نزع الملكية للمنفعة العامة
يقصد بنزع الملكية ، اجراءات تتخذها السلطة الإدارية تنتهي بحرمان شخص من ملكيته العقارية رغماً عنه لغرض تخصيص تلك الملكية للمنفعة العامة لقاء تعويض يدفع لمالك العقار يفترض ان يكون عادلاً ، وبهذا فان نزع الملكية اسلوب غير عادي او طبيعي لاكتساب المال العام ولهذا فان الدساتير المختلفة اشارت اليه نظراً لخطورته وحتى لا يستخدم الا في حدود القوانين التي تنظمه لذلك فقد جاء في دستور 1971 المصري (( الملكية الخاصة مصونه ، ولا يجوز فرض الحراسة عليها الا في الاحوال المبينة في القانون وبحكم قضائي فلا تنزع الملكية الا للمنفعة العامة ، ومقابل تعويض وفقاً للقانون )) ، كما نص الدستور العراقي 2005 في المادة الثالثة والعشرين فقرة ثانياً (( لا يجوز نزع الملكية الا لاغراض المنفعة العامة مقابل تعويض عادل ، وينظم ذلك بقانون )) ، وفي مصر صدر القانون رقم 10 لسنة 1990 لينظم كيفية نزع الملكية للمنفعة العامة وفي العراق فان قانون الاستملاك رقم 12 لسنة 1981 ينظم نزع الملكية لغرض المنفعة العامة في العراق ، وهناك مميزات لابد من توفرها لغرض نزع الملكية للمنفعة العامة
المميزات العامة لنزع الملكية لإغراض المنفعة العامة
ان نزع الملكية للمنفعة العامة لا يرد الا على العقارات التي يملكها الأفراد او الشركات او الهيئات الخاصة وبذلك فلا يمكن نزع ملكية المنقولات لاغراض المنفعة العامة ويجب ان يكون العقار مملوكاً للإفراد او الهيئات الخاصة حيث لا يجوز نزع ملكية الأموال العامة بل يصار الى تغيير اوجه تخصيصها من جهة ادارية الى جهة إدارية أخرى دون ان يكون هناك نزع للملكية كما ان نزع الملكية يرد على العقارات بطبيعتها او على العقارات بالتخصيص حيث ورد في حكم للمحكمة الادارية العليا في مصر (( واذا كان القانون ينصب على العقارات وحدها غير انه من الامور المسلمة ان الفرع يتبع الاصل ولذلك ليس ثمة ما يمنع من ان يشمل نزع الملكية للعقارات بالتخصيص والمقومات المعنوية ان وجدت على اساس ان الهدف لم يكن امتلاك تلك المقومات وانما نزع الملكية العقارية للمنفعة العامة))
ويجب ان يكون الهدف من نزع الملكية العقارية هو تحقيق المنفعة العامة وقد اشارت معظم الدساتير والقوانين التي تنظم هذا الموضوع الى ضرورة هذا الهدف الا ان مفهوم المنفعة العامة واسع وغير محدد وتملك الادارة سلطة تقديرية في تحديده حيث جاء في حكم لمحكمة القضاء الاداري في مصر بتاريخ 6/5/1995 .
