حق التصرف كحق عيني متفرع عن حق الملكية
دراسة تحليلية مقارنة
وسيم فؤاد سلمان الفقعاوي
المقدمة
ورد حق التصرف في الباب الأول من قانون الأراضي الفلسطيني (1) والذي يلقي الضوء على الأراضي الأميرية وهي الأراضي المملوكة للدولة ملكية تامة وكيفية الانتفاع بها على نحو يحقق مصلحة الدولة والمجتمع .
وحق التصرف من الحقوق المعمول بها في فلسطين, حيث أنه حق موروث من الحقبة العثمانية, ولا يزال معمولا به في سوريا ولبنان والأردن " بلاد الشام " باعتبارها كانت ولايات عثمانية .
ولقد لحقت بهذا الحق تطورات كثيرة في فلسطين, منها ما كان في زمن الخلافة العثمانية, ومنها ما كان زمن الانتداب البريطاني, وصولا إلى ما آل إليه الحال الآن, وفق القوانين المطبقة بخصوص الأراضي في قطاع غزة خصوصا, مثل قانون الأراضي, قانون التصرف في الأموال الغير منقولة, قانون انتقال الأراضي و غيرها , ولهذا تظهر أهمية البحث في هذا الموضوع الذي لازال حيويا, وعلى وجه الخصوص, ونحن في فلسطين نخوض مرحلة المخاض في وضع القوانين التي يجب أن تتلاءم مع ما وصلت إليه التشريعات العربية المعاصرة, والتي تناولت مثل هذا الحق ليكون سندا قويا للمشرع الفلسطيني الجديد, وهو يتناول كافة الموضوعات التي تدخل نطاق القانون المدني .
واتبعنا في هذا البحث المنهج التحليلي المقارن, فهو تحليلي من حيث أننا قمنا بتقصي موضوعات البحث من خلال النصوص, وتحليلها من خلال الأحكام الواردة فيها, متتبعين ما قاله الفقهاء بشان هذه الأحكام, ومبينين وجهة نظرنا أمام هذه التحليلات للنصوص .
وهو مقارن حيث تناولنا الموضوع من خلال نصوص القوانين المختلفة, وقد قارنا القوانين الفلسطينية مع القوانين والأردنية واللبنانية, حيث تناولت حق التصرف باعتباره لا يزال معمولا به في هذه البلدان, مع الإشارة إلى المشرع السوري في بعض المواضع القليلة, وقد استبعدنا القانون المصري نظرا لان الملكية موحدة, ومقسمة إما ملكية عامة أو خاصة, ولا يعرف النظام العقاري المصري الأراضي الأميرية ولا حق التصرف الوارد عليها .
_____________________________________
1- مجموعة القوانين الفلسطينية الجزء السادس " قوانين الأراضي وفقا لأخر التعديلات التي طرأت عليها أغسطس سنة 1976 " أنظر خليل أحمد قدادة : الوجيز في شرح القانون المدني الفلسطيني, الجزء الأول حق الملكية والحقوق المتفرعة عنه, ص490 وما بعدها .
تقسيم البحث :
سنقسم هذا البحث إلى المباحث الآتية :-
المبحث الأول : سنتناول فيه ماهية حق التصرف وخصائصه .
المبحث الثاني : السلطات التي يمنحها حق التصرف .
المبحث الثالث : القيود التي ترد على حق التصرف .
المبحث الرابع : مدى إمكان الاستغناء بحق الملكية عن حق التصرف.
المبحث الأول
ماهية حق التصرف وخصائصه
تمهيد وتقسيم :
حق التصرف من الحقوق العينية المتفرعة عن حق الملكية, ويرد على الأراضي الأميرية, ويمنح صاحبه ثلاث سلطات هي سلطة التصرف والاستعمال والاستغلال, وهي نفس سلطات حق الملكية, لذلك نجد بعض التشريعات كالتشريع اللبناني والأردني والسوري, يجعله قريبا من حق الملكية, سوى انه يرد على الأراضي الأميرية التي تكون رقبتها للدولة, أما في ما عدا ذلك فهي مثل حق الملكية مع بعض القيود الأخرى, بينما التشريعات الفلسطينية لها منحى أخر سنفصلها خلال هذا البحث, و لان هذا الحق من الحقوق العينية فانه يمنح صاحبه سلطة مباشرة لا يحتاج لاستعمالها وساطة شخص أخر (1) .
وقد رأينا لدراسة هذا المبحث تقسيمه إلى مطلبين على النحو الأتي :-
المطلب الأول : ماهية حق التصرف .
المطلب الثاني : خصائص حق التصرف .
المطلب الأول
ماهية حق التصرف
تعريف حق التصرف :-
التعريفات عادة لا يتطرق إليها المشرع, بل يترك هذه المهمة للفقهاء أو القضاء,فهم أقدر على ذلك من المشرع بصفة عامة (2), وهذا ما سار عليه قانون الأراضي المعمول به في فلسطين, وكذلك 9مشروع القانون المدني الفلسطيني, والتشريع الأردني .
غير أن المشرع اللبناني وفي المادة رقم (14) من قانون الملكية العقارية, عرف حق التصرف بقوله ( التصرف هو حق استعمال عقار ما والتمتع به والتصرف به ضمن الشروط المعينة في أحكام هذا العقار, وضمن حدود القوانين والقرارات والأنظمة, ولا يجري هذا الحق إلا على العقارات الأميرية ), ولا يختلف هذا التعريف عما أورده في
________________________
1- راجع بهذا المعنى : ( أ.د عبد المنعم فرج الصدة, الحقوق العينية الأصلية, ص1034وما بعدها, أ.د توفيق حسن فرج, الحقوق العينية الأصلية, ص349وما بعدها, خليل احمد قدادة, الوجيز في شرح القانون الفلسطيني, الحقوق العينية الأصلية, حق الملكية والحقوق المتفرعة عنه, ص494وما بعدها ) .
2- د خليل احمد قدادة : الوجيز في شرح القانون المدني الفلسطيني, العقود المسماة, عقد البيع, ص22 .
المادة (11) من نفس القانون بالنسبة إلى حق الملكية, فقد عرفت هذه المادة حق الملكية بأنه ( الملكية العقارية هي استعمال عقار ما والتمتع به والتصرف به ضمن حدود القوانين والقرارات والأنظمة وهذا الحق لا يجري إلا على العقارات الملك ) .
ويرجع ذلك إلى ما يراه المشرع اللبناني من تقارب شديد بين الحقين إلى الحد الذي يجعل الفوارق بينهما محدودة الأهمية (1), ويتطابق موقف المشرع السوري مع ما اخذ به المشرع اللبناني بالنسبة لحق التصرف حيث جاء في المادة (772) من القانون المدني السوري ( تسري النصوص المتعلقة بحق الملكية على حق التصرف في الأراضي الأميرية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ), وقد عبرت المذكرة الإيضاحية للقانون المدني السوري عن ذلك بقولها ( المشرع اعتبر حق التصرف بالأراضي الأميرية كحق الملكية يسري عليه ما يسري على حق الملكية من أحكام إلا ما نص عليه القانون …… ومعلوم أن حق التصرف في القانون السوري لا يختلف عن وصفه في القانون اللبناني حيث استقى المشرع السوري أحكام العقار وفقا لقانون الملكية العقارية اللبناني الذي كان مطبقا في سوريا نظرا إلى اتصال هذه الأحكام بالسجل العقاري ونظمه والمبادئ القانونية التي يقوم عليها (2) .
وعرفه أستاذنا الدكتور خليل قدادة انه ( هو حق عيني عقاري من الحقوق المتفرعة عن حق الملكية تمنحه الدولة على الأراضي الأميرية يمكن صاحبه من استعماله واستغلاله والتصرف به ضمن الشرائط التي تضعها القوانين ) (3) .
ونعتقد أن هذا التعريف وبحق جاء موفقا أكثر من التعريف الذي أورده المشرع اللبناني, فهذا التعريف قد بين طبيعة هذا الحق بأنه حق عيني متفرع عن حق الملكية كما أوضح خصائصه بأنه حق تمنحه الدولة على الأراضي الأميرية, وكذلك بين السلطات التي يمنحها هذا الحق وهي سلطات الاستعمال والاستغلال والتصرف, وفي ذلك ميز بينه وبين باقي الحقوق الأخرى المتفرعة عن حق الملكية, وكذلك وضح انه ليس حق مطلقا بل ترد عليه قيود " ضمن الشرائط التي تضعها القوانين " .
