متحمسون جدا للقائه وقد جمعوا صحبتهم في سيارة دفع رباعي عند بوابة مطار بغداد الدولي وهم يرقبون نزول الطائرات واحدة تلو الاخرى، ويبدأ المزاح بالاشتعال على الشخص المنتظر، هو زميل لهم اسمه هاني اختلف عنهم بأنه يمتلك عنصر المبادرة وجريء اكثر منهم أخذ بعضه ورحل الى روسيا حيث الدراسة هناك كما يعبر أرخص وأحلى. زملاؤه تخلفوا عنه حتى أنهم لم ينجحوا من السادس الاعدادي في السنة الماضية إلا أنهم هذه السنة اجتازوا السادس الاعدادي من الدور الاول وأخذوا ينتظرون مجيء هاني بفارغ الصبر من أجل معرفة طبيعة الدراسة هناك وأي الاختصاصات مطلوبة ومتوفرة في الجامعات الرصينة .
طال الانتظار فإجراءات التفتيش في مطار بغداد الدولي لا تشبهها اية اجراءات في العالم كله الى ان جاءت مجموعة من الحافلات تقل المسافرين الى ساحة عباس بن فرناس وهنا اقترح زيد على صديقه احمد ان يذهب الى المسافرين ويسألهم عن الرحلة ومن اين قدومها، اجابهم احد المسافرين : من تركيا عندها استعد الجميع للقاء صديقهم الذي مابرح يقطع قلوبهم من الصور التي يرسلها لهم على الفيس بوك والوتساب وغيره من برامج الاتصال، عن روسيا، وعن الدراسة فيها وعن الاهم بالنسبة لهم، الزميلات في الجامعات.
وصل هاني والتف حوله زملاؤه يسألونه عن الحياة هناك وعن تفاصيلها من اول لحظة اللقاء بينهم . اجابهم ضاحكا عليهم اطمئنوا: سنذهب الى روسيا سوية في العام القادم .
احمد اكد له ان هناك شركات للسياحة الدراسية توفر فرص دراسية للطلبة، هنا اعترض هاني عليه لا داعي لها فالبعض منها مجموعة سماسرة تبيع الهواء لا اكثر ولا اقل ولا داعي الى انتظار القبول المركزي والخوض مجددا في اخطائه واخطاء الانسيابية .
الخيارات متعددة ويبقى مزاج الطالب وإمكانيته المادية أساس الاختيار
الجامعات التي بات الطالب العراقي يسافر لها منحصرة بين روسيا واوكرانيا والهند وماليزيا واحيانا بعض الجامعات العربية مثل مصر والامارات ولبنان لكن الغلاء الفاحش في الامارات دفع العديد من الطلبة الى الغائها وكذلك بيروت اما مصر فان هناك معاناة من الفيزا كما المعلوم ان فيزا الدخول الى مصر ليس ممكنة بدرجة يسيرة اضافة الى الاوضاع الامنية التي تمر بها مصر، وماليزيا افضل ما يقدم له الطلبة العراقيون ففيها مستوى علمي عال جدا يمكن ان تستنتجه من التطور العلمي والاقتصادي والاجتماعي لهذا البلد .
احد الطلبة الاصدقاء في ماليزيا وعن طريق الانترنيت يقول ان التعليم في ماليزيا يضاهي التعليم في ارقى البلدان دون مبالغة فهناك طلاب من اوربا ومن اميركا وكندا يدرسون في الجامعات الماليزية وهو يؤكد انه يدرس في جامعة عالمية تتبع الى شركة النفط الماليزية العالمية “بتروناس” ذات الابراج العالية التي تشتهر بها ماليزيا مع ان تسهيلات القبول اسهل بكثير من باقي الدول ناهيك عن الجو المعتدل والطباع الاسلامية للشعب الماليزي . اما عن روسيا فيقال انها رغم كفاءة جامعاتها العلمية الا انها غير مرغوبة لدى الطالب العراقي بسبب موقف الشعب الروسي من الشرقيين والمضايقات التي يحصل عليها اصحاب البشرة السمراء والملامح الشرقية والحوادث كثر ناهيك عن الغلاء الفاحش الذي تشهده موسكو منذ الانهيار والى يومنا هذا وارتفاع كلف العلاج بالاضافة الى البرد القارس الذي يتجنبه الكثير من الدارسين. اما الهند دول التوابل فهي الاكثر رغبة بسبب رخص الاسعار والعيش الممكن باقل تكاليف اضافة الى سمعة الجامعات الهندية عالميا.