ان (( القرار الصادر بنزع الملكية هو الذي يحدد المنفعة العامة وان كانت المنفعة العامة غير محددة بموجب القانون لانها تختلف باختلاف الازمان والاحوال وان الادارة تملك سلطة تقديرية واسعة في هذا المجال )) ويلاحظ ان الادارة بموجب السلطة التي تملكها تقدر وجود او عدم وجود المنفعة العامة لغرض نزع الملكية العقارية باعتبارها السلطة التنفيذية كما انه من الجائز لبعض الاشخاص الذين يديرون مرافق عامة بالاستناد الى عقد التزام المرافق العامة تقدير وجود المنفعة العامة تحت اشراف وتوجيه الادارة ومراقبتها ، كما يجب ان يكون نزع الملكية لاغراض المنفعة العامة مقابل تعويض عادل في الغالب يفوق مقداره قيمة العقار الفعلية وقت نزع الملكية وذلك لتمكين المالك الذي نزع ملكه العقاري من شراء ملك اخر في منطقة اخرى ومن الطبيعي انه سيتحمل نفقات هذا التغيير الجديد الذي ترتب على نزع الملكية وبذلك يكون هناك مراعاة للمصلحة الخاصة الى جانب المصلحة العامة التي نزعت الملكية من اجلها ، وقد لاحظنا النص الدستوري في المادة ( 23 ) من الدستور العراقي لعام 2005 الذي يستوجب تعويضاً عادلاً مقابل نزع الملكية كذلك فان قانون الاستملاك العراقي رقم 12 لسنة 1981 حدد المميزات العامة لنزع الملكية للمنفعة العامة في المادة الاولى التي توضح اهداف القانون والتي جاء فيها (( يهدف هذا القانون الى اولا: تنظيم استملاك العقار والحقوق العينية الاصلية المتعلقة به من قبل دوائر الدولة والقطاع الاشتراكي تحقيقاً لاغراضها وتنفيذاً لخططها ومشاريعها ثانياً وضع قواعد واسس موحدة للتعويض العادل عن العقارات المستملكة ، تضمن حقوق اصحابها دون الاخلال بالمصلحة العامة )) . ويلاحظ على هذا النص انه حدد خصائص نزع الملكية للمنفعة العامة الا انه لم يشر بوضوح الى نزع الملكية لاغراض المنفعة العامة كما فعل النص المصري في القانون رقم 10 لسنة 1990 المادة الاولى التي جاء فيها (( يجري نزع ملكية العقارات اللازمة للمنفعة العامة ، والتعويض عنه وفقاً لاحكام القانون ))( ويلاحظ على النص المصري انه حدد خصائص نزع الملكية والمتمثلة بان يكون نزع الملكية خاصاً بالعقار ومن اجل المنفعة العامة ومقابل تعويض بينما النص العراقي في الفقرة اولاً من المادة الاولى جاء فيه ( من قبل دوائر الدولة والقطاع الاشتراكي تحقيقاً لاغراضها وتنفيذاً لخططها ومشاريعها ) وبذلك كان من الاولى للمشرع العراقي ان يحدد للادارة ان هدف نزع الملكية العقارية هو المنفعة العامة كما فعل المشرع المصري .
كيفية نزع الملكية للمنفعة العامة
حددت القوانين ذات الصلة بهذا الموضوع مجموعة من الاجراءات تنتهي بنزع ملكية العقار للمنفعة العامة ففي مصر يقرر رئيس الجمهورية وضع العقار للمنفعة العامة بقرار جمهوري ، وقد تم تخويل بعض الوزراء المختصين بتخصيص العقار للمنفعة العامة وتنشر تفصيلات وضع المشروع للمنفعة العامة سواء بقرار جمهوري او بقرار وزاري في الجريدة الرسمية وتعلن في المحافظة وفي مركز الشرطة ومحكمة البداءة التي يقع العقار او المشروع في دائرتها وبعدها تعمل السلطة الادارية على اتخاذ الاجراءات الضروية لنزع ملكية العقار دون ان يترتب على القرار الجمهوري او الامر الوزاري نزع الملكية العقارية مباشرة من صاحبها بل تبقى ملكية العقار