الملكية الدستورية
اعداد:المحامي علي العريض
احتاج الإنسان منذ نزوله على سطح الأرض الى تنظيم اجتماعي يتمكن فيه من الإدارة و السيطرة على مايمكن ان يؤمن له الرغيف و الأمان فأخذ على عاتقه ان يتنازل عن جزء من حريته في سبيل ان يؤمن بقيتها لحاكم يستطيع ان يحفظها له .
وهكذا بدأت عملية التنظيم الإجتماعي منذ عهود الإنتقال من المجتمع البدائي و الذي كانت القوة الجسدية فيه هي الإمتياز للحاكم الى المجتمع الزراعي والذي انتقلت فيه هذا الإمتياز الى الثروة من الأغنام و غيرها .
مثل انتقلت الى عهود تغيرت فيها الحضارات واتسع نطاقها و أصبحت تغزوا بعضها البعض ولم يكن بالإمكان خضوعها إلا الى الإلتصاق بالذات الألهية في مجتمع لم تعد الآلهة كافية لرد هجمات القبائل فخرجت فكرة الملكية مقصورة في التتابع :-
الملك الآلهة .
الملك ابن الآلهة .
الملك صوت الآلهة .
الملك ظل الله في الأرض .
الملك اختيار الله في اللوح المحفور ( القدرية ).
تطورت بعد ذلك المجتمعات عن طريق الرسل الى مبدأ التوحيد وبأن الله في السماء و الإنسان في الأرض ولايمكن ان يكون الله بشراً فتحولت الذات الملكية الى ذات انسانية ولكنها لاتمس .
ولكن عدم المساس لم يكن مصاغاً في عبارات قانونية ولم يكن يقابله ان حقوق الشعوب لاتمس .
فبطر الملوك في الأرض واخذوا في الإستيلاء على ما يشاءون و استبعاد ممن يشاءون .
وكان غضب الملك يعني نهاية الحياة .
ورضاؤه هو السعادة الأبدية .
فخرجت فتاوى فقهاء السلاطين بإعلان سلطان ظالم غشوم حيز من فتنه تدوم لا يعزل الحاكم إلا بفاحشة ظاهرة او يكفر بين ان الحاكم وهو اختيار الله . وخير وسيلة لإصلاحه هو الدعاء له .
تناوبت على الأرض ملكيات مطلقة .
حتى تمكن النبلاء من اجبار الملك جون الثاني في بريطانيا على توقيع وثيقة الماكَنا كارتا 1212 ميلادية .
وورد فيه بوادر الملكية الدستورية .
أي تقيد تصرفات الملك بشروط ومنها انشاء لجان شعبية تشبه البرلمان لأخذ القرارات المهمة وللإعتراض على قرارات الملك استر الأمر كذلك .
- عودة الى نظام الملكي .
لكي تقول بالمنطق القانوني ان هذا النظام ملكي لا يكفي وجود شخص يهيمن على الجهاز التنفيذي في الدولة بل لابد من شروط عدة :-
وجود دولة ,أرض وشعب .
وجود سيادة للدولة اي ان لا تكون جزء او تحت هيمنة دولة اخرى .
وجود شرعية للحكم .
وشرعية الحكم تعني ان الملك قد أتى عن طريق البيعة الشرعية وليس عن طريق التغلب و القهر .
فالشرعية هي التى تؤدي المشروعية و المشروعية تعني ان تكون الأوامر الملكية نافذة .
فما هي المشروعية هي الحقوق و الواجبات التي يضعها الشعب على الملك و الملك على الشعب.
ففي عهد لم تنشأ فيه الدساتيرالمعرفة بالشكل والوقت الراهن كانت هذه الحقوق هي وثيقة البيعة او الماكَنا كارتا او العهد الملكي مسميات مترادفة .
فإذا خرج الملك عليها فقد مشروعيته وان لم يفقد شرعيته اي بإمكان الشعب ممثلاً في هيئة سمها (الحل و العقد ) .
او الجمعية الوطنية فرض الوصاية عليه او وضع هيئة تحل محله او استبداله .
عودة الى الدستورية .