في حين أن المشرع اللبناني لم يبين في تعريفه إلا انه حقٌ يرد على الأراضي الأميرية ضمن الشروط والقرارات والقوانين والأنظمة, ويمنح سلطة الاستعمال والتمتع والتصرف, ولا نعرف ماذا يقصد المشرع اللبناني بالتمتع, فهو معني غير معروف في القانون كسلطة من سلطات حق الملكية, أو حق التصرف, وليس مرادفا لسلطة الاستغلال التي يمنحها هذان الحقان أيضا .
__________________________
1- أ.د عبد المنعم فرج الصدة : الحقوق العينية الاصلية, ص1042, د خليل احمد قدادة, نظرات في حق التصرف كحق عيني ومدى السلطات التي يخولها للمتصرف, ص120 .
2- د خليل احمد قدادة : نظرات في حق التصرف كحق عيني متفرع عن حق الملكية ومدى السلطات التي يخولها للمتصرف, ص 120 وما بعدها .
3- د خليل احمد قدادة : نظرات في حق التصرف كحق عيني متفرع عن حق الملكية ومدى السلطات التي يخولها للمتصرف, ص 121 وما بعدها .
تطور حق التصرف :-
كانت بلاد الشام تخضع للخلافة العثمانية وكانت تطبق عليها القوانين العثمانية, وتضم بلاد الشام التاريخية فلسطين والأردن وسوريا ولبنان, وكانت الأرض الخارجة عن قسمة الفاتحين ملكا للسلطان العثماني والتي اعتبرت ملكا للدولة وأطلق عليها اسم الأراضي الأميرية, وكان السلطان وحده يملك التصرف بهذه الأرض فكان يمنحها لخاصته وأعوانه, ويعهد لكل واحد منهم بقطعة من الأرض تختلف باختلاف مركز هذا الشخص فكان يعطي قسما للوزراء ويسمى "خاص وزراء" وقسما يمنحه للوزراء وقواد الجند ويسمى "زعامة" وقسما للمحافظين والمرابطين والقلاع الأميرية ويسمى "تيمار" وأما القسم الباقي فكان يحتفظ به لنفسه ويسمى " هيمايون" (1) .
وكان هؤلاء لا يباشرون الزراعة بأنفسهم, بل كانوا يقررون عليها حق تصرف للمزارعين, الذين يتولون زراعتها بما يحقق مصلحة أصحاب الرقبة والقائمين بالعمل على أن يدفع هؤلاء المزارعون للوزراء والزعامات والمحافظين مبالغ تقوم مقام المرتبات التي يحق لهم أن يتقاضوها من الدولة (2), وقد كان حق التصرف في البداية حق انتفاع شخصي ينقضي بمجرد وفاة المنتفع ولم يكن لصاحب الحق أن يؤجره أو يبيعه, وكان للدولة أن تسترد الأرض متى شاءت, وبعد ذلك وقبل صدور قانون الأراضي العثماني أعطى لأولاد المنتفع أولوية في تسلم الأرض (3) .
وبعد صدور قانون الأراضي العثماني سنة 1275 هـ استحدث نظام الإرث في الأراضي الأميرية بشكل مختلف عن الإرث في الشريعة الإسلامية, حيث حصر الإرث في الأولاد إن وجدوا, وإلا عادت الأرض إلى السلطان (4), واستمر الحال مع تغيرات بسيطة بحيث صار الإرث للأولاد والبنات بالتساوي بخلاف قاعدة الإرث الإسلامي, للذكر مثل حظ الأنثيين, إلى أن صدر قانون رقم (1) لسنة 1965م في زمن الإدارة المصرية على قطاع غزة, والذي طبق أحكام المواريث في الشريعة الإسلامية على الأراضي الأميرية كافة (5) .
وقد اعترف قانون الأراضي العثماني لعام 1275هـ للمتصرف بالبيع بشرط الحصول على إذن من السلطة (6), وبقي الحال في فلسطين مقيدا حق التصرف بقيود كثيرة, إلى أن صدرت قوانين متعاقبة, منها في زمن الخلافة العثمانية قبل قانون التصرف في الأموال الغير منقولة لسنة 1331, ومنها في زمن الانتداب البريطاني مثل قانون انتقال الأراضي لسنة 1920 وكذلك قانون الوصية الواجبة, وقانون رقم (1) لسنة 1965 في زمن الإدارة المصرية لقطاع غزة .
__________________________
1- عبد المنعم فرج الصدة : الحقوق العينية الاصلية, ص1039, خليل قدادة, نظرات في حق التصرف, مرجع سابق, ص126
2- عبد المنعم فرج الصدة : الحقوق العينية الاصلية, ص1039,خليل قدادة, نظرات في حق التصرف, مرجع سابق, ص126
3- د خليل احمد قدادة : نظرات في حق التصرف, مرجع سابق, ص127 .
4- د خليل احمد قدادة : نظرات في حق التصرف, مرجع سابق, ص128 .
5- سامي حنا سابا : قانون الاراضي في فلسطين, ص35 .
6- د خليل احمد قدادة : نظرات في حق التصرف, مرجع سابق, ص128 .
وتم تنظيم حق التصرف في مشروع القانون المدني الفلسطيني بشكل أوضح وأكثر اتقانا بحيث أصبح حق التصرف قريباً من حق الملكية بشكل كبير, أما المشرع اللبناني والأردني فقد تم رفع القيود الواردة على حق التصرف الذي كان واردا في قانون الأراضي العثماني لسنة 1275هـ, ففي الأردن زالت القيود وأصبح حق التصرف قريب من حق الملكية ضمن أحكام القانون المدني الأردني, وكذلك الحال تم تخفيف القيود بشكل واسع في لبنان وذلك ضمن أحكام قانون الملكية العقارية اللبناني (1) .
المطلب الثاني
خصائص حق التصرف
بناءا على التعريف التي رجحناه يظهر لنا بوضوح خصائص حق التصرف, وهي انه حق عيني عقاري متفرع عن حق الملكية, وانه حق يرد على الأراضي الأميرية العقارية, وأيضا انه حق تمنحه الدولة على أرضيها ونتناول هذه الخصائص بالشرح فيما يأتي :
أولا : حق التصرف حق عيني متفرع عن حق الملكية :-
ورد حق التصرف ضمن الحقوق العينية المتفرعة عن حق الملكية في قانون الأراضي الفلسطيني وكذلك في القانون المدني الأردني التي نظمه في الباب الثاني بعد أن نظم حق الملكية في الباب الأول من الكتاب الثالث, وذلك تحت اسم ( الحقوق المتفرعة عن حق الملكية ) (2), وورد كذلك ضمن قانون الملكية العقارية اللبناني (3), وكذلك مشروع القانون المدني الفلسطيني فقد نظمه في الفرع الأول من الفصل الثاني من الباب الأول تحت عنوان ( الحقوق العينية المتفرعة عن حق الملكية ) وذلك بسبع مواد من المادة (120) إلى المادة (127) (4) .
الأمر الذي يؤكد أن حق التصرف حقا عينيا, لأنه يخول صاحبه سلطات الحق العيني من حيث استغلال العقار الذي يرد عليه, ومن حيث التصرف في سلطات الحق ضمن
__________________________
1- سيأتي تفصيل ذلك أكثر خلال البحث .
2- د خليل قدادة : نظرات في حق التصرف, مرجع سابق, ص123.
3- وعلى خلاف القانون المدني السوري الذي اعتبر حق التصرف من الحقوق العينية وطبق عليه ما ينطبق على حق الملكية وذلك في المادة (772) منه الا انه لم يعتبره من الحقوق المتفرعة عن حق الملكية واعتبره قائما بذاته, ورفعه الى مصاف حق الملكية حين طبق عليه ما طبق علي حق الملكية من احكام ) انظر, خليل قدادة, نظرات في حق التصرف, المرجع السابق, ص121 .
4- المذكرة الايضاحية لمشروع القانون المدني الفلسطيني : ص 1200 .