دراسة الطب حلم في العراق وواقع في الخارج
محمد هادي الذي تخرج حديثا من الدراسة الاعدادية يدور هذه الايام في المناطق الراقية كما يسميها ويقصد بها المنصور والكرادة وزيونة بحثا عن علامات الشركات الدراسية التي راجت في الاونة الاخيرة وازداد الطلب عليها مع المشاكل السنوية المزمنة في القبول المركزي وحصر مصير الطالب في امتحان واحد يقول هذه فرصة لا تعوض فبامكانك الدراسة خارج العراق وفي جامعات معترف بها من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية خاصة جامعات روسيا وماليزيا ففيها حسب مافهمت مستوى تدريسي عال اضافة الى وجود عدد غير قليل من الطلبة العرب والعراقيين من جميع القوميات مما يسهل علينا المهمة وعنه يقول : حصلت على معدل اثنين وسبعين من الفرع العلمي ومستواي كان افضل بكثير من هذا الرقم لكنه اليوم الواقع الذي لا بد ان عيشه واقتنع به ولا مجال لذكر الحجج كما يقول عنها المسؤولون في الوزارات المختصة كالتعليم العالي والتربية وبهذا المعدل لا استطيع ان ادرس الطب او الهندسة وهما حلمي منذ الصغر فمعدلي سيقبلني على اكثر تقدير في اقسام كلية التربية العلمية لذلك اجلت السنة على امل ان ارفع اوراقي الى احدى الجامعات الروسية او الماليزية لدراسة الطب مع قسط سنوي لا يتجاوز ثلاثة الاف دولار امريكي ومصرف شهري 500 دولار امريكي وهو رقم معقول مقابل بكلوريوس طب .
الإمكانية المادية تحدد كفاءة الجامعة
ونوع الاختصاص
علي حافظ (بكلوريوس كيمياء) الجامعة المستنصرية يقول:. تخرجت قبل سنوات ثلاث وراجعت الوزارة من اجل التعيين فلم احصل على اي دعم بخصوص تعييني في كليتي فلجأت بعدها الى دائرة البعثات فوجدت المتقدمين بالالاف والفرص بالعشرات مادفعني الى ترك فكرة البعثات والعمل في مجال الحصول على زمالة دراسية لاكمال الدراسة العليا في مجال الكيمياء (ماجستير دكتوراه) ولكن الشروط التي تضعها الدول للتقديم تعجيزية والمقاعد محدودة لا تتجاوز اصابع اليد الواحدة ناهيك عن المعدلات العالية التي تتنافس على هذه المقاعد والفرق واضح بين الزمالة والبعثة والدراسة فالاولى تتكلف بها الدولة المرسلة بالمصاريف والثانية تتكفل بها الدولة العراقية والثالثة على نفقة الطالب نجد التضخم واضحا في التقديم على الزمالات والبعثات اضف الى ذلك المحسوبية والواسطة التي تلعب دورا مهما في مجال الزمالات والبعثات فاتجهت هذه المرة الى الدراسة على النفقة ولكن الطريق لم يكن معبدا فالدفع بالاف الدولارات، فاقل جامعة اسيوية ليست يابانية او كورية اما ماليزية او تايلندية تطالبنا بــ 7 الاف دولار اميركي سنويا مع اجور المعيشة التي كما تزعم الجامعة 400 دولار شهريا وهذه المبالغ خيالية اذا ماقورنت بنوعية البلد وكفاءة الجامعة كما حال الجامعات الاوربية او الاميركية فحدث ولا حرج فالدراسة على النفقة باب فتح لاصحاب المقامات العالية ليزدادوا علما باموالهم اما نحن فليس لنا سوى الله سبحانه وتعالى..
