الآيات النازلة في حق الإمام علي(عليه السلام) ولم ينزل مثلها في حق غيره

بسم الله الرحمن الرحيم


اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم




نختار في هذه الفقرة بعض الآيات النازلة في حق عليوالتي تبين أفضليته على الصحابة ، لا كل الآيات التي تبيّن فضله والتي نزلت في حقه مطلقاً ، لأن هذه تحتاج الى بحث مستقل. فمن الآيات التي يمتاز بها علي(عليه السلام) ولا تنسحب على غيره وبها تثبت أفضليته على الصحابة، وتوضح من ثمّ مدى علاقة عليبالقرآن:
1 ـ ما عن ابن عباس أنّ رسول الله() قال: ما أنزل الله آية فيها ( يا أيها الذين آمنوا)إلاّ وعلي رأسها وأميرها [68] .
2 ـ وعن ابن عباس أيضاً أنه قال: لما نزل (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى) [69] ، قالوا: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال: علي وفاطمة وابناهما [70] .
وبهذه الآية تصبح المودّة لعليّ واجبة على غيره من الصحابة.
3 ـ قوله تعالى: (واجعل لي وزيراً من أهلي) [71] فعن ابن عباس(رضي الله عنه)أ نّه قال: أخذ النبي()بيد علي بن أبي طالب(عليه السلام)ـ ونحن بمكة ـ وبيدي، وصلّى أربع ركعات ، ثم رفع يده الى السماء فقال: اللهم إن موسى بن عمران سألك وأنا محمد نبيّك أسألك أن تشرح لي صدري وتحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيراً من أهلي علي بن أبي طالب أخي أشدد به أزري وأشركه في أمري قال ابن عباس: سمعت منادياً ينادي يا أحمد قد اُتيت ما سألت [72] .
4 ـ قال تعالى: (إنّما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) [73] .
اعتمد القرآن الكريم في خصوص هذه الآية على تبيان أفضلية الإمام على غيره من الصحابة عن طريق ابراز الجانب السلوكي المصحوب بالتصريح بأن عليّاً هو الولي للمؤمنين.
وقد أجمعوا على نزول هذه الآية في علي بن أبي طالب لمّا تصدّق بخاتمه على المسكين في الصلاة بمحضر من الصحابة.
قال الزمخشري عن قوله (وهم راكعون) : وقيل: هو حال من يؤتون الزكاة. بمعنى يؤتونها في حال ركوعهم في الصلاة، وأنها نزلت في علي كرم الله وجهه حين سأله سائل وهو راكع في صلاته فطرح له خاتمه كأنه كان مرجاً [74] في خنصره، فلم يتكلف لخلعه كثير عمل تفسد بمثله صلاته.
فإن قلت: كيف صح لعليّ واللفظ جماعة؟
قلت: جيء به على لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجلاً واحداً، ليرغب الناس في مثل فعله فينالوا مثل ثوابه، ولينبّه على أن سجية المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية من الحرص على البر والإحسان وتفقّد الفقراء، حتى إن لزمهم أمر لا يقبل التأخير وهم في الصلاة; لم يؤخروه الى الفراغ منها [75] .
5 ـ قال تعالى: (يا أيها الرسول بلّغ ما اُنزل إليكَ من ربّك...) [76] .
صرّح أئمة التفسير والحديث أنها نزلت في بيان فضل علييوم الغدير حيث أخذ رسول الله() بيد عليوقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله، وادر الحق معه كيف مادار [77] .
وبهذا التنصيب الإلهي لعلي ـ حسب هذا النص القرآني ـ يثبت أنه هو الأفضل بعد الرسول() من غيره.
6 ـ وقال تعالى: ( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) [78] .