الحدود التي يضعها القانون, ويختلف عن حق الملكية من حيث انه لا يرد إلا على العقارات الأميرية, الذي ملكية الرقبة فيها للدولة, ولا يكون فيها لصاحب حق التصرف كل السلطات التي بيد المالك (1), وخصوصا سلطة التصرف التي يمنحها هذا الحق بالمقارنة بالسلطة التي يمنحها حق الملكية, فان سلطة التصرف التي تثبت لصاحب حق التصرف لا تتساوى مع سلطة التصرف التي تثبت للمالك, حيث لا يوجد في حالة الملكية سوى المالك, أما في حق التصرف فيوجد صاحب حق التصرف والدولة وذلك لان ملكية الرقبة في يد الأخيرة (2) .
وبذلك فان حق الملكية يبقى الحق العيني الرئيسي في الحقوق العينية الأصلية لما يخوله من سلطات كاملة تكاد تكون مطلقة في الاستعمال والاستغلال والتصرف (3), ويبقى حق التصرف من الحقوق المتفرعة عنه تمنحه الدولة لمن يرغب في ذلك إذا توافرت الشروط التي يفرضها القانون .
ونرى أن حق التصرف لا يقترب من حق الانتفاع, ولا يعني ذلك انه صورة من صوره, أو حق متفرع عنه, وذلك لما بين الحقين من أوجه خلاف تجعل كل منهما يختلف عن الأخر فحق التصرف يختلف عن حق الانتفاع, لان حق الانتفاع يرد على العقار وعلى المنقول, بينما حق التصرف لا يرد إلا على العقار, وكذلك فان حق الانتفاع يرتبط بشخص المنتفع, فهو ينتهي بموت المنتفع, وهذا عكس حق التصرف الذي ينتقل إلى الورثة ودون قيد على المدة, وأيضا ينحصر التصرف ضمن المدة التي يبقى فيها المنتفع على قيد الحياة ولكنها لا تنحصر في مدة محددة ضمن حق التصرف ويعتبر من الحقوق شبه الدائمة (4) .
حق التصرف يرد على الأموال الأميرية العقارية :-
حق التصرف لا يرد إلا على العقارات الأميرية, وهي من الأموال التي تعود ملكية رقبتها إلى الدولة, وقد نصت المادة رقم (3) من قانون الأراضي الفلسطيني على انه ( رقبة الأراضي الأميرية هي ما كان عائدا إلى بيت المال من المزارع والمراعي والمسارح والمشاتي والمحاطب..........الخ ) (5) .
__________________________
1- أ.د توفيق حسن فرج : الحقوق العينية الاصلية, ص496 .
2- بهذا المعنى انظر المذكرة الايضاحية لمشروع القانون المدني الفلسطيني ص1201 .
3-أ.د توفيق حسن فرج : الحقوق العينية الاصلية مرجع سابق, ص 350 .
4- أ.د خليل احمد قدادة : نظرات في حق التصرف كحق عيني ومدى السلطات التي يخولها للمتصرف, مرجع سابق, ص122 , كذلك عبد الرزاق السنهوري, اسباب كسب الملكية مع الحقوق العينية المتفرعة عن الملكية, ص 1201 .
5-أ.د خليل احمد قدادة : نظرات في حق التصرف, ص122 .
ومن أمثال ذلك الأراضي التي كان يحصل التصرف بها مقدما بإذن وتفويض من أصحاب التيمار والزعامة (1), الذين كانوا يقيدون أصحاب الأراضي في بعض الأحيان بالحصول على الإذن والتفويض من الملتزمين و المحصلين وقد حصل إلغاء ذلك أخيرا فأصبح يجري بها التصرف على هذا الحال بإذن وتفويض الذات المأمورة بهذا الخصوص من طرف الدولة العليه ويعطى ليد الذين يتصرفون بها سندات طابو(2) .
وتقرر ذلك المادة ( 1198/1) من القانون المدني الأردني حيث نصت على أن ( يجوز للدولة أن تبيح التصرف في الأراضي المملوكة الأميرية لمن يرغب بالشروط التي يفرضها القانون ) (3) .
ونصت أيضا على ذلك المادة (14) من قانون الملكية العقارية اللبناني حيث قالت ( حق التصرف بأنه حق استعمال عقار ما, والتمتع والتصرف به ضمن الشروط المعينة في أحكام هذا القرار (( قرار رقم 3339 لسنة 1930 الخاص بالملكية العقارية )) وضمن حدود القوانين والقرارات والأنظمة ولا يجرى هذا إلا على العقارات الأميرية ) (4) .
وكذلك نص مشروع القانون المدني الفلسطيني في المادة (120) على انه (يجوز لدولة أن تبيح حق التصرف في الأراضي المملوكة لها لمن يرغب بالشرائط التي يفرضها القانون ) (5) .
يظهر في هذه النصوص أن حق التصرف لا يرد إلا على الأراضي الأميرية, مما جعله يتميز بهذه الخاصية عن حق الملكية والحقوق العينية الأخرى المتفرعة عنه بحيث أنها تقع على الأراضي المملوكة ملكية خاصة .
ثالثا : حق التصرف من الحقوق التي تمنحه الدولة على أرضيها :-
هذه الخاصية يرجع أساسها أن حق التصرف لا يرد إلا على الأموال التي تعود ملكيتها إلى الدولة (( ملكية الرقبة )) أي الخاصية السابقة (6) .
_________________________
1- الاراضي الاميرية تنقسم الى نوعين : النوع الاول, التيمار وهي عبارة عن مقدار من الاراضي يبلغ ريعها من 3000 الى 6000 درهما وقد كان يجوز في بعض الاحيان زيادتها بحيث يبلغ ريعها 19999درهما, والنوع الثاني, الزعامة وهي ما يبلغ ريعها 20 الف درهم وهي قابة لزيادة لدى حصول ترقية لصاحبها الى ان يبلغ مئة الف درهم ) انظر في ذلك د خليل قدادة, نظرات في حق التصرف, المرجع السابق, ص124, وايضا اشار لذلك في كتابه في الحقوق العينية الاصلية, المرجع السابق, ص98 .
2- د خليل قدادة : نظرات في حق التصرف, مرجع سابق, ص123 .
3- د خليل قدادة : نظرات في حق التصرف, مرجع سابق, ص123) .
4- د توفيق حسن فرج : الحقوق العينية الاصلية المرجع سابق, ص349 .
5- المذكرة الايضاحية : المرجع السابق, ص 1201 .
6- د خليل قدادة : الحقوق العينية الاصلية المرجع السابق, ص 496 .
ونصت على ذلك المادة (12) من قانون الأراضي الفلسطيني حيث تقول ( لا يقدر أحد أن يستعمل تراب الأرض التي في تصرفه ليصنع منه أشياءً كالقرميد واللبن, ما لم يستأذن من المأمور وإلا فإذا فعل تأخذ منه لجانب الميري قيمة ذلك التراب في محله سواء كانت من الأراضي الأميرية أو الموقوفة ) (1) .
وكذلك المادة (1198/1) من القانون المدني الأردني ونصت على ذلك المادة (14) من قانون الملكية العقارية اللبناني والمادة (120/1) من مشروع القانون المدني الفلسطيني (2).
يظهر من هذه النصوص أن حق التصرف من الحقوق التي تمنحها الدولة للأفراد لاستعمال أرضها لمن يرغب في ذلك, ولا يجوز لإرادة الأفراد أن ترتب مثل هذا الحق على الأموال العقارية التي تملكها الدولة, وهذا على عكس الحقوق العينية الأخرى التي ترد على الأموال الخاصة للأفراد, حيث تلعب الإرادة دورا كبيرا في ترتيبها وفقا للشروط التي قررها القانون وضمن الحدود التي حددها, مع العلم بان هذه الحقوق وردت على سبيل الحصر وليس على سبيل المثال (3), فلا يجوز التوسع بها أكثر مما حدده القانون وما أعطى لها من سلطات, وذلك مثل حق التصرف والانتفاع والإرتفاق والاستعمال والسكنى..... الخ, لذلك لا يجوز للإرادة الحرة للأفراد أن تنشئ حقوق عينية أخري غير التي نص عليها القانون (4) .
________________________
1- د خليل قدادة : نظرات في حق التصرف, مرجع سابق, ص 125 .
2- ارجع الصفحة السابقة من هذا البحث لعدم تكرار نصوص المواد .
3- د خليل قدادة, نظرات في حق التصرف, المرجع السابق, ص125 .