بطبيعة الحال ان العهد المشار إليه في النظام الملكي ينتقل من وثائق المبايعة الى التقنيين عبر اداة توثيقية تصيغه في شكل دستور وهي اللجنة التأسيسية وعادة ما تكون منتخبه من الشعب .
وحيث ان الدساتيرالمطبقة في الوقت الراهن تشير بأجمعها الى ان الشعب مصدر السلطات.
معنى ذلك ان السلطة الملكية منبثقة من ارادة الشعب متقيدة بأحكامه الواردة عبر برلمان حر منتخب انتخاب حر مباشر .
بمعنى ان اراده الشعب يجب ان تكون بارزة ظاهرة مهيمنة وان السلطة الملكية هي ممثلة لها ومتظمنة لأمورها ومدافعة عنها حقيقة ان مصطلح الملكية الدستورية هي القبة الأولى للإنطلاق من النظام الملكي المستبد الى النظام الجمهوري فطالما ان المرجعية العليا في النظام هو الدستور يبقى الملك ملكاً ما دام حافظاً على اساسياته وامتثل له وإلا فإن الرداء الملكي يسقط عنه لأنه لم يتقمصه الا بنصٍ منه .
اذن فنحن امام نظام يضع الدستور اعلى قمة الهرم تلأتي بعده النظام الملكي لذلك فإن ذلك لا يستقيم الا عن طريق مبدأ الفصل بين السلطات وعدم جمعها في يد واحدة .
وعن طريق محكمة دستورية منتجة من جهاز قضائي مستقل وحيث ان بعض الأنظمة تعطى الذات الملكية الصفة المقدسة اي عدم المساس بها .
وبما ان الملكية الدستورية تقتضي المحاسبة اي المساس بمعنى انه من المحتم ان تكون السلطات التنفيذية و الخاضعه للحساب بمنأى عن التسلط الملكي لكي نوازن بين المصطلحين .
بالتالي فإنه من غير المنضبط من الناحية الإصطلاحيه ان تكون الملكية دستورية .
وان يكون تعيين نصف اعضاء البرلمان من قبل الملك فمن يحاسب من .
هل الشعب مصدر السلطات هنا ام الملك .
ان التجربة الملكية في المغرب تضع تعيين الحكومة في يد الأغلبية البرلمانية التجربة الملكية في الأردن .
يعين فيها الملك رئيس الوزراء .
وكلا التجربتين لا ينطبق عليها ( الملكية الدستورية ) اذن نلرجع الى الشروط الأساسية لوجود الملكية الدستورية :-
ان لايكون للملك اتصال مباشر بالحكومة .
وان تأتي تلك الحكومة من الأغلبية البرلمانية او ائتلاف حزبي يحقق الأغلبية .
ان يكون هناك تفعيل لمبدأ الفصل بين السلطات .
ان تكون هناك لجان شعبية مخوله من الحكومة بإيقاف التعدى على نصوص الدستور.
اذن نرجع الى مقومات المملكة الدستورية فإقتران الدستور بمسمى المملكة : المملكة هي نظام حكم و الدستور هي وثيقة نظام ساعيه وفي الإقتران بين المسمين يجب ان يكون نظام الحكم منصاع لهذه الوثيقة في محل ماورد في الدستور.
فالقرار الفردي يجب ان يخضع او ينبثق من قانون او لائحة ادارية منفذة لقانون و القانون يجب ان يخضع لمواد الدستور في كلتيهما .
لا فنحن امام نظام مطلق ليس له من الدستورية الا المسمى هذا من ناحية .
وحيث ان جميع الدول في العالم الحديث متمتعة بوجود دساتيرمنبثقة من لجان تأسيسيه منتخبه .
ولكن هل هذه الدول ملتزمه بما جاء في الدستور من قيم و مبادئ و مناهج.
ان اغلب هذه الدول بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية و الدول الأوربية تتبع نظرية البرجمانية الدستورية .
