الأساليب الديمقراطية لنشأة الدساتير
يمكن تعريف الأساليب الديمقراطية في وضع الدساتير، بأنها الأساليب التي تستأثر الأمة وحدها في وضعها دون مشاركة الحاكم ملكا كان أو أميرا أو رئيسا للجمهورية. وبغض النظر عن التفصيلات والإجراءات المتبعة في وضع الدساتير داخل إطار هذا المفهوم الديمقراطي في وضع الدساتير، يمكن جمع هذه الأساليب في أسلوبين رئيسيين هما الجمعية التأسيسية وأسلوب الاستفتاء الشعبي
1. أسلوب الجمعية التأسيسية:
تعد نشأة الدساتير وفقاً لهذا الأسلوب منطلقة من مبدأ السيادة الشعبية، كما ينظر إليه أيضاً على أنه من الأساليب الديمقراطية لخلق الدساتير حيث يمثل مرحلة أكثر تقدماً في نضال الشعوب ضد الحاكم المطلق .
ويصدر الدستور وفقاً لأسلوب الجمعية التأسيسية من مجلس أو جمعية تنتخب بصفة خاصة من الشعب ونيابة عنه، يعهد إليها بمهام وضع وإصدار دستور جديد يصبح واجب النفاذ. ولذا فإن هذه الجمعية التأسيسية أو كما يطلق عليها البعض اسم الجمعية النيابية التأسيسية هي في الواقع تجمع كل السلطات في الدولة فهي سلطة تأسيسية تشريعية وتنفيذية. وهذا الأسلوب في وضع الدساتير هو الذي تم إتباعه في وضع معظم الدساتير التي ظهرت عقب الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية. وكأمثلة تاريخية على أسلوب الجمعية التأسيسية نذكر دساتير الولايات المتحدة الأمريكية عقب استقلالها من إنجلترا عام 1776 م كما اتخذته أمريكا أسلوباً في وضع وإقرار دستورها الاتحادي لعام 1787 م وقد انتشرت هذه الطريقة فيما بعد فاعتمد رجال الثورة الفرنسية هذا الأسلوب من ذلك دستور فرنسا لعام 1791 م، وعام 1848 م، وعام 1875 م ، وقد انتهج هذه الطريقة كل من اليابان عام 1947 م، والدستور الإيطالي عام 1947 م، والدستور التشيكوسلوفاكي عام 1948 م، والدستور الروماني عام 1948 م، والدستور الهندي 1949 م، والدستور السوري عام 1950 وتعد هذه الطريقة أكثر ديمقراطية من الطريقتين السابقتين، إذ أن الدستور يقوم بوضعه في هذه الحالة جمعية منتخبة من الشعب.
كما أن هذه الطريقة تحتوي على العديد من المخاطر يمكن تلخيصها كالآتي:
ا-احتمال انحراف الجمعية التأسيسية عن غرضها المنشود، بتفوق السلطة التشريعية على باقي السلطات الأخرى، لكون أغلب الأعضاء فيها تراودهم فكرة الترشح للمرة الثانية.
ب-الاعتماد على فكرة الجمعية التأسيسية يحتمل فيها استحواذ هذه الأخيرة على جميع الاختصاصات، مما قد يخلق عجزا وانسدادا أثناء معالجة المشاكل الشائكة وقت الأزمات.
ج-احتمال رفض الشعب للجمعية التأسيسية بعد إقرارها للدستور، وهذا فعلا ما حدث في دستور الجمعية الفرنسية الرابعة سنة 1946 م، مما بدد الطاقات والمجهودات .
2- أسلوب الاستفتاء الشعبي أو الاستفتاء الدستوري:
ينشأ الدستور وفقاً لهذا الأسلوب من خلال الإرادة الشعبية الحرة، إذ يفترض أن يقوم الشعب أو يشترك بنفسه في مباشرة السلطة التأسيسية، في هذه الحالة يصدر الدستور مباشرة من الشعب الذي يوكل الأمر إلى جمعية منتخبة تكون مهمتها وضع مشروع الدستور أو إلى لجنة معينة من قبل الحكومة أو البرلمان إن وجد، ومن أجل أن يكون استفتاء دستوري يجب أن تكوّن أولا هيئة أو لجنة تقوم بتحضير مشروع الدستور وعرضه على الشعب لاستفتائه فيه، لأخذ رأي الشعب في مشروع الدستور ، ولكن هذا المشروع لا تصبح له قيمة قانونية إلا بعد عرضه على الشعب واستفتائه فيه وموافقته عليه. علماً بأنه ليس بلازم أن تقوم بوضع الدستور -المراد الاستفتاء عليه- جميعة تأسيسية نيابية، وإنما يفترض أن تكون هناك هيئة أو جمعية أو لجنة أو شخصية، قد أسند إليها وقامت بالفعل بإعداد مشروع الدستور، كما حدث بالنسبة لبعض دساتير العالم. ولا يختلف الأمر إذا كانت هذه الجمعية أو اللجنة التحضيرية للدستور منتخبة أو معينة، إذ تقتصر مهمتها على مجرد تحضير الدستور فحسب تمهيداً لعرضه على الشعب للاستفتاء عليه بالموافقة أو بالرفض، ويعتبر تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء هو الفصل في بدء سريان الدستور والعمل بأحكامه.
وإذا كان بعض الفقهاء قد ذهب إلى عدم اعتبار أسلوب الاستفتاء الشعبي أسلوبا متميزا عن أسلوب الجمعية التأسيسية أي عدم التفرقة بين الجمعية التأسيسية والاستفتاء السياسي على أساس طريقة واحدة، بل يعتبرون الاستفتاء مكملا للجمعية التأسيسية، فهو حلقة له ويستدلون بالعديد من القرائن التاريخية، فقد يوضع المشروع الدستوري بواسطة جمعية تأسيسية