4- لتوسع انظر الدكتور خليل قدادة, الحقوق العينية الاصلية, ص7 وما بعدها .
المبحث الثاني
السلطات التي يمنحها حق التصرف
تمهيد وتقسيم :
يخول حق التصرف لصاحبه ثلاث سلطات هي سلطة الاستعمال والاستغلال والتصرف, وهو نفس سلطات حق الملكية من حيث المفهوم, ولكنها تختلف من حيث المضمون والمدى, حيث تختلف عن سلطات حق الملكية بأنها اقل إطلاقا, وخصوصا سلطة التصرف, وما يميزها عن سلطة التصرف في حق الملكية, أن رقبة العقار في حق التصرف ليست ملكا لصاحب حق التصرف بل هي ملك للدولة, وذلك على عكس الملكية الخاصة والتي تكون رقبة العقار ومنفعته ملكا لصاحب حق الملكية, ولبيان هذه السلطات سنقسم هذا المبحث إلى المطالب الآتية :-
المطلب الأول : سلطة التصرف .
المطلب الثاني : سلطة الاستغلال .
المطلب الثالث : سلطة الاستعمال .
المطلب الأول
سلطة التصرف
تعتبر سلطة التصرف أهم سلطة من السلطات التي يمنحها حق الملكية للمالك بل هي تعتبر الفرق الجوهري بين حق الملكية والحقوق العينية الأخرى المتفرعة عن حق الملكية مثل حق الانتفاع أو الارتفاق أو حق الاستعمال والسكنى, حيث يعطي كل واحد حق من هذه الحقوق الأخيرة لصاحبها سلطة أو سلطتان دون حق التصرف, وذلك على عكس الحال بالنسبة لحق الملكية أو حق التصرف (1) رغم وجود بعض القيود على سلطة التصرف بالنسبة لحق التصرف, ومع وجود فروق واختلافات في تقرير هذه القيود بالنسبة للقانون اللبناني والأردني عنها في القانون الفلسطيني .
والتصرف قد يكون ماديا وقد يكون قانونيا بالنسبة لحق التصرف, مثله في ذلك مثل حق الملكية (2) .
__________________________
1- د خليل قدادة : نظرات في حق التصرف مرجع سابق, ص 129
2- د خليل قدادة : الحقوق العينية الاصلية مرجع سابق, ص497
التصرف المادي : وهو عبارة عن كل عمل من شأنه أن يؤدي إلى استهلاك الشيء أو إعدامه أو التغيير فيه, ويتضمن سلطة التصرف إمكانية قطع الأشجار أو قلعها أو هدم الأبنية كلها أو بعضها, وكل ذلك مع وجود قيود تختلف باختلاف القوانين على ما سنرى لاحقا .
ولما كانت سلطة التصرف ترد على عقار فلا يتصور استهلاكه استهلاكا كليا لان العقارات ليست من الأشياء القابلة للاستهلاك وهنا حق التصرف يختلف عن سلطة التصرف التي يخولها حق الملكية حيث يدخل ضمن سلطة التصرف المادي استهلاك الشيء تماما (1) .
ففي القانون المدني الأردني وقانون الملكية العقارية اللبناني تكاد سلطة المتصرف أن تتساوى مع سلطة المالك في التصرف المادي ولكن مع بعض القيد, حيث جاء في المادة ( 1199/1) من القانون المدني الأردني ( يحق للمتصرف في الأرض الأميرية أن يزرعها وان ينتفع بها ويستفيد من حاصلاتها الناتجة من عمله ومما نبت فيها بدون علمه, وان يغرس فيها الأشجار والدوالي, وله أن ينشئ فيها دورا ودكاكين ومصانع وأي بناء يحتاج إليه في زراعته على ألا يتسع في ذلك إلى درجة إحداث قرية أو محلة, وله أن يهدم ما فيها من أبنية ), وكذلك ما جاء في قانون الملكية العقارية اللبناني في المادة رقم (16) ( لصاحب حق التصرف في الأرض .... أن يجري فيها حفريات إلى أي عمق يشاء وان يستخرج من هذه الحفريات كل ما يشاء من مواد البناء وان يتصرف بهذه المواد على حريته, وجميع المنتجات الاخرى, وكل ذلك ضمن التقييدات المفروضة بالقوانين والقرارات والانظمة ) (2) .
أما القانون الفلسطيني في هذا الشأن فقد جاء في مادة (28) من قانون الأراضي الفلسطيني (3), أنه لا يجوز للمتصرف أن يتصرف في الأشجار التي في الأرض لا بقطعها ولا بقلعها, وإلا يأخذ منه قيمتها, وكذلك جاء في المادة (31), و (33) من نفس القانون, بعدم جواز إقامة أبنية إلا بإذن, وحتى بعدم جواز دفن ميت ولو لقريب للمتصرف في الأرض (4) .
___________________________
1- د خليل قدادة الحقوق العينية الاصلية : مرجع سابق, ص497
2- د خليل قدادة : نظرات في حق التصرف, مرجع سابق, ص 133) .
3- - نص المادة (28) من قانون الأراضي العثماني ( الأشجار المثمرة والغير مثمرة النابتة طبيعية في الاراضي الاميرية على الاطلاق مثل البلوط والجوز والكستنة والكراكي والسنديان هي تابعة للاراضي ومنافعها تعود الى المتصرف بتلك الاراضي وانما ياخذ العشر الشرعي فقط لجانب الميري عن حاصلات الاشجار المثمرة ومثل هذه الاشجار النابتة الطبيعية لا يجوز لمتصرفها ولا لاجنبي ان يقطعها او يقلعها وان فعل احد ذلك فياخذ منه لجانب الميري قيمة تلك الاشجار قائمة .
تنبيه : عدلت الفقرة الاخيرة من المادة 28 بارادة سنية مؤرخة في 16 شوال سنة 1286 فاصبحت قيمة الاشجار قائمة تعطى للمتصرف بالارض وليس للميري كما نصت المادة
4- المادة (31) لا يمكن انشاء واحداث ابنية جديدة في الاراضي الاميرية ما لم ياخذ بذلك اذن المامور وان حصل ذلك ( اي الانشاء بدون اذن ) فيمكن هدمها من طرف الميري )
المادة (33) لا يجوز للمتصرف بالاراضي الاميرية بالطابو ولا لاجنبي ان يدفن بها ميته وان حصل ذلك وكان الميت لم يبل يجري نقله لمحل اخر من طرف المامور اما اذا كان قد بلي فيتمهد ما فوقه ) .
ويتضح من هذا القانون مدى القيد الذي ورد على سلطة المتصرف على عكس ما ورد للمتصرف في القانون الأردني والقانون اللبناني إلا إن الأمر قد اختلف بالنسبة للقانون الفلسطيني بعد صدور قانون التصرف في الأموال الغير منقولة لسنة 1331 والإرادات السنية التي كانت تصدر في زمن الدولة العثمانية .
ففيما يتعلق بالأشجار التي تنمو بصورة طبيعية في الأراضي الميري فإنها تتبع الأرض, أي إن رقبة الشجرة مثل رقبة الأرض تؤول للدولة (1) .
وقد أعطت الإرادة السينية الصادرة في الثامن عشر من ربيع الأول (1293) هـ للمتصرف الحق في قطع الأشجار المثمرة وغير المثمرة والتي تنمو طبيعيا في أرضه على الرغم من نص المادة (28) من قانون الأراضي (2) .
أما فيما يتعلق بالإنشاءات, فقد لاحظنا إن المادة (31) من قانون الأراضي تمنع إقامة المباني على الأرض الميري دون إذن المأمور وتقضي بان إذا أنشأت مثل هذه المباني دون إذن فانه يمكن هدمها بأمر الحكومة, ومع ذلك فبمقتضى الإرادة السينية لسنة 1900م يظهر أن قاعدة منع إقامة المباني في الأراضي الميري قد ألغيت فان الأبنية التي تقام على الأرض الميري دون الحصول على إذن تترك على ما هي عليه, وتحصل هنا ضريبة بدل من العشر, وفي منشور لاحق للدفتر الخقاني صدر الأمر بان يقيد مقدار الضريبة على سند الملكية (الطابو) (3) .
