عن مرقد الامام علي




النجف ومدفن الإمام عليّ(عليه السلام):
استشهد الإمام أميرالمؤمنين في مسجد الكوفة ليلة الجمعة من اليوم الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك عام أربعين من الهجرة النبوية الشريفة وله من العمر المبارك ثلاث وستّون عاماً على يد الخارجي عبدالرحمن بن ملجم المرادي. وتولّى تجهيزه من الغسل والكفن والدفن، ولداه الحسن والحسين حسب وصيّة الإمام عليّ صلوات الله عليه. وكان الدفن على مقربة من مكان يسمّى بالنجف كما تقدّم.
عن محمّد بن مسلم وسليمان بن خالد قالا مضينا إلى الحيرة فاستأذنا ودخلنا إلى أبي عبدالله(عليه السلام)، فجلسنا إليه وسألناه عن أميرالمؤمنين فقال إذا خرجتم فجزتم الثويّة والقائم وصرتم من النجف على غلوة أو غلوتين رأيتم ذكوات بيضاً بينهما قبر قد جرفه السيل ذاك قبر أميرالمؤمنين. قالا فغدونا من غد فجزنا الثويّة والقائم وإذا ذكوات بيض فجئناها فإذا


القبر كما وصف قد جرفه السيل فنزلنا فسلّمنا وصلّينا عنده ثم انصرفنا فلما كان من الغد غدونا إلى أبي عبدالله فوصفنا له فقال أصبتم أصاب الله بكم الرشاد(8).
وفي البحار الثويّة بفتح الثاء وكسر الواو موضع بالكوفة، به قبر أبي موسى الأشعري والمغيرة بن شعبة. و القائم كأنه بناء أو اُسطوانة بقرب الطريق. و الذكوة في اللغة الجمرة الملتهبة فيمكن أن يكون المراد بالذكوات التلال الصغيرة المحيطة بقبره(عليه السلام). شبّهها لضيائها وتوقدها عند شروق الشمس عليها لما فيها من الدراري المضيئة، بالجمرة(9).
إخفاء القبر الشريف:
أخفى الإمامان الحسن والحسين بعد دفن جثمان أبيهما عليّ(عليه السلام) محل الدفن عن الناس، دون الخواص من الأصحاب. وظل القبر مخفياً طيلة تسعين عاماً ابتداءً من يوم استشهاده في 21 ـ رمضان ـ 40 هـ الواقع أيام خلافة معاوية بن أبي سفيان مروراً بأيام خلافة كلّ من ابنه يزيد بن معاوية (60 ـ 64 هـ) ومعاوية بن يزيد (64 ـ 64 هـ) ومران بن الحكم (64 ـ 65 هـ) وعبدالملك بن مروان (65 ـ 68 هـ) ووليد بن عبدالملك (68 ـ 96 هـ) وسليمان بن عبدالملك (96 ـ 99 هـ) وعمر بن عبدالعزيز (99 ـ 101 هـ) ويزيد بن عبدالملك (101 ـ 105هـ) وهشام بن عبدالملك (105 ـ 125 هـ) ووليد بن يزيد بن عبدالملك (125 ـ 126 هـ) وإبراهيم بن يزيد بن عبدالملك (126 ـ 127هـ) ومروان بن الحكم (127 ـ 132هـ) آخر خلفاء الأمويين الّذين انحسرت خلافتهم عن العالم الإسلامي عام 132 هـ الموافق 711 م عند مقتل مروان بن محمّد واستيلاء العباسيين على الاُمة الإسلامية ابتداءً بأبي العباس السفّاح أيام الإمام الصادق، وعند ذلك انكشف أمر القبر، فصنع
داود بن عليّ العباسي المتوفى عام 133 هـ 712 م صندوقاً للقبر الشريف، وأصبح المرقد الطاهر مزاراً للموالين والمحبّين لآل الرسول.
