بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الدعاء لغة الحبّ والأنس بين العاشق والمعشوق؛ فهو ينبوع العاشقين والسالكين وقرّة عين العارفين وسراج الراحلين وقنديل المشتاقين، وسند البائسين والمحتاجين، ونور يشعّ في قلوب الحائرين
ليس هناك تعبير ابلغ من دموع يذرفها الانسان في حضرة الربّ تبارك وتعالى؛ والبكاء من نعم الله تعالى وهبها للانسان لتكون له وسيلة في التعبير عن الحب والشوق للمحبوب انها لآلئ العشق الالهي.
روي عن سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وآله قوله:
«أوصيك يا علي في نفسك بخصال فاحفظها اللهم أعنه 000. والرابعة البكاء لله يبنى لك بكل دمعة بيت في الجنّة»
وروي عن سيدنا الإمام علي عليه السلام قوله:
(بكاء العيون وخشية القلوب من رحمة الله تعالى ذكره فإذا وجدتموها فاغتنموا الدعاء)
وروي عن سيدنا الإمام الصادق عليه السلام قوله::
«ما من شيء الاّ وله كيل أو وزن الاّ الدموع فإنّ القطرة منها تطفيء بحاراً من نار، واذا اغرورقت العين بمائها لم يرهق وجهه قتر ولا ذلّة، فإذا فاضت حرّمه الله على النار ولو أنّ باكياً بكى في أمّة لرحموا»
في مقطع من دعاء كميل للإمام علي قال عليه السلام :
(يا إلهي وربّي وسيّدي ومولاي، لأيّ الأمور إليك أشكو؟ ولما منها أضجُّ وأبكي؟ لأليم العذاب وشدّته؟ أم لطول البلاءومدته؟ فلئن صيرتني للعقوبات مع أعدائك، وجمعت بيني وبين أهل بلائك، وفرقت بيني وبين أحبائك وأوليائك فهبني يا إلهي وسيّدي ومولاي وربّي.. صبرت على عذابك، فكيف أصبر على فراقك؟ وهبني صبرت على حر نارك.. فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك؟ أم كيف أسكن في النار ورجائي عفوك؟
قال تعالى حكاية عن يعقوب النبي(عليه السلام):
(إنَّمَا أشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إلَى اللّهِ)
لأي الأمور اليك أشكوويا معبودي الأوحد ماذا اشكو اليك.. هل اشكو العذاب وآلامه أم الزمن المتمادي.. أم اشكو فراق الحبيب؟
في هذا المقطع نجدآلام العاشقين وقد تفجرت عاطفة الحب النقية.. عاطفة العشق الالهي فإذا هي جياشة معبّرة تخترق الحجب وتنفذ في عمق السماوات وفي قلوب المؤمنين..
القلب المؤمن العاشق لا يعرف سوى الله عزوجل.. يعترف بعجزه وفقره وبؤسه ومسكنته وحاجته المستمرة للغني المطلق؛ الله وحدة سبحانه الذي يرحم عباده، سبحانه وحده الذي لا يعتدي على أهل مملكته.ف أصبر على فراق المحبوب.. النار أهون من ذلك يا الهي!
الأحباء: جميع حبيب، وأحباؤه تعالى هم الّذين خلصوا وأخلصوا في المحبة، وهم الأنبياء والأوصياء، وسيّما رأسهم ورئيسهم وسيّدهم هو الخاتم الملقب بحبيب الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وأوصياؤه الاثنا عشر من بعده، وكذلك أشياعهم وأتباعهم وأشعتهم وأظلّتهم من العلماء الراشدين الراسخين، والعرفاء الكاملين الشامخين
(وأوليائك)
جمع «الولي» بمعنى: الحبيب والمحبّ هنا، وهو من عطف الخاص على العام إن اُريد بها الأوصياء فقط، واُريد بالأحبّاء: جميع الأنبياء والأوصياء والملائكة المقربين، كما مرّ.
وقد لا يفرّق بين الأولياء والأحبّاء، بناءً على قاعدة أنّ كلّ نبيّ ولي ولا عكس، وحينئذ كان من قبيل عطف العام على العام، والفرق هو الاختلاف في العبارة وملاحظة التفنّن فيها. وسيأتي لك تعداد بعض معاني «الولي» عند شرح قوله: (يا ولي المؤمنين).
(فهبني يا إلهي وسيّدي ومولاي وربّي صبرت على عذابك)
الفاء للتفريع، «وهب»: من أفعال القلب، يلازم الأمر أبداً، وهو بمعنى: ظنّ.
(هبني) أي ظنّني، ينصب مفعولين مفعوله الأوّل ضمير المتكلّم، وجملة (صبرت على عذابك) مفعوله الثاني
(فكيف أصبر على فراقك)
وحرمان لقائك الّذي هو منتهى آمال المحبّين، ونصب عيون العارفين، وغاية منى المجاهدين، ومفرّج قلوب العاشقين، الّذي وعدت به عبادك المتّقين، وقلت في كتابك
وقلت في كتابك المبين ـ وأنت أصدق الصادقين، وأعزّ القائلين ـ :
(فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحاً وَلا يُشْرِكُ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أحَداً)
كيف: اسم للاستفهام، والاصطبار: توطين النفس على تحمّل مشاق الاُمور في طلب المطلوب المحبوب.
(وهبني صبرت على حر نارك)
أي نار جهنم. وجملة (هَبني) معطوفة على (هبني) الاُولى.
(فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك)
كرامته تعالى للعباد: إراءته إيّاهم جماله وجلاله في فراديس الجنان، واجتماعهم مع أحبّته وأوليائه في محضر القرب ومشهد الاُنس.
(أم كيف أسكن في النار ورجائي عفوك)
(أم): حرف عطف، والجملة معطوفة على ما قبلها.
يريد: أنّ رجائي القديم الّذي معه وفدتُ على فناء بابك وفضلك وعفوك، فكيف يسكن ويقوم في النار مَن تغيّر رجاؤه وانعكست منيته وآماله.
(فبعزّتك يا سيّدي ومولاي اُقسم صادقاً)
حرف الباء للقسم، وجملة: (اُقسم صادقاً) تؤكده، أي قسماً صادقاً خالصاً.
(لئن تركتني ناطقاً)
أي لا تأخذ عني قوّة التنطّق والتكلّم، ولا تُذهب بجرأتي هيبتُك وسطوتُك، وبقي لي مجال البكاء والفزع والصياح.
(لأضجّن إليك بين أهلها)
أي أهل النار والعذاب.
(ضجيج الآملين)
أي أفزعنّ وأصيحنّ صيحة المشتاقين.
الأمل: المنية والاشتياق، والآمل وصف منه بمعنى: المشتاق والراجي.
(ولأصرخن إليك صراخ المستصرخين)
الصراخ: الصياح بالاستغاثة، والصريخ: المغيث والمستغيث، من الأضداد. ومنه في الدعاء: (يا صريخ المستصرخين) أي مغيثهم.
(ولأبكين عليك بكاء الفاقدين)
الفاقد: مَن فقد ابنه أو ابنته بالموت أو الأسر أو الغرق والخسف والهلك، أو فقد شيئاً آخر مطلوباً له. والمصدر للتنويع، أي نوع البكاء الفاقدين.
(ولاُنادينك أين كنت يا ولي المؤمنين)
فقوله: (أين كنت) أي أين نصرك وإعانتك يا معين المؤمنين؟