وبموجب قانون التصرف في الأموال الغير منقولة العثماني الصادر في سنة 1331 هـ, 1913م, وبمقتضى المادة رقم (5) من هذا القانون يحق للمتصرف في الأرض الميري ( .... أن يقطع أحطابها ويقلع كرومها وهدم ما فيها من أبنية ويتخذها حقولا ... ويحدث في أراضيه دورا ودكاكين وكل نوع من المعامل والأبنية المتعلقة بالزراعة على ألا يوصلها إلى حال القرية أو محلة ... على أن يقتضي عند وقوع هذه التحولات اخذ سند خاقاني تصحيحا وتبديلا (4) .
________________________
1- راجع مادة (28) فيما سبق, وكذلك ما ورد في نص المادة (106) من قانون الاراضي العثماني التي تقول ( لا يجوز التصرف بالطابو بالاشجار النابتة طبيعيا في الاراضي الموات والمتروكة والاميرية والموقوفة والمملوكة انما الاشجار النابتة الطبيعية في الاراضي الاميرية والموقوفة يحصل بها التصرف تبعا للاراضي حسبما تبين في باب التصرف
2- سامي حنا سابا : قانون الاراضي في فلسطين ص 28
3- سامي جنا سابا : قانون الاراضي في فلسطين ص30 ),
4- المادة رقم (5) من قانون التصرف بالاموال الغير منقولة, ( يحق للشخص الذي في عهدته تصرف اراضي اميرية او موقوفة بموجب سند خاقاني فراغها باتا او وفاء واجارتها وله ان يقدمها تامينا لوفاء دين وله وحده ان يستفيد من منافعها وحاصلاتها الطبيعية والزيادات التي يحصل فيها وله ان يزرع حقوله ومروجه ومراعيه وحدائقه وان يقطع احطابها يقلع كرومها ويهدم ما فيها من ابنية ويتخذها حقولا وان يغرس فيها الكرمة والاشجار المثمرة والغير مثمرة ويحول حقوله وسائر اراضيع الى كرم او حرش او بستان او حديقة على ان تكون رقبة هذه الاملاك عائدة الى بيت المال وله ان ينشئ ويحدد في اراضيه دورا ودكاكين وكل نوع من المعامل والابنية المتعلقة بالزراعة على ان لا يوصلها الا حالة قرية او محلة وان يفرز قسما منها لتكون بيدران له على ان يقتضي عند وقوع هذه التحويلات اخذ سند خاقاني تصحيحا وتبديلا (للقديم) وتكون الكروم والاشجار المغروسة المحدثة بالاراضي الموقوفة والاميرية تابعة للاراضي (المذكورة) بما يتعلق بامر التصرف والانتقال والاراضي التي يراد استعمالها بصورة لا يعطي فيها العشر يخصص لها مقاطعة سنوية ) .
التصرف القانوني : هو عبارة عن كل عمل من شانه أن يؤدي إلى زوال الحق من صاحبه كليا أو جزئيا (1), وبالنسبة لحق الملكية فان سلطة التصرف فيها تخول لصاحبها الحق في البيع أو الهبة أو الوصية أو الوقف, وكافة التصرفات القانونية المعطاة للمالك, دون أي قيود إلا ما قيدها القانون به من حقوق للغير على الشيء المملوك, مثل ما يتقرر من حقوق انتفاع لشخص على الشيء, حيث يمتنع معه على المالك أن يتصرف في الشيء ماديا مثلا طوال مدة الانتفاع, وكذلك لا يجوز أن يعمل المالك عملا يؤدي إلى انتقاص المقرر له حق الارتفاق على الشيء من استعمال حقه عليه أو جعله أكثر مشقة (2), وكذلك ما قرره القانون من انه لا يجوز للشريك في ملكية الأسرة إن يتصرف في نصيبه لأجنبي عن الأسرة إلا بموافقة الشركاء جميعا (1) ه- عبد المنعم فرج الصدة : الحقوق العينية الأصلية مرجع سابق, ص31, خليل قدادة : الحقوق العينية الأصلية, مرجع سابق, ص158) .
وهذه السلطة التي تعطي لصاحب حق الملكية لا نجدها على إطلاقها بالنسبة لصاحب حق التصرف, فرغم إن صاحب حق التصرف له سلطة التصرف القريبة من سلطة التصرف في حق الملكية وذلك بالنسبة للقانون الأردني والقانون اللبناني إلا أننا نجد أن هذه السلطة مقيدة بشكل كبير في قانون الأراضي الفلسطيني, فمثلا لصاحب حق التصرف في القانون المدني الأردني أن يفرغ العقار قطعيا, وله أن يؤجره أو يعيره, وله أن يرهن حقه في التصرف توثيقا للدين, إلا أن ذلك لا يقع على رقبة العقار لأنه مملوك للدولة, بل يقع على حق التصرف نفسه دون الرقبة, وكذلك الحال في قانون الملكية العقارية اللبناني, غير أننا نجد إن حق التصرف في قانون الأراضي الفلسطيني مقيد بشكل كبير, بحيث لا يستطيع المتصرف إن يتصرف في حق التصرف إلا بإذن المأمور, وذلك على تفصيل سنتطرق إليه في المبحث الثالث عند الحديث عن القيود الواردة على حق التصرف, ويجوز للمالك (في حق الملكية ) أن يوصي بثلث ما يملكه, وله ان يوقفه على ما يراه محققا لمصلحته ولكن هذا الحق لا يجوز في حق التصرف حيث لا يجوز لصاحبه ذلك في القوانين الثلاثة اللبناني والأردني والفلسطيني (3) .
وقد جعل المشرع اللبناني والمشرع الأردني التصرفات القانونية الواردة على حق التصرف قريبة الشبه إلى حد بعيد من تلك الواردة على حق الملكية مع قيد الوصية والوقف, فقد جاء في المادة (1999/2) من القانون المدني الأردني ( وله أن يفرغها قطعيا وان يؤجرها وان يعيرها, وان يرهن حقه في التصرف توثيقا للدين أو رهنا حيازيا ويقابلها في قانون الملكية العقارية اللبناني, المادة رقم (17) ( لصاحب حق التصرف في عقار ما أن يقوم بأي عمل تصرفي كان ما عدا إنشاء الوقف ) وتؤكد ذلك
___________________________
1- د خليل قدادة : الحقوق العينية الأصلية, المرجع السابق, ص498 .)
2- د عبد المنعم فرج الصدة : الحقوق العينية الاصلية, مرجع سابق, ص31)
3- د خليل قدادة : الحقوق العينية الاصلية, المرجع السابق, ص499 ) .
المادة (34) من نفس القانون انه يحق للمتصرف أن يبيع أو يهب أو يرتب حق انتفاع أو تامين أو رهن وبهذا يكون كل من المشرع اللبناني والأردني قد خولا لصاحب حق التصرف جميع الحقوق التي يتمتع بها المالك في أرضه, فله أن ينقل ملكية الحق في التصرف إلى شخص آخر أو يتنازل عنه بمقابل, وبدون مقابل, كما له أن يهبه وان يرهنه مقابل قرض رهنا حيازيا (1) .
إما في القانون الفلسطيني فإننا نجد نصوص قانون الأراضي الفلسطيني تعطي للمتصرف سلطة التصرف ولكن بإذن المأمور وبقيود كثيرة, فقد جاء في المادة رقم (36) من قانون الأراضي العثماني (2), بأنه لا يجوز التصرف في الأراضي الأميرية للمتصرف بالفراغ وخلافة إلا بإذن من المأمور, ويعني ذلك أن للمتصرف بيع حقه في التصرف, ولكن هذا البيع لا يكون صحيحا إلا بإذن المأمور, وإلا يكون الفراغ والبيع دون إذن كأن لم يكن (3), وقد نصت المادة رقم (17) من قانون الأراضي (4) بعدم جواز القسمة بين الشركاء في التصرف إلا بإذن أيضا, ولذلك إذا كان حق التصرف مشاعا بين أكثر من واحد, فإن التصرف من أحد الشركاء أو كلهم لا يكون صحيحا إلا بعد الحصول على إذن المأمور كما يشترط لصحة القسمة بينهم أن تتم بحضور المتصرفين أو وكلائهم وإلا اعتبرت القسمة كأن لم تكن (5) .
ولكن هل بقي الأمر كما كان في ظل قانون الأراضي العثماني, أم تغير الحال بالنسبة لصاحب حق التصرف, بلا شك فإن سلطة المتصرف قد طرأ عليها تغير كبير مما جعل حق التصرف في القوانين المطبقة الآن في فلسطين أقرب إلى القوانين اللبنانية والأردنية.
