" إن ناشئة الليل هي اشد وطا وأقوم قيلا " ناشئة الليل النفس التي تنشأ من مضجعها إلى العبادة ، أي تنهض وترتفع من نشأت السحابة إذا ارتفعت ، ونشأ من مكانه إذا نهض ، أوقيام الليل على أن الناشئة مصد رمن نشأ إذا قام ونهض ، ويؤيده ما صح عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال : هي قيام الرجل عن فراشه لا يريد به إلا الله ( 2 ) كما سيأتي ، وإن احتمل معنى آخر .
وقال الطبرسي رحمه الله عليه ( 3 ) معناه : ساعات الليل لانها تنشؤ ساعة بعد ساعة ، وتقديره إن ساعات الليل الناشئة ، وقال ابن عباس : هو الليل كله لانه ينشؤ بعد النهار ، وقال مجاهد : هي ساعات التهجد من الليل ، وقيل هي بالحبشية قيام الليل ، وقيل هي القيام بعد النوم ، وقيل هي القيا بعد النوم ، وقيل هي ما كان بعد العشاء الآخرة عن الحسن وقتادة ، والمروي عن ابي جعفر عليه السلام وأبي عبدالله عليه السلام أنهما قالا : هي
__________________________________________________ ___
( 1 ) تفسى رالقمي ص 701 .
( 2 ) رواه الشيخ في التهذيب ج 1 ص 231 وسيأتي عن علل الشرايع ج 2 ص 52 .
( 3 ) مجمع البيان ج 10 ص 378 .
القيام في آخر الليل إلى صلاة الليل انتهى .
وقيل : هي الساعات الاول منها ، من نشأت إذا ابتدأت ، وروي عن علي بن الحسين عليه السلام ( 1 ) أنه كان يصلي بين المغرب والعشاء ، ويقول : أماسمعتم قول الله تعالى " إن ناشئة الليل " هذه ناشئة الليل .
" اشد وطا " أي ثبات قدم وأبعد من الزلل وأثقل وأغلظ على المصلي كما ورد في الحديث " اللهم اشدد وطأتك على مضر " وقرأ أبوعمرو بن عامر وطاء بالكسر والمد اي مواطأة القلب للسان ، أو موافقة لما يراد من الخضوع والاخلاص .
" واقوم قيلا " اي اشد مقاالا واثبت قراءة لحضور القلب وهدو الاصوات ، و يحتمل أن يكون المراد بالقيل دعوى الاخلاص في " إياك نعبد " ونحوه كما رواه الشيخ في التهذيب ( 2 ) بسند صحيح عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عز وجل " إن ناشئة الليل هي اشد وطا وأقوم قيلا " قال : يعني بقوله أقوم قيلا قيام الرجل عن فراشه يريد به الله عزوجل لا يريد به غيره ، وبسند صحيح آخر مثله ( 3 ) لكن ليس فيه " يعني بقوله : أقوم قيلا " فيحتمل أن يكون تفسيرا للناشئة كمامر أو وطأ كما أومأنا إليه وروى في الكافي ( 4 ) خبرا مرسلا فسرت الآية فيه بصلاة مخصوصة بين العشائين كما مر .
" إن لك في النهار سبحاطويلا " اي تصرفا وتقلبا في مهماتك ، واشتغالا بها ، فعليك بالتهجد ، فان مناجات الحق تستدعي فراغا ، وفي تفسير علي بن إبراهيم ( 5 )
__________________________________________________ ___
( 1 ) تراه في الكشاف ج 3 ص 281 ، الدر المنثور ج 6 ص 287 .
( 2 ) التهذيب ج 2 ص 337 ط نجف ، ج 1 ص 231 ط حجر ، كمامرت الاشارة اليه في ص 131 .
( 3 ) التهذيب ج 1 ص 189 ط حجر ج 2 ص 120 ط نجف .
( 4 ) مر عن فلاح السائل تحت الرقم 17 باب نوافل المغرب ، رواه في الكافى ج 3 ص 468 .
( 5 ) تفسير القمى : 701 .
في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قوله : " إن لك في النهار سبحا طويلا " يقول فراغا طويلا لنومك وحاجتك .