وهي عدم التطابق او المعارضة بين الكثير من القرارات التي تصدرها السلطة ونصوص الدستور , لاشك ان الكثير من هذه القرارات او القوانين خاضعة لرقابة المحكمة الدستورية ولكن متى تصل المحكمة الى الرقابة عن طريق الإحالة او الدفع في المحاكم او الإستشارة وعذه الطرق الثلاث لاتشمل الا جزء يسير من القرارات الأدارية او القوانين الجائرة التي تمس الأفراد في مصالحهم .
ولكن ماذا عن القرارات و القوانين التي قد ترهن الدولة بأكملها اقتصادياً لدولة اخرى تؤثر حتى في قرارها السياسي وماذا عن القرارات التي تفتح ابواب التجنيس لتغير ديموقراطية البلد او تضع اراضيها الوطنية امام سلطة القضاء الدولي على مخاطر اصدار القرار بقطع هذه الجزء او اضافته دون ان يكون للبرلمان او الشعب اللجوء الى المملكة الدستورية لإيقاف ذلك ان المسألة الدستورية ابعد عن ان تكون صفحات ملفوفة في كتاب بل هي ثقافة رفيعة و سلوكيات يجب ان يتعلمها المواطن من الأسرة الى المدرسة الى حياته الإجتماعية عن طريق مؤسسات المجتمع المدني .
التي ان لم تفعلها لن تكون مؤسسات صحيحة تمثل المجتمع المدني.
لقد كانت الملكية في هذه الجزيرة مستنده الى الأعراف و التوافقات بين الأسرة الحاكمه و الشعب الى ان أتى دستور 73 بعد استقلال الدولة ليشرعنها ويضع لها أطر قانونية .
بمعنى حل هذا الدستور ولمدة طويلة فإنقلبت الشرعية الملكية الى واقعية فتحولت بعد ذلك بالميثاق الى ملكية شرعية ولكن هل هذه المبادئ العظيمة التى حملها الميثاق 2000 استرت الى الوقت الراهن حقاً لقد أعطى الميثاق صفتين للملك وهي ان يغير المسمى الى مملكة وان يحول نظام البرلمان من غرفة الى غرفتين .
لن ندخل في جدل دستوري حول شرعية دستور 2002 وطريقة وضعه فهذه مسألة تخرج عن إطار البحث .
ان الشرعية التي اكتسبها دستور 2002 لم تاتي لحظة وضعه ولكن اتت لحظه التصويت بترجيح نسبة المنتخبين الى 53% وهي نسبة ممكن ان تضفي على الدستور و البرلمان في ان واحد شرعية الإستفتاء للشعب غير المباشر.
اننا في هذه الدراسة لانضع المشاركة في التجرية البرلمانية ترجيحاًولكن نسير مع المقدمات القانونية للوصول نتائج قانونية فالمشكل اذن هو بالدرجة الأولى سياسي .
لنعد الى الشرط الثالث من شروط الملكية الدستورية وهو الإرتباط بين الدستور و النظام الملكي بحيث اذا سقط الأول حفظ الثاني بمعنى ان للشعب في حالة العودة الى انشاء دستور جديد ان يستغنى على بقاء النظام الملكي قبل ان يشرع في عملية كتابية الدستور كل ذلك عن طريق لجنة تأسيسية منتخبة .
اما الشرط الرابع فهو استقلال السلطةالقضائية وان تكون بيد المجلس الأعلى القضاء المنتخب من الأسرة القضائية والتي لا تخضع لسلطان احد الا سلطان احترام الدستور و الضمير .
ان مبدا الفصل بين السلطات هو من المبادئ الديمقراطية التي استقرت في الفقه القانوني على يد مونيسكو .
ولكنها على اهميتها لم تثبت في الميدان العملي فإذا كانت المحكمة الدستورية وهي على قمة المحاكم يجري انتخاب اعضائها من السياسين ورؤساء الجمهوريات السابقين في فرنسا فلا يمكن ان تسلم من يد السلطة التنفيذية الطويلة. كذلك تحتاج السلطات الى التنسيق في الكثير من الأمور كتنفيذ الأحكام و احترام الحريات الفردية مما يجعل الحصانة القضائية بعض الأحيان تفشل في حماية القضاة من جور السلطة التنفيذية ان لم تقم بعض الحكومات بمجالات التصفية المخابراتية لتامين الخوف منها .