فقد ورد في المادة الخامسة من قانون التصرف في الأموال غير المنقولة لسنة 1331 هـ أنه يجوز للمتصرف بالأرض الأميرية أن يفرغها باتا أو وفاء وإجارتها وله أن يقدمها تأمينا لوفاء دين, وله وحده أن يستفيد من منافعها وحاصلاتها الطبيعية والزيادات التي تحصل فيها, وله أن يزرع حقوله ومروجه ومراعيه وحدائقه, وأن يقطع أحطابها ويقلع كرومها ويهدم ما فيها من الأبنية ويتخذها حقولا .... (6) .
__________________________
1- د خليل قدادة : نظرات في حق التصرف, مرجع سابق, ص136 ) .
2- المادة 36 ( للمتصرف بالاراضي الجاري بها التصرف بالطابو ان يتفرغ باذن المامور لمن اراد مجانا او لقاء بدل معلوم ولا يعتبر فراغ الاراضي الاميرية بوجه العموم اذا لم يكن باذن المامور ويكون تصرف المفرغ له أي الاخذ بالاراضي التي اخذها على كل حال باذن المامور اما اذا مات المفرغ له بدون اخذ الاذن من المامور فيكون لشخص المفرغ التصرف في ارضه كما كان اولا وكذلك اذا مات المتفرغ وكان له ورثة لهم حق الانتقال على الوجه الاتي فتنتقل اليهم والا فتكون مستحقة لطابو اما المفرغ له فياخذ البدل الذي اعطاه من تركة المتفررغ وكذلك مبادلة الاراضي فهي موقوفة بكل حال على اذن المامور وعند فراغ وتفويض متصرف الاراضي باذن مامورها يلزم قبول الفراغ والتفويض من طرف المفرغ له او شخص من طرفه ) .
3- د خليل قدادة : نظرات في حق التصرف, مرجع سابق, 138
4- المادة 17 لا يمكن قسمة الأراضي إلا بإذن المأمور ومعرفته وحضور المتصرفين أو وكلائهم الشرعيين وإذا جرت القسمة بدون ذلك فلا تعتبر )
5- د خليل قدادة : نظرات في حق التصرف, مرجع سابق, ص138) .
6- سامي سابا : قانون الأراضي في فلسطين, ص32 ) .
وفي الواقع فإن هذا النص جاء بعد أخذ ورد, ورغبة من الدولة العثمانية للمتصرفين من التقيد بالقانون, فقد انتهى هذا الأخذ والرد إلى تسوية اعترفت بمقتضاها الحكومة بحق التصرف في الميري أن يتعامل مع سطح الأرض كيفما شاء .
وتقرر النصوص الجديدة بحق حائز الميري أن يقطع عشب المرعى الميري على الرغم من نص المادة (10) من قانون الأراضي (1) وأن يغرس شجرا ويقيم أبنية على ألا تكون هذه المباني قرية أو محلة وذلك على الرغم من نص المادة (25) من قانون الأراضي, ويجوز للمتصرف أن يقطع الأشجار النابتة طبيعيا في الأرض على الرغم مما ورد في المادة (28) من قانون الأراضي (2), وقد جاءت النصوص الجديدة بحيث يمكن أن تحمل على أنها تجيز استعمال سطح الأرض بما لا يتعارض مع تطورها (3), وحقوق الميري قابلة للتنازل عنها بالبيع والهبة (4) .
من هنا يتضح أن كثيراً من القيود التي كانت موجودة ضمن قانون الأراضي العثماني لسنة 1274, قد تم التخفيف منها بموجب الإرادات السُنية للسلطان العثماني وكذلك بموجب قانون التصرف في الأموال الغير منقولة لسنة 1331 هـ , مما جعل سلطة التصرف في حق التصرف قريبة من هذه السلطة التي خولها كل من القانون اللبناني والأردني للمتصرف, وقد جاء المشرع الفلسطيني في مشروع القانون المدني الفلسطيني ليجعل النصوص التي تعالج حق التصرف في الأراضي الأميرية أكثر وضوحا وتنظيما, وتخفف كثيرا من القيود التي وضعتها القوانين العثمانية المتعاقبة .
فقد ورد في المادة (1122/2) من مشروع القانون المدني الفلسطيني (2- يحق للمتصرف أن ينزل عنها وان يؤجرها وأن يعيرها وأن يرهن حقه في التصرف رهنا رسميا أو رهنا حيازيا ) (5) .
وسنرى كيف أن سلطتي الاستعمال والاستغلال أيضا قد جرى عليها تعديلات سواء في قانون التصرف في الأموال غير المنقولة أو في مشروع القانون المدني الفلسطيني فيما يأتي .
__________________________
1- المادة 10 من قانون الأراضي العثماني " المراعي التي كان يحصد حشيشها قديما ويأخذ عشر محصوله تكون مثل الأراضي الزراعية ويتصرف بها بالطابو وينتفع متصرفها فقط من العشب الحاصل منها ويقدر أن يمنع غيره من الانتفاع به ومثل هذه المراعي يمكن فلاحتها وزراعتها بإذن المأمور " )
2- راجع مادة 25و28 فيما سبق من البحث
3- سامي سابا : قانون الأراضي في فلسطين, ص33
4- سامي سابا : قانون الأراضي في فلسطين, ص33و درويش مدحت الوحيدي : الأحكام العامة في قانون الأراضي الفلسطيني, ص208 ) .
5- المذكرة الإيضاحية : مشروع القانون المدني الفلسطيني, ص1202 )
المطلب الثاني
سلطة الاستغلال
ويقصد بسلطة الاستغلال هو حصول المالك على ثمار الشيء ومنتجاته ويقصد بالثمار ما يغله الشيء بصفة دورية دون المساس بجوهره, وقد تكون هذه الثمار طبيعية لا دخل للإنسان فيها, وقد تكون صناعية وتنتج كنتيجة مباشرة لعمل المالك, وقد تكون مدنية مثل الدخل الدوري الذي يدفعه الغير نتيجة انتفاعه بالشيء كالإيجار مثلا (1).
وفيما يتعلق بحق التصرف فإن سلطة الاستغلال ممنوحة لصاحب حق التصرف وذلك على خلاف بين التشريعات في مدى هذه السلطة, فالمادة رقم (1199) من القانون المدني الأردني تقول ( يحق للمتصرف في الأراضي الأميرية أن يزرعها وأن ينتفع بها ويستفيد من حاصلاتها الناتجة من عمله, وما بنت فيها بدون عمله ), وتقول الفقرة الثانية من نفس المادة ( يجوز للمتصرف في الأراضي الأميرية أن ينتفع بترابها وأن يبيع رمالها وأحجارها بشرط مراعاة القوانين والأنظمة الخاصة بذلك ), وقد ورد في نص المادة (16) من قانون الملكية العقارية اللبناني ما يتفق مع نص المادة (1199) من القانون المدني الأردني, حيث أجاز القانون اللبناني لصاحب حق التصرف أن يحصل على جميع أنواع ثمار الشيء ومنتجاته التي يغلها سواء أكانت طبيعية أم صناعية أم مدنية من خلال إيجاره للأراضي أو المباني المقامة في الأرض (2) .
ولكن الأمر يختلف بالنسبة للمشرع الفلسطيني, حيث نجد أن قانون الأراضي العثماني لسنة 1275 هـ قد قيد حق المتصرف في استغلال تراب الأرض المقرر عليها حق التصرف, حيث لا يجوز صناعة القرميد أو أحجارة اللبن إلا بعد أن يدفع قيمة التراب المستعمل في تلك الصناعة إلى جانب الميري وذلك حسب ما ورد في نص المادة (12) من قانون الأراضي (3) .
ولكن المادة رقم (32) من قانون الأراضي (4) قد أعطت صاحب حق التصرف إيجار الأراضي و إعارتها أي الحصول على الثمار المدنية دون التقيد بإذن المأمور (5) .
_________________________
1- أ.دعبد المنعم فرج الصدة : الحقوق العينية الأصلية, ص28-29, خليل قدادة : الحقوق العينية الأصلية , ص501, نظرات في حق التصرف : مرجع سابق, ص138-139 ).
