TODAY - April 05, 2011
أكثر من 3 ملايين امرأة معيلة في العراق
غياب الموارد الكافية ألقى بالكثير من العائلات في فقر مدقع
تئن النساء المعيلات في العراق تحت وطأة إنعدام فرص العمل مع إنهيار البنية الاجتماعية وعجز الحكومة عن التكفل برعاية النساء المعيلات وتقديم رواتب مجزية تحفظ لهن الكرامة ولأطفالهن العيش الكريم، حيث وقعت النساء العراقيات مراراً خلال العقود الماضية ضحايا للنزاع المسلح.. واليوم ومع إزدياد اعتمادهن على البنى الإجتماعية المتداعية وجد العديد منهن أنفسهن أمام كفاح من أجل الاستمرار.
عراقية تعمل في ريف بغداد
يؤكد الصليب الأحمر الدولي فرع العراق أن في البلاد مليون إلى مليوني امرأة عراقية معيلة. أما وزير العمل والشؤون الإجتماعية نصار الربيعي فقد رجّح العدد بقرابة 3 مليون امرأة تكافح مع أطفالها للبقاء على قيد الحياة.
ولم تتمكن الحكومات العراقية قبل وبعد 2003 إلى اليوم من توفير حياة كريمة للمرأة العراقية المعيلة.. وعلى الرغم من وجود برنامج الرعاية الإجتماعية وشبكة الحماية الاجتماعية الذي تتكفل به الحكومة العراقية، والذي يشمل العديد من شرائح المواطنين العراقيين المعوزين بما فيهم المرأة المطلقة والأرملة، إلا أن الرواتب الشهرية التي تمنحها الحكومة للنساء المعيلات لا تسدّ رمق الجوع، ولا توفر الرعاية الصحية والتعليم.
معيلات يتحدثن عن معاناتهن
وقالت رنا سمير أرملة وأم لخمسة أطفال "استلم شهريًا راتبًا قدره 180 ألف دينار من شبكة الحماية الاجتماعية، إلا أن الراتب يتبخر حال استلامه، حيث تطير منه أجور وصولي وعودتي إلى المصرف المخصص لاستلام الراتب. وتضيف متسائلة: "لست قادرة على توفير التعليم، ومراجعة الطبيب، وطعام أولادي واكسائهم، وتوفير احتياجاتهم، ولا يوجد من يمد يد المساعدة لا الحكومة ولا الأهل ولا حتى الأقارب، فكيف بمقدور امرأة بدون عمل ووظيفة إعالة عائلة مكونة من 5 أطفال وحدها؟.
أما ام حنين أرملة وأم لأربع بنات فقالت لإيلاف: "أعيل بناتي الأربع وحدي، حيث اعمل منظفة في عيادات الأطباء، ولا أتمكن بالأجر الزهيد الذي أجنيه من توفير احتياجات بناتي الطالبات في مراحل الدراسة الاعدادية والمتوسطة والجامعية، حيث انني أقتر عليهن في كل شيء من أجل تدبير المعيشة اليومية. ولفتت إلى أن راتب الرعاية الإجتماعية لا يلبّي احتياجات بناتها، قائلة: "استلم كل 3 اشهر راتبًا من الرعاية الاجتماعية قدره 120 الف دينار (حوالي الف دولار)، ولولا حاجتي لما استلمته لأننا نتعرض لكل انواع المذلة من سوء تعامل الموظفين معنا والانتظار إضافة إلى عدم منحنا الراتب في بعض الأشهر لفترات طويلة، وهو مبلغ زهيد جدًا، حيث لا توجد عائلة في العراق تستطيع تدبر معيشتها بفتات النقود هذه.