ليست الملكية الدستورية على الشروط التي بيناها في بداية البحث مصطلح قانون متعلق .
فالملكية مطلقة و الدستور قيد وهو قابل للتغير و التأويل. لذلك نجد الكثير من الجمهوريات التي طال عليها الأمد تجنح الى الأساليب الملكية في الأدارة و الحكم واتخاذ القرار عن طريق الحزب الأوحد وحتى في تعيين رئيس الجمهورية في بينما غير من الملكيات تميل الى الديمقراطية في تعيين الحكومة من حزب الأغلبية في البرلمان وليس عليها الا ان يكون رمزاً للسيادة العظيمة .
فالملكية الدستورية اذن هي ممارسة ووعي اذا اجتمعا كونا مؤسسات مجتمع مدني ومؤسسات دستورية ادارية لايمكن لليد الواحدة ان تهيمن عليها مهما كانت كبر هذه اليد يقودنا الحديث الى مسألة تأويل وتفسير مواد الدستور وهو المربع الأول لسن القوانين هل من الإمكان وصفة في يد هيئة تشكل وتعين من قبل اجهزة الحكم ان ذلك يلغى كل ضمانه بقاء هذا الدستور بمنأى عن الأضواء الملكية فهن ملك التعيين ملك التفسير .
ان المسألة اذن هي مسالة حضارة وفكر و ممارسة لابد لهذه الجماهير من الشعب من نور يخرج من الأورقة النخبوية .
دستور المنحة و الدستور العقدي .
يقول الدكتور ثروت بدوي وهو يصف طريقة وضع دستور المنحة بأنها الإنتقال من نظام الملكية المطلقة الى نظام المقيدة فالدستور الصادر في شكل منحة يكون وليد ارادة الملك وحدة ويقر بمحض ارادته واختياره ان يقيد من سلطاته وان يمنح شعبه دستوراً ينظم طريقة مزاولته تلك السلطات . فهو وليد ارادته المنفردة ولكن في الواقع يكون الملك مجبراً على اصدار الدستور خشيه التعرض لسخط الشعب وثورته اذا لم يستجب الى مطالبة في وضع الدستور فالمنحة تحفظ على الملك كبريائه وتنقذ مظاهر الحكم الملكي لأنها تبدو وكأنها وليدة الإرادة الحرة للملك دون ان تمس بسيادته .
وقد اثار هذا الرأي التساؤله هل للملك ان يسحبه او يلغيه طالما انه صدر بارادته .
ولكن هذا الرأي مردود عليه بأمرين :-
ان هذا الدستور في حقيقة الأمر لايصدر عن ارادة حرة للملك وانما يكون نتيجة ضغط الحوادث السياسية , التي تملى على الملك وضع الدستور .
وبالتالي هناك مشكلة من الأمة في وضعه او انه حتى مع التسليم بان الدستور وليد ارادة الملك وحدها فإن قبول الأمة للدستور يلزم الملك بعدم الرجوع فيه او محاولة تعديله .
ومن امثلة الدساتير الممنوحة الدستور الفرنسي الصادر 1814م في اعقاب هزيمة نابليون وعودة الملكية لفرنسا كما ان دساتير بعض الولايات الألمانية في 1815م مثل دستور بافارما1888م ودستور باد1889م والدستور الياباني 1889م و الأثيوبي 1931 ودستور موناكو 1911م وكل هذه الدساتير خرجت في اجواء هزائم حرب او نكبات و ثوران شعبي مما يعين ان الملك لا يقيد نفسه الا اذا اضطر.
ولكن السؤال القانوني هل يجوز التراجع عن دستور وضع عقدياً و استبداله بدستور منحة اذا كان دستور المنحه نفسه لا يجوز سحبه بالطبع ان ذلك لايجوز بل يكون الدستور القدي باقياً حتى يفيد بالوسائل التي نص عليها كسبيل لتغيره او باستفتاء شعبي عام .