ليس كل الجامعات مرموقة
الدكتور احمد مهدون (استاذ جامعي) يقول: الدراسة من المال الخاص شيء جيد وجميل فهو يسمح بتوفير الاختصاصات العلمية والانسانية للعراق ولكن عن طريق برمجة الاحتياجات العلمية والانسانية فتحدد الوزارة الاختصاصات التي نعاني من شحتها وتمنحها الى المواطن الذي ينوي التقديم الى الدراسة على حساب الدارس لان الدارس على النفقة عندما يحصل على شهادته من الخارج ليعود الى العمل داخل العراق تكون الوزارة ملزمة بتوفير تعيين له مما يؤدي الى مزاحمة المتقدمين الى التعيين داخل العراق. هناك جامعات تمتاز على غيرها من ناحية كفاءة التخرج وفرصة التعيين على غيره من الذين يدرسون في جامعات اقل رصانة وعلى الوزارة ان تنتبه الى الجامعات وان تقيمها على اساس عمر الجامعة وكفاءتها وسمعتها بين الجامعات لان هناك جامعات في دول الخارج تحتاج الى سنين كي تصل الى مستوى جامعة بغداد وانا لا اتكلم من فراغ فقد زرت العديد منها فليس من المعقول ان ندفع ابناءنا الى الدراسة على النفقة التي تكلف الاف الدولارات في جامعات ادنى من جامعاتنا.
محمد ساجد (بكلوريوس علوم بايلوجي) يقول: انوي السفر الى خارج العراق بعد عودة الوضع الامني الى حالة من التدهور وميادين العمل المتعطلة واحاول استغلال خروجي من العراق فيما ينفعني فأنا سأعود الى بلدي عاجلا ام اجلا لكي اقدم خدمة له فجاءتني فكرة السفر والدراسة خارج العراق وانا متمكن ماديا فراسلت احدى الجامعات العربية الرصينة وحددت لي اجور الدراسة وتكاليف العيش في ذلك البلد وقدمت لها (سيفي) وعندما حصلت الموافقة قدمتها الى فايل كي اكون معرفا لديها فهناك كلام على ان الدولة ستتكفل مستقبلا نصف التكاليف.
تطوير جامعات العراق أولى
بالدارسين خارج البلد
الدكتورة سهى العوادي استاذة علم النفس تقول: مبدأ الدراسة على النفقة مبدأ طبقي فهذه الحالة ستجعل المتمكنين اطباء او مهندسين من جامعات رصينة مقابل اصحاب الدخول المحدودة الذين لاحول ولاقوة لهم ولا يستطيعون تجاوز أي من العقبات التي تقف في طريقهم فالتمييز بين المجتمع واضح واضيف نقطة مهمة: ان الدولة عندما تفاضل بين الاستاذ وخريج جامعة بغداد واخر من جامعة اجنبية فالمؤكد انها ستفضل الثاني لكونه من جامعة رصينة تفوق جامعة بغداد فبدلا من ان نطور جامعاتنا اخذنا نقارنها بجامعات اعلى مستوى ليتبين الفرق الذي نعرفه جميعا... صفا محمود بكلوريوس تربية ـ ابن الهيثم ـ رياضيات تقول: السفر لفتاة مثلي صعب جدا فهو غير مقبول عرفا ولاشرعا فانا بحاجة الى محرم كي اسافر فاذا توفر المال شح المحرم فاخوتي كلهم متزوجون ولهم عوائل ووالدي رجل كبير لايقوى على السفر ولااعلم كيف ساتمكن من الالتحاق بالجامعة التي راسلتها.
الدراسة على النفقة سرقة للكفاءات
الدكتور عاصم مجيد (استاذ جامعي) يقول البعض من الاساتذة خرجوا الى الدراسة على النفقة والغاية هي الحصول على درجة الدكتوراه والدرجة العلمية وتستغرق ستة اشهر ولكن هذه الستة اشهر كفيلة بالحصول على فرصة عمل في باقي الجامعات اذا ايقنوا انك كفاءة لايجوز التفريط بها ويروي لي احد الاصدقاء ان الجامعة عندما ايقنت بكفاءتي قدمت لي راتبا شهريا ممتازا مع مزايا يسيل لها اللعاب مثل سيارة فارهة وسكن درجة اولى وتتكفل الجامعة باستحصال موافقة الجهات المعنية على قدوم عائلتك وتوفير فرص الدراسة لهم واكثر من هذا تعهدوا لي بالاقامة المفتوحة. مااريد قوله اني لااعترض على مبدا الدراسة على النفقة لكنه باب لخروج الكفاءات فعلى الدولة ان تنتبه الى هذه الهجرة الشرعية والى الجامعات التي تتصيد بالماء العكر بالمقابل عليها ان توفر القسط البسيط من مزايا الجامعات كتوفير السكن وغيره للاستاذ الجامعي. وهو سلاح ذو حدين فكما يحتوي على ايجابيات كثيرة يحتوي على سليبيات كثيرة والاولى بالجهات المعنية ان تعالج السلبيات وان تطور جامعاتنا العراقية كي تردم الفجوة بينها وبين جامعات العالم.