لصاحبه حتى تكتمل اجراءات نزع الملكية الا ان صدور القرار الجمهوري او الوزاري بوضع العقار لاغراض المنفعة العامة تمهيداً لنزعه من مالكه يمنع صاحب العقار من اجراء تحسينات عليه بقصد رفع قيمته وذلك بالبناء فيه او الغراس للتأثير على قيمته التقديرية ، واذا تم تقدير التعويض مقابل نزع الملكية يجوز الاعتراض من قبل صاحب العقار امام لجنة مشكلة لهذا الغرض يرأسها قاضي بداءة المنطقة التي يقع فيها العقار وممثل عن التسجيل العقاري وممثل عن الادارة التي تباشر نزع ملكية العقار على ان تصدر اللجنة قرارها خلال شهر ويكون هذا القرار قابلاً للطعن فيه امام المحكمة الابتدائية ويلاحظ ان النزاع ذو طبيعة ادارية الا ان المشرع اخضعه للقضاء العادي وكان الاولى لو ان المشرع في القانون المصري رقم 10 لسنة 1990 اخضع المنازعات الناشئة عن نزع الملكية للقضاء الاداري خاصة وان تقرير المنفعة العامة للعقار يصدر بقرار جمهوري و امر وزاري وهو بالنتيجة قرار اداري يخضع للطعن فيه امام مجلس الدولة المصري وكان المفروض ان تخضع الاجراءات التي تعقب القرار الجمهوري او الامر الوزاري للقضاء الاداري لان واقع القانون المصري يوحي ان بعض اجراءات نزع الملكية تخضع للقانون العادي بينما هناك اجراءات اخرى اكثر اهمية تخضع للقانون الاداري وبما ان الموضوع ذو طبيعة ادارية فينبغي خضوعه مجملاً للقانون والقضاء الاداريين . وفي لبنان فان الاجراءات المتبعة في نزع الملكية حددها قانون الاستملاك اللبناني رقم 58 لسنة 1991 وتتمثل في وضع العقار المطلوب نزعه للمنفعة العامة بمرسوم يصدر لهذا الغرض ثم ينشر المرسوم ويعلق اعلان في مقر المحافظة او المنطقة البدائية التي يقع العقار في دائرتها ثم تشكل لجنة الاستملاك التي يقع عليها تقدير التعويض ، كما اشار قانون الاستملاك اللبناني الى امكانية استرداد صاحب العقار الذي نزعت ملكيته منه اذا تراجعت الادارة عن المشروع الذي من اجله استملك العقار ولم تقرر الادارة استخدام العقار في مشروع آخر ويلاحظ ان القانون اللبناني جاء بنص لم يتضمنه القانون المصري وهو امكانية استرداد العقار الذي نزعت ملكيته اذا تراجعت الادارة عن المشروع ولم تقرر الادارة تخصيص العقار لمشروع ثاني .
اما في العراق فان قانون الاستملاك العراقي رقم 12 لسنة 1981 حدد اجراءات نزع الملكية للمنفعة العامة بعد ان بين ثلاثة انواع من الاستملاك اولها الاستملاك الرضائي ويتم بالاتفاق بين الادارة ومالك العقار على ان يقدر بدل العقار من قبل لجنة تسمى هيئة التقدير الذي يصبح قرارها باتاً ملزماً للطرفين اذا لم يتم الاعتراض عليه خلال عشرة ايام امام رئيس هيئة التقدير ويعتبر الاتفاق بين الطرفين وقرار هيئة التقدير وايداع بدل العقار في دائرة التسجيل العقاري اساساً للتسجيل في السجل العقاري واذا لم يسدد بدل العقار خلال ستين يوماً من تاريخ تبليغ الادارة بقرار هيئة التقدير يستطيع صاحب العقار الغاء موافقته على الاستملاك ، اما بالنسبة للاستملاك القضائي فان دوائر الدولة تستطيع نزع ملكية العقار عن طريق تقديم طلب الى محكمة البداءة التي يقع العقار في دائراتها مع صورة قيد العقار واسماء مالكيه ثم تعين المحكمة موعداً للنظر في طلب الاستملاك خلال عشرة ايام بعد دعوة الطرفين للحضور ، وبعد