وزير العمل والشؤون الاجتماعية: اكثر من 3 ملايين امرأة معيلة
ويقول وزير العمل والشؤون الاجتماعية نصار الربيعي إن عدد النساء المعيلات يتجاوز 3 ملايين امرأة وفقا لإحصائيات وزارة التخطيط. ولفت الوزير في تصريح لـ"إيلاف" إلى أن دائرة الرعاية الإجتماعية التي تتكفل بدفع رواتب للنساء المعيلات كانت مرتبطة بوزارة العمل، إلا أنه تم فصلها قبل عامين عن الوزارة وربطها بمجلس الوزراء. وقال "لأسباب غير واضحة وقد تكون أسبابا انتخابية تم ربط دائرة الرعاية الاجتماعية والتقاعد بمجلس الوزراء وفصلهما قبل حوالي عامين عن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية".
وأشار الوزير إلى أن وزارته تقوم بتوفير الرواتب الشهرية وتزويد دائرة الرعاية الإجتماعية بها فقط من دون أن تتدخل بالبرامج الموضوعة لزيادة رواتب النساء المعيلات أو تحسينها. لكن الوزير أكد أن وزارته تعمل على إعادة الدائرتين للوزارة من اجل أن تتمكن من توفير برامج لرفع مستوى دخل النساء المعيلات وتحسينها. وفسر الوزير أن دائرة الرعاية الاجتماعية معنية بتوزيع رواتب شهرية على النساء من الأرامل والمطلقات مع فئات أخرى من المواطنين العراقيين.
اما بخصوص المبالغ التي خصصتها وزارة العمل والشؤون الإجتماعية لبرنامج شبكة الحماية الاجتماعية فقد أوضح الوزير الربيعي أن الوزارة خصصت قرابة 980 مليار دينار (حوالي مليار دولار) للرعاية الاجتماعية لعموم المواطنين المستحقين، بما فيها المرأة الأرملة، والمطلقة والمعيلة، كما بيّن أن رواتب المرأة التي خصصتها دائرة الرعاية الإجتماعية للمرأة تفوق المخصصة للرجل، حيث تحصل المرأة على 100 الف دينار مقابل 50 الف دينار للرجل، ويزداد الراتب الشهري كلما زاد عدد الأطفال في العائلة، حيث يصل الى مبلغ قدره 180 الف دينار شهريا. كما أشار الى وجود أكثر من مليون و18 الف مستفيد من رواتب الرعاية الاجتماعية.
مليون أسرة في العراق تعيلها نساء
يقول الصليب الاحمر إن الكثير من النساء في العراق يواجهن تحديات في ما يتعلق برعاية أُسَرهُنَّ وكسب الدخل والمشاركة في الحياة الاجتماعية والمهنية، حيث تزايدت مخاطر وقوعهن في تبادل النيران منذ اندلاع أعمال العنف المرتبطة بأحداث العام 2003، مما أدى الى مقتلهن أو جرحهن أو طردهن من منازلهن ومع مقتل أزواجهن أو غيابهم وقع وزر رعاية العائلة فجأة على أكتافهن.
وتقول كارولين دوييه التي تدير برنامج "النساء والحرب" في اللجنة الدولية للصليب الأحمر- بعثة العراق، إنه "بغض النظر عن ظروف الخسارة فإن مجرد غياب المعيل التقليدي يؤثر مباشرة على وضع العائلة المادي". وتضيف "إن ملاحظات اللجنة الدولية في أنحاء العراق قادتنا إلى الاستنتاج المؤلم بأن غياب الموارد الكافية والمنتظمة على مدى السنوات الماضية ألقت بالكثير من العائلات في فقر مدقع".
وتشير تقديرات اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى وجود بين مليون ومليوني أسرة في العراق تعيلها نساء. ويشمل هذا الرقم النساء اللواتي قتل أزواجهن أو فقدوا (بعضهم منذ 1980)، أو سجنوا. ويأخذ هذا الرقم في الاعتبار المطلقات أيضاً. وكانت هؤلاء النساء في مرحلة ما زوجات أما اليوم فهُنَّ أمهات لأبنائهن أوبنات لآبائهن وفي أحيان كثيرة معيلات يقدمن الرعاية لهؤلاء مجتمعين. وفي غياب الرجل تفتقد النساء الحماية الاقتصادية والمادية والاجتماعية وإلى الدعم. وغالباً ما تناضل هؤلاء النساء مع الذكريات المؤلمة لموت أزواجهن أو اختفائهم وتواجه النازحات منهن تحديات التعامل مع خسارة المنزل الذي اضطررن إلى تركه بسبب التهديدات أو نقص الدخل.