وبعد أن استلم العباسيون الأمر، وتمكّنوا من الحكم، بدأوا بملاحقة الشيعة والمحبين للعترة الطاهرة وتعذيبهم أيام خلافة المنصور ومحمّد المهدي وموسى الهادي، يقول الشاعر:
يا ليت ظلم بني مروان دام لنا *** وكان عدل بني العباس في النار
فاختفى الزائرون، وضاع القبر الشريف على الكثير من الناس، إلى أن حَانت أيام هارون الرشيد عام 170 هـ 749 م حيث خرج يوماً هارون الرشيد، من قصره في بغداد للنزهة والاصطياد، وبلغ ظهر الكوفة، ووجد كثيب رمل تتجمع عنده الغزلان والحمر الوحشية، فاستغرب ذلك، وتحرّى عن سببه. وعندما سمع إنه قبر الإمام عليّ، توضأ وزار القبر وصلّى عنده ثم بنى قُبّة على القبر، وأصبح مقاماً مباركاً للزائرين والموالين لأهل بيت الرسول إلى يومنا هذا.
والسرّ في إخفاء قبر أميرالمؤمنين(عليه السلام) هو أن الأمويين كانوا حاقدين على آل الرسول شرّ حقد. وإن معظم الخوارج قد اُبيدوا على أيدي عليّ. وأن جيش معاوية كاد أن ينهزم أمام عليّ(عليه السلام) لولا مكيدة عمرو بن العاص الّتي أنقذت معاوية من الدمار والهزيمة المروعة، وأن أصحاب عائشة والزبير كانوا يضمرون الحنق والغيظ تجاه وصي رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ويتربصون بالإمام حياً وميتاً، لكي ينتقموا منه ويشفوا صدورهم البغيضة منه، كلّ هؤلاء تكاتفوا على صبّ غضبهم اللئيم على الإمام أميرالمؤمنين مهما كلّف الأمر.
قال ابن الأثير: (كان بنو اُمية يسبّون أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب إلى أن ولي عمر بن عبدالعزيز الخلاف، فترك ذلك وكتب إلى
العمال في الآفاق بتركه)(10).
وفي (حياة الحيوان) للدميري عند ذكر الأوز ما نصّه (وعليّ أول إمام خفي قبره، قيل ان علياً أوصى أن يخفى قبره لعلمه أن الأمر يصير إلى بني اُمية فلم يأمن أن يمثّلوا بقبره)(11).
(وقيل أن الحجّاج بن يوسف الثقفي عندما ولى العراق عام 75 هـ 654 م من قبل عبدالملك بن مروان، حفر ثلاثة آلاف قبر في النجف طلباً لجثة أميرالمؤمنين(عليه السلام))(12).
ولكنه قد تغيّر الأمر منذ عهد هارون الرشيد، حيث ارتفعت الحواجز والموانع وترك الأمر إلى الناس، فتهافت الشيعة من كلّ صوب وحدب لزيارة أميرالمؤمنين ومجاورته حياً وميتاً لِحثّ الأئمّة(عليهم السلام) مواليهم على ذلك(13).
الهوامش:
(4) ماضي النجف وحاضرها، المجلد الأول، ص 7.
(5) ماضي النجف وحاضرها، المجلد الأول، ص 6.
(6) موسوعة العتبات المقدسة، المجلد السادس ص 135.
(7) ماضي النجف وحاضرها، المجلد الأول، ص 18.
(8) بحار الأنوار، المجلد 100 ص 237 الحديث الخامس.
(9) بحار الأنوار، المجلد 100 ص 237 .
(10) الكامل في التاريخ، المجلد الرابع، ص 154، دار الكتاب العربي بيروت.
(11) ماضي النجف وحاضرها، المجلد الأول، ص 37.
(12) ماضي النجف وحاضرها، المجلد الأول، ص 39.
(13) راجع كتاب، فرحة الغريين لابن طاووس