منقول
قبل أن ينتهي من قراءة الرسالة، وربما بدون أن يكلف نفسه عناء مطالعتها، يذيّلها بعبارة البراءة المعروفة (كما وصلني). ثم يضغط على زر الإرسال لتصل إلى أكبر عدد ممكن من معارفه وأصدقائه. ولو ألقى نظرة ولو عابرة على فحواها لتردد كثيراً أو امتنع عن إعادة إرسالها. لأن معظم تلك الرسائل التي تحتوي على أخبار ومعلومات ومقترحات في كل شؤون الحياة لا تتسم بالصدقية. فهي مدبرة في مختبرات مهمتها التأثير في الرأي العام.
لا توجد رسالة بريئة. فهي إما دعوة للاستقطاب السياسي، أو مقترح مدبر لممارسة اجتماعية، أو محاولة من فئة متدينة لاكتساب المزيد من الجماهير. وهذا هو منطق الرسائل المتداولة التي تتجاوز كل ذلك إلى الرياضي والفني والثقافي. فكل رسالة هي بمثابة إعلان عن وجود جماعة أو محاولة مكشوفة لتسويق منتج سواء كان ذلك المنتج تجارياً أو ثقافياً أو اجتماعياً.لا توجد رسالة بريئة. فهي إما دعوة للاستقطاب السياسي، أو مقترح مدبر لممارسة اجتماعية، أو محاولة من فئة متدينة لاكتساب المزيد من الجماهير. وهذا هو منطق الرسائل المتداولة التي تتجاوز كل ذلك إلى الرياضي والفني والثقافي. فكل رسالة هي بمثابة إعلان عن وجود جماعة أو محاولة مكشوفة لتسويق منتج.إن تصدير الرسائل على طريقة (كما وصلني) عبر الواتس أب وتويتر يعيد التذكير بالفورورديين، أولئك الذين كانوا يمطروننا يومياً بعشرات بل مئات الرسائل عبر الإيميل من خلال الضغط الدائم على زر Forward إذ لا يتوانون عن إعادة توجيه الرسائل لنا بإفراط، وبدون تدقيق. رسائل لا تخلو من المعلومة والخبر الطازج الهام بالتأكيد. ولكن إلى جانب ذلك ركام هائل من الأخبار البائتة والمعلومات المشوشة والشائعات المنغّصة والصور المفبركة.
لا يمكن لأي معلومة أن ترقى إلى مستوى الخبر ما لم تتأكد من ثلاثة مصادر معتمدة، كما تفترض المهنية الإعلامية. ولذلك تحجم الكثير من المحطات الإذاعية والتلفزيونية وحتى الصحافة عن اعتماد أي معلومة عاجزة عن تأكيد صدقيتها بتعدد المصادر وتنوعها. وهو مبدأ ينبغي على الإنسان العادي أن يقتدي به أو بما يشبهه في حياته اليومية. بمعنى أن يفكر في طبيعة الرسالة التي يستقبلها ولو للحظة قبل أن يعيد إرسالها.
هناك جهات وجماعات ومؤسسات مهمتها تحويل الأفراد إلى صناديق بريد، حيث تشحنهم بالرسائل المدروسة والموجهة وفق استراتيجية بعيدة المدى. فما تريده مؤسسة ما أن يكون أمراً واقعاً بعد مدة، لا تطرحه بشكل مباشر، بل من خلال تهيئة الأرضية المناسبة عبر تسريب الأخبار والشائعات لجس رد الفعل الجماهيري ودراسته عن قرب. وهي أقدر على تقصي منتهى الرسالة وذلك من خلال تحكمها في فحوى الرسالة والوسيط والوسيلة والمتلقي الذي يمثله هنا ذلك الكائن المستعد لنشر الرسالة بدون وعي عند أوسع شريحة بعبارته البائسة (كما وصلني).
هذه الفئة التي لم تتعود القراءة، ولا تمتلك الوقت للتحليل والتمحيص هي الوسيط المستهدف من قبل المؤسسات الكبرى التي تروج لعلاجات ومنتجات طبية غير مختبرة، ولمراكز استشفائية غير معتمدة، ووصفات شعبية لشخصيات تمارس الدجل تحت مظلة وسائل الاتصال الحديثة وهكذا. حيث يتم إيصال كل ذلك الهراء والتضليل للناس المحتاجين في علبة ظاهرها البراءة وباطنها المكر مدموغة بعبارة (كما وصلني).
لا يحتاج الأمر إلى أكثر من دقائق لقراءة الرسالة قبل تدويرها للآخرين. فالنوايا الحسنة لإسعاد الناس والتخفيف عنهم بالمعلومة المطلوبة قد يتحول إلى هدية مسمومة. فكم من مستحضر وكم من منتج وكم من دعوة تم اكتشاف ما وراءها من مكر بعد فوات الأوان، والسبب هو كسل البعض، أو عدم مقدرته على إيقاف الرسالة المشبوهة عنده وعدم ترويجها على نطاق واسع يصعب التنبؤ بمداه. الأمر الذي يستدعي إعادة النظر في سلوك (كما وصلني)