يحل كل انعقاد البرلمان ان المسألة التي تحكم الحراك السياسي ليس وجود دستور عقدي او منحي بل هي مدى اطلاقه في مفاصل القرار التشريعي و السياسي اجمالاً فدستور 73 العقدي في دولة البحرين قد كمم لمدة تصل الى ربع قرن والى الأن فالدستور هو حبل بين طرفين فإذا الحكومة و الشعب فاذا سحبته الحكومة دون ان يقابل ذلك سحب شديد من الشعب اخذ وغيب الى مالا يعلمون .
ان القانون الذي ليس له محكمة تحميه هو كلام و القانون الذي لا توجد له آليه تطبقه هو اوهام .
لذلك فإن الفقه الدستوري الحديث يميل الى وضع الجيش برمته لحماية الدستور التي تستقل عن طريق السلطة التنفيذية ويكون الجيش مؤتمراً بأمرها وهذا ما هو مطبق في تركيا العلمانية لذلك تسقط الكثير من الحكومات التي تحاول الإعتداء على بنود الدستور العلماني بقوة الدستور نفسه .
نعود الى الملكية الدستورية .
ان طرف وضع الدساتير او وضع الأسماء و المسميات ليس طرق مقدسة لا يجوز عليها التغير او التنازل بعض الأحيان .
فالدستور نفسه لم يكن الا لخدمة المواطن فاذا كان بقاؤه عقبة في طريق تطور حركة التشريع فلا عبره لقد سبقه من ناحية اخرى ان المراتب الديمقراطية التي تنشأ عليها الأمم لا تظل على حال فكلما كان الوعي و اللحمه الوطنية قوية كلما صمد الدستور في وجه اعتى العواصف و العكس صحيح فالدساتير مرآة الأمة.
لذلك من لايستطيع معها صبراً تركته و مضت لأمم آخرى ولو تقحمنا في القانون اكثر لوجدنا ان دستور 73 المغيب لم يعد له في الوجود تطبيقاً و الدستور المنحة 2002 لم يقر الا ضمن عدد من الناخبين الذين صوتوا على الأقتراع .
فالحال بين الحالين هي الأعراف الدستورية التي تنشأ وتتسق ضمن الأثنين معا اذ بانعدام الكتابة يخرج العرف .
وحيث ان الكثير من المواد الدستورية مشتركة بين الدستورين فلنسر بها في سماء المساهمة في وضع التشريع.
ان تشريع الممالك الدستورية في الواقع و القانون وان اعطتنا نماذج قد تكون مثلى بعض الأحيان الا اننا لا نستطيع ان نأخذ منها واقعاً بفرخه على الظروف الحالية, لأن الدساتير نبت تزرعه الأمة ولكل امة طريقتها و نوعية النباتات الصالحة لتربتها ولكن يبقى الإسترشاد بأمم سبقتنا مسارأ و طريقاً .
لذلك نرى ان التطبيقات العلمية للسياسة قد تخرج عن الاطار القانوني الموضوع لها فنرى اكثر الدول تقدمه في الميدان الدستوري تخرج في تطبيقاتها عن ماهو مرسوم لها في المواد الدستورية .
بل ان بعض رؤساء الجمهوريات يقدمون على حل المحكمة الدستورية العليا لمجرد انها لم تقحم في احكامها بتطبيق اراداتهم كما فعل نكروما سنة 1962م رئيس جمهورية غانا حينما حل المحكمة و اقال القضاة بالتالي فان اجتماع السلطات في يد الملك تتناقض تماماً مع الملكية الدستورية فما بالك اذا كان الدستور نفسه هو عطية من عطايا الملك فكيف يمكن ان يحده او يقيده .
ان الدستور وهو تشريع اسمى وهو الذي يضع الأطر العامة للسلطات من حيث التداخل او التباع ويرسم لكل سلطة نهجها وادواتها ماهو الا مواد مكتوبة قابلة للتآويل و التطويل و التقصير بل و الحل وما اكثر فقهاء و السلاطين الذين يجيدون القيام بهذه المهمة.
فما بالك اذا كان يساعدهم في ذلك نصف المجلس التشريعي ضافة الى رئاسه المجلس الأعلى للقضاة ان هذا التركيز في السلطات يمحق اي ارادة تناقض ارادة الملك وتجعلها ارادة خائنة خاضعه للكثير من مواد القانون الجنائي .