إن الآية تنص على حصر إرادة الله تعالى هنا في إذهاب الرجس عن أهل البيت وتطهيرهم تطهيراً كاملاً شاملاً، وهذا الحصر إنّما هو بالنسبة الى ما يتعلق بأهل البيت، وإلا فإن لله تعالى إرادات تشريعية وتكوينية، غيرها بالضرورة، فالمعنى أن إرادة إذهاب الرجس والتطهير مختصة بهم دون غيرهم، فتصير في قوة أن يقال: يا أهل البيت، أنتم الذين يريد الله أن يذهب عنكم الرجس ويطهركم من الأدناس. فالإرادة هذه تكوينية لا محالة، فإن الإرادة التشريعية للتطهير لا تختص بقوم دون قوم وبيت دون بيت. والإرادة التكوينية منه تعالى لا تنفك عن المراد. فتطهير أهل البيت من الرجس أمر واقع بإرادة الله تعالى، فهم المعصومون من الذنوب والآثام والاخطاء.
هذا هو الظاهر من نفس الجملة بصرف النظر عما قبلها.
وروايات نزولها في أهل البيت ـ أهل بيت الوحي المطهّرين، النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين ـ دون غيرهم كثيرة جداً تربو على سبعين حديثاً من طرق الفريقين، وإذا لم يكن مثل هذه الروايات معتمداً عليها فبأي حديث بعده يؤمنون؟!
وهذه الروايات التي روتها الشيعة بطرقهم عن أمير المؤمنين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وعلي بن موسى الرضا عن اُم سلمة وأبي ذر وأبي ليلى وأبي الأسود الدؤلي وعمر بن ميمون الأودي وسعد بن أبي وقاص، وروتها السنة بأسانيدهم عن اُم سلمة وعائشة وأبي سعيد الخدري وسعد ووائلة بن الأصقع وأبي الحمراء وابن عباس وثوبان مولى النبي(صلى الله عليه وآله) وعبد الله بن جعفر وعلي بن أبي طالب والحسن بن علي، كلها تدل على أن الآية نزلت في الخمسة الطيبة: رسول الله وابن عمه علي وبنته فاطمة وسبطيه الحسنين، وهم المرادون بأهل البيت دون غيرهم [79] .
روى عبدالله بن أحمد بن حنبل في مسنده عن أبيه عن شداد أبي عمار، قال: دخلت على وائلة بن الأصقع وعنده قوم فذكروا علياً، فلما قاموا قال: ألا اُخبرك بما رأيت من رسول الله() ؟ قلت: بلي ، قال: أتيت فاطمة ـ رضي الله تعالى عنها ـ أسألها عن علي، قالت: توجّه، الى رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، فجلست انتظره حتى جاء رسول الله()ومعه علي وحسن وحسين ـ رضي الله تعالى عنهم ـ آخذاً كل ] واحد [منهما بيده حتى دخل، فأدنى علياً وفاطمة فأجلسهما بين يديه، وأجلس حسناً وحسيناً كل واحد منهما على فخذه، ثم لف عليهم ثوبه ـ أو قال: كساءاً ـ ثم تلا هذه الآية: ( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا) وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، وأهل بيتي أحق [80] .
وبهذا يحوز الإمام على ملكة العصمة والتي تكفي برهاناً على أنه الأفضل على من وجه الأرض دون رسول الله().
7 ـ قوله تعالى: ( فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) [81] .
يتضمن الأمر بدعوة الأبناء والنساء والأنفس ـ بصيغ الجمع في الجميع ـ وامتثال هذا الأمر يقتضي إحضار ثلاثة أفراد من كل عنوان لا أقل منها، تحقيقاً لمعنى الجمع ، لكن الذي أتى به النبي()في مقام امتثال هذا الأمر على ما يشهد به صحيح الحديث والتاريخ لم يكن كذلك، وليس لفعله()وجه إلا انحصار المصداق في ما أتى به. فالآية بالنظر الى كيفية امتثالها بما فعل النبي()تدل على أن هؤلاء هم الذين كانوا صالحين للاشتراك معه في المباهلة وأنهم أحب الخلق إليه، وأعزهم عليه، وأخص خاصته لديه، وكفى بذلك فخراً وفضلاً.
ويؤكد دلالتها على ذلك أنه() كان له عدّة نساء ولم يأت بواحدة منهن سوى بنت له، فهل يحمل ذلك إلا على شدّة اختصاصها به وحبه لها لأجل قربها الى الله وكرامتها عليه؟
كما أن انطباق عنوان النفس على علي لا غير يدل على أعظم فضيلة وأكرم مزية لهحيث نزل منزلة نفس النبي() [82] .
