مابين تربية حماري وحقوق الأطفال
لم تكن لي علاقات كثيرة في المجتمع بسبب طبيعة عملي كمزارع عند أحد المتنفذين، ولكن أحيانا أرى مواقفاً يشيب لها رأس الطفل، فعند عودتي من تلك ألأرض بعد ريها، مررت أنا وحماري بمشهد لأطفال لا تتجاوز أعمارهم ثلاثة عشرة ربيعاً وهم يقفون عند نقاط التفتيش عند مداخل المدن متوسلين بالمارة لتصريف بضاعتهم لغرض كسب بعض الأرباح البسيطة لشراء ما يحتاجه لسد قوت يومه، وهي طريقة مشروعة للتسول مضافاً إلى ذلك أنهم تركوا حقهم التعليمي والتربوي، ناهيك عن اختلاطهم بأناس أخلاقهم عجيبة وغريبة الأطوار، فلم أتحمل الموقف وحزنت كثيراً لضياع مستقبلهم وتبادر إلى ذهني تربيتي لحماري عندما كان جحشاً صغيراً وكيف كنت أعامله بلطف وعناية لأنني أعلم أنه لا يقوى على مواجهة الظروف الصعبة، فإزددت ألماً على تلك المقارنة السخيفة.
وعند دخولي إلى المدينة مررت بأطفال يلعبون بحاويات القمامة وآخرون يجمعون من النفاياتِ بعضَ ما يريدونه لا أعرف ألم يكن لهؤلاء أولياء أمور!!! أم أن فاقد الشئ لا يعطيه.
وأنا أواصل مسيري نهق حماري كأنه يجهش بالبكاء على مشهد إمراة وهي تنهال على طفلٍ بالضرب بكل قسوة وصراخه قد ملأ السماء دوياً، وتعاطفاً مع عواطف حماري الذي استنجدني بالتدخل السريع لغرض رفع الظلم المأساوي عن ذلك الطفل رحت أتوسل إلى المرأة طالباً منها أن ترحم صغر سنه، ولكن للأسف قالت لي: إنه إبني ، فعلمت أنها تمتلك رخصة لممارسة البطش وأساليب التعذيب لوليدها ، فنظرت لحماري المتألم وكأنه يبدي إمتنانه على حسن المعاملة التي أُحسِنُها إليه في تربيته.
فاستغفرت ربي وامتطيت حماري ضاحكاً من بؤس عمري الذي لم يجعلني أرى من يزرع الابتسامة على وجوه الأطفال، وصلت البيت ورحت أتابع التلفاز الذي كان يعرض في إحدى القنوات الفضائية برنامج أطفالنا والتربية الصحيحة بما يخص الأطفال فرحت أقارن بين ما أسمع وما شاهدته من تعاسة.
وصلت إلى نتيجة مفادها أن أطفالنا مستثنون من هذه الحقوق.
جاسم الزركاني