فاذا ما اردنا ان تحتكم الى نموذج الملكيات الدستورية العريقة لمقارنة الوضع في هذا البلد معها فسوف نصطدم بعقبات :-
ان التطبيقات الدستورية لهذا النموذج ليست واحدة في الأرض .
انه لا توجد في البلد هيئة محايدة نستطيع ان نرفع اليها هذه الخروقات ان وقفت .
ان الأنظمة المحيطة بالمملكة سواء شرقاً او غرباً ليست بأحسن حالاً من الناحية الدستورية .
اذن فالحل الأمثل هو ان تنشط منظمات المجتمع المدني لتكوين نماذج فعالة من ادوات الضغط وان ترص صفوفها وتتأسس خلافاتها وتكون جسداً مدنياً واحداً نستطيع من خلاله ان تفرض الرؤية الحية و الواقعية بل و القانونية كل ذلك بالإستناد الى اراء استشارية من القضاء الدستوري العربي و العالمي .
الملكية الدستورية و السلطة .
ان الملكية في حد ذاتها هي سلطة مركزية ولا يمكن ان يتحول الملك هكذا الى تقييد نفسه بدون سبب شعبي ضاغط.
تحول اليابان الى الملكية الدستورية بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية.
تحول المغرب الى الملكية الدستورية بضغط اوربي في سبيلها الى الوصول الى عضوية التجارة العالمية .
تحول الأردن الى الملكية الدستورية بضغط من الأحزاب الأسلامية و من الدول العظمى .
ان الدول التى تتمتع بأنظمة الحكم جمهورية نجد الكثير منها تعتمد على دساتير نموذجية تثبت الحريات العامة وحقوق الإنسان و التبادل السلمي للسلطة ولكن الرؤساء يجنحون و بوسائل ضغط رهيبة الى الروح الملكية التي تصل الى ولايات مستمرة يعجز عزرائيل عن متابعتها بل والى التوريث .
كل ذلك تحت تأويل فقهي دستوري يدخل فيه وعاظ السلاطين بما يملكون من مقدرات يرحلونها من بلد الى بلد و يصبحون كالعملة المطلوبة في البلد العربية .
فمابالك بالانظمة الملكية اصلاً و التى لا تحتاج الى كل هذه المسارح لبسط سلطاتها التامة على القرار الارادي .
ان المشكلة الدستورية الناشئة هنا هي ان هذه التطورات من تحريك عجلة البرلمان و اعطاء نوع من الحريات المدنية في تشكيل الجمعيات و الاتحادات و نوع من حرية الصحافة وان سبقتها نضالات شعبية مستمرة عبر اجيال احتفنت فيها البلاد الا ان هذه المنجزات لم تاتي عبر تسويات شعبية مؤسسيه بل قدمت على اطباق ملكية جاهزة هذه الاطباق حرمت الجوعى من الاستمرار في حركة الجوع التعبوية و التى كان بامكانها لو استمرت ان تخلق هياكل حقيقية لمملكة دستورية ولكن هذه المرحلة قد احرقت بهذه الاطباق ولن تعود .
اذن فعودة الوعي لمجتمع مدني قادر على النهوض باعباء المرحلة متحد في برامجه موزعاً لادواره تقوده نخبه من شرفاء هذا الوطن غير مجتر لتجارب ما ضويه قد تكون ذات ادلجه او غير ذات .
وغير متكأعلى تاريخ نضالي عريق نام عليه بل مستند الى هذه الأيدي الشابه القادمة في زمن القحط لكي لا تلقي مسكناً و لا عملاً .
اننا من العبث ان نتكلم عن ملكية دستورية دون وجود احزاب سياسية كذلك من العبث ان نتكلم عن احزاب سياسية دون وجود لراي عام منظم مستند على وعي مبني على تجارب .
ومن العبث ان تكون راي عام دون وجود كما يقول الأستاذ لورانس لوويل مدير جامعة هارفارد في تحليله لمكونات الراي العام :-
ان توجد حكومة منظمة .