ويؤيده ما رواه الفريقان عن رسول الله() حيث قال لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنّه لا نبي بعدي [83] وقوله أنت مني وأنا منك [84] .
وقد احتجّ مولانا أمير المؤمنين بهذه الفضيلة يوم الشورى واعترف بها القوم ولم ينكروا عليه. وقد بلغ الأمر من الوضوح مبلغاً لم يبق فيه مجال للإنكار من مثل ابن تيمية ، فقد اعترف بصحة الحديث القائل: بأن نفس رسول الله() في الآية هو علي، إلا أنه جعل ملاك التنزيل هو القرابة ، ولما التفت الى انتقاضه بعمّه العباس حيث إن العم أقرب من ابن العم قال: إن العباس لم يكن من السابقين، ولا كان له اختصاص بالرسول()كعلي. فاضطر الى الإعتراف بأن مناط تنزيل علي منزلة نفس النبي [85] ليس هو القرابة فقط، بل سبقه الى الإسلام واختصاصه بالنبي() ، وهل يكون اختصاصه به() إلا لأجل أفضليته من غيره وأقربيته الى الله سبحانه؟! [86]
ثم إن في قوله تعالى: ( ندع أبناءنا...) إشارة الى أن لغيره (صلى الله عليه وآله) شأناً في الدعوة الى المباهلة، حيث أضاف الأبناء والنساء الى ضمير المتكلم مع الغير، مع أن المحاجّة كانت معه() خاصة، كما يدل عليه قوله تعالي: ( فمن حاجّك..). وهذا هو الذي يستفاد من قوله تعالى: ( ويتلوه شاهد منه) [87] وقوله تعالى: ( قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) [88] كما يؤيده ما ورد فيها من الروايات، وهو مقتضى إطلاق التنزيل في قوله()لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى.
ويؤيد ذلك قوله تعالى: (فنجعل لعنة الله على الكاذبين)، فإن المراد بالكاذبين هنا ليس كل من هو كاذب في كل إخبار ودعوى ، بل المراد هم الكاذبون المغرضون في أحد طرفي المحاجّة والمباهلة، فلا محالة يكون المدعي في كلا الجانبين أكثر من واحد، وإلا لكان حق الكلام أن يقال مثلاً: فنجعل لعنة الله على من هو كاذب حتى يصح انطباقه على الفرد أيضاً. فالمشتركون مع النبي() في المباهلة شركاء له في الدعوى.
وحيث إن المحاجّة إنّما وقعت بين النبي() وبين النصارى لا لمجرد الدعوى، بل لأجل دعوتهم الى الاسلام ، وأن الحضور للمباهلة كان تبعاً لتلك الدعوى والدعوة، فحضور من حضر أمارة على كون الحاضرين مشاركين له في الدعوى والدعوة معاً.
والروايات التي صدرت من الصحابة في آية المباهلة كثيرة جداً ، كرواية جابر بن عبدالله والبراء بن عازب، وأنس بن مالك، وعثمان بن عفان، وعبدالرحمن بن عوف، وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص، وعبدالله بن عباس، وأبي رافع مولى النبي()وغيرهم، ورواية جمع من التابعين عنهم كالسدي والشعبي والكلبي وأبي صالح، واطباق المحدثين والمؤرخين والمفسرين على ايداعها في موسوعاتهم، كمسلم والترمذي والطبري وأبي الفداء والسيوطي والزمخشري والرازي باتفاق الروايات وصحتها [89] .
قال جابر: فيهم نزلت ( ندع أبناءنا وأبناءكم) قال جابر: (أنفسنا) رسول الله()وعليو (أبناءنا) الحسن والحسين و (نساءنا) فاطمة [90] .
8 ـ قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصّالحات اُولئك هم خير البريّة) [91] . عن جابر بن عبدالله قال:
كنا عند النبي() فأقبل علي بن أبي طالب، فقال النبي(صلى الله عليه وآله): قد أتاكم أخي، ثم التفت الى الكعبة فضربها بيده ثم قال: والذي نفسي بيده، إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة، ثم قال: إنه أولكم إيماناً معي، وأوفاكم بعهد الله، وأقومكم بأمر الله، وأعدلكم في الرعية، وأقسمكم بالسوية، وأعظمكم عند الله مزية قال: ونزلت (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات اُولئك هم خير البرية) قال: فكان أصحاب محمد(صلى الله عليه وآله) إذا أقبل علي قالوا: قد جاء خير البرية [92] .