اكمال كافة المستملك يصار الى تقدير التعويض من قبل هيئة التقدير التي تشكل من قاضي محكمة البداءة رئيساً وعضوية رئيس دائرة التسجيل العقاري او من ينوب عنه ورئيس دائرة الضربية او من ينوب عنه وممثل عن المستمسكات وممثل عن المستملك منه ، ويقدر التعويض بعد ان تستمع الهيئة الى اقوال الطرفين او من ينوب عنهما او من كان حاضراً منهما ، ولا تقدر الهيئة التعويض الا بعد اجراء الكشف على العقار وتستطيع الاستعانة بالخبراء لهذا الغرض وتفصل المحكمة في طلب الاستملاك على وجه الاستعجال ويفهم الطرفين بالقرار ثم يدفع بدل الاستملاك نقداً الى المحكمة التي بدورها تشعر دائرة التسجيل العقاري بتسجيل العقار المستملك بعد اكتساب قرار الاستملاك درجة البتات ، وهناك في العراق ما يسمى بالاستملاك الاداري في حالة كون العقار يعود لدوائر الدولة (عدا الاوقاف) حيث يجري استملاكه ادارياً ويقدر التعويض باتفاق الطرفين ويفصل الوزير المختص في الخلاف الناشئ عن الاستملاك الاداري اذا كان العقار تابعاً لدوائر وزارته ويفصل مجلس الوزراء في الخلاف اذا كان الطرفان من وزارات مختلفة ويكون القرار الصادر باتاً واذا لم يتفق الطرفان على مبلغ التعويض فيجوز لاي منهما ان يطلب من هيئة التقدير تقديره استناداً الى قانون الاستملاك ويكون القرار الصادر باتاً ويلاحظ ان إجراءات نزع ملكية العقار في العراق تتشابه مع القانون المصري واللبناني مع اختلاف جوهري هو ان تقرير المنفعة العامة في القانون العراقي لا يحدد بمرسوم جمهوري او قرار وزاري كما هو الحال في مصر ولبنان بل ان الإدارة متمثلة بدوائر الدولة هي التي تحدد العقار المطلوب استملاكه ، والحق ان تخويل دوائر الدولة بتقرير المنفعة العامة في القانون العراقي افضل من الوضع في مصر ولبنان وذلك لان مدير الدائرة في العراق سوف يصدر قراراً ادارياً سواء كان مدير عام او وكيل وزارة فهو قرار اداري يمكن الطعن فيه امام القضاء ، امام اذا صدر القرار بمرسوم جمهوري كما هو الحال في مصر فمن الصعوبة على مالك العقار الالتجاء الى القضاء لانه في كثير من الاحيان تكون قرارات رئيس الجمهورية محصنه من الإلغاء لاعتبار بعضها من اعمال السيادة في الدول التي تنص دساتيرها وقوانينها على هذه الاعمال ، بينما تتجه الدساتير الحديثة في الدول المتقدمة الى الغائها ويبدو ان الدستور العراقي الصادر عام 2005 اخذ بهذا الاتجاه الحديث حيث نص في المادة ( 100) على ( يحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل او قرار اداري من الطعن ) وبذلك فان قرارات رئيس الجمهورية وقرارات السلطة التنفيذية ذات الطابع الاداري عرضه للطعن فيها امام القضاء ولا زالت الكثير من القوانين التي شرعت في ظل دستور عام 1970 العراقي السابق تنص على عدم خضوع قرارات واوامر رئيس الجمهورية الى ولاية القضاء لاعتبارها من اعمال السيادة مثل الفقرة خامساً من المادة السابعة من قانون مجلس شورى الدولة المعدل بالقانون رقم 106 لسنة 1989 والتي جاء فيها (( و تعتبر من اعمال السيادة المراسيم والقرارات التي يصدرها رئيس الجمهورية )) والواقع ان هذا النص والكثير من النصوص المماثلة والمتفرقة في قوانين مختلفة اصبحت تعارض الدستور مما ينبغي الغائها لتنسجم القوانين مع الدستور الجديد .
منقول