ومما يحكى أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان ملك من ملوك العجم اسمه محمد بن سبائك وكان يحكم بلاد خراسان وكان في كل عام يغزو بلاد الكفارفي الهند والسند والصين والبلاد التي وراء النهر وغير ذلك من العجم وغيرها وكان ملكاً عادلاً شجاعاً كريماً جواداً، وكان ذلك الملك يحب المنادمات والروايات والأشعار والأخبار والحكايات وأسمار وسير المتقدمين وكان كل من يحفظ حكاية غريبة ويحكيها له ينعم عليه، وقيل: إنه إذا أتاه رجل غريب بسمر غريب وتكلم بين يديه واستحسنه وأعجبه كلامه يخلع عليه خلعة سنية ويعطيه ألف دينار ويركبه فرساً مسرجاً ملجماً، ويكسوه من فوق إلى أسفل ويعطيه عطايا عظيمة فيأخذها الرجل وينصرف إلى حال سبيله، فاتفق أنه أتاه رجل كبير بسمر غريب فتحدث بين يديه فاستحسنه وأعجبه كلامه، فأمر له بجائزة سنية ومن جملتها ألف دينار خراسانية وفرس بعدة كاملة ثم بعد ذلك شاعت الأخبار عن هذا الملك العظيم في جميع البلدان فسمع به رجل يقال له التاجر حسن وكان كريماً جواداً عالماً شاعراً فاضلاً وكان عند ذلك الملك وزيراً حسوداً محضره سيء لا يحب الناس جميعاً لا غنياً ولا فقيراً، وكان كلما ورد على ذلك الملك أحداً أعطاه شيئاً يحسده ويقول إن هذا الأمر يفني المال ويخرب الديار، وإن الملك دأبه هذا الأمر ولم يكن ذلك الكلام إلا حسداً وبغضاً من ذلك الوزير، ثم إن الملك سمع بخبر التاجر فأرسل إليه وأحضره. فلما حضر بين يديه قال له: يا تاجر حسن إن الوزير خالفني وعاد أبي من أجل المال الذي أعطيه للشعراء والندماء وأرباب الحكايات والأشعار وإني إريد منك أن تحكي لي حكاية مليحة وحديثاً غريباً بحيث لم أكن سمعت مثله قط فإن أعجبني حديثك أعطيتك بلاداً كبيرة بقلاعها وأجعلها زيادة على إقطاعك وأجعل مملكتي كلها بين يديك وأجعلك كبير وزرائي تجلس على يميني وتحكم في رعيتي، وإن لم تأتني بما قلت لك أخذت جميع ما في يدك وطردتك من بلادي فقال التاجر حسن سمعاً وطاعة لمولانا الملك لكن يطلب منك المملوك أن تصبر عليه سنة ثم أحدثك بحديث ما سمعت مثله في عمرك ولا سمع غيرك بمثله ولا بأحسن منه قط فقال الملك: قد أعطيتك مهلة سنة كاملة ثم دعا بخلعة سنية فألبسه إياها قال له: الزم بيتك ولا تركب ولا تروح ولا تجيء مدة سنة كاملة حتى تحضر بما طلبته منك، فإن جئت بذلك فلك الإنعام الخاص وأبشر بما وعدتك به وإن لم تجئ بذلك فلا أنت منا ولا نحن منك. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. وفي الليلة الرابعة عشرة بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك محمد بن سبائك قال للتاجر حسن: إن جئتني بما طلبته منك فلك الإنعام الخاص وأبشر بما وعدتك به وإن لم تجيئني بذلك فلا أنت منا ولا نحن منك فقبل التاجر حسن الأرض بين يديه وخرج ثم اختار من مماليكه خمسة أشخاص كلهم يكتبون ويقرأون وهم فضلاء عقلاء أدباء من خواص مماليكه، وأعطى كل واحد خمسة آلاف دينار وقال لهم: أنا ما ربيتكم إلا لمثل هذا اليوم فأعينوني على قضاء غرض الملك وأنقذوني من يده فقالوا له: وما الذي تريد أن نفعل فأرواحنا فداؤك، قال لهم: أريد أن يسافر كل واحد منكم إلى إقليم وأن تستقصوا على العلماء والأدباء والفضلاء وأصحاب الحكايات الغريبة والأخبار العجيبة وابحثوا لي عن قصة سيف الملوك وائتوني بها وإذا لقيتموها عند أحد فرغبوه في ثمنها، ومهما طلب من الذهب والفضة فأعطوه غياه ولو طلب منكم ألف دينار فأعطوه المتيسر وعدوه بالباقي وائتوني بها. ومن وقع منكم بهذه القصة وأتاني بها فإني أعطيه الخلع السنية والنعم الوفية ولا يكون عندي أعز منه، ثم إن التاجر حسناً قال لواحد منهم: رح أنت إلى بلاد السند والهند وأعمالها واقاليمها، وقال للآخر: رح أنت إلى بلاد العجم والصين وأقاليمهما، وقال للآخر: رح أنت إلى بلاد الغرب واقطارها وأقاليمها وأعمالها وجميع أطرافها، وقال للآخر وهو الخامس: رح أنت إلى بلاد الشام ومصر وأعمالها وأقاليمها. ثم إن التاجر اختار لهم يوماً سعيداً وقال لهم: سافروا في هذا اليوم، واجتهدوا في تحصيل حاجتي ولا تتهاونوا ولو كان فيها بذل الأرواح فودعوه وساروا وكل واحد منهم ذهب إلى الجهة التي أمره بها فمنهم أربعة أنفس غابوا أربعة أشهر، وفشلوا فلم يجدوا شيئاً فضاق صدر التاجر حسن لما رجع إليه الأربعة مماليك وأخبروه أنهم فتشوا المدائن والبلاد والأقاليم على مطلوب سيدهم فلم يجدوا شيئاً منه وأما المملوك الخامس فإنه سافر إلى أن دخل بلاد الشام ووصل إلى مدينة دمشق فوجدها مدينة طيبة أمينة ذات أشجار وأنهار وأثمار وأطيار تسبح الله الواحد القهار الذي خلق الليل والنهار فأقام فيها أياماً وهو يسأل عن حاجة سيده فلم يجبه أحد، ثم إنه أراد أن يرحل منها ويسافر إلى غيرها، وإذا هو بشاب يجري ويتعثر في أذياله. فقال له المملوك: ما بالك تجري وأنت مكروب وإلى أين تقصد؟ فقال له: هنا شيخ فاضل كل يوم يجلس على كرسي في مثل هذا الوقت ويحدث حكايات وأخباراً واسماراً ملاحاً لم يسمع أحد مثلها وأنا أجري حتى أجد لي موضعاً قريباً منه وأخاف أني لا احصل لي موضعاً من كثرة الخلق، فقال له المملوك: خذني معك، فقال له الفتى: أسرع في مشيتك فغلق بابه واسرع في السير معه حتى وصل إلى الموضع الذي فيه الشيخ بين الناس، فرأى لذلك الشيخ صبيح الوجه وهو جالس على كرسي يحدث الناس فجلس قريباً منه وأصغى ليسمع حديثه فلما جاء وقت غروب الشمس فرغ الشيخ من الحديث وسمع الناس ما تحدث به وانفضوا من حوله فعند ذلك تقدم إليه المملوك وسلم عليه فرد عليه السلام وزاد في التحية والإكرام. فقال له المملوك: إنك يا سيدي الشيخ رجل مليح محتشم وحديثك مليح وأريد أن أسألك عن شيء فقال له: اسأل عما تريد؟ فقال له المملوك: هل عندك قصة سمر سيف الملوك وبديعة الجمال؟ فقال له الشيخ ومن سمعت هذا الكلام ومن الذي أخبرك بذلك؟ فقال المملوك: أنا ما سمعت ذلك من أحد ولكن أنا من بلاد بعيدة وجئت قاصداً لهذه القصة، فمهما طلبت من ثمنها أعطيتك إن كانت عندك وتنعم وتتصدق علي بها وتجعلها من مكارم أخلاقك صدقة عن نفسك ولو أن روحي في يدي وبذلتها لك فيها لطاب خاطري بذلك، فقال له الشيخ: طب نفساً وقر عيناً وهي تحضر لك ولكن هذا سمر لا يتحدث به أحد على قارعة الطريق ولا أعطي هذه القصة لكل واحد، فقال له المملوك: بالله يا سيدي لا تبخل علي بها واطلب مني مهما أردت، فقال له الشيخ: إن كنت تريد هذه القصة، فأعطني مائة دينار وأنا أعطيك إياها ولكن بخمس شروط، فلما عرف أنها عند الشيخ وأنه سمح له بها فرح فرحاً شديداً وقال له: أعطيك مائة دينار ثمنها وعشرة جعالة وآخذها بالشروط التي تذكرها. فقال له الشيخ: رح هات الذهب وخذ حاجتك فقام المملوك وقبل يدي الشيخ وراح إلى منزله فرحاً مسروراً، وأخذ في يده مائة دينار وعشرة ووضعها في كيس كان معه، فلما أصبح الصباح قام ولبس ثيابه وأخذ الدنانير وأتى بها إلى الشيخ فرآه جالساً على باب داره فسلم عليه فرد عليه السلام فأعطاه المائة دينار وعشرة، فأخذها منه الشيخ وقام ودخل داره وأدخل المملوك وأجلسه في مكان وقدم له دواة وقلماً وقرطاساً وقدم له كتاباً وقال له: اكتب الذي أنت طالبه من هذا الكتاب من قصة سمر سيف الملوك فجلس المملوك يكتب هذه القصة إلى أن فرغ من كتابتها ثم قرأها على الشيخ وصححها وبعد ذلك قال له: اعلم يا ولدي أن أول شرط أنك لا تقول هذه القصة على قارعة الطريق ولا عند النساء والجواري ولا عند العبيد والسفهاء ولا عند الصبيان وإنما تقرؤها عند الأمراء والملوك والوزراء وأهل المعرفة من المفسرين وغيرهم فقبل المملوك الشروط وقبل يد الشيخ وودعه وخرج من عنده. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. وفي الليلة الخامسة عشرة بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن مملوك حسن لما نقل القصة من كتاب الشيخ الذي بالشام وأخبره بالشروط وودعه وخرج من عنده وسافر في يومه فرحاً مسروراً ولم يزل مجداً في السير من كثرة الفرح الذي حصل له بسبب تحصيله لقصة سمر سيف الملوك حتى وصل إلى بلاده ثم إن التاجر أخذ القصة وكتبها بخطه مفسرة وطلع إلى الملك، وقال له: أيها الملك السيعد إني جئت بسمر وحكايات مليحة نادرة لم يسمع مثلها أحد قط. فلما سمع الملك كلام التاجر حسن أمر في وقته وساعته بأن يحضر كل أمير عاقل وكل عالم فاضل وكل فطن وأديب وشاعر ولبيب، وجلس التاجر حسن وقرأ هذه السيرة عند الملك، فلما سمعها الملك وكل من كان حاضراً تعجبوا جميعاً واستحسنوها، وكذلك استحسنها الذين كانوا حاضرين ونثروا عليه الذهب والفضة والجواهر، ثم أمر الملك للتاجر حسن بخلعة سنية من أفخر ملبوسه وأعطاه مدينة كبيرة بقلاعها وضياعها وجعله من أكابر وزرائه وأجلسه على يمينه ثم أمر الكتاب أن يكتبوا هذه القصة ويجعلوها في خزانته الخاصة وصار المللك كلما ضاق صدره يحضر التاجر حسن فيقرأها. ومضمون هذه القصة أنه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان في مصر ملك يسمى عاصم بن صفوان وكان ملكاً سخياً جواداً صاحب هيبة ووقار وكانت له بلاد كثيرة وقلاع وحصون وجيوش وعساكر وكان له وزير يسمى فارس ابن صالح وكانوا جميعاً يعبدون الشمس والنار دون الملك الجبار الجليل القهار ثم إن هذا الملك صار شيخاً كبيراً قد أضعفه الكبر والسقم والهرم لأنه عاش مائة وثمانين سنة ولم يكن له ولد ذكر ولا أنثى وكان بسبب ذلك في هم وغم ليلاً نهاراً. فاتفق أنه كان جالساً يوماً من الأيام على سرير ملكه والأمراء والوزراء والمقدمون وارباب الدولة في خدمته على جري عادتهم وعلى قدر منازلهم وكل من دخل عليه من الأمراء ومعه ولد وولدان يحسده الملك ويقول في نفسه: كل واحد مسرور فرحان بأولاده وأنا ما لي ولد وفي غد أموت وأترك ملكي وتختي وضياعي وخزائني وأموالي وتأخذها الغرباء وما يذكرني أحد قط ولا يبقى لي ذكر في الدنيا إن الملك عاصماً استغرق في بحر الفكر فلم يتكلم ولم يفتح فاه ولم يرفع رأسه وما زال يبكي ويصوت بصوت عال وينوح نوحاً زائداً ويتأوه والوزير صابر له ثم بعد ذلك قال الوزير: إن لم تقل لي ما سبب ذلك، وإلا قتلت نفسي بين يديك من ساعتي وأنت تنظر ولا أراك مهموماً، ثم إن الملك عاصماً رفع رأسه ومسح دموعه وقال: أيها الوزير الناصح خلني بهمي وغمي فالذي في قلبي من الأحزان يكفيني، فقال له الوزير: قل لي أيها الملك ما سبب هذا البكاء لعل الله يجعل لك الفرج على يدي. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. وفي الليلة السادسة عشرة بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الوزير لما قال للملك عاصم: قل لي ما سبب هذا البكاء لعل الله يجعل لك الفرج على يدي، قال له الملك: يا وزير إن بكائي ما هو على مال ولا على خيل ولا على شي، ولكن أنا بقيت رجلاً كبيراً وصار عمري نحو مائة وثمانين سنة ولا رزقت ولداً ذكراً ولا أنثى فإذا مت يدفنوني ثم ينمحي رسمي وينقطع اسمي يأخذ الغرباء تختي وملكي ولا يذكرني أحد أبداً. فقال الوزير: يا ملك الزمان أنا أكبر منك بمائة سنة ولا رزقت بولد قط ولم أزل ليلاً ونهاراً في هم وغم وكيف نفعل أنا وأنت، ولكن سمعت بخبر سليمان بن داود عليه السلام وأن له رباً عظيماً قادراً على كل شيء فينبغي أن أتوجه إليه بهدية وأقصده في أن يسأل ربه لعله يرزق كل واحد منا بولد، ثم إن الوزير تجهز للسفر وأخذ هدية فاخرة وتوجه بها إلى سليمان بن داود عليه السلام. هذا ما كان من أمر الوزير. وأما ما كان من أمر سليمان بن داود عليه السلام فإن الله سبحانه وتعالى أوحى إليه وقال: يا سليمان إن ملك مصر أرسل إليك وزيره الكبير بالهدايا والتحف وهي كذا وكذا فأرسل إليه وزيرك آصف بن برخيا لاستقباله بالإكرام والزاد في موضع الإقامات، فإذا حضر بين يديك فقل له: إن الملك أرسلك تطلب كذا وكذا، وإن حاجتك كذا وكذا ثم اعرض عليه الإيمان فحينئذ أمر سليمان وزيره آصف أن يأخذ معه جماعة من حاشيته للقائهم بالإكرام والزاد الفاخر في موضع الإقامات، فخرج آصف بعد أن جهز جميع اللوازم إلى لقياهم وسار حتى وصل إلى فارس وزير ملك مصر فاستقبله وسلم عليه وأكرمه هو ومن معه إكراماً زائداً وصار يقدم إليهم الزاد والعلوفات في موضع الإقامات وقال لهم: أهلاً وسهلاً ومرحباً بالضيوف القادمين فأبشروا بقضاء حاجتكم وطيبوا نفساً وقروا عيناً وانشرحوا صدوراص، فقال الوزير في نفسه: من أخبرهم بذلك؟ ثم إنه قال لآصف: إن سليمان بن داود عليه السلام هو الذي أخبرنا بهذا فقال الوزير فارس: ومن أخبر سيدنا سليمان؟ قال: أخبره رب السموات والأرض وإله الخلق أجمعين. فقال له الوزير فارس: ما هذا إلا إله عظيم فقال له آصف بن برخيا: وهل أنتم لا تعبدونه؟ فقالفارس وزير ملك مصر: نحن نعبد الشمس ونسجد لها، فقال له آصف: يا وزير فارس إن الشمس كوكب من جملة الكواكب المخلوقة لله سبحانه وتعالى وحاشى أن تكون رباً لأن الشمس تظهر أحياناً وتغيب أحياناً وربنا حاضر لا يغيب وهو على كل شيء قدير، ثم إنهم سافروا قليلاً حتى وصلوا إلى قرب تخت الملك سليمان بن داود عليه السلام فأمر سليمان بن داود عليه السلام جنوده من الإنس والجن وغيرهما أن يصطفوا في طريقهم صفوفاً، فوقفت وحوش البحر والفيلة والنمور والفهود جميعاً واصطفوا في الطريق صفين وكل جنس انحازت أنواعه وحدها وكذلك الجان كل منهم ظهر للعيون من غير خفاء على صورة هائلة مختلفة الأحوال، فوقفوا جميعاً صفين والطيور نشرت أجنحتها لتظلهم وصارت الطيور تناغي بعضها بسائر اللغات والألحان فلما وصل أهل مصر إليهم هابوا ولم يجسروا على المشي فقال لهم آصف: ادخلوا بينهم وامشوا ولا تخافوا منهم فإنهم رعايا سليمان ابن داود وما يضركم منهم أحد ثم إن آصف دخل بينهم فدخل وراءه الخلق أجمعون ومن جملتهم جماعة وزير ملك مصر وهم خائفون ولم يزالوا سائرين حتى وصلوا إلى المدينة فأنزلوهم في دار الضيافة وأكرموهم غاية الإكرام وأحضروا لهم الضيافات الفاخرة مدة ثلاثة أيام، ثم أحضروهم بين يدي سليمان بن داود نبي الله عليه السلام. فلما دخلوا عليه أرادوا أن يقبلوا الأرض بين يديه فمنعهم من ذلك سليمان بن داود، وقال لا ينبغي أن يسجد إنسان على الأرض إلا لله عز وجل خالق السماوات والأرض وغيرهما ومن أراد منكم أن يقف فليقف، ولكن لا يقف أحد منكم في خدمتي فامتثلوا وجلس الوزير وبعض خدامه ووقف في خدمته بعض الأصاغر فلما استقر بهم الجلوس مدوا لهم الأسمطة فأكل العالم أجمعون من الطعام حتى اكتفوا، ثم إن سليمان أمر وزير مصر أن حاجته ستقضى وقال له: تكلم ولا تخف شيئاً مما جئت بسببه لأنك ما جئت إلا لقضاء حاجة وأنا أخبرك بها وهي كذا وكذا، وإن ملك مصر الذي أرسلك اسمه عاصم وقد صار شيخاً كبيراً هرماً ضعيفاً، ولم يرزقه الله تعالى بولد ذكر ولا أنثى فصار في الغم والهم والفكر ليلاً ونهاراً، حتى اتفق له أنه جلس على كرسي مملكته يوماً من الأيام ودخل عليه الوزراء وأكابر دولته، فرأى بعضهم له ولدان وبعضهم له ثلاثة أولاد، وهم يدخلون ومعهم أولادهم ويقفون في الخدمة فتذكر في نفسه، وقال من فرط حزنه: يا ترى من يأخذ مملكتي بعد موتي وهل يأخذها إلا رجل غريب؟ وأصير أنا كأني لم أكن فغرق في بحر الفكر بسبب هذا، ولم يزل متفكراً حزيناً حتى فاضت عيناه بالدموع فغطى وجهه بالمنديل وبكى بكاء شديداً ثم قام من فوق سريره وجلس على الأرض يبكي وينتحب ولو يعلم ما في قلبه إلا الله تعالى وهو جالس على الأرض. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. وفي الليلة السابعة عشرة بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن نبي الله سليمان بن داود عليه السلام لما أخبر الوزير فارساً بما حصل للملك من الحزن والبكاء، وما حصل بينه وبين وزيره فارس من أوله إلى آخره، قال بعد ذلك الوزير فارس: هل هذا الذي قلته لك يا وزير صحيح؟ فقال الوزير فارس: يا نبي الله إن الذي قلته حق وصدق ولكن يا نبي الله ما كنت أتحدث أنا والملك في هذه القضية ولم يكن عندنا أحد قط ولم يشعر بخبرنا أحد من الناس فمن أخبرك بهذه الأمور كلها؟ قال له: أخبرني ربي الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فحينئذ قال الوزير فارس: يا نبي الله ما هذا إلا رب كريم عظيم على كل شيء قدير ثم أسلم الوزير فارس هو ومن كان معه، فقال نبي الله سليمان للوزير: إن معك كذا وكذا من التحف والهدايا، قال الوزير: نعم فقال له سليمان: قد قبلت منك الجميع ولكني وهبتها لك فاسترح أنت ومن معك في المكان الذي نزلتم فيه حتى يزول عنكم تعب السفر، وفي غد إن شاء الله تقضي حاجتك على أتم ما يكون بمشيئة الله تعالى رب السماء والأرض وخالق الخلق أجمعين، ثم إن الوزير فارساً ذهب إلى موضعه وتوجه إلى السيد سليمان ثاني يوم، فقال له نبي الله سليمان: إذا وصلت إلى الملك عاصم بن صفوان واجتمعت أنت وإياه فاطلعنا فوق الشجرة الفلانية واقعدا ساكتين فإذا كان بين الصلاتين وقد برد حر القائلة فانزلا إلى أسفل الشجرة وانظرا هناك تجدا ثعبانين يخرجان، رأس أحدهما كراس القرود ورأس الآخر كرأس العفريت فإذا رأيتماهما فارمياهما بالنشاب واقتلاهما، ثم ارميا من جهة رؤوسهما قدر شبر واحد من جهة أذيالهما كذلك فتبقى لحومهما، فاطبخاهما وأتقنا طبخهما وأطعماهما زوجتيكما وناما معهما تلك الليلة فإنهما يحملان بإذن الله تعالى بأولاد ذكور. ثم إن سليمان عليه السلام أحضر خاتماً وسيفاً وبقجة فيها قباآن مكللان بالجواهر وقال: ياوزير فارس: إذا كبر ولداكما وبلغا مبلغ الرجال فأعطوا كل واحد منهما قباء من هذين القباءين، ثم قال للوزير فارس: باسم الله تعالى قضيت حاجتك وما بقي لك إلا أن تسافر على بركة الله تعالى، فإن الملك تقدم لنبي الله سليمان بن داود عليه السلام وودعه وخرج من عنده بعد أن قبل يديه وسافر بقية يومه وهو فرحان بقضاء حاجته وجدفي السير ليلاً ونهاراً، ولم يزل مسافراً حتى وصل إلى قرب مصر فارسل بعض خدامه ليعلم الملك عاصماً بذلك. فلما سمع الملك عاصم بقدومه وقضاء حاجته فرح فرحاً شديداً، هو وخواصه وأرباب مملكته وجميع جنوده وخصوصاً بسلامة الوزير فارس فلما تلاقى الملك والوزير ترجل الوزير وقبل الأرض بين يديه، وبشر الملك بقضاء حاجته أتم الوجوه وعرض عليه الإيمان بالإسلام، فأسلم الملك عاصم وقال للوزيرفارس رح بيتك واسترح أيضاً جمعة من الزمان داخل الحمام، وبعد ذلك تعال عندي حتى أخبرك بشيء نتدبر فيه، فقبل الأرض وانصرف هو وحاشيته وغلمانه وخدمه إلى داره واستراح ثمانية أيام. ثم بعد ذلك توجه إلى الملك وحدثه بجميع ما كان بينه وبين سليمان بن داود عليه السلام ثم إنه قال للملك: قم وحدك وتعال معي فقام هو والوزير وأخذا قوسين ونشابين وطلعا فوق الشجرة وقعدا ساكتين إلى أن مضى وقت القائلة ولم يزالا إلى قرب العصر ثم نزلا ونظرا فرأيا ثعبانين خرجا من أسفل تلك الشجرة فنظرهما الملك وأحبهما لأنهما أعجباه حين رأهما بالأطواق الذهب وقال: يا وزير إن هذين الثعبانين مطوقان بالذهب، والله إن هذا شيء عجيب خلنا نمسكهما ونجعلهما، قفص ونتفرج عليهما، فقال الوزير: هذان خلقهما الله لمنفعتهما فارم أنت واحد بنشابة وارم أنا واحد بنشابة، فرمى الاثنان عليهما النشاب فقتلاهما وقطعا من جهة رؤوسهما شبراً ومن جهة أذنابهما شبراً ورمياه ثم ذهبا بالباقي إلى بيت الملك وطلبا الطباخ وأعطياه ذلك اللحم، وقالا له: اطبخ هذا اللحم طبخاً مليحاً بالتقلية والأباريز واغرفه في زبدتين وهاتهما وتعال هنا في الوقت الفلاني والساعة الفلانية ولا تبطئ. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. وفي الليلة الثامنة عشر بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك والوزير لما أعطيا الطباخ لحم الثعبانين وقالا له: اطبخه واغرفه في زبدتين وهاتهما هنا ولا تبطئ، فأخذ الطباخ اللحم وذهب به وطبخه وأتقن طبخه بتقلية عظيمة، ثم غرفه في زبدتين وأحضرهما بين يدي الملك والوزير فأخذ الملك زبدية والوزير زبدية وأطعماهما لزوجتيهما وباتا تلك الليلة معهما، فبإرادة الله سبحانه وتعالى وقدرته ومشيئته حملتا تلك الليلة، فمكث الملك بعد ذلك ثلاثة أشهر وهو متشوش الخاطر يقول في نفسه: يا ترى هذا الأمر صحيح ثم إن زوجته كانت جالسة يوماً من الأيام، فتحرك الولد في بطنها فعلمت أنها حامل فتوجعت وتغير لونها، وطلبت واحداً من الخدام الذين عندها وهو أكبرهم وقالت له: اذهب إلى الملك في أي موضع يكون وقل له: يا ملك الزمان أبشرك أن سيدتنا ظهر حملها والولد قد تحرك في بطنها فخرج الخادم سريعاً وهو فرحان فرأى الملك وحده ويده على خده وهو متفكر في ذلك، فأقبل عليه الخادم وقبل الأرض بين يديه وأخبره بحمل زوجته. فلما سمع الملك كلام الخادم نهض قائماً على قدميه ومن شدة فرحه قبل يد الخادم وراسه وخلع ما كان عليه وأعطاه إياه، وقال لمن كان حاضراً في مجلسه: من كان يحبني فلينعم عليه، فأعطوه من الأموال والجواهر واليواقيت والخيل والبغال والبساتين شيئاً لا يعد ولا يحصى. ثم إن الوزير دخل على الملك وقال: يا ملك الزمان أنا في هذه الساعة كنت قاعداً في البيت وحدي وأنا مشغول الخاطر متفكراً في شأن الحمل وأقول في نفسي: يا ترى هل هو حق أن خاتون تحبل أم لا؟ وإذا بالخادم دخل علي وبشرني بأن زوجتي خاتون حامل وأن الولد قد تحرك في بطنها وتغير لونها فمن فرحتي خلعت جميع ما كان علي من القماش وأعطيت الخادم إياه وأعطيته ألف دينار وجعلته كبير الخدام ثم إن الملك عاصماً قال: يا وزير إن الله تبارك وتعالى أنعم علينا بفضله وإحسانه وجوده وامتنانه بالدين القويم وأكرمنا بكرمه وفضله. وقد أخرجنا من الظلمات إلى النور وأريد أن أخرج على الناس وأفرحهم، فقال الوزير: افعل ما تريد، فقال: يا وزير انزل في هذا الوقت واخرج كل من كان في الحبس من أصحاب الجرائم ومن عليهم ديون وكل من وقع منه ذنب، بعد ذلك تجازيه بما يستحقه ونرفع عن الناس الخراج ثلاث سنوات، وانصب في دائرة هذه المدينة مطبخاً حول الحيطان، وأعطى الأمر للطباخين بأن يعلقوا عليه جميع أنواع القدور وأن يطبخوا سائر أنواع الطعام ويديموا الطبخ الليل والنهار وكل من كان في هذه المدينة، وما حولها من البلاد البعيدة والقريبة يأكلون ويشربون ويحملون إلى بيوتهم وأمرهم أن يفرحوا ويزينوا المدينة سبعة أيام، ولا يقفلوا حوانيتهم ليلاً ونهاراً. فخرج الوزير من وقته وساعته وفعل ما أمره به الملك عاصم وزينوا المدينة والقلاع والأبراج أحسن الزينة ولبسوا أحسن ملبوس وصار الناس في أكل وشرب ولعب وانشراح إلى أن حصل الطلق لزوجة الملك بعد انقضاء أيامها فوضعت ولداً ذكراً كالقمر ليلة تمامه فسماه سيف الملوك. وكذلك زوجة الوزير وضعت ولداً كالمصباح فسماه ساعداً فلما بلغا رشدهما صار الملك عاصم كلما ينظرهما يفرح بهما الفرح الشديد فلما صار عمرهما عشرين سنة طلب الملك وزيره فارساً في خلوة، وقال له: يا وزير قد خطر ببالي أمر أريد أن أفعله ولكن أستشيرك فيه فقال له الوزير: مهما خطر ببالك افعله، فإن رأيك مبارك، فقال الملك عاصم: يا وزير أنا صرت رجلاً كبيراً شيخاً هرماً لأني طعنت في السن وأريد أن أقعد في زاوية لأعبد الله تعالى وأعطي ملكي وسلطتي لولدي سيف الملوك فإنه صار شاباً مليحاً كامل الفروسية والعقل والأدب والحشمة والرياسة فما تقول أيها الوزير في هذا الرأي؟ فقال الوزير: نعم الرأي الذي رأيته، وهو راي مبارك سعيد، فإذا فعلت أنت هذا فأنا الآخر أفعل مثلك ويكون ولدي ساعداً وزيراً له لأنه شاب مليح ذو معرفة ورأي ويصير الاثنان مع بعضهما ونحن ندبر شأنهما ولا نتهاون في أمرهما بل ندلهما على الطريق المستقيم، ثم قال الملك عاصم لوزيره: اكتب الكتب وأرسلها مع السعاة إلى جميع الأقاليم والبلاد والحصون والقلاع التي تحت أيدينا، وأمر أكابرها أن يكونوا في الشهر الفلاني حاضرين في ميدان الفيل، فخرج الوزير فارساً من وقته وساعته وكتب إلى جميع العمال وأصحاب القلاع، ومن كان تحت حكم الملك عاصم أن يحضروا جميعهم في الشهر الفلاني وأمر أن يحضروا كل من في المدينة من قاص ودان. ثم إن الملك عاصماً بعد مضي تلك المدة، أمر الفراشين أن يضربوا القباب في وسط الميدان وأن يزينوها بأفخر الزينة وأن ينصبوا التخت الكبير الذي لا يقعد عليه الملك إلا في الأعياد ففعلوا في الحال جميع ما أمرهم به ونصبوا التخت وخرجت النواب والحجاب والأمراء والوزراء وأصحاب الأقاليم والضياع إلى ذلك الميدان ودخلوا في خدمة الملك على جري عادتهم واستقروا كلهم في مراتبهم، فمنهم من قعد ومنهم من وقف إلى أن اجتمعت الناس جميعهم وأمر الملك أن يمدوا السماط، فمدوه وأكلوا وشربوا ودعوا للملك ثم امر الملك الحجاب أن ينادوا في الناس بعدم الذهاب فنادوا وقالوا في المناداة: لا يذهب منكم أحد حتى يسمع كلام الملك، ثم رفعوا الستور فقال الملك: من أحبني فليمكث حتى يسمع كلامي، فقعد الناس جميعهم مطمئني النفوس بعد أن كانوا خائفين، ثم قام الملك على قدميه وحلفهم أن لا يقوم أحد من مقامه وقال لهم: أيها الأمراء والوزراء وأرباب الدولة كبيركم وصغيركم ومن حضر من جميع الناس هل تعلمون أن هذه المملكة لي وراثة من آبائي وأجدادي؟ قالوا له: نعم أيها الملك كلنا نعلم ذلك فقال لهم: أنا وأنتم كنا كلنا نعبد الشمس والقمر ورزقنا الله تعالى الإيمان وأنقذنا من الظلمات إلى النور، وهدانا الله سبحانه وتعالى إلى دين الإسلام واعلموا أني الآن صرت رجلاً كبيراً شيخاً هرماً عاجزاً وأريد أن أجلس في زاوية أعبد الله فيها وأستغفره من الذنوب الماضية، وهذا ولدي سيف الملوك حاكم، وتعرفون انه شاب مليح فصيح خبير بالأمور عاقل فاضل عادل، فأريد في هذه الساعة أن أعطيه مملكتي وأجعله ملكاً عليكم عوضاً عني وأجلسه سلطاناً في مكاني وأتخلى أنا لعبادة الله تعالى في زاوية وابني سيف الملوك يتولى الحكم ويحكم بينكم، فأي شيء قلتم كلكم بأجمعكم؟ فقاموا كلهم وقبلوا الأرض بين يديه، وأجابوا بالسمع والطاعة وقالوا: يا ملكنا وحامينا لو أقمت علينا عبداً من عبيدك لأطعناه وامتثلنا أمرك فكيف بولدك سيف الملوك فقد قبلناه ورضيانه على العين والراس فقام الملك عاصم بن صفوان ونزل من فوق سريره، وأجلس ولده على التخت الكبير ورفع التاج فوق رأس ولده وشد وسطه بمنطقة الملك، وجلس الملك عاصم على كرسي مملكته بجانب ولده فقام الأمراء والوزراء وأكابر الدولة وجميع الناس وقبلوا الأرض بين يديه، وصاروا وقوفاً يقولون لبعضهم: هو حقيق بالملك وهو أولى به من الغير ونادوا بالأمان ودعوا له بالنصر والإقبال ونثر سيف الملوك الذهب والفضة على رؤوس الناس أجمعين. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. وفي الليلة التاسعة عشرة بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن عاصماً لما أجلس ولده سيف الملوك على التختودعا له كامل الناس بالنصر والإقبال نثر الذهب والفضة على رؤوس الناس أجمعين وخلع الخلع ووهب وأعطى، ثم بعد لحظة قام الوزير فارساً وقبل الأرض وقال: يا أمراء.. يا أرباب الدولة، هل تعرفون أني وزير ووزارتي قديمة قبل أن يتولى الملك عاصم بن صفوان، وهو الآن قد خلع نفسه من الملك وولى ولده عوضاً عنه؟ قالوا: نعم نعرف وزارتك أباً عن جد، فقال: والآن أخلع نفسي وأولي ولدي ساعداً هذا، فغنه عاقل فطن خبير فأي شيء تقولون بأجمعكم؟ فقالوا: لا يصلح وزيراً للملك سيف الملوك إلا ولدك ساعداً فإنهما يصلحان لبعضهما، فعند ذلك قام الوزراء قدامه أيضاً وقالت الحجاب والأمراء: إنه يستحق الوزارة، فعند ذلك قام الملك عاصم والوزير فارس وفتحا الخزائن وخلعا الخلع السنية على الملوك والأمراء وأكابر الدولة والناس أجمعين وأعطيا النفقة والأنعام وكتبا لهم المناشير الجديدة والمراسيم بعلامة سيف الملوك وعلامة الوزير ساعد بن الوزير فارس وأقام الناس في المدينة جمعة وبعدها كل منهم سافر إلى بلاده ومكانه، ثم إن الملك عاصماً أخذ ولده سيف الملوك وساعداً ولد الوزير ثم دخلوا وطلعوا القصر وأحضروا الخازندار، وأمروه بإحضار الخواتم والسيف والبقجة وقال الملك عاصم: يا أولادي تعالوا كل واحد منكم يختار من هذه الهدية شيئاً ويأخذه، فأول من مد يده سيف الملوك فأخذ البقجة والخاتم ومد ساعد يده فأخذ السيف والمهر وقبلا يد الملك وذهبا إلى منازلهما، فلما أخذ سيف الملوك البقجة لم يفتحه ولم ينظر ما فيها بل رماها فوق التخت الذي ينام عليه بالليل هو وساعد وزيره، وكان من عادتهما أن يناما مع بعضهما ثم إنهما فرشوا لهما فراش النوم ورقدا الاثنان مع بعضهما على فراشهما والشموع تضيء عليهما واستمرا إلى نصف الليل ثم انتبه سيف الملوك من نومه فرأى البقجة عند رأسه، فقال في نفسه: يا ترى أي شيء في هذه البقجة؟ التي أهداها لنا الملك من التحف فأخذها وأخذ الشمعة ونزل من فوق التخت وترك ساعداً نائماً ودخل الخزانة وفتح البقجة فرأى فيها قباء من شغل الجان ففتح القباء وفرده فوجد على البطانة التي من داخل في جهة ظهر القباء صورة بنت منقوشة بالذهب ولكن جمالها شيء عجيب. فلما رأى هذه الصورة طار عقله من رأسه وصار مجنوناً بعشق تلك الصورة ووقع على الأرض مغشياً عليه وصار يبكي وينتحب ويلطم على وجهه، فلما رآه ساعداً على هذه الحالة قال: أنا وزيرك وأخوك وتربيت أنا وإياك وإن لم تبين لي أمورك وتطلعني على سرك فعلى من تخرج سرك وتطلع عليه؟ ولم يزل ساعداً يتضرع ويقبل الأرض ساعة زمانية وسيف الملوك لا يلتفت إليه ولا يكلمه كلمة واحدة بل يبكي، فلما رأى ساعداً حاله وأعياه أمره خرج من عنده وأخذ سيفاً ودخل الخزانة التي فيها سيف الملوك وحط ذبابة على صدر نفسه وقال لسيف الملوك: انتبه يا أخي، إن لم تقل لي أي شيء جرى لك قتلت روحي ولا أراك في هذه الحالة فعند ذلك رفع سيف المولك رأسه إلى وزيره ساعداً وقال له: يا أخي أنا استحيت أن أقول لك وأخبرك بالذي جرى لي. فقال له ساعداً: سألتك بالله رب الأرباب ومعتق الرقاب ومسبب الأسباب الواحد التواب الكريم الوهاب أن تقول لي ماذا جرى لك ولا تستحي مني، فأنا عبدك ووزيرك ومشريك في الأمور كلها، فقال سيف الملوك: تعال وانظر إلى هذه الصورة فلما رأى ساعد تلك الصورة تأمل فيها ساعة زمانية ورأى مكتوباً على رأس الصورة باللؤلؤ المنظوم: هذه الصورة، صورة بديعة الجمال بنت شماخ بن شاروخ ملك من ملوك الجان المؤمنين الذين هم نازلون في مدينة بابل وساكنون في بستان أرم بن عاد الأكبر. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. وفي الليلة العشرين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك سيف الملوك بن الملك عاصم والوزير ساعد بن الوزير فارس لما قرأا الكتابة التي على القباء ورأيا فيها صورة بديعة الجمال بنت شامخ بن شاروخ ملك بابل من ملوك الجان المؤمنين النازلين بمدينة بابل الساكنين في بستان ارم بن عاد الأبر قال الوزير ساعد للملك سيف: يا أخي أتعرف من صاحبة هذه الصورة من النساء حتى نفتش عليها فقال سيف الملوك: والله يا أخي ما أعرف صاحبة هذه الصورة، فقال ساعد: تعال اقرأ هذه الكتابة فتقدم سيف الملوك وقرأ الكتابة التي على التاج وعرف مضمونها فصرخ من صميم قلبه وقال: آه، آه، آه، فقال له ساعد: يا أخي إن كانت صاحبة هذه الصورة موجودة واسمها بديعة الجمال وهي في الدنيا، فأنا أسرع في طلبها من غير مهلة حتى تبلغ مرادك، فبالله يا أخي أن تترك البكاء لأجل أن تدخل أهل الدولة في خدمتك فإذا كان ضحوة النهار فاطلب التجار والفقراء والسواحين والمساكين، واسألهم عن صفات هذه المدينة لعل أحداً ببركة الله سبحانه وتعالى وعونه يدلنا عليها وعلى بستان ارم. فلما أصبح الصباح قام سيف الملوك وطلع فوق التخت وهو معانق للقباء لأنه صار لا يقوم ولا يقعد ولا يأتيه نوم إلا وهو معه، فدخلت عليه الأمراء والوزراء والجنود وأرباب الدولة، فلما تم الديوان وانتظم الجمع، قال الملك سيف الملوك لوزيره ساعد: ابرز لهم وقل إن الملك حصل له تشويش والله ما بات البارحة إلا وهو ضعيف فبلغ الوزير ساعد وأخبر الناس بما قاله الملك سيف فلما سمع الملك عاصم ذلك لم يهن عليه ولده فعند ذلك دعا الحكماء والمنجمين ودخل بهم على ولده سيف الملوك فنظروا إليه ووصفوا له الشراب واستمر في موضعه مدة ثلاثة أشهر، فقال الملك عاصم للحكماء الحاضرين وهو مغتاظ عليهم: ويلكم يا كلاب هل عجزتم كلكم عن مداواة ولدي فإن لم تداووه في هذه الساعة أقتلكم جميعاً، فقال رئيسهم الكبير: يا ملك الزمان إننا نعلم أن هذا ولدك وأنت تلعم أننا لا نتساهل في مداواة الغريب فكيف بمداواة ولدك ولكن ولدك به مرض صعب إن شئت معرفته نذكره لك ونحدثك به، قال الملك عاصم: أي شيء ظهر لكم من مرض ولدي؟ فقال له الحكيم الكبير: يا ملك الزمان إن ولدك الآن عاشق ويحب من لا سبيل إلى وصاله، فاغتاظ الملك عليهم وقال لهم: من أين علمتم أن ولدي عاشق ومن أين جاء العشق لولدي؟ فقالوا له: اسأل أخاه ووزيره ساعداً فإنه هو الذي يعلم حاله فعند ذلك قام الملك عاصم ودخل في خزانة وحده ودعا بساعد وقال: اصدقني بحقيقة مرض أخيك فقال له: ما أعلم حقيقته فقال الملك للسياف: خذ ساعداً واربط عينيه واضرب رقبته، فخاف ساعد على نفسه وقال له: يا ملك الزمان أعطني الأمان فقال له: قل لي ولك الأمان فقال له ساعد: إن ولدك عاشق فقال له الملك: ومن معشوقته؟ فقال ساعد: بنت ملك من ملوك الجان فإنه رأى صورتها في قباء من البقجة التي أهداها إليكم سليمان نبي الله. فعند ذلك قام الملك ودخل على ابنه سيف الملوك وقال له: يا ولدي أي شيء دهاك وما هذه الصورة التي عشقتها؟ ولأي شيء لم تخبرني؟ فقال سيف الملوك: يا أبت كنت أستحي منك وما كنت أقدر أن أذكر لك ذلك، ولا أقدر أن أظهر أحداً على شيء منه أبداً، والآن قد علمت بحالي فانظر كيف تعمل في مداواتي، فقال له أبوه: كيف تكون الحيلة لو كانت هذه من بنات الإنس كنا دبرنا حيلة في الوصول إليها، ولكن هذه من بنات ملوك الجن ومن يقدر عليها إلا إذا كان سليمان بن داود فإنه هو الذي يقدر على ذلك، ولكن يا ولدي قم في هذه الساعة واشتغل بالأكل والشرب واصرف الهم والغم عن قلبك، وأنا أجيء لك بمائة بنت من بنات الملوك وما لك ببنات الجان التي ليس لنا قدرة عليهم ولا هم من جنسنا، فقال له: أنا لا أتركها ولا أطلب غيرها، فقال له الملك: كيف يكون العمل يا ولدي؟ فقال له ابنه: أحضر لنا جمعي التجار والمسافرين والسواحين في البلاد لنسألهم عن ذلك لعل الله يدلنا على بستان أرم وعلى مدينة بابل، فأمر الملك عاصم أن يحضر كل تاجر في المدينة وكل غريب فيها وكل رئيس في البحر، فلما حضروا سألهم عن مدينة بابل وعن جزيرتها وعن بستان ارم فما أحد منهم عرف هذه الصفة ولا أخبر عنهابخبر وعند انفضاض المجلس قال واحد منهم: يا ملك الزمان إن كنت تريد أن تعرف فعليك ببلاد الصين فإنها مدينة كبيرة ولعل أحداً نمهم يدلك على مقصودك، ثم إن سيف الملوك قال: يا أبي جهز لي مركباً للسفر إلى بلاد الصين، فقال له أبوه: يا ولدي اجلس أنت على كرسي مملكتك واحكم في الرعية وأنا أسافر إلى بلاد الصين وأمضي إلى هذا الأمر بنفسي فقال سيف الملوك: يا أبي إن هذا الأمر يتعلق بي وما يقدر أحد أن يفتش عليه مثلث وأي شيء يجري إذا كنت تعطيني اذناً بالسفر فاسافر وأتغرب مدة من الزمان، فإن وجدت لها خبراً حصل المراد وإن لم أجد لها خبراً يكون في السفر انشراح صدري ونشاط خاطري ويهون أمري بسبب ذلك وإن عشت رجعت إليك سالماً. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. وفي الليلة الواحدة والعشرين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن سيف الملوك قال لوالده الملك عاصم: جهز لي مركباً لأسافر فيها إلى بلاد الصين حتى أفتش على مقصودي فإن عشت رجعت إليك سالماً، فنظر الملك إلى ابن فلم ير له حيلة غير أنه يعمل له الذي يرضيه فأعطاه اذناً بالسفر وجهز له أربعين مركباً وعشرين ألف مملوك غير الاتباع وأعطاه أموالاً وخزائن وكل شيء يحتاج إليه من آلات الحرب وقال له: سافر يا ولدي في خير وعافية وسلامة وقد استودعتك من لا تضيع عنده الودائع فعند ذلك ودعه أبوه وأمه وشحنت المراكب بالماء والزاد والسلاح والعساكر ثم سافروا ولم يزالوا مسافرين حتى وصلوا إلى مدينة الصين. فلما سمع أهل الصين أنه وصل إليهم أربعون مركباً مشحوناً بالرجال والعدد والسلاح والذخائر اعتقدوا أنهم أعداء جاؤا إلى قتالهم وحصارهم فقفلوا أبواب المدينة وجهزوا المنجنيقات، فلما سمع الملك سيف الملوك ذلك أرسل إليهم مملوكين من مماليكه الخواص، وقال لهم: امضيا إلى ملك الصين وقولوا له إن هذا سيف الملوك بن الملك عاصم جاء إلى مدينتك ضيفاً ليتفرج في بلادك مدة من الزمان ولا يقاتل ولا يخاصم فإن قبلته ضيفاً ليتفرج في بلادك مدة من الزمان ولا يقاتل ولا يخاصم فإن قبلته نزل عندك وإن لم تقبله رجع ولا يشوش عليك ولا على أهل مدينتك، فلما وصل المملوكين إلى المدينة قالوا: نحن رسل الملك سيف الملوك ففتحوا لهم الباب وذهبوا بهم وأحضروهم عند ملكهم وكان اسمه قعفوشاه، وكان بينه وبين الملك عاصم قبل تاريخه معرفة، فلما سمع أن الملك القادم عليه سيف الملوك بن الملك عاصم خلع على الرسل وأمر بفتح الأبواب وجهز الضيافات وخرج بنفسه مع خواص دولته وجاء إلى سيف الملوك وتعانقا، وقال له: أهلاً وسهلاً ومرحباً بمن قدم علينا وأنا مملوكك ومملوك أبيك ومدينتي بين يديك، وكل ما تطلبه يحضر إليك وقدم له الضيوفات والزاد في مواضع الإقامات، وركب سيف الملوك وساعد وزيره ومعهم خواص دولته وبقية العساكر وساروا في ساحل البحر إلى أن دخلوا المدينة وضربت الكاسات ودقت البشائر وأقاموا فيها أربعين يوماً في ضيافات حسنة، ثم بعد ذلك قال له: يا ابن أخي كيف حالك هل أعجبتك بلادي؟ فقال له سيف الملوك: يا ملك أدام الله تعالى تشريفها بك أيها الملك قعفوشاه: ما جاء بك إلى حاجة طرأت لك، وأي شيء تريده من بلادي فأنا أقضيه لك، فقال له الملك سيف: يا ملك إن حديثي عجيب وهو أني عشقت صورة بديعة الجمال فبكى ملك الصين رحمة له وشفقة عليه وقال: ما تريد الآن يا سيف الملوك؟ فقال له: أريد منك أن تحضر لي جميع السواحين والمسافرين ومن له عادة بالأسفار حتى أسألهم عن صاحبة هذه الصورة لعل أحداً منهم يخبرني بها فأرسل الملك قعفوشاه إلى النواب والحجاب والأعوان وأمرهم أن يحضروا جميع من في البلاد من السواحين والمسافرين فأحضروهم وكانوا جماعة كثيرة فاجتمعوا عند الملك قعفوشاه، ثم سألهم الملك سيف الملوك عن مدينة بابل وعن بستان أرم فلم يرد عليه أحداً منهم جواباً فتحير الملك سيف الملوك في أمره ثم بعد ذلك قال واحد من رؤساء البحرية: ايها الملك إن أردت أن تعلم هذه المدينة وذاك البستان فعليك بالجزائر التي في بلاد الهند، فعند ذلك أمر سيف الملوك أن يحضروا المراكب ففعلوا ونقلوا فيها الماء والزاد وجميع ما يحتاجون إليه وركب سيف الملوك وساعد وزيره بعد أن ودعوا الملك قعفوشاه وسافروا في البحر مدة أربعة أشهر في ريح طيبة سالمين مطمئنين فاتفق أنه خرج عليهم ريح في يوم من الأيام وجاءهم الموج من كل مكان ونزلت عليهم الأمطار وتغير البحر من شدة الريح، ثم ضربت المراكب بعضها بعضاً من شدة الريح فانكسرت جميعها، وكذلك الزوارق الصغيرة وغرقوا جميعهم وبقي سيف الملوك مع جماعة من مماليكه في زورق صغير، ثم سكت الريح وسكن بقدرة الله تعالى وطلعت الشمس ففتح سيف الملوك عينيه، فلم ير شيئاً من المراكب ولم ير غير السماء والماء وهو ومن معه في الزورق الصغير فقال لمن معه من مماليكه: أين المرابك والزوارق الصغيرة وأين أخي ساعد؟ فقالوا له: يا ملك الزمان لم يبق مراكب ولا زوارق ولا من فيها فإنهم غرقوا كلهم وصاروا طعاماً للسمك، فصرخ سيف الملوك وقال كلامة لا يخجل قائلها وهي: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصار يلطم على وجهه وأراد أن يرمي نفسه في البحر، فمنعه المماليك وقالوا له: يا ملك أي شيء يفيدك هذا فأنت الذي فعلت بنفسك هذه الفعلا ولو سمعت كلام أبيك ما كان جرى عليك من هذا شيء ولكن كل هذا مكتوب من القدم بإرادة باري النسم. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. وفي الليلة الثانية والعشرين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن سيف الملوك لما أراد أن يرمي نفسه في البحر منعته المماليك وقالت له: أي شيء يفيد هذا، فأنت فعلت بنفسك هذه الفعال ولكن هذا شيء مكتوب بإرادة بارئ النسم حتى يستوفي العبد ما كتب الله تعالى عليه وقد قال المنجمون لأبيك عند والدتك: إن ابنك هذا تجري عليه الشدائد كلها وحينئذ ليس عليه إلا الصبر حتى يفجر الله عنا الكرب الذي نحن فيه فقال سيف الملوك: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، لا مفر من قضاء الله تعالى ولا مهرب.
ثم غرق في بحر الأفكار وجرت دموعه على خده كالمدرار، ونام ساعة من النهار، ثم استفاق وطلب شيئاً من الأكل فأكل حتى اكتفى ورفعوا الزاد من قدامه والزورق سائراً بهم، ولم يعلموا إلى أي جهة يتوجه بهم مع الأمواج والرياح ليلاً ونهاراً مدة مديدة من الزمان حتى فرغ منهم الزاد وذهبوا عن الرشاد وصاروا في أشد ما يكون من الجوع والعطش والقلق وإذا بجزيرة قد لاحت لهم على بعد فصارت الرياح تسوقهم إلى أن وصلوا إليها وأرسوا عليها وطلعوا من الزورق وتركوا فيه واحداً، ثم توجهوا إلى تلك الجزيرة فرأوا فيها فواكه كثيرة من سائر الألوان فأكلوا حتى اكتفوا، وإذا هم بشخص جالس على قطعة لباد سوداء فوق صخرة من الحجر، وحواليه الزنوج وهم جماعة كثيرة واقفون في خدمته. فجاء هؤلاء الزنوج وأخذوا سيف الملوك ومماليكه وأوقفوهم بين يدي ملكهم وقالوا: إنا لقينا هذه الطيور بين الأشجار وكان الملك جائعاً فأخذ من المماليك اثنين وذبحهما وأكلهما. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. وفي الليلة الثالثة والعشرين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الزنوج لما أخذوا الملك سيف الملوك ومماليكه وأوقفوهم بين يدي ملكهم، وقالوا له: يا ملك إنا لقينا هذه الطيور بين الأشجار أخذ ملكهم مملوكين وذبحهما وأكلهما فلما رأى سيف الملوك هذا الأمر خاف على نفسه وبكى. فلما سمع الملك بكاءه وتعديده قال: إن هؤلاء الطيور مليحة الصوت والنغمة قد أعجبتني أصواتهم فاجعلوا كل واحد منهم في قفص فحطوا كل واحد منهم في قفص، وعلقوهم على راس الملك ليسمع أصواتهم ومماليكه في الأقفاص والزنوج يطعمونهم ويسقونهم، وهم ساعة يبكون وساعة يضحكون وساعة يتكلمون وساعة يسكتون كل هذا وملك الزنوج يتلذذ بأصواتهم ولم يزالوا على تلك الحالة مدة من الزمان وكان للملك بنت متزوجة في جزيرة أخرى فسمعت أن أباها عنده طيور لها أصوات مليحة، فأرسلت جماعة إلى أبيها تطلب منه شيئاً من الطيور، فأرسل إليها أبوها سيف الملوك وثلاثة مماليك في أربعة أقفاص مع القاصد الذي جاء في طلبهم. فلما وصلوا إليها ونظرتهم أعجبوها، فأمرت أن يطلعهم في موقع فوق رأسها فصار سيف الملوك يتعجب مما جرى له ويتفكر ما كان فيه من العز وصار يبكي على نفسه والمماليك الثلاثة يبكون على أنفسهم، كل هذا وبنت الملك تعتقد أنهم يغنون وكانت عادة بنت الملك إذا وقع عندها أحد من بلاد مصر، أو من غيرها وأعجبها يصير له عندها منزلة عظيمة وكان بقضاء الله تعالى وقدره أنها لما رأت سيف الملوك أعجبها حسنه وجماله وقده واعتداله فأمرت بإكرامهم واتفق أن اختلت يوماً من الأيام بسيفي الملوك وطلبت منه أن يجامعها فأبى سيف الملوك ذلك وقال لها: يا سيدتي أنا رجل غريب وبحب الذي أهواه كئيب وما أرضى بغير وصاله فصارت بنت الملاك تلاطفه وتراوده فامتنع منها ولم تقدر أن تدنو منه ولا أن تصل إليه بحال من الأحوال، فلما أعياها أمره غضبت عليه وعلى مماليكه، وأمرتهم أن يخدموها وينقلوا الماء والحطب فمكثوا على هذه الحالة أربع سنوات، فأعيا الملك سيف ذلك الحال وأرسل يتشفع الملكة، عسى أن تعتقهم ويمضوا إلى حال سبيلهم ويستريحوا مما هم فيه، فأرسلت أحضرت سيف الملوك وقالت: إن وافقتني على غرضي أعتقك من الذي أنت فيه وتروح لبلادك سالماً غانماً وما زالت تتضرع إليه وتأخذ بخاطره فلم يجبها إلى مقصودها فأعرضت عنه مغضبة وسار سيف الملوك والمماليك عندها في الجزيرة على تلك الحالة وعرف أهلها أنهم طيور بنت الملك فلم يتجاسر أحد من اهل المدينة أن يضرهم بشيء وصار قلب بنت الملك مطمئناً عليهم، وتحققت أنهم ما بقي لهم خلاص من هذه الجزيرة فصاروا يغيبون عنها ليومين والثلاثة ويدورون في البرية ليجمعوا الحطب من جوانب الجزيرة ويأتوا به إلى مطبخ بنت الملك، فمكثوا على هذه الحالة خمس سنوات، فاتفق أن سيف الملوك قعد هو ومماليكه يوماً من الأيام على ساحل البحري يتحدثون فيما جرى فالتفت سيف الملوك فرأى نفسه فيهذا المكان هو ومماليكه فتذكر أمه وأباه وأخاه ساعداً وتذكر العز الذي كان فيه، فبكى وزاد في البكاء والنحيب وكذلك المماليك بكوا مثله. ثم قال له المماليك: يا ملك الزمان إلى متى تبكي، والبكاء لا يفيد وهذا أمر مكتوب على جباهنا بتقدير الله عز وجل، وقد جرى القلم بما حكم وما ينفعنا إلا الصبر، لعل الله سبحانه وتعالى الذي ابتلانا بهذه الشدة يفرجها عنا فقال لهم سيف الملوك: يا اخواني كيف نعمل في خلاصنا من هذه الملعونة ولا أرى لنا خلاصاً إلا أن يخلصنا الله منها بفضله، ولكن خطر ببالي أننا نهرب ونستريح من هذا التعب، فقالوا له: يا ملك الزمان أين نروح من هذه الجزيرة وهي كلها غيلان يأكلون بني آدم وكل موضع توجهنا إليه وجدونا فيه فإما أن يأكلونا وإما أن يأسرونا ويردونا إلى موضعنا وتغضب علينا بنت الملك، فقال سيف الملوك: أنا أعمل لكم شيئاً لعل الله تعالى يساعدنا به على الخلاص ونخلص من هذه الجزيرة فقالوا له: كيف تعمل؟ فقال: نقطع من هذه الأخشاب الطوال ونفتل من قشرها حبالاً، ونربط بعضها في بعض ونجعلها فلكاً ونرميه في البحر ونملؤه من تلك الفاكهة، ونعمل له مجاذيف وننزل فيه لعل الله تعالى أن يجعل لنا فرجاً فإنه على كل شيء قدير، وعسى الله أن يرزقنا الريح الطيب الذي يرسلنا إلى بلاد الهند ونخلص من هذه الملعونة فقالوا له: هذا رأي حسن وفرحوا به فرحاً شديداً وقاموا في الوقت والساعة يقطعون الأخشاب لعمل الفلك ثم فتلوا الحبال لربط الأخشاب في بعضها واستمروا على ذلك مدة شهر وكل يوم في آخر النهار يأخذون شيئاً من الحطب، ويروحون به إلى مطبخ بنت الملك ويجعلون بقية لنهار لأشغالهم في صنع الفلك إلى أن أتموه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. وفي الليلة الرابعة والعشرين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن سيف الملوك ومماليكه لما قطعوا الأخشاب من الجزيرة وفتلوا الحبال وربطوا الفلك الذي عملوه، فلما فرغوا من عمله رموه في البحر وسقوه من الفواكه التي في الجزيرة من تلك الأشجار وتجهزوا في آخر يومهم ولم يعلموا أبداً بما فعلوا، ثم ركبوا في ذلك الفلك وساروا في البحر مدة أربعة أشهر، ولم يعلموا أين يذهب بهم وفرغ منهم الزاد وصاروا في أشد ما يكون من الجوع والعطش، وإذا بالبحر قد أرغى وأزبد وطلع منه أمواج عالية، فأقبل عليهم تمساح هائل ومد يده وخطف مملوكاً من المماليك وبلعه، فلما رأى سيف الملوك ذلك التمساح فعل بالمملوك ذلك الفعل بكى بكاء شديداً، وصار في الفلك هو والمملوك الباقي وحدهما وبعدا عن مكان التمساح وهما خائفان، ولم يزالا كذلك حتى ظهر لهما يوماً من الأيام جبل عظيم هائل عال شاهق في الهواء ففرحا به وظهر لهما بعد هذه الجزيرة فجدا في السير إليها وهما مستبشران بدخولهما الجزيرة. فبينما هما على تلك الحالة، وإذا بالبحر هاج وعلت أمواجه وتغيرت حالاته، فرفع التمساح رأسه ومد يده فأخذ المملوك الذي بقي من مماليك سيف الملوك وبلعه، فصار سيف الملوك وحده حتى وصل إلى الجزيرة وصال يعالج إلى أن صعد فدق الجبل، ونظر فرأى غابة فدخل الغابة ومشى بين الأشجار وصار يأكل من الفواكه فرأى الأشجار وقد طلع فوقها ما يزيد عن عشرين قرداً راكباً كل واحد منهم أكبر من البغل، فلما رأى سيف الملوك هذه القرود حصل له خوف شيديد، ثم نزلت القرود واحتاطوا به من كل جانب وبعد ذلك ساروا أمامه وأشاروا إليه أن يتبعهم ومشوا، فمشى سيف الملوك خلفهم وما زالوا سائرين وهو تابعهم حتى أقبلوا على قلعة عالية البنيان مشيدة الأركان، فدخلوا تلك القلعة ودخل سيف الملوك وراءهم فرأى فيها من سائر التحف والجواهر والمعادن ما يكل عن وصفه اللسان، ورأى في تلك القلعة شاباً لا نبات بعارضه لكنه طويل زائد الطول. فلما رأى سيف الملوك ذلك الشاب استأنس به، ولم يكن في تلك القلعة غير ذلك الشاب من البشر، ثم إن الشاب لما رأى سيف الملوك أعجبه غاية الإعجاب، فقال له: ما اسمك ومن أي البلاد أنت وكيف وصلت إلى هنا؟ فأخبرني بحديثك ولا تكتم شيئاً فقال له سيف الملوك: أنا والله ما وصلت إلى هنا بخاطري ولا كان هذا المكان مقصودي، وأنا ما أزال أسير من مكان إلى مكان آخر حتى أنال مطلوبي أو يكون سعيي إلى مكان فيه أجلي فأموت، ثم إن الشاب التفت إلى قرد وأشار إليه، فغاب القرد ساعة ثم أتى ومعه قرود مشددة الوسط بالفوط الحرير وقدموا السماط ووضعت عليه نحو مائة صحفة من الذهب والفضة وفيها من سائر الأطعمة وصارت القرود واقفة على عادة الأتباع بين يدي الملوك ثم أشار للحجاب بالقعود فقعدوا ووقف الذي عاته الخدم ثم أكلوا حتى اكتفوا، ثم رفعوا السماط وأتوا بطشوت وأباريق من الذهب فغسلوا أيديهم ثم جاؤوا بأواني الشراب نحو أربعين آنية فيها أنواع من الشراب فشربوا وتلذذوا وطربوا وطاب لهم وقتهم وجميع القرود يرقصون ويلعبون وقت اشتغال الآكلين بالأكل، فلما رأى سيف الملوك ذلك تعجب منهم ونسي ما جرى له من الشدائد. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. وفي الليلة الخامسة والعشرين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن سيف الملوك لما رأى فعل القرود ورقصهم تعجب منهم ونسي ما جرى له من الغربة وشدائدها فلما كان الليل أوقدوا الشموع ووضعوها في الشمعدانات الذهبية والفضية، ثم أتوا بأواني النقل والفاكهة فأكلوا ولما جاء وقت النوم فرشوا لهم الفرش وناموا، فلما أصبح الصباح قام الشاب على عادته ونبه سيف الملوك وقال له: اخرج رأسك من الشباك وانظر إلى أي شيء هذا الواقف تحت الشباك فنظر فرأى قروداً قد ملأت الفلا الواسع والبرية كلها وما يعلم عدد القرود إلا الله تعالى فقال سيف الملوك هؤلاء قرود كثيرون قد ملأوا الفضاء ولأي شيء اجتمعوا في هذا الوقت فقال له الشاب: إن هذه عادتهم وجميع ما في الجزيرة قد أتى وبعضهم جاء من سفر يومين أو ثلاثة فإنهم يأتون في كل يوم سبت ويقفون هنا حتى أنتبه من منامي وأخرج رأسي من هذا الشباك فحين يبصرونني يقبلون الأرض بين يدي ثم ينصرفون إلى أشغالهم.وأخرج رأسه من الشباك حتى راوه فلما نظروه قبلوا الأرض بين يديه وانصرفوا ثم إن سيف الملوك قعد عند الشاب مدة شهر كامل وبعد ذلك ودعه وسافر فأمر الشاب نفراً من القرود نحو المائة قرد بالسفر معه، فسافروا في خدمة سيفالملوك مدة سبعة أيام حتى أوصلوه إلى آخر جزائرها ثم ودعوه ورجعوا إلى أماكنهم وسافر سيف الملوك وحده في الجبال والتلال والبراري والقفار مدة أربعة أشهر يوماً يجوع ويوماً يشبع ويوماً يأكل الحشائش، ويوماً يأكل من ثمر الأشجار وصار يتندم على ما فعل بنفسه وعلى خروجه من عند ذلك الشاب وأراد أن يرجع إليه على أثره فرأى شبحاً أسود يلوح على بعد فقال في نفسه: هل هذه هي بلدة سوداء أم كيف الحال ولكن لا ارجع حتى أنظر أي شيء هذا الشبح. فلما قرب منه رآه قصراً عالي البنيان وكان الذي بناه يافج بن نوح عليه السلام وهو القصر الذي ذكره الله تعالى في كتابه العزيز وبقوله وبئر معطلة وقصر مشيد. ثم إن سيف الملوك جلس على باب القصر وقال في نفسه: يا ترى ما شأن داخل هذا القصر ومن فيه من الملوك؟ فمن يخبرني بحقيقة الأمر وهل سكانه من الإنس أو من الجن؟ فقعد يتفكر ساعة زمانية ولم يجد أحداً بداخله ولا يخرج منه فقام يمشي وهو متوكل على الله تعالى حتى دخل القصر فوجد في طريقه سبعة دهاليز فلم ير أحد ونظر على يمينه ثلاثة أبواب وقدامه باب عليه ستارة مسبولة فتقدم إلى ذلك الباب ورفع الستارة بيده ومشى داخل الباب وإذا هو بإيوان كبير مفروش بالبسط الحرير وفي صدر ذلك الإيوان تخت من الذهب وعليه بنت جالسة وجهها مثل القمر، وعليها ملبوس الملوك وهي كالعروس في ليلة زفافها وتحت التخت اربعون سماطاً وعليها صحاف الذهب والفضة وكلها ملآنة بالأطعمة الفاخرة فلما رآها سيف الملوك أقبل عليها وسلم فردت عليه السلام وقالت له: هل أنت من الإنس أو من الجن؟ فقال: أنا من خيار الإنس وإني ملك ابن ملك فقالت له: وأي شيء تريد دونك وهذا الطعام وبعد ذلك حدثني بحديثك من أوله إلى آخره وكيف وصلت إلى هذا الموضع فجلس سيف الملوك على السماط، وكشف المكبة عن السفرة وكان جائعاً وأكل من تلك الصحاف حتى شبع، وغسل يديه وطلع على التخت وقعد عند البنت فقالت له: من أنت؟ وما اسمك؟ ومن أين جئت؟ ومن أوصك إلى هنا؟ فقال لها سيف الملوك: أما أنا فحديثي طويل، فقالت: قل لي: من أين وما سبب مجيئك إلى هنا وما مرادك؟ فقال لها: أخبريني أنت ما شأنك وما اسمك ومن جاء بك إلى هنا ولأي شيء أنت قاعدة في هذا المكان وحدك؟ فقالت البنت: أنا اسمي دولة خاتون بنت ملك الهند، وأبي ساكن في مدينة سرنديب ولبي بستان مليح كبير في بلاد الهند وأقطارها أحسن منه، فيه حوض كبير، فدخلت في ذلك البستان يوماً من الأيام مع جواري وتعريت أنا وجواري ونزلنا في ذلك الحوض وصرنا نلعب وننشرح فلم اشعر إلا وشيء مثل السحاب نزل علي وخطفني من بين الجواري وطار بي بين الأرض والسماء وهو يقول: دولة خاتون لاتخافي وكوني مطمئة القلب. ثم طار بي مدة قليلة وبعد ذلك أنزلني في هذا القصر، ثم انقلب من وقته وساعته فإذا هو شاب مليح حسن الشباب نظيف الثياب، وقال لي: أتعرفينني؟ فقلت: لا يا سيدي، فقال: أنا ابن الملك الأزرق ملك الجان وأبي ساكن في قلعة القلزوم وتحت يده ستمائة ألف من الجن الطيارة والغواصين واتفق لي أني كنت عابراً في طريقي ومتوجهاً إلى حال سبيلي فرأيتك وعشقتك ونزلت عليك وخطفتك من بين الجواري وجئت بك إلى هذا القصر المشيد، وهو موضعي ومسكني، فلا أحد يصل إليه قط لا من الجن ولا من الإنس ومن الهند إلى هنا مسير مائة وعشرين سنة، فتحققي أنك لا تنظرين بلاد أبيك وأمك أبداً فاقعدي عندي في هذا المكان مطمئنة القلب والخاطر، وأنا أحضر بين يديك كل ما تطلبينه ثم بعد ذلك عانقني وقبلني. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. وفي الليلة السادسة والعشرين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن البنت قالت لسيف الملوك: ثم إن ابن الجان بعد أن أخبرني عانقني وقبلني وقال لي: اقعدي هنا ولا تخافي من شيء ثم تركني وغاب عني ساعة وبعد ذلك أتى ومعه هذا السماط والفرش والبسط، ولكن لم يجيء إلا في كل يوم ثلاثاء وعند مجيئه يأكل ويشرب معي ويعانقني ويقبلني وأنا بنت بكر على الحالة التي خلقني الله عليها، ولم يفعل بي شيئاً وأبي اسمه تاج الملوك ولم يعلم أني بخير ولم يقع لي على اثر وهذا حديثي فحدثني أنت بحديثك، فقال لها سيف الملوك: إن حديثي طويل وأخاف أن أحدثك به يطول الوقت علينا فيجيء العفريت، فقالت له: إنه لم يسافر من عندي إلا قبل دخولك بساعة، ولا يأتي إلا في يوم الثلاثاء فاقعد واطمئن وطيب خاطرك وحدثني بما جرى لك من الأول إلى الآخر، فقال سيف الملوك سمعاً وطاعة ثم ابتدأ بحديثه حتى أكمله من الأول إلى الآخر فلما وصل إلى آخر حكاية بديعة الجمال تغرغرت عيناه بالدموع الغزار، وقالت: ما هو ظني فيك يا بديعة الجمال آه من الزمان يا بديعة الجمال، ما تذكرينني وتقولين أين راحت أختي دولة خاتونن ثم إنها زادت في البكاء وصارت تتأسف حيث لم تذكرها بديعة الجمال فقال لها سيف الملوك: يا دولة خاتون إنك إنسية وهي جنية فمن أين تكون هذه أختك؟ فقالت له: إنها أختي من الرضاع وسبب ذلك أن أمي نزلت تتفرج في البستان فجاءها الطلق، فولدتني في البستان وكانت أم بديعة الجمال في البستان هي وأعوانها، فجاءها الطلق فنزلت في طرف البستان وولدت بديعة الجمال، وأرسلت بعض جواريها إلى أمي تطلب منها طعاماً وحوائج الولادة فبعثت إليها أمي ما طلبته وعزمت عليها فقامت وأخذت بديعة الجمال وأتت إلى أمي فأرضعت أمي بديعة الجمال، ثم أقامت أمها وهي معها عندنا في البستان مدة شهرين، وبعد ذلك سافرت إلى بلادها وأعطت أمي حاجة وقالت لها: إذا احتجت إلي أجيئك في وسط البستان وكانت تأتي بديعة الجمال مع أمها في كل عام، ويقيمان عندنا مدة من الزمان ثم يرجعان إلى بلادهما فلو كنت أنا عند أمي يا سيف الملوك ونظرتك عندنا في بلادنا ونحن مجتمع شملنا مثل العادة كنت أتحيل عليها بحيلة حتى أوصلك إلى مرادك ولكن أنا في هذا المكان ولا يعرفون خبري، فلو عرفوا خبري وعلموا أني هنا كانوا قادرين على خلاصي من هذا المكان ولكن الأمر إلى الله سبحانه وتعالى وأي شيء أعمل؟ فقال سيف الملوك: قومي وتعالي معي نهرب ونسير إلى حيث يريد الله تعالى فقالت له: لا نقدر على ذلك والله لو هربنا مسيرة سنة لجاء هذا الملعون في سرعة ويهلكنا فقال سيف الملوك: أنا أختفي في موضع وإذا جاز علي أضربه بالسيف فأقتله، فقالت له: ما تقدر أن تقتله إلا إن قتلت روحه، فقال لها سيف الملوك وروحه في أي مكان؟ فقالت: أنا سألته عنها مرات عديدة فلم يقر لي بمكانها، فاتفق أني ألححت عليه يوماً من الأيام، فاغتاظ مني وقال لي: كم تسألينني عن روحي ما سبب سؤالك عن روحي؟ فقلت له: يا حاتم أنا ما بقي لي أحد غيرك إلا الله وأنا مادمت بالحياة لم أزل معانقة لروحك وإن كنت أنا ما أحفظ لروحك وأحطها في وسط عيني فكيف تكون حياتي بعدك، وإذا عرفت روحك حفظتها مثل عيني اليمين فعند ذلك قال لي: حين ولدت أخبر المنجمون أن هلاك روحي يكون على يد أحد من أولاد الملوك الأنسية فأخذت روحي ووضعتها في حوصلة عصفور وحبست العصفور في حق ووضعت الحق في علبة ووضعت العلبة داخل سبع علب في سبع صناديق ووضعت الصناديق في طابق من رخام في جانب هذا البحر المحيط لأن هذا الجانب بعيد عن بلاد الإنس وما يقدر أحد من الإنس أن يصل إليه وها أنا قلت لك ولا تقولي لأحد على هذا فإنه سر بيني وبينك. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. وفي الليلة السابعة والعشرين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن دولة خاتون لما أخبرت سيف الملوك بروح الجني الذي خطفها وبينت له ما قاله الجني إلى أن قال لها: وهذا سر بيننا قالت: فقلت له: ومن أحدثه به وما يأتيني أحد غيرك حتى أقول له ثم قلت له: والله إنك جعلت روحك في حصن عظيم لا يصل إليه أحد، فكيف يصل إلى ذلك أحد من الإنس حتى لو فرض المحال وقدر الله مثل ما قال المنجمون فكيف يكون أحد من الإنس يصل إلى هذا؟ فقال: ربما كان أحد منهم في اصبعه خاتم سليمان بن داود عليه السلام، ويأتي إلى هنا ويضع يده بهذا الخاتم على وجه الماء ثم يقلو: بحق هذه الأسماء أن تطلع روح فلان فيطلع التابوت فيكسره والصناديق كذلك والعلب وخيرج العصفور من الحق ويخنقه فأموت أنا، فقال سيف الملوك: هو أنا ابن الملك وهذا خاتم سليمان بن داود عليه السلام في اصبعي، فقومي بنا إلى شاطئ البحر حتى نبصر هل كلامه هذا كذب أم صدق، فعند ذلك قام الاثنان ومشيا إلى أن وصلا إلى البحر ووقفت دولة خاتون على جانب البحر ودخل سيف الملوك في الماء إلى وسطه وقال: بحق ما في هذا الخاتم من الأسماء والطلاسم وبحق سليمان عليه الصلاة والسلام أن تخرج روح فلان ابن الملك الأزرق الجني فعند ذلك هاج البحر وطلع التابوت فأخذه سيف الملوك وضربه على الحجر فكسره وكسر الصناديق والعلب وأخرج العصفور من الحق وتوجها إلى القصر وطلعا فوق التخت وإذا بغبرة هائلة وشيء عظيم طائر وهو يقول: ابقني يا ابن الملك ولا تقتلني واجعلني عتيقك وأنا أبلغك مقصودك. فقالت له دولة خاتون: قد جاء الجني فاقتل العصفور لئلا يدخل هذا الملعون القصر ويأخذه منك ويقتلك ويقتلني بعدك، فعند ذلك خنق العصفور فمات فوقع الجني على الأرض كوم رماد أسود، فقالت له دولة خاتون: قد تخلصنا من يد هذا الملعون وكيف نعمل؟ فقال سيف الملوك: المستعان بالله تعالى الذي بلانا فإنه يدبرنا ويعيننا على خلاصنا مما نحن فيه، ثم قام سيف الملوك وقلع من أبواب القصر نحو عشرة أبواب، وكانت تلك الأبواب من الصندل والعود ومساميرها من الذهب والفضة ثم أخذا حبالاً كانت هناك من الحرير والابرسيم وربطا الأبواب بعضها في بعض وتعاون هو ودولة خاتون إلى أن وصلا بها إلى البحر ورمياها فيه بعد أن صارت فلكاً وربطوه على الشاطئ ثم رجعا إلى القصر وحملا الصحاف الذهب والفضة وكذلك الجواهر واليواقيت والمعادن النفيسة ونقلا جميع ما في القصر من الذي خف حمله وغلا ثمنه وحطاه في ذلك الفلك وركبا فيه متوكلين على الله تعالى الذي من توكل عليه كفاه ولا يخيبه وعملا لهما خشبتين على هيئة المجاذيف ثم حلا الحبال وتركا الفلك يجري بهما في البحر ولم يزالا سائرين على تلك الحالة مدة أربعة أشهر حتى فرغ منهما الزاد واشتد عليهما الكرب وضاقت أنفسهما، فطلبا من الله أن يرزقهما النجاة مما هما فيه وكان سيف الملوك في مدة سيرهم إذا نام يجعل دولة خاتون خلف ظهره فإذا انقلب كان السيف بينهما، فبينما هما على تلك الحالة ليلة من الليالي فاتفق أن سيف الملوك كان نائماً ودولة خاتون يقظانة وإذا بالفلك مال إلى طرف البر وجاء إلى الميناء وفي تلك الميناء مراكب فنظرت دولة خاتون المراكب وسمعت رجلاً يتحدث مع رئيس الرؤوساء وكبيرهم. فلما سمعت دولة خاتون صوت الرئيس علمت أن هذا البر ميناء مدينة من المدن وأنهما وصلا إلى العمار ففرحت فرحاً شديداً ونبهت سيف الملوك من النوم وقالت له: قم واسأل هذا الريس عن اسم هذه المدينة وعن هذا الميناء فقام سيف الملوك وهو فرحان وقال له: يا أخي ما اسم هذه المدينة؟ وما يقال لهذا الميناء وما اسم ملكها؟ فقال له الريس: يا صاقع الوجه يا بارد اللحية إذا كنت لا تعرف الميناء ولا هذه المدينة فكيف جئت إلى هنا؟ فقال سيف الملوك: أنا غريب وقد كنت في سفينة من سفن التجار فانكسرت وغرقت بجميع من فيها وطلعت على لوح فوصلت إلى هنا فسألتك والسؤال ما هو عيب فقال الريس: هذه مدينة عمارية وهذا الميناء يسمى ميناء كمين البحرين، فلما سمعت دولة خاتون هذا الكلام فرحت فرحاً شديداً وقالت: الحمد لله، فقال سيف الملوك: ما الخبر؟ فقالت: يا سيف الملوك أبشر بالفرج القريب فإن ملك هذه المدينة عمي أخو أبي. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. وفي الليلة الثامنة والعشرين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن دولة خاتون لما قالت لسيف الملوك أبشر بالفرج القريب فإن ملك هذه المدينة عمي أخو أبي واسمه عالي الملوك ثم قالت له: اسأله وقل له: هل سلطان هذه المدينة عالي الملوك طيب فسأله عن ذلك فقال له الريس وهو مغتاظ منه: ألست تقول عمري ما جئت إلى هنا وإنما أنا رجل غريب فمن عرفك باسم صاحب هذه المدينة؟ ففرحت دولة خاتون وعرفت الريس وكان اسمه معين الدين وهو من رؤوساء أبيها وإنما خرج ليفتش عليها حين فقدت فلم يجدها ولم يزل دائراً حتى وصل إلى مدينة عمها ثم قالت لسيف الملوك: قل له: يا ريس معين الدين تعال كلم سيدتك فناداه بما قالته له فلما سمع الريس كلام سيف الملوك اغتاظ غيظاً شديداً وقال له: يا كلب من أنت وكيف عرفتني؟ ثم قال لبعض البحرية ناولوني عصاً من الشوم حتى أروح إلى هذا النحس وأكسر رأسه فأخذ العصا وتوجه إلى سيف الملوك فرأى الفلك ورأى فيه شيئاً عجيباً بهيجاً فاندهش عقله، ثم تأمل وحقق النظر فرأى دولة خاتون وهي جالسة مثل فلقة القمر، فقال له الريس: ما الذي عندك؟ فقال له: عندي بنت تسمى دولة خاتون. فلما سمع الريس هذا الكلام وقع مغشياً عليه حين سمع باسمها وعرف أنها سيدته وبنت ملكه، فلما أفاق ترك الفلك وما فيه وتوجه إلى المدينة وطلع قصر الملك فاستأذن عليه فدخل الحاجب إلى الملك وقال: إن الريس معين جاء إليك ليبشرك فأذن له بالدخول فدخل على الملك وقبل الأرض بين يديه وقال: يا ملك عندك البشارة فإن بنت أخيك دولة خاتون وصلت إلى المدينة طيبة بخير وهي في الفلك وصحبتها شاب مثل القمر ليلة تمامه. فلما سمع الملك خبر بنت أخيه فرح وخلع على الريس خلعة سنية وأمر من ساعته أن يزينوا المدينة لسلامة بنت أخيه وأرسل إليها وأحضرها عنده هي وسيف الملوك وسلم عليهما وهنأهما بالسلامة ثم إنه أرسل إلى أخيه ليعلمه أن ابنته وجدت وهي عنده، ثم إنه لما وصل إليه الرسول تجهز واجتمعت العساكر وسافر تاج الملوك أبو دولة خاتون حتى وصل إلى أخيه عالي الملوك واجتمع ببنته دولة خاتون وفرحوا فرحاً شديداً وقعد تاج الملوك عند أخيه جمعة من الزمان ثم إنه أخذ بنته وكذلك سيف الملوك وسافروا حتى وصلوا إلى سراديب بلاد ابيها واجتمعت دولة خاتون بأمها وفرحوا بسلامتها واقاموا الأفراح وكان ذلك يوماً عظيماً لا يرى مثله، وأما الملك فإنه أكرم سيف الملوك وقال له: يا سيف الملوك إنك فعلت معي ومع ابنتي هذا الخير كله وأنا لا أقدر أن أكافئك عليه وما يكافئك إلا رب العالمين، ولكن أريد منك أن تقعد على التخت في موضعي وتحكم في بلاد الهند فإني قد وهبت ملكي وتختي وخزانتي وخدامي وجميع ذلك يكون هبة مني لك، فعند ذلك قام سيف الملوك وقبل الأرض بين يدي الملك وشكره وقال: يا ملك الزمان قبلت جميع ما وهبته لي وهو مردود مني إليك هدية أيضاً، وأنا يا ملك الزمان ما أريد مملكة ولا سلطنة وما أريد إلا أن الله تعالى يبلغني مقصودي. فقال له الملك هذه خزائني بين يديك يا سيف الملوك مهما طلبته منها خذه ولا تشاورني فيه وجزاك عني خيراً، فقال سيف الملوك أعز الله الملك لا حظ في الملك ولا في المال حتى أبلغ مرادي ولكن غرضي الآن أن أتفرج في هذه المدينة وأنظر شوارعها وأسواقها، فأمر تاج الملوك أن يحضروا له فرساً من جياد الخيل فأحضروا له فرساً مسرجاً ملجماً من جياد الخيل فركبها وطلع إلى السوق وشق في شوارع المدينة فبينما هو ينظر يميناً وشمالاً إذ رأى شاباً ومعه قباء وهو ينادي عليه بخمسة عشر ديناراً، فتأمله فوجده يشبه أخاه ساعداً وفي نفس الأمر هو بعينه، إلا أنه تغير لونه وحاله من طول الغربة ومشقات السفر ولم يعرفه ثم قال لمن حوله هاتوا هذا الشاب لأستخبره فأتوا به إليه. فقال خذوه وأوصلوه إلى القصر الذي أنا فيه وخلوه عندكم إلى أن أرجع من الفرجة، فظنوا أنه قال لهم خذوه وأوصلوه إلى السجن وقالوا لعل هذا مملوك من مماليكه هرب منه فأخذوه وأوصلوه إلى السجن وقيدوه وتركوه قاعداً، فرجع سيف الملوك من الفرجة وطلع القصر ونسي أخاه ساعداً ولم يذكره له أحد فصار ساعداً في السجن، ولما خرجوا بالأسرى إلى أشغال العمارات أخذوا ساعداً معهم وصار يشتغل مع الأسرى وكثر عليه الوسخ ومكث ساعداً على هذه الحالة مدة شهر وهو يتذكر في أحواله ويقول في نفسه ما سبب سجني وقد اشتغل سيف الملوك بما هو فيه من السرور وغيره فاتفق أن سيف الملوك جلس يوماً من الأيام وتذكر ساعداً فقال المماليك الذين كانوا معه أين المملوك الذي كان معكم في اليوم الفلاني فقالوا أما قلت لنا أوصلوه إلى السجن، فقال سيف الملوك أنا ما قلت لكم هذا الكلام وإنما قلت لكم أوصلوه إلى القصر الذي أنا فيه ثم إنها أرسل الحجاب إلى ساعد فأتوا به وهو مقيد ففكوه من قيده وأوقفوا بين يدي سيف الملوك فقال له يا شاب من أي بلاد أنت فقال له أنا من مصر واسمي ساعد بن الوزير فارس. فلما سمع سيف الملوك كلامه نهض من فوق التخت وألقى نفسه عليه وتعلق برقبته ومن فرحه صار يبكي بكاء شديداً وقال يا أخي الحمد لله حيث عشت ورأيتك فأنا أخوك سيف الملوك بن الملك عاصم فلما سمع أخيه كلامه وعرفه تعانقا مع بعضهما وتباكيا، فتعجب الحاضرون منهما ثم أمر سيف الملوك أن يأخذوا ساعداً ويذهبوا به إلى الحمام، وعند خروجه من الحمام ألبسوه ثياباً فاخرة وأتوا به إلى مجلس سيف الملوك فأجلسه معه على التخت ولما علم ذلك تاج الملوك فرح فرحاً شديداً باجتماع سيف الملوك وأخيه ساعد وحضر وجلس الثلاثة يتحدثون فيما جرى لهم من الأول إلى الآخر، ثم إن ساعداً قال يا أخي يا سيف الملوك لما غرقت المركب وغرقت المماليك طلعت أنا وجماعة من المماليك على لوح خشب وسار بنا في البحر مدة شهر كامل ثم بعد ذلك رمانا الريح بقدرة الله تعالى على جزيرة فطلعنا ونحن جياع فدخلنا بين الأشجار وأكلنا من الفواكه واشتغلنا بالأكل، فلم نشعر إلا وقد خرج علينا أقوام مثل العفاريت، فوثبوا علينا وركبوا فوق أكتافنا وكانوا نحو المائتين فقلنا لبعضنا ما يكفي هؤلاء أن يركبونا حتى يأكلونا أيضاً فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ولكن نحن نقوي عليهم السكر، ثم نقتلهم ونستريح منهم ونخلص من أيديهم، فنبهناهم وصرنا نملأ لهم تلك الجماجم ونسقيهم فيقولون هذا مر فقلنا لهم لأي شيء تقولون هو مر، وكل من قد قال ذلك إن لم يشرب منه عشر مارت فإنه يموت من يومه فخافوا من الموت وقالوا لنا اسقونا تمام العشر مرات، فلما شربوا العشر مرات سكروا وزاد عليهم السكر وهمدت قوتهم فجررناهم من أيديهم، ثم إننا جمعنا من حطب تلك الكروم شيئاً كثيراً وجعلنا حولهم وفوقهم وأوقدنا النار في الحطب ووقفنا من بعيد ننظر ما يكون منهم. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. وفي الليلة التاسعة والعشرين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن ساعداً قال لما أوقدت النار في الحطب أنا ومن معي من المماليك وصارت الغيلان في وسطها، وقفنا من بعيد لننظر ما يكون منهم ثم قدمنا إليهم بعد أن خمدت النار فرأيناهم صاروا كوم رماد فحمدنا الله تعالى الذي خلصنا منهم وخرجنا من تلك الجزيرة وطلبنا ساحل البحر، ثم افترقنا عن بعضنا فأما أنا واثنان من المماليك فمشينا حتى وصلنا إلى غابة كثيرة الأشجار فاشتغلنا بالأكل، وإذا بشخص طويل القامة طويل اللحية طويل الأذنين بعينين كأنهما مشعلان وقدامه غنم كثيرة يرعاها وعنده جماعة أخرى في كيفيته. فلما رآنا استبشر وفرح ورحب بنا وقال أهلاً وسهلاً، تعالوا عندي حتى أذبح لكم شاة من هذه الأغنام وأشويها وأطعمكم فقلنا له وأين موضعك فقال قريب ن هذا الجبل، فاذهبوا إلى هذه الجهة حتى تروا مغرة فادخلوا فإن فيها ضيوفاً كثيرين مثلكم، فروحوا واقعدوا حتى نجهز لكم الضيافة فاعتقدنا أن كلامه حق فسرنا إلى تلك الجهة ودخلنا تلك المغارة، فرأينا الضيوف التي فيها كلهم عمياناً، فحين دخلنا عليهم قال واحد منهم أنا مريض وقا الآخر أنا ضعيف، فقلنا لهم أي شيء هذا القول الذي تقولونه؟ وما سبب ضعفكم ومرضكم فقالوا لنا من أنتم فقلنا لهم نحن ضيوف، قالوا لنا ما الذي أوقعكم في يد هذا الملعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، هذا غول يأكل بني آدم وقد أعمانا ويريد أن يأكلنا، فقلنا لهم كيف أعماكم هذا الغول فقالوا لنا: في هذا الوقت يعميكم مثلنا، فقلنا لهم وكيف يعمينا فقالوا لنا إنه يأتيكما بأقداح من اللبن ويقول لكم: أنتم تعبتم من السفر فخذوا هذا اللبن واشربوا فحين تشربوا منه تصيروا مثلنا، فقلت في نفسي ما بقي لنا خلاص إلا بحيلة فحفرت حفرة في الأرض وجلست عليها، ثم بعد ساعة دخل الملعون الغول علينا ومعه أقداح من اللبن، فناولني قدحاً وناول من معي كل واحد قدحاً وقال لنا أنتم جئتم من البر عطاشاً فخذوا هذا اللبن واشربوا منه حتى أشوي لكم اللحم، فأما أنا فأخذت القدح وقربته من فمي ودلقته في الحفرة وصحت آه قد راحت عيني وعميت وأمسكت عيني بيدي وصرت أبكي وأصيح وهو يضحك ويقول لا تخف وأما الاثنان رففقاي فإنهما شربا اللبن فعميا فقام الملعون من وقته وساعته وهو يسعى خلفي، فقلت للعميان الذين عنده: كيف العمل مع هذا الملعون؟ فقال واحد منهم يا ساعد انهض واصعد إلى هذه الطاقة تجد فيها سيفاً صقيلاً فخذه وتعال عندي حتى أقول لك كيف تعمل فصعدت إلى الطاقة وأخذت السيف، وأتيت عند ذلك الرجل فقال خذه واضربه في وسطه فإنه يموت في الحال، فقمت وجريت خلفه وقد تعب من الجري فجاء إلى العميان ليقتلهم، فجئت إليه وضربته بالسيف في وسطه فصار نصفين، فصاح علي وقال لي يا رجل حيث أردت قتلي فاضربني ضربة ثانة فهممت أن أضربه ضربة ثانية، فقال الذي دلني على السيف لا تضربه ضربة ثانية فإنه لا يموت بل يعيش ويهلكنا. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. وفي الليلة الثلاثون بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن ساعداً قال لما ضربت الغول بالسيف قال لي يا رجل حيث ضربتني وأردت قتلي فاضربني ضربة ثانية، فهممت أن اضربه، فقال لي الذي دلني على السيف لا تضربه ضربة ثانية، فإنه لا يموت بل يعيش ويهلكنا فامتثلت أمر ذلك الرجل ولم أضربه، فمات الملعون فقال لي الرجل، قم افتح المغارة ودعنا نخرج منها لعل الله يساعدنا ونستريح من هذا الموضع فقلت له ما بقي علينا ضرر، ثم إننا تزودنا من الجزيرة بشيء من الفواكه التي فيها، ثم نزلنا المركب وسار بنا في ريح طيبة مدة ثلاثة أيام، وبعد ذلك سارت علينا ريح وازداد ظلام الجو، فما كان غير ساعة واحدة حتى جذبت الريح المركب في جبل فانكسر وتمزقت ألواحه فقد الله العظيم أني تعلقت بلوح منه فركبته فسار بي يومين، وقد أتت بي ريح طيبة فسرت فوق اللوح أقذف برجلي ساعة زمانية حتى أوصلني الله تعالى إلى البر بالسلامة فطلعت إلى هذه المدينة وقد صرت غريباً فريداً وحيداً لا أدري ما أصنع وقد أضرني الجوع وحصل لي الجهد الأكبر، فأتيت إلى سوق المدينة وقد تواريت وقلعت القباء وقلت في نفسي أبيعه وآكل بثمنه حتى يقضي الله ما هو قاض ثم إني يا أخي أخذت القباء في يدي والناس ينظرونه ويتزايدون في ثمنه حتى أتيت أنت ونظرتني وأمرت بي إلى القصر فأخذني الغلمان وسجنوني ثم إنك تذكرتني بعد هذه المدة فأحضرتني عندك وقد أخبرتك بما جرى لي والحمد لله على الاجتماع. فلما سمع سيف الملوك، وتاج الملوك أبي دولة خاتون حديث الوزير ساعد تعجبا من ذلك عجباً شديداً وقد أعد تاج الملوك أبو دولة خاتون مكاناً مليحاً لسيف الملوك وأخيه وصارت دولة خاتون تأتي لسيف الملوك وتتحدث معه وتشكره على إحسانه فقال الوزير ساعد: أيتها الملكة المراد منك المساعدة على بلوغ غرضه، فقالت نعم أسعى في مراده حتى يبلغ مراده إن شاء الله تعالى ثم التفت إلى سيف الملوك وقالت له طب نفساً وقر عيناً. هذا ما كان من أمر سيف الملوك ووزيره ساعد. وأما ما كان من أمر الملكة بديعة الجمال، فإنها وصلت إليها الأخبار برجوع أختها دولة خاتون إلى أبيها ومملكتها فقالت لابد من زيارتها والسلام عليها في زينة بهية وحلي وحلل فتوجهت إليها، فلما قربت من مكانها قابلتها الملكة دولة خاتون وسلمت عليها، وعانقتها وقبلتها بين عينيها وهنتها الملكة بديعة الجمال باسلامة ثم جلستا تتحدثان، فقالت بديعة الجمال لدولة خاتون أي شيء جرى لك في الغربة، فقالت دولة خاتون يا أختي لا تسأليني جرى لي من الأمور يا ما تقاسي الخلائق من الشدائد فقالت لها بديعة الجمال وكيف ذلك؟ قالت: يا أختي إني كنت في القصر المشيد وقد احتوى على فيه ابن الملك الأزرق ثم حدثنا ببقية الحديث من أوله إلى آخره وحديث سيف الملوك وما جرى له في القصر وما قاسى من الشدائد والأهوال حتى وصل إلى القصر المشيد وكيف قتل ابن الملك الأزرق، وكيف قلع الأبواب وجعلها فلكاً لها مجاذف وكيف دخل إلى ههنا فتعجبت بديعة الجمال ثم قالت: والله يا أختي إن هذا من أغرب الغرائب فقالت دولة خاتون: أريد أن أخبرك بأصل حكايته لكن يمنعني الحياء من ذلك فقالت لها بديعة الجمال: ما سبب الحياء وأنت أختي ورفيقتي وبيني وبينك شيء كثير، وأنا أعرف أنك ما تطلبين إلا الخير فمن أي شيء تستحين مني فأخبريني بما عندك ولا تستحي مني ولا تخفي عني شيئاً من ذلك، فقالت لها دولة خاتون: إن صورتك في القباء الذي ارسله أبوك إلى سليمان بن داود عليه السلام، فلم يفتحه ولم ينظر ما فيه بل أرسله إلى الملك عاصم بن صفوان ملك مصر في جملة الهدايا والتحف التي أرسلها إليه والملك عاصم أعطاه لولده سيف الملوك قبل أن يفتحه، فلما أخذه سيف الملوك فتحه وأراد أن يلبسه رأى فيه صورتك فعشقها وخرج في طلبك وقاسى هذه الشدائد كلها من أجلك. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. وفي الليلة الواحدة والثلاثين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن دولة خاتون أخبرت بديعة الجمال بأصل محبة سيف الملوك لها وعشقه إياها، وإن سببها القباء الذي فيه صورتها وحين عاين الصورة خرج من ملكه هائماً وغاب عن أهله من أجلها وقالت لها: إنه قاسى من الأهوال ما قاساه من أجلك، فقالت بديعة الجمال وقد احمر وجهها وخجلت من دولة خاتون: إن هذا شيء لا يكون أبداً، فإن الإنس لا يتفقون مع الجان فصارت دولة خاتون تصف لها سيف الملوك وحسن صورته وسيرته وفروسيته ولم تزل تثني عليه وتذكر لها حتى قالت: يا أختي لأجل الله تعالى ولأجلي تحدثي معه ولو كلمة واحدة، فقالت بديعة الجمال: إن هذا الكلام الذي تقولينه لا أسمعه ولا أطيعك فيه وكأنها لم تسمع منها شيئاً ولم يقع في قلبها شيء من محبة سيف الملوك وحسن صورته وسيرته وفروسيته ثم إن دولة خاتون صارت تتضرع لها وتقبل رجليها وتقول: يا بديعة الجمال بحق اللبن الذي رضعناه أنا وأنت وبحق النقش الذي على خاتم سليمان عليه السلام أن تسمعي كلامي هذا فإني تكفلت له في القصر المشيد بأني أريه وجهك فبالله عليك أن تريه صورتك مرة واحدة لأجل خاطري وأنت الأخرى تنظرينه وصارت تبكي لها وتتضرع إليها وتقبل يديها ورجليها حتى رضيت وقالت: لأجلك أريه وجهي مرة واحدة، فعند ذلك طاب قلب دولة خاتون وقبلت يديها ورجليها وخرجت وجاءت إلى القصر الأكبر الذي في البستان وأمرت الجواري أن يفرشنه وينصبن فيه تختاً من الذهب، ويجعلن أواني الشراب مصفوفة، ثم إن دولة خاتون قامت ودخلت على سيف الملوك وساعد وزيره وهما جلسان في مكانيهما وبشرت سيف الملوك ببلوغ اربه وحصول مراده وقالت له: توجه إلى البستان أنت وأخوك وادخلا القصر واختفيا عن أعين الناس بحيث لا ينظركما أحد ممن في القصر حتى أجيء أنا وبديعة الجمال. فقام سيف الملوك وساعد وتوجها إلى المكان الذي دلتهما عليه دولة خاتون فلما دخلاه رأيا تختاً من الذهب منصوباً وعليه الوسائد وهناك الطعام والشراب فجلسا ساعة من الزمان، ثم إن سيف الملوك تذكر معشوقته فضاق صدره وهاج عليه الشوق والغرام، فقام ومشى حتى خرج من دهليز القصر فتبعه أخوه ساعد فقال له: يا أخي اقعد أنت مكانك ولا تتبعني حتى أجيء إليك، فقعد ساعد ونزل سيف الملوك ودخل البستان وهو سكران من خمر الغرام وحيران من فرط العشق والهيام وقد هزه الشوق وغلب عليه الوجد. ثم اجتمع سيف الملوك وساعد أخوه وصارا يتفرجان في البستان ويأكلان من الفواكه. هذا ما كان من امر ساعد وسيف الملوك، وأما ما كان من أمر دولة خاتون فإنها لما أتت هي وبديعة الجمال إلى القصر دخلتا فيه بعد أن أتحفته الخدام بأنواع الزينة وفعلوا فيه جميع ما أمرتهم به دولة خاتون وقد أعدوا لبديع الجمال تختاً من الذهب لتجلس عليه، فلما رأت بديعة الجمال ذلك التخت جلست عليه وكان بجانبها طاقة تشرف على البستان وقدا أتت الخدام بأنواع الطعام الفاخرة فأكلت بديعة الجمال هي ودولة خاتون وصارت دولة خاتون تلقمها حتى اكتفت ثم دعت بأنواع الحلويات فأحضرتها الخدام وأكلتا منها بحسب الكفاية وغسلتا أيديهما، ثم إنها هيأت الشراب وآلات المدام وصفت الأباريق والكاسات وصارت دولة خاتون تملأ وتسقي بديعة الجمال ثم تملأ الكأس وتشرب هي ثم إن بديعة الجمال نظرت من الطاقة التي بجانبها إلى ذلك البستان ورأت ما فيه من الأثمار والأغصان، فلاحت منها التفاتة إلى جهة سيف الملوك ينشد الأشعار وهو يذري الدموع الغزار، فلما نظرته نظرة أعقبتها تلك النظرة ألف حسرة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. وفي الليلة الثانية والثلاثين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن بديعة الجمال لما رأت سيف الملوك وهو دائر في البستان نظرته نظرة أعقبتها ألف حسرة فالتفتت إلى دولة خاتون وقد لعب الخمر بأعطافها وقالت لها يا أختي من هذا الشاب الذي أراه في البستان وهو حائر ولهان كئيب فقالت لها دولة خاتون هل تأذنين في حضوره عندنا حتى نراه قالت لها إن أمكنك أن تحضريه فاحضريه فعند ذلك نادته دولة خاتون وقالت له يا ابن الملك اصعد إلينا واقدم بحسنك وجمالك علينا فعرف سيف الملوك صوت دولة خاتون فصعد إلى القصر، فلما وقع نظره على بديعة الجمال خر مغشياً عليه، فرشت عليه دولة خاتون قليلاً من ماء الورد فأفاق من غشيته ثم نهض وقبل الأرض قدام بديعة الجمال فبهتت من حسنه وجماله وقالت دولة خاتون: اعلمي أيتها الملكة أن هذا سيف الملوك الذي كانت نجاتي بقدرة الله على يديه وهو الذي جرى عليه كامل المشقات من أجلك وقصدي أن تشمليه بنظرك، فقامت بديعة الجمال وقد ضحكت وقالت من بقي بالعهود حتى بقي بها هذا الشاب لأن الانس ليس لهم مودة فقال سيف الملوك أيتها الملكة إن عدم الوفاء لا يكون عندي أبداً وما كل الخلق سواء.
فقالت له بديعة الجمال يا ابن الملك إني أخاف أن أقبل عليك بالكلية فلا أجد منك ألفة ولا محبة فإن الانس ربما كان خيرهم قليلاً وغدرهم جليلاً واعلم أن السيد سليمان بن داود عليهما السلام أخذ بلقيس بالمحبة، فلما رأى غيرها أحسن منها أعرض عنها فقال لها سيف الملوك يا عيني ويا روحي ما خلق الله كل الانس سواء وأنا إن شاء الله أفي بالعهد وأموت تحت أقدامك وسوف تبصرين ما أفعل موافقاً لما أقول والله على ما أقول وكيل، فقالت له بديعة الجمال اقعد واطمئن واحلف لي على قدر دينك ونتعاهد على أننا لا نخون بعضنا ومن خان صاحبه ينتقم الله تعالى منه فلما سمع سيف الملوك منها ذلك الكلام قعد ووضع كل منهما يده في يد صاحبه وتحالفا أن كلاً منهما لا يختار على احبه أحد من الانس ولا من الجن ثم إنهما تعانقا ساعة زمانية وتباكيا من شدة فرحهما. وبعد أن تحالفت بديعة الجمال هي وسيف الملوك قام سيف الملوك يمشي وقامت بديعة الجمال تمشي أيضاً ومعها جاريتها حالمة شيئاً من الأكل وقنينة ملآنة خمراً ثم قعدت بديعة الجمال ووضعت الجارية بين يديها الأكل والمدام فلم تمكثها غير ساعة إلا وسيف الملوك قد أقبل فلاقته بالسلام وتعانقا وقعدا. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. وفي الليلة الثالثة والثلاثين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن بديعة الجمال لما أحضرت الطعام والشراب وجاء سيف الملوك فلاقته بالسلامة ثم قعدا يأكلان ويشربان مدة ساعة، فقالت بديعة الجمال يا ابن الملك إذا دخلت بستان ارم ترى خيمة كبيرة منصوبة وهي من أطلس أحمر وبطانتها من حرير أخضر فادخل الخيمة وقو قلبك فإنك ترى عجوزاً جالسة على تخت من الذهب الأحمر مرصع بالدر والجواهر فإذا دخلت فسلم عليها بأدب واحتشام وانظر إلى جهة التخت تجد تحته نعالاً منسوجة بقضبان الذهب مزركشة بالمعادن فخذ تلك النعل وقبلها وضعها على رأسك، ثم حطها تحت إبطك اليمين وقف قدام العجوز وأنت ساكت مطرق الرأس فإذا سألتك وقالت لك من أين جئت، وكيف وصلت إلى هنا ومن عرفك هذا المكان؟ ومن شأن أي شيء أخذت هذه النعال فاسكت أنت حتى تدخل جاريتي هذه، وتتحدث معها وتستعطفها عليك وتسترضي خاطرها بالكلام، لعل الله تعالى يعطف قلبها عليك وتجيبك ما تريد، ثم إنها نادت الجارية وكان اسمها مرجانة وقالت لها بحق محبتي أن تقضي هذه الحاجة في هذا اليوم ولا تتهاوني في قضيتها في هذا اليوم فأنت حرة لوجه الله تعالى، ولك الإكرام ولا يكون عندي أعز منك ولا أظهر سري إلا عليك، فقالت يا سيدتي ونور عيني قولي لي ما حاجتك حتى أقضيها لك على رأسي وعيني، فقالت لها أن تجعلي هذا الأنسي على أكتافك وتوصليه إلى بستان ارم عند جدتي أم أبي، وتوصليه إلى خيمتها وتحتفظي عليه، وإذا دخلت الخيمة أنت وإياه ورأيته أخذ النعال وخدمها وقالت له من أين أنت ومن أي طريق أتيت ومن أوصلك إلى هذا المكان، ومن أي شيء أخذت هذه النعال وأي شيء حاجتك حتى أقضيها لك، فعند ذلك ادخلي بسرعة وسلمي عليها وقولي لها، يا سيدتي أنا التي جئت به هنا وهو ابن ملك مصر وهو الذي راح إلى القصر المشيد وقتل ابن الملك الأزرق وخلص الملكة دولة خاتون وأوصلها إلى أبيها سالمة، وقد أوصلته إليك لأجل أن يخبرك ويبشرك بسلامتها فتنعمي عليه، ثم بعد ذلك قولي لها بالله عليك يا سيدتي أما هذا الشاب مليح يا سيدتي فتقول نعم فعند ذلك قولي لها يا سيدتي إ،ه كامل العرض والمروءة والشجاعة وهو صاحب مصر وملكها، وقد حوى سائر الخصال الحميدة فإذا قالت لك أي شيء حاجته فقولي لها سيدتي تسلم عليك، وتقول لك إلى متى هي قاعدة في البيت عازبة بلا زواج فقد طالت عليها المدة فما مرادكم بعدم زواجها ولأي شيء ما تزوجينها في حياتك وحياة أمها مثل البنات فإذا قالت لك وكيف نعمل في زواجها فإن كانت هي تعرف أحداً ووقع في خاطرها أحد تخبرنا عنه، ونحن نعمل لها على مرادها على غاية ما يمكن. فعند ذلك قولي لها يا سيدتي إن ابنتك تقول لك إنكم كنتم تريدون تزويجي بسليمان عليه السلام وصورتم له صورتي في القباء، فلم يكن له نصيب في وقد أرسله إلى ملك مصر فأعطاه لولده فرأى صورتي منقوشة فيه، فعشقني وترك ملك أبيه وأمه وأعرض عن الدنيا وما فيها، وخرج هاجعاً في الدنيا على وجهه وقاسى أكبر الشدائد والأهوال من أجلي. ثم إن الجارية حملت سيف الملوك وقالت له غمض عينيك ففعل، فطارت به إلى الجو ثم بعد ساعة قالت يا ابن الملك افتح عينيك ففتح فنظر البستان وهو بستان ارم، فقالت له مرجانة ادخل يا سيف الملوك هذه الخيمة فذكر الله ودخل ومد عينيه بالنظر في البستان فرأى العجوز قاعدة على التخت وفي خدمتها الجواري فقرب منها بأدب واحتشام وأخذ النعال وقبلها وفعل ما وصفته له بديعة الجمال، فقالت له العجوز من أنت ومن أين جئت ومن أين أقبلت ومن أي البلاد أنت ومن جاء بك إلى هذا المكان ولأي شيء أخذت هذه النعال وقبلتها ومتى قلت لي حاجة ولم أقضها لك، فعند ذلك دخلت الجارية مرجانة وسلمت عليها بأدب واحتشام، ثم تحدثت جارية بديعة الجمال الذي قالته لها، فلما سمعت العجوز هذا الكلام صرخت عليها واغتاظت منها وقالت من أين يحصل بين الإنس والجن اتفاق. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. وفي الليلة الرابعة والثلاثين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن العجوز لما سمعت الكلام من الجارية اغتاظت وقالت من أين للانس مع الجن اتفاق، فقال سيف الملوك أنا أتفق معها وأكون غلامها وأموت على حبها وأحفظ عهدها ولا أنظر غيرها وسوف تنظرين صدقي وعدم كذبي وحسن مروءتي معها إن شاء الله تعالى، ثم إن العجوز تفكرت ساعة زمانية وهي مطرقة رأسها، ثم رفعت رأسها وقالت أيها الشاب هل تحفظ العهد والميثاق فقال لها نعم وحق من رفع السماء وبسط الأرض على الماء إني أحفظ العهد فعند ذلك قالت العجوز أنا أقضي لك حاجتك إن شاء الله تعالى ولكن رح في هذه الساعة إلى البستان وتفرج فيه وكل من الفواكه التي لا نظير لها ولا في الدنيا مثلها، حتى أبعث إلى ولدي شهيال فيحضر وأتحدث معه في شأن ذلك وأزوجك بنته بديعة الجمال، فطب نفساً فإنها تكون زوجة لك يا سيف الملوك، فلما سمع منها ذلك الكلام شكرها وقبل يديها ورجليها وخرج من عندها متوجهاً إلى البستان، وأما العجوز فإنها التفتت إلى تلك الجارية وقالت لها اطلعي فتمشي على ولدي شهيال وانظريه في أي الأقطار والأماكن وأحضريه عندي فراحت الجارية وفتشت على الملك شهيال فاجتمعت به وأحضرت عند أمه هذا ما كان من أمرها. وأما ما كان من أمر سيف الملوك فإنه صار يتفرج في البستان، وإذا بخمسة من الجن وهم من قوم الملك الأزرق قد نظروه، فقالوا من أين هذا ومن جاء به إلى هذا المكان ولعله الذي قتل ابن الملك الأزرق، ثم قالوا لبعضهم إننا نحتال عليه بحيلة ونسأله ونستخبر منه، ثم صاروا يتمشون قليلاً قليلاً إلى أن وصلوا إلى سيف الملوك في طرف البستان، وقعدوا عنده وقالوا له أيها الشاب المليح ما قصرت في قتل ابن الملك الأزرق وخلاص دولة خاتون منه فإنه كلب غدار قد مكر بها ولولا أن قيضك لها ما خلصت أبداً وكيف قتلته فنظر إليهم سف الملوك وقال لهم قد قتلته بهذا الخاتم الذي في إصبعي فثبت عندهم أنه هو الذي قتله فقبض اثنان على يديه واثنان على رجليه والآخر على فمه حتى لا يصيح فيسمعه قوم الملك شهيال فينقذونه من أيديهم، ثم إنهم حملوه وطاروا به، ولم يزالوا طائرين حتى نزلوا عند ملكهم وأوقفوه بين يديه وقالوا يا ملك الزمان قد جئناك بقاتل ولدك، فقال وأين هو قالوا هذا فقال له الملك الأزرق هل قتلت ولدي وحشاشة كبدي ونور بصري بغير حق وبغير ذنب فعله معك فقال له سيف الملوك نعم أنا قتلته ولكن لظلمه وعدوانه لأنه كان يأخذ أولاد الملوك ويذهب بهم إلى بئر المعطلة والقصر المشيد ويفرق بينهم وبين أهليهم ويفسق فيهم، وقتلته بهذا الخاتم الذي في إصبعي وعجل الله بروحه إلى النار وبئس القرار فثبت عند الملك الأزرق أن هذا هو قاتل ولده بلاشك، فعند ذلك دعا وزيره وقال له هذا قاتل ولدي ولا محالة من غير شك فماذا تشير في أمره فهل أقتله اقبح قتلة وأعذبه أصعب عذاب أو كيف أعمل فقال الوزير الأكبر اقطع منه عضواً، وقال آخر اضربه كل يوم ضرباً شديداً، وقال آخر اقطعوا وسطه، وقال آخر اقطعوا أصابعه جميعاً واحرقوها بالنار، وقال آخر اصلبوه، وصار كل واحد منهم يتكلم بحسب رأيه، وكان عبد الملك الأزرق أمير كبي له خبرة بالأمور ومعرفة بأحوال الدهور فقال له يا ملك الزمان إني أقول لك كلاماً والرأي لك في سماع ما أشير به عليك وكان هو مشير مملكته ورئيس دولته وكان الملك يسمع كلامه ويعمل برأيه ولا يخالفه في شيء فقام على قدميه وقبل الأرض بين يديه وقال له يا ملك الزمان إذا أشرت عليك برأي في شأن هذا الأمر هل تتبعه وتعطيني الأمان فقال له الملك بين رأيك وعليك الأمان. فقال يا ملك إن أنت قتلت هذا ولم تقبل نصحي ولم تعقل كلامي فإن قتله في هذا الوقت غير صواب لأنه تحت يدك وفي حماك وأسيرك ومتى طلبته وجدته وتفعل به ما تريد، فاصبر يا ملك الزمان فإن هذا قد دخل بستان ارم وتزوج بديعة الجمال بنت الملك شهيال وصار منهم واحد وجماعتك قبضوا عليه وأتوا به إليك وما أخفى حلاه منهم ولا منك، فإذا قتلته فإن الملك شهيال يطلب ثأره منك ويعاديك ويأتيك بالعسكر من أجل بنته ولا مقدرة لك على عسكره وليس لك به طاقة فسمع منه ذلك وأمر بسجنه هذا ما جرى لسيف الملوك. وأما ما كان من أمر جدة بديعة الجمال فإنها لما اجتمعت بولدها شهيال أرسلت الجارية تفتش على سيف الملوك فلم تجده، فرجعت إلى سيدتها وقالت ما وجدته في البستان فأرسلت إلى عمال البستان وسألتهم عن سيف الملوك، فقالوا نحن رأيناه قاعداً تحت شجرة، وإذا بخمسة أشخاص من جماعة الملك الأزرق نزلوا عنده وتحدثوا معه ثم إنهم حملوه وسدوا فمه وطاروا به وراحوا، فلما سمعت دجدة بديعة الجمال ذلك الكلام لم يهن عليها واغتاظت غيظاً شديداً وقامت على أقدامها وقالت لابنها الملك شهيال كيف تكون ملكاً وتجيء جماعة الملك الأزرق إلى بستاننا ويأخذون ضيفنا ويروحون به سالمين وأنت بالحياة وصارت تحرضه وتقول لا ينبغي أن يتعدى علينا أحد في حياتك، فقال لها يا أمي إن هذا الانسي قتل ابن الملك الأزرق وهو جني فرماه الله في يده فكيف أذهب إليه وأعاديه من أجل الانسي فقالت له أمه اذهب إليه واطلب منه ضيفنا فإن كان بالحياة وسلمه إليك فخذه وتعال، وإن كان قتله فأمسك الملك بالحياة وأولاده وحريمه وكل من يلوذ به من أتباعه وائتني بهم بالحياة حتى أذبحهم بيدي وأخرب دياره، وإن لم تفعل ما أمرتك به لا أجعلك من حل من لبني والتربية التي ربيتها لك تكون حراماً. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. وفي الليلة الخامسة والثلاثين بعد السبعمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن العجوز قالت لابنها شهيال اذهب إلى الملك الأزرق وانظر سيف الملوك فإن كان باقياً بالحياة فهاته وتعال وإن كان قتله فأمسكه هو وأولاده وحريمه وكل من يلوذ به، وائتني بهم بالحياة حتى أذبحهم بيدي وأخرب ملكه، وإن لم تذهب إليه وتفعل ما أمرتك به فلا أجعلك في حل من لبني وتكون تربيتك حراماً، فعند ذلك قام الملك شهيال وأمر عسكره بالخروج، وتوجه إليه كرامة لأمه ورعاية لخاطرها وخواطر أحبابها ولأجل شيء كان مقدراً في الأزل، ثم إن شهيال سافر بعسكره ولم يزالوا مسافرين حتى وصلوا إلى الملك الأزرق، وتلاقى العسكران فانكسر الملك الأزرق هو وعسكره وأمسكوا أولاده كباراً وصغاراً وأرباب دولته وأكابرها وربطوهم وأحضروهم بين يدي الملك شهيال، فقال له يا أزرق أين سيف الملوك الأنسي الذي هو ضيفي. فقال له المكل الأزرق يا شهيال أنت جني وأنا جني وهل لأجل انسي قتل ولدي تفعل هذه الفعال وهو قاتل ولدي وحشاشة كبدي وكيف عملت هذه الأعمال كلها وأهرقت دم كذا وكذا ألف جني فقال له خل عنك هذا الكلام فإن كان هو بالحياة فأحضره، وأنا أعتقك وأعتق كل من قبضت عليه من أولادك وإن كنت قتلته فأنا أذبحك أنت وأولادك، فقال له الملك الأزرق يا ملك هل هذا أعز عليك من ولدي، فقال له الملك شهيال وإن ولدك ظالم لكونه يخطف أودلا الناس وبنات الملوك، ويضعهم في القصر المشيد والبئر المعطلة ويفسق فيهم، فقال له الملك الأزرق إنه عندي ولكن أصلح بيننا وبينه فأصلح بينهم وخلع عليهم وكتب بين الملك الأزرق وبين سيف الملوك حجة من جهة قتال ولده وتسلمه شهيال وضيفهم ضيافة مليحة، وأقام الملك الأزرق عنده هو وعسكره ثلاثة أيام، ثم أخذ سيف الملوك وأتى إلى أمه ففرحت به فرحاً شديداً وتعجب شهيال من حسن سيف الملوك وكماله وجماله وحكى له سيف الملوك حكايته من أولها إلى آخرها وما وقع له مع بديعة الجمال ثم إن الملك شهيال قال يا أمي حيث رضيت أنت وهي بذلك فسمعاً وطاعة لكما أمر فيه رضاك فخذيه وروحي به إلى سردنيب واعملي هناك فرحاً عظيماً، فإنه شاب مليح قاسى الأهوال من أجلها، ثم إنها سافرت هي وجواريها إلى أن وصلن إلى سردنيب ودخلن البستان الذي رأته دولة خاتون ونظرته بديعة الجمال بعد أن مضين إلى الخيمة واجتمعن وحدثتهن العجوز بما جرى من الملك الأزرق وكيف كان أشرف على الموت في سجن الملك الأزرق وليس في الإعادة إفادة، ثم إن الملك سيف الملوك قال له يا ملك العفو أنا أطلب منك حاجة وأخاف أن تردني عنها خائباً. فقال له تاج الملوك لو طلبت روحي ما منعتها عنك لما فعلت من الجميل فقال سيف الملوك أريد أن تزوج دولة خاتون بأخي ساعد حتى نصير كلنا غلمانك فقال تاج الملوك سمعاً وطاعة ثم إنه جمع أكابر دولته ثاني وعقد عقد ابنته خاتون على ساعد ولما خلصوا من كتب الكتاب نثروا الذهب والفضة وأمر أن يزينوا المدينة، ثم أقاموا الفرح ودخل سيف الملوك على بديعة الجمال ودخل ساعد على دولة خاتون في ليلة واحدة ولم يزل سيف الملوك يختل ببديعة الجمال أربعين يوماً فقالت له في بعض الأيام يا ابن الملك هل في قلبك حسرة على شيء، فقال سيف الملوك حاشى لله قد قضيت حاجتي وما بقي في قلبي حسرة أبداً ولكن قصدي الاجتماع بأبي وأمي بأرض مصر وانظر هل هما طيبين أم لا فأمرت جماعة من خدمها أن يوصلوه هو وساعد إلى أرض مصر، فوصلوها واجتمع سيف الملوك بأبيه وأمه وكذلك ساعد وقعدا عندهم جمعة ثم إن كلاً منهما ودع أباه وأمه وسارا إلى مدينة سردنيب وصارا كلما اشتاقا إلى أهلهما يروحان ويرجعان وعاش سيف الملوك هو وبديعة الجمال في أطيب عيش وأهنأه وكذا ساعد مع دولة خاتون إلى أن أتاهم هادم اللذات ومفرق الجماعات فسبحان الحي الذي لا يموت وقد خلق الخلق وقضى عليهم بالموت وهو أولا بلا ابتداء وآخر بلا انتهاء.
تحياتي