وتشرح دوييه أنه "في غياب فرص العمل والمساعدة من الأقرباء الذين يعانون هم أيضاً الفقر المدقع ومن دون مساعدة أنظمة الضمان الاجتماعي الحكومية يدور الكفاح اليومي لهؤلاء النساء حول تأمين لقمة العيش وإيجاد الموارد لتأمين تكاليف السكن والتعليم والرعاية الصحية". وتضيف"أحياناً يكون الخيار الوحيد أمامهن إخراج الفتية من المدارس وإرسالهم إلى العمل لكسب بعض الدنانير بالكاد تكفي لسدّ رمق العائلة. ونتيجة لذلك تدفع أجيال المستقبل ثمن الأوقات الصعبة التي تشهدها العائلات اليوم ومن دون تعليم سليم لن يكون شباب اليوم مجهزين لمواجهة تحدياتهم الخاصة عندما يُكّونون عائلاتهم في المستقبل.
واطلقت اللجنة الدولية للصليب الأحمر برامج تستهدف مساعدة النساء اللواتي يُعِلن عائلاتهن وحدهن، حيث تحاول منذ عام 2008 إيجاد سبل للمساعدة على تحقيق إكتفائهن الذاتي. وفي الوقت نفسه تتابع اللجنة عن كثب نتائج الجهود المبذولة من قبل الدولة لتطوير أنظمة الضمان الاجتماعي (راتب الرعاية الاجتماعية) للنساء اللواتي يواجهن صعوبات خاصة، كما تشهد على الجهود الرامية إلى زيادة المخصصات والموارد اللازمة لهذه الشريحة الاجتماعية التي تُعَد من الفئات الأكثر ضعفاً. وتشدد دوييه على حجم المشكلة والحاجة إلى إتّباع نهج شامل من قبل الحكومة العراقية بخصوصها.
مساعدات ضعيفة
وتقول اللجنة الدولية للصليب الأحمر إنها قدمت ما بين 2009 و2010 المساعدة لنحو أربعة آلاف امرأة معيلة هُجِّرن من منازلهن، وقد وزعت اللجنة لهؤلاء النساء طرود غذائية ومواد تنظيف في محافظات بغداد وديالى ونينوى.
كما قدمت اللجنة الدولية للصليب الأحمر منحاً عينية للمساعدة على تمويل المشاريع المدرّة للدخل لمصلحة النساء القادرات على أو الراغبات في إدارة هذه المشاريع. وتدار هذه المشاريع التي غالباً ما تنطلق من قلب المنزل كالمتاجر الصغيرة والمحال التجارية والغذائية بالتعاون مع منظمات محلية غير حكومية، وتتم مراقبة هذه المشاريع لأشهر لضمان ديمومتها. وقد أُطلِقت هذه المشاريع منذ عام 2009 في النجف والبصرة وميسان وبغداد، إضافة إلى مساعدة النساء في المعاملات الخاصة بتقديم الطلبات إلى مديرية الرعاية الاجتماعية للمرأة للحصول على الرواتب.
وعلى الرغم من العمل الذي تحاول المنظمات الدولية العاملة في العراق من خلاله مساعدة النساء المعيلات، إلا أن العديد من اولئك النسوة يتساءلن إن كان بمقدور مبلغ مالي قرابته 2000 دولار مثلاً من توفير حياة كريمة للمرأة المعلية وعائلتها، وقالت رنا سمير في هذا الشأن: "كيف يمكن ان يكون العراق من اغنى دول العالم لامتلاكه النفط، ونحن لا نقدر على توفير لقمة العيش، وان كانت الحكومة التي تمتلك ثروة النفط غير قادرة على توفير العيش الكريم لأولادنا فكيف تتمكن منظمات لا تمتلك النفط من حل مشكلتنا؟