاظ على الامن الوطني مسؤولية الجميع.