ان تكون يد الأهالي انقسامات و فوارق كبيرة من حيث الجنس او الدين او النزعة السياسية بتجافية للآراء الاغلبية بل ترفضه رفضاً تاماً لا يمكن ان تكون راى لأغلبيه لا تحترم راى الأقليه .
فتوالد احزاب سياسية لا تحترم راى الأغلبية بل ترفضه رفضاً تاماً لا يمكن ان تكون راى عام .
واما النصر الأخير هو هذا الرأي العام يجب ان يكون بحقوق جمهور الشعب ان يكون جزءاً اساسياً من العناصر فيه , اي رأياً عاماً معاشاً له في حياة الناس الاجتماعية و الاقتصادية ظهور لا ان يكون قعقعة طواحين هواء تتصدع لها صالات الخطايه دون ان يكون لها واقع معاش في حياة الناس .
لست هنا مسقطاً كل هذه العناصر على الحياة السياسية و الاجتماعية في البحرين بل لترك ذلك سؤالاً مفتوحاً للجمهور.
ان الرأي الراشد يولد قيادة راشدة , ويبين لنا هنا ان اللعبة في اساسها هي توازن سلطات الملك فهو موجود في قمة الهرم وله توازناته و التي قد يتخذ من اجلها قرارات لا تعجبه بعض الاحيان .
و الشعب وهو موجود كقاعدة للهرم فهل له توازناته ام الشكل القانوني للدولة فهو الصباغه التي تصبغ بها البيوت و التي قد تلوثها الامطار و العواصف .
ان كل ما يمكن ان يقيد الملكيات عن التصرف المطلق هو القوة المطلقة و ان ما يخلق القوة المطلقة هي الحضارة المرتكزة على وعي منبثق من فئات عريضة من الشعب .
وقبل ان نسأل عن دستور تعاقدي يجب ان نسأل هل حمينا الدستور التعاقدي 1973م .
حيث بينا الإرتباط الوجودي بين الملكية و الدستور في الملكية الدستورية فإن هذا الإرتباط لا يعنى الدستور بالمعنى العام بل الدستور بالمعنى الخاص اى الدستور الذي نشأت الملكية الدستورية به .
وحيث ان ايقاف العمل بالدستور كما حدث مثلاً في فولتا العليا حيث اوقف في 5 يناير 1966 دستور 1960 وفي نوفمبر 1977 اى بعد 13 عام وضع دستور جديد وكما جاء في تعبير الدكتور عبدالمجيد متولى كتاب انظمة الحكم صفحة 94 الواقع انه لا يوجد دستور كتب عليه الايقاف ثم كتب له العودة بحيث يصبح ايقاف الدستور او وضعه في الثلاجة على حد التعبير يعني الموت اة الالغاء بالنسبه للدستور .
ان ظاهرة ايقاف الدساتير كثيراً ما تستخدم في الدول حديثة الاستقلال اثؤ الانقلابات العسكرية ةلاعطاء المزيد من السلطات للرئيس او للملك ولكن ماذا يعنى تقيد نظام الحكم بالملكية الدستورية وفي نفس الوقت تمتد صلاحية الملك الىما هو ابعد واكثر عمقاً في التدخل في السلطات الثلاث منحدود الامير السابق والتى كانت مطلقة دون تقيد من دستور 1973 التى كانت في حدود 11 صلاحية فقط .
فاذا آمنا بأن نظام الحكم في البحرين ملكياً قبل وبعد الاستقلال 71 واستمر كذلك الى الآن فإن دائرة اتساع نفوذ الملك وقد اكتدت الى السلطات الثلاث اصبحت في ظل دستور 2002 صلاحيات مطلقة اكثر منها سابقاً مما يعنى ان الملكية الدستورية هي اقرب ان تكون دستور ملكي منها ملكية دستورية وهذا نظام لم يصل اليه التطور البشري في طرق تطور الدساتير في القرن العشرين السائرة الى المزيد من الصلاحيات للشعوب و المزيد من الإلتزامات على عاتق الحكام.
فلخلل اذن ليس في دستور 2002 الموسع للصلاحيات الملكية بل في دستور 1973 المضيق لها مما يظهر للعين الفاحصة ان النظام في البحرين كان ملكي دستوري و الآن مطلق بقوة الدستور .