وقال الطبرسي ( 1 ) : فيه دلالة على أنه لا عذر لاحد في ترك صلاة الليل لاجل التعليم والتعلم ، لان النبي صلى الله عليه وآله كان يحتاج إلى التعليم أكثر مما يحتاج الواحد منا إليه ، ثم لم يرض سبحانه منه أن يترك حظه من قيام الليل .
" واذكر اسم ربك " أي دم على ما تذكره من الاذكار والعبادات والتعليم والارشاد ، وقيل أي اقرا بسم الله الرحمن الرحيم في أول صلاتك ، فاستدل بها على وجوبها .
" وتبتل اليه تبتيلا " قال علي بن إبراهيم اي أخلص إليه إخلاصا ، وقيل انقطع إليه انقطاعا ، وقال الطبرسي روى محمد بن مسلم وزرارة وحمران ، عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام أن التبتل هنا رفع اليدين في الصلاة ، وفي رواية أبي بصير قال : هو رفع يدك إلى الله وتضرعك إليه ، وسيأتي معنى التبتل وأخواته في كتاب الدعاء ( 2 ) ويؤمي إلى استحباب كثرة الدعاء والذكر والتضرع في صلاة الليل .
" إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى " اي أقرب وأقل " من ثلثي الليل ونصفه وثلثه " قرأ ابن كثير وأهل الكوفة نصفه وثلثه بالنصب ، والباقون بالجر ، فعل يالاول عطف على الادنى وعلى الثاني على ثلثي الليل ، قال الطبرسي ( 3 ) والمعنى أنك تقوم في بعض الليالي قريبا من الثلثين ، وفي بعضها قريبا من نصف الليل ، وقريبا من ثلثه ، وقيل : إن الهاء تعود إلى الثلثين أي واقرب من نصف الثلثين ، ومن ثلث الثلثين ، وإذا نصبت فالمعنى تقوم نصفه وثلثه ، وتقوم طائفة من الذين معك وعن ابن عباس أنهم علي عليه السلام وأبوذر .
" والله يقدر الليل والنهار " أي يقدر أوقاتهما لتعملوا فيهما على ما يأمركم
__________________________________________________ ___
( 1 ) مجمع البيان ج 10 ص 379 .
( 2 ) راجع ج 93 ص 343337 .
( 3 ) مجمع البيان ج 10 ص 381 .
به ، وقيل : معناه لا يفوته علم ما تفعلون " علم أن لن تحصوه " قال : مقاتل كان الرجل يصلي الليل كله مخافة أن لا يصيب ما أمر به من القيام ، فقال سبحانه : " علم أن لن تحصوه " أي لن تطيقوا معرفة ذلك ، وقال الحسن قاموا حتى انتفخت أقدامهم فقال سبحانه : إنكم لا تطيقون إحصاءه على الحقيقة ، وقيل معناه لن تطيقوا المداومة على قيام الليل ويقع منكم التقصير فيه ، " فتاب عليكم " بأن جعله تطوعا ولم يجعله فرضا ، وقيل معناه فلم يلزمكم إثما كما لا يلزم التائب ، أي رفع التبعة فيه كرفع التبعة عن التائب ، وقيل فتاب عليكم أي خفف عليكم .
" فاقرؤا ما تيسر من القرآن " الآن ، يعنى في صلاة الليل عند أكثر المفسرين وأجمعوا أيضا على ان المراد بالقيام المتقدم في قوله " قم الليل " هو القيام إلى الصلاة ، إلا أبا مسلم فانه قال : أراد القيام لقراءة القرآن لا غير ، وقيل : معناه فصلوا ما تيسر من الصلاة ، وعبر عن الصلاة بالقرآن ، لانها تتضمنه ، ومن قال : المراد به قراءة القرآن في غير الصلاة فهومحمول على الاستحباب عند الاكثرين دون الوجوب ، لاآه لو وجبت القراءة لوجب الحفظ ، وقال بعضهم هومحمول على الوجوب ، لان القارئ يقف على إعجاز القرآن ، ومافيه من دلائل التوحيد وإرسال الرسل ، ولا يلزم حفظ القرآن ، لانه من القرب المستحبة المرغب فيها .