__________________________________________________ __

المصـــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــادر :
[68] النور المشتعل من كتاب ما نزل في القرآن في علي للحافظ أحمد بن عبدالله الأصبهاني: 26.

[69] الشورى: 23.
[70] خصائص الوحي المبين لابن بطريق: 81.
[71] طه: 29 .
[72] خصائص الوحي المبين لابن بطريق : 245.
[73] المائدة: 55.
[74] كأنه كان مرجاً، أي قلقاً غير ثابت.
[75] الكشاف للزمخشري: 1/648 وتفسير ابن جرير الطبري: 6/186 والسيوطي في الدر المنثور في ذيل تفسير قوله تعالى: (انما وليكم الله ورسوله)في سورة المائدة قال: وأخرج الخطيب في المتفق عن ابن عباس قال: تصدق علي(عليه السلام) بخاتمه وهو راكع ، فقال النبي() للسائل: من أعطاك الخاتم؟ قال ذاك الراكع، فأنزل الله (إنما وليكم الله ورسوله).
[76] المائدة: 67.
[77] أخرج ذلك متواتراً أئمة التفسير والحديث والتاريخ، وكذا تواتر نزول الآية الكريمة في يوم الغدير، وخطبة النبي() في هذا اليوم، بمحضر من مائة ألف أو يزيدون ونقلوا احتجاج أهل البيت، وكثير من الصحابة، ـ
شواهد التنزيل: 1/187 والدر المنثور: 2/298 وفتح القدير: 3/57 وروح المعاني: 6/168 والمنار: 6/463 وتفسير الطبري: 6/198 والصواعق المحرقة: 75.

[78] الأحزاب: 33.
[79] راجع الإمامة والولاية لجمع من العلماء: 150.
[80] مسند أحمد : 4/107 ، أجمع المفسرون على نزول آية التطهير في فضل (أصحاب الكساء) في بيت أم سلمة وروي متواتراً عن أئمة أهل البيت ، وكثير من الصحابة، وهذا انموذج من مصادره : الحافظ الكبير، الحنفي المعروف بالحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل: 2/10 ـ 192 بعدّة أسانيد، والحافظ جلال الدين السيوطي في الدر المنثور : 5/198 بطرق، وكذا الطحاوي في مشكل الآثار: 1/238 ـ 332 والحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد: 9/121 و 146 و 169 و 172 وأحمد بن حنبل في مسنده : 1/230 و 4/107 وابن حجر في الصواعق : 85 والطبري في تفسيره : 22/5 و 6 و 7 وابن الأثير في اُسد الغابة : 4/29 والنسائي في خصائصه : 4.
[81] آل عمران: 61.
[82] التفسير الكبير، للفخر الرازي: 8/81، تفسير الآية 61 من سورة آل عمران، المسألة الخامسة.
[83] قد أنهى البحراني الروايات الواردة عن النبي() والمشتملة على هذه العبارة من طرق السنّة الـى مائة حديث ومن طرق الشيعة الى سبعين حديثاً، فراجع غاية المرام: 109 ـ 152.
[84] خصائص أمير المؤمنين للنسائي: 88 .
[85] سنن الترمذي : 5/596، حديث 3724 .
[86] منهاج السنّة ابن تيمية: 4/33، البرهان التاسع.
[87] هود: 17.
[88] يوسف: 108.
[89] الإمامة والولاية لجمع من العلماء: 138.
[90] غاية المرام: 301 الحديث 7.
[91] البيّنة: 7.
[92] تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 42/371. ترجمة علي بن أبي طالب(عليه السلام) . روى الأعلام عن رسول الله() بأن (خير البرية) علي وشيعته، منهم السيوطي في الدر المنثور: 6/379، وابن حجر في الصواعق: 96، 159، والشوكاني في فتح القدير: 5/464 والآلوسي في تفسيره: 30/207، والطبري في تفسيره: 3/171 والشبلنجي في نور الأبصار: 105، والحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل: 2/356.