على الرغم من نبرة التشاؤم التي تشوب الدراسات التي تتناول العراق استنادا الى المعطيات الراهنة المتمثلة بالصراعات السياسية الداخلية الحادة التي في معظمها ترتبط بالصراعات الاقليمية، إلا ان المحلل ريكاردو دوغولين يرى في مقاله الذي كتبه في المركزالبحثي «آسيا تايمز « غير ذلك.
والكاتب يركز على نقطة يعدها جوهرية تتمثل في كون اغلب البلدان العربية القريبة من العراق تشهد صراعات حادة كان العراق قد تجاوزها.
ويقول «فيما تشهد لبنان هزات ارتدادية من نوبة العنف الأخيرة من جنوبه إلى طرابلس، وفيما تطوف القاهرة التظاهرات وتمزق سورية حرب أهلية مدمرة بالوكالة مما يبعدها عن مكانتها التقليدية، وعلى الرغم من الهالة المالية التي تحيط بالسعودية وقطر والإمارات إلا إن هذه الدول لا تملك القوة السياسية، والقوى العاملة أو الوحدة الإقليمية التي تؤهلها بمفردها لقيادة رقعة الشطرنج المتداعية في الشرق الأوسط».
ويقول الكاتب إن» الحقائق على الأرض تشير إلى أن السنوات القادمة ستشهد ظهور فراغ في السلطة العربية مما يرجح ملأها من قبل الجماعات المتطرفة والأصولية مما يزيد من تآكل قدرة الدول على تأكيد سياساتها في المنطقة. وتشكل هذه العناصر مصدرا رئيسيا يوجه إنذارا لصناع السياسة الإقليمية والدولية، وينبغي للمحللين أن لا يرفضوا الدور الذي ما يزال بمقدور العراق القيام به».
ويرى الكاتب: إن الاسئلة التي لم تجد أجوبة لها في العراق مثل غياب السلامة الشخصية ووجود الإرهاب وعدم سيطرة الحكومة المركزية على الاراضي هي امورمضللة لأنها تعطي انطباعا بعدم الاستقرار وبوجود قضايا غير قابلة للحل.
وفي حين تتأهب المنطقة لسنوات طويلة من الصراعات وتوابعها، فإن العراق مرَّ بحرب مدمرة دموية ويركز الان على جهود إعادة الإعمار. ويمكن لهذه الجهود ان تجذب المزيد من المستثمرين الدوليين الذين، في المقابل، سوف يزيدون من مستوى خبرة الملايين من الشباب العراقيين الذين يبحثون عن فرص للعيش في سلام وأمن.
وبعد عشرة سنوات من بدء العمليات العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة في بلاد ما بين النهرين، يمكن الخروج بعدد من الاستنتاجات فيما يتعلق بنتائج الحملة الدولية في العراق وتأثيراتها. وهناك نتيجة واضحة: ففي حين ينخرط السوريون في حرب أهلية بالوكالة لتخليص أنفسهم من بشار الأسد وبينما تسير مصر ببطء نحو الانهيار السياسي، فإن التدخل الدولي في العراق استطاع ان يحرير البلاد من نظام صدام.
ومن الواضح أن التكلفة التي يدفعها السكان المدنيون العراقيون مرتفعة ولم تتغير نتيجة ارتفاع المخاطر التي يشكلها التهديد الإرهابي المستمر. ومع ذلك، فان البلاد في الوقت الحاضر فيها دستور ومؤسسات سياسية تتقدم ببطء نحو نظام تمثيلي وطني.
وبرغم إن كل انتخابات تشريعية تظل مليئة بالعقبات وتتسبب أيضا في أعمال عنف كبيرة ولكن الإطار القانوني بات متوفرا، وبالتالي تم إرساء الأساس الذي يمكن بناء مستقبل البلاد عليه. وعلاوة على ذلك، فإن سقوط نظام صدام وتشكيل هيكل جديد يتمثل باقتصاد السوق متعدد الأقطاب يمكن أن يكون مفيدا للغاية لمواطني البلد على المدى المتوسط.
وعند المقارنة بالمحيط فان « العراق سبق في الواقع، جيرانه العرب بعقد من الزمان، وهم للتو بدأوا بالبحث عن قواعد سياسية واقتصادية جديدة. وفي حين أن الحرب دمرت البلاد وسكانها، فإن الوضع الجديد نأى بالعراق عن المستنقع الإقليمي.
النقطة الثانية التي يتم التشديد عليها هي أن البلاد لديها الآن كل الأوراق اللازمة لإعادة ترسيخ نفسها كاقتصاد إقليمي ناجح، تستند في ذلك الى موارد النفط الضخمة، وكون العراق هو المحور الذي يربط بين الخليج وآسيا الوسطى والشرق الأدنى مع إمكانية خلق قطاع صناعي قوي».
وقد توزعت محاولات إعادة الإعمار في جميع قطاعات الاقتصاد العراقي والمجتمع، مما يشكل فرصة حقيقية للبلاد. وتمثل قدرة الحكومة والقطاع الخاص على رفع اهتمام المستثمرين الأجانب وتلبية احتياجاتهم تحديا كبيرا، ولكن مئات من الأوروبيين، ومن أميركا الشمالية، والشركات الصينية العاملة يتواجدون بالفعل في العراق وكل ذلك مؤشر قوي على جاذبية البلاد.
والعامل الرئيسي الذي يجب وضعه في الحسبان يكمن في التنوع الذي تمثله الطموحات الاقتصادية العراقية التي تستفيد من كل الدول والمستثمرين من جميع القطاعات وجميع الأحجام.
وأخيرا، هناك أيضا القوة غير الظاهرة في البلد المتمثلة برأس ماله البشري. فهناك 30 مليون نسمة تقل اعمار 30٪ منهم عن 15 عاما. والعديد من الشباب العراقيين على استعداد للسفر إلى الخارج لتحسين قدراتهم المهنية والمساهمة في اعادة اعمار بلادهم وجسر الهوة التي كانت تفصلهم عمن كانوا مرة عمالقة الشرق الأوسط مثل سوريا ومصر.
ولا يجب اساءة تفسير هذه المؤشرات. فالعراق ما زال يواجه تحديات هائلة والبيئة الأمنية في البلاد لا تسمح بتحرك آمن خارج المنطقة المحمية. والمركزية المبالغ فيها من قبل السلطة السياسية والاقتصادية في بغداد تتناقض بشكل شديد مع المنطقة الكردية وتتباطأ التنمية الاقتصادية في البصرة بسبب العقبات البيروقراطية والتشريعية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن ارتقاء العراق المحتمل هو في حد ذاته امر يرقبه اللاعبون الإقليميون من العرب وغير العرب بحذر ويرسمون الخطط والسياسات لابقاء البلد تابعا دائما لهم في كل الجوانب التجارية والثقافية وفي الطاقة.