2- د خليل قدادة : نظرات في حق التصرف, مرجع سابق, ص139 )
3- المادة 12 ( لا يقدر أحد أن يستعمل تراب الأرض التي في تصرفه ليصنع منه أشياء كالقرميد واللبن ما لم يستأذن المأمور أولا فإذا فعل تؤخذ منه لجانب الميري قيمة ذلك التراب في محله سواء كانت الأراضي من الأراضي الأميرية أو الموقوفة )
4- المادة 32 ( عندما يؤجر أحد أو يعير أخر الأراضي المتصرف بها لا يثبت حق القرار لذلك المستأجر والمستعير بسبب زرعه وتصرفه بتلك الأراضي مده مديدة حال كونه معترفا بأنه مستأجرا أو مستعيرا ولا يعتبر مرور الزمان في تلك الحالة بل يصبح لمتصرف الأراضي في جميع الأزمنة أن يأخذ ويضبط من يد المستأجر والمستعمر )
5- د خليل قدادة : نظرات في حق التصرف, مرجع سابق, ص139- 140 .
ولكن الحال لم يبقى على ما هو عليه, فقد أعطت المادة رقم (7) من قانون التصرف بالأموال غير المنقولة للمتصرف في الميري الحق في أن يستعمل تراب الأرض على أن يكون ذلك تابعا لأحكام القانون والأنظمة الواردة بهذا الخصوص وبذلك فقد ألغت ضمنا المادة رقم (12) من قانون الأراضي التي تمنع ذلك (1) .
وأما بالنسبة لمشروع القانون المدني الفلسطيني فقد منح للمتصرف أن ينتفع بترابها وأن يبيع رمالها, حسب ما جاء في المادة (1123) من المشروع ( يجوز لمن له حق التصرف في أرض مملوكة للدولة أن ينتفع بترابها, وأن يبيع رمالها, وأحجارها بشرط مراعاة القوانين واللوائح الخاصة بذلك ) .
المطلب الثالث
سلطة الاستعمال
والمقصود من سلطة الاستعمال هي حق المالك باستخدام حقه في الملكية على الشيء المملوك له استخداما يحقق له الاستفادة من الشيء مباشرة (1), وذلك كأن يسكن المالك داره, أو يركب دابته, أو يقرأ كتابه (2) .
وتختلف بذلك سلطة الاستعمال عن سلطة الاستغلال حيث ترد على منتجات الشيء وثماره, وفيما بتعلق بحق التصرف فإن هذا الحق يخول سلطة الاستعمال وخصوصا أن هذه السلطة لا تنقص من أصل الشيء, وقد نظم هذه السلطة القانون اللبناني والأردني والفلسطيني .
ففي حين أطلق القانون اللبناني والأردني لهذه السلطة ما لحق الملكية من سلطة فإننا نجد أن القانون الفلسطيني قيدها في قانون الأراضي وخفف من هذه القيود في القوانين التالية له .
فقد منح القانون الأردني للمتصرف في المادة (1199) سلطة الاستعمال, فله أن يزرع وأن يغرس الأشجار والدوالي, وله أن يتخذ الأرض حديقة أو حرجا أو مرعى, وله أن ينشئ فيها دورا ودكاكين ومصانع وأي بناء يحتاج إليه في زراعته, وكذلك فعل المشرع اللبناني في قانون الملكية العقارية اللبناني في المادة (16) منه .
بينما يجد القانون الفلسطيني في قانون الأراضي في مادة (25) منه (3), حيث ليس لأحد أن يستخدم الأراضي التي تحت تصرفه ليتخذها عرائش أو كروما أو جنائن إلا بإذن المأمور, وللحكومة أن تقلع هذه الأشجار بظرف
_________________________
1- أ.د خليل قدادة : نظرات في حق التصرف, مرجع سابق, ص140)
2- أ.د عبد المنعم فرج الصدة : الحقوق العينية الأصلية, ص27 )
3- راجع فيما سبق مادة 16و25)
ثلاث سنوات وإلا سقط حق الحكومة في قلعها (1) . وكذلك لا يجوز للمتصرف أن ينشئ أو يحدث أبنية ما لم يحصل على إذن المأمور, وإن حصل ذلك فيمكن هدمها عن طريق الميري في المادة (31) من قانون الأراضي (2) .
ولكن بموجب المادة رقم (5) من قانون التصرف في الأموال الغير منقولة, فقد أصبح للمتصرف بالأراضي الأميرية أو الموقوفة بموجب سند طابو, أن يتنازل عنها تنازلا تاما وأن يقوم بإجارتها, وأن يقدمها تأميناً لدين, هذا بالإضافة إلى أنه له وحده حق الانتفاع منها, فله حق غرسها بالأشجار, وزرعها بكافة أنواع الحبوب, وأن يقيم الأبنية المتعددة والدكاكين شريطة ألا تصل إلى حالة وجود قرية, حيث يملك المتصرف جميع أنواع التصرفات مع بقاء رقبة الأرض عائدة إلى بيت المال (3) .
أما مشروع القانون المدني الفلسطيني فقد نظم سلطة الاستغلال بشكل واضح في المادة رقم (1122) حيث تقول ( 1- يحق للمتصرف في الأراضي المملوكة للدولة أن يزرعها و أن ينتفع بها ويستفيد من حاصلاتها الناتجة عن عمله, ومما يثبت فيها بدون عمله, وأن يغرس فيها ما شاء من الأشجار و أن يتخذها حديقة أو مرعى, وأن ينشئ فيها أي بناء يحتاج إليه على ألا يتوسع في ذلك لدرجة تجعل الشيء المتصرف فيه مخالفا لما أعد له, 2- يحق للمتصرف أن ينزل عنها وأن يؤجرها وأن يعيرها وأن يرهن حقه في التصرف رهنا رسميا أو رهنا حيازيا, 3- الأبنية وما يتبعها التي تنشأ على الأرض المملوكة للدولة, وما يغرس فيها من أشجار, تسري عليها الأحكام الموضوعة للأراضي المملوكة للدولة فيما يتعلق بالتصرف )
وهكذا تجتمع في المتصرف جميع السلطات التي يخولها حق الملكية, وأن كان حق الملكية يرد على المنفعة والرقبة معا, بينما حق التصرف لا يرد إلا على المنفعة .
ويستكمل المشرع الفلسطيني ما قيده قانون الأراضي العثماني ويتشابه نص المادة (1122) من المشروع مع النصوص المقابلة له الواردة في القانون الأردني, وقانون الملكية العقارية اللبناني في تقريب حق التصرف من حق الملكية مع بقاء رقبة العقار في حق التصرف ملكا للدولة .
__________________________
1- أ.د خليل قدادة : نظرات في حق التصرف, مرجع سابق, ص141 ) .
2- ) راجع فيما سبق نص المادة 31 ) .
3- د درويش مدحت الوحيدي : الأحكام العامة في قانون الأراضي الفلسطيني, ص 208, راجع مادة 5 فيما سبق .
المبحث الثالث
القيود التي ترد على حق التصرف
تمهيد وتقسيم :
لاحظنا عند دراستنا للسلطات التي يخولها حق التصرف للمتصرف, بأن هذه السلطات ليست مطلقة, بل قرر المشرع عليها بعض القيود التي تحد من إطلاقها, وقد اختلفت التشريعات في مدى هذه القيود, ولتوضيح ذلك نقسم المبحث إلى المطلبين الآتيين :-
المطلب الأول : القيود في التشريع الأردني واللبناني .
المطلب الثاني : القيود في التشريع الفلسطيني .
المطلب الأول
القيود في التشريع الأردني واللبناني
نجد أن كل من المشرع الأردني واللبناني قد وضع بعض القيود على حق التصرف تحد من سلطات المتصرف, إلا أن هذه القيود لا تبعد سلطات حق التصرف كثيرا عن مثيلاتها في حق الملكية, بحيث يعتبر كل من المشرع الأردني واللبناني أن حق التصرف هو صورة خاصة لحق الملكية (1), بل إن المشرع الأردني قد أورد في نص المادة (1201) من القانون المدني الأردني ما يعامل حق التصرف معاملة حق الملكية بالنسبة لهذه القيود, فتقول هذه المادة ( يرد على حق التصرف من القيود القانونية والاتفاقية ما يرد على حق الملكية ) وتقول المادة رقم (1203) من نفس القانون أن حق التصرف في الأراضي الأميرية لا يوصى به ولا يوقف إلا إذا تملك صاحب الحق الأرض من الدولة بسند مسجل ملكية تامة طبقا لأحكام القوانين الخاصة بها, ويتجه الفقه في لبنان إلى أن حق التصرف يتقيد بذات القيود القانونية والإرادية التي يتقيد بها حق الملكية (2) .
