ولو جمعتم كل رسائل وأغاني الحب في العالم، وجمعتم كلّ ما صبّه العشّاق معبّرين عن عشقهم لمعشوقهم في قالب رسالة أو أغنية، وأمعنتم النظر في مضامينها العشقية، ثم اقتطفتم منها أروعها وقارنتموها بمضامين دعاء الندبة، لوجدتم أن أعلى مضامينها أيضاً لا تقُاس إطلاقاً بكلمات الحبّ والعشق في هذا الدعاء. فهل يمكن لأحد أن يعشق شخصاً بهذا المستوى كما يمكن لأحد أن يعشق صاحب الأمر (عج)؟

من لم يعشق الإمام، عليه أن يلوم نفسه

ومن لم يحصل على مثل هذا العشق للإمام، فعليه أن يلوم نفسه. ولا يمكننا أن نكون عاشقين عبر لقلقة اللسان والادّعاء الواهي؛ بل لابد أن نصل إلى مرتبة نقول لإمام زماننا (عج) من سويداء القلب: «هجرك دون هجر الناس لا يسعني، وفقدك قد أحرقني»، فلو لم نكن صادقين في مقالنا، ستقول الملائكة في جوابنا: «إنّك غير صادق، وسواء كان الإمام حاضراً أم غائباً، فإنك ماضٍ في حياتك مُشتّت القلب، وقد صنعت لنفسك ما يُلهيك عنه بحيث لا يصل الدور إليه، فضلاً عن أن تحبس نفسك عليه.»

3. دور عشق الإمام المهدي (عج) في نشر الدين

وإنّ من أهم فوائد وضروريات هذا العشق، هي أن تقوم لنشر الدين بعد بيان بُعده المنطقي والعقلاني، بأظهار ما أوقده الدين من العشق في قبلك للآخرين، ليرى الجميع أنّ هذا الدين الذي اعتنقته كيف استطاع أن يملأ قلبك حباً له، وإلى أيّ حدّ جعلك تلتذّ بدينك، وتلتذّ بصلاتك وعبادتك وولايتك، واليوم تريد دعوة الآخرين إلى نفس هذا الدين.
والناس يسألونك دون كلام: إن كنت تعرف إمام زمانك وتحبّه، فكم استطاع مولاك أن يُسخّر وجودك؟ ما هو حدّ أثر الولاية التي تتحدث عنها فيك؟ كم استطاعت أن تميّز حياتك عن الآخرين؟ كم وهبت لك المزيد من النشاط والطاقة والطمأنينة في حياتك؟ فإن لم أكن – أنا الذي ادّعي الانتظار – أملك جواباً جديراً بهذه الأسئلة، سوف لا يسعني أن أكون مبلّغاً جيّداً للإمام، بل سيكون وجودي وادّعائي مضادّاً للتبليغ لوجوده المقدس.

4. اختيار الإمام (عج) لنا

ومن الآثار الأخرى لتوطيد علاقتنا بالإمام، بالاستناد إلى نفس تلك الرواية التي تشير إلى انقطاع مودة العوام[1]، هي أنّ الإمام (عج) يتقبّلنا ويختارنا أنصاراً له، لأنه يرى محبتنا له مضمونة ثابتة. وليس من المعلوم أن يختار لنصرته من تكون محبته متزلزلة.
إذن لا يسعنا أن نستهين بهذه المودة ولا أن نحتمل قلّتها. فإنّ المودة النابعة عن عشق، تمثل عصار المعرفة والكمال المعنوي للمنتظر. علماً بأن المنتظر وإلى جانب عشقه للإمام، يموج في قلبه حباً شديداً لـ«الفرج» أيضاً، وهذا ما لابد من التعرض له في محله. وإنّ لهذا الحب والشوق للظهور قواعد وأبعاد خاصة سنتناولها في الفصول التالية.
وكلّما كان الحضور في هذه المنزلة العامة بدائياً وإجبارياً وسهلاً، فإن الحضور في تلك المنزلة الخاصة اختيارياً وصعباً؛ ولصلحاء العالم من أجل الوصول إلى تلك المنزلة الرفيعة تضرّع وابتهال كثير.

يتيع إن شاء الله...



[1]. الروایة المذکورة في الصفحة 72: قال أمیر المؤمنین ‌(ع): «مَودَّةُ العَوامِّ تَنْقَطِعُ کانْقِطاعِ السَّحابِ، وتَنْقَشِعُ کما یَنْقَشِعُ السَّرابُ.» غرر الحکم، ح1129