وعليه فإن القيود الواردة على حق الملكية هي قيود إرادية وقيود قانونية, فأما بالنسبة للقيود الإرادية, فتدخل في إطار الشرط المانع من التصرف (3) .
__________________________
1- د خليل قدادة نظرات في حق التصرف, المرجع السابق, ص146.
2- د خليل قدادة نظرات في حق التصرف, المرجع السابق, ص146.
3- راجع في موضوع القيود الإرادية ( عبد الرازق السنهوري, الوسيط في شرح القانون المدني المصري, الجزء الثامن, فقرة 307, ص133, د خليل قدادة, الحقوق العينية الأصلية, فقرة 24, ص 58, عبد المنعم فرج الصدة, الحقوق العينية الأصلية, فقرة 93, ص 133.
أما فيما يتعلق بالقيود القانونية الواردة على حق الملكية فقد قيد المشرع اللبناني التملك بالنسبة للأجانب, فلا يجوز للأجنبي أن يكسب بأي تصرف حق عيني عقاري في لبنان إلا بعد الحصول على ترخيص (1) .
ونفس القيد ورد في القانون الأردني حيث لا يجوز للأجنبي أن يكون له حق التصرف على الأراضي الزراعية, إلا من كان له من الأجانب حق التصرف على الأراضي الأميرية أو من انتقل إليه هذا الحق بطريق الاستخلاف العام قبل العمل بقانون إيجار وبيع الأموال غير المنقولة من الأجانب عام 1953 (2) .
ويلتزم صاحب حق التصرف بعدم الإضرار بالجار عند استعماله لحقوقه, وكذلك القيود المتعلقة بوضع الحدود, والحائط الفاصل والمظلات والمناور, وحق المرور في حالة انحباس الأرض عن الطريق العام (3) .
وقد انفرد القانون المدني الأردني بمنع تأجير الأموال الغير منقولة إلى الأجانب لمدة أو مجموع مدد تزيد على ثلاث سنوات دون إذن مسبق من مجلس الوزراء, وهذا الالتزام كما يرد على حق الملكية فإنه يرد على حق التصرف في الأراضي الأميرية كما نصت عليه المادة رقم (1201) من القانون المدني الأردني (4) .
خلاصة القول أن كل من المشرع اللبناني في قانون الملكية العقارية والمشرع الأردني في القانون المدني الأردني قد فرض نفس القيود الواردة على حق الملكية وجعلها تنسحب على حق التصرف .
المطلب الثاني
القيود في التشريع الفلسطيني
لم يساو قانون الأراضي العثماني بين حق التصرف وحق الملكية فيما يتعلق بالقيود الواردة على كل منهما, بل جعل حق التصرف مكبلا بكثير من القيود, ولكن المشرع الفلسطيني ونظرا للظروف التي توالت على فلسطين في ظل أنظمة الحكم المتعاقبة فقد شهدت هذه القوانين تغيرات أدت إلى التخفيف من القيود, وسندرس في هذا المطلب التطورات التي مرت بها هذه القيود من خلال عدة قوانين أهمها قانون الأراضي العثماني لسنة 1275 هـ , 1858م, وقانون التصرف في الأموال غير المنقولة لسنة 1331 هـ, قانون رقم (1) لسنة 1965م بشأن تطبيق أحكام المواريث في الشريعة الإسلامية على الأراضي الأميرية كافة .
_________________________
1- مادة رقم (19) من القانون الصادر في 4 يناير 1969 يقيد حرية الأجانب في تملك العقارات, خليل قدادة, نظرات في حق التصرف, مرجع سابق, ص147 .
2- د خليل قدادة, نظرات في حق التصرف, مرجع سابق, ص147 .
3- د خليل قدادة, نظرات في حق التصرف, مرجع سابق, ص148, عبد المنعم فرج الصدة, مرجع سابق, ص1047.
4- د خليل قدادة, نظرات في حق التصرف, مرجع سابق, ص 149.
1- قانون الأراضي لسنة 1274هـ :-
يقرر قانون الأراضي الفلسطيني بعض القيود على صاحب حق التصرف, حيث لا يجوز له منع حق المرور القديم على الأراضي المتصرف بها, وإنما يجوز له منع الآخرين من المرور بغير حق في هذه الأرض التي بحيازته, أي بعد أن يتقرر له حق التصرف فيها (1) .
ولا يجوز لصاحب حق التصرف مبادلة الأرض التي في تصرفه مع أرض أخرى تحت تصرفه إلا بإذن المأمور (2) .
وبينما نجد في القانون اللبناني والقانون الأردني تقييد لحق الأجانب في التصرف في الأراضي الأميرية والزراعية نجد أن قانون الأراضي العثماني قد أجاز ذلك للأجانب بالاستفادة من حقوق التصرف بالأملاك في سائر الدولة العثمانية عدا الأراضي الحجازية (3), ونعتقد أن هذه الإجازة جاءت بتأثير المعاهدات وامتيازات الأجانب التي انتشرت في أواخر عهد الدولة العثمانية وفي الوقت الذي تم وضع قانون الأراضي والمجلة العدلية أيضا .
ويلاحظ أن كافة السلطات المخولة لصاحب حق التصرف في قانون الأراضي الفلسطيني مقيدة بشكل كبير بحصول إذن المأمور .
ومن ضمن القيود فيما يتعلق بالتصرف في الأراضي الأميرية فإنها غير جائزة عن طريق الوصية ولا يمكن تخصيصها كوقف (4) .
أما فيما يتعلق بوراثة الأرض الأميرية وحق التصرف فيها, فإنه للدولة العثمانية أن تسترد الأرض متى شاءت ومتى أرادت بعد وفاة المنتفع وحتى في حياته, وأعطى القانون في فترة لاحقة لأولاد المنتفع أولوية فقط في تسلم الأرض عند وفاة والدهم ( 5) .
2- قانون التصرف في الأموال غير المنقولة لسنة 1331 هـ :-
أطلق قانون التصرف في الأموال الغير منقولة لسنة 1331هـ, وقانون وضع الأملاك الغير منقولة بصفة تأمينات لسنة 1331هـ, الكثير من القيود التي كانت واردة في قانون الأراضي لسنة 1274 هـ, بينما بقي القيد المتعلق بعدم جواز الوصية أو الوقف كما هو, ويبدو ذلك من نص المادة رقم (8) من قانون التصرف المذكور (6) .
________________________
1- د خليل قدادة : نظرات في حق التصرف, مرجع سابق, ص150.
2- مادة 13 من قانون الأراضي العثماني ( للمرء أن يمنع الآخرين من المرور بغير حق في الأراضي الكائنة بتصرفه بالطابو وإنما ليس له أن يمنع من كان له حق المرور قديما في تلك الأراضي ) .
3- دخليل قدادة : نظرات في حق التصرف, مرجع سابق, ص150.
4- مادة (121) من قانون الأراضي ( لا يمكن أن يوقف لجهة ما الأراضي المتصرف بها بالطابو ما لم تتملك له تمليكا صحيحا بملكنامة هيمايونية من طرف السلطان ) .
5- دخليل قدادة : نظرات في حق التصرف, مرجع سابق, ص127.
6- ) المادة 8 من قانون التصرف ( لا يمكن أن توقف الأراضي المتصرف بها بموجب سند خاقاني على جهة ما أو تترك بطريق الوصية ما لم يجر تملكها من قبل الحكومة تمليكا صحيحا بموجب (ملكنامه) وبمسوغ شرعي ) .
وورد قيد عدم إمكانية تصرف الشريك في الأرض الأميرية دون استحصال إذن باقي الشركاء فيما يتعلق بتحويل الأراضي التي من نوع الأحراش وغابات إلى حقول (1) .
وهذا القيد هو نفس القيد الوارد على حق الشريك بالنسبة لشركاه في حق الملكية الشائعة.
3- قانون رقم (1) لسنة 1965 بشأن تطبيق أحكام المواريث في الشريعة الإسلامية على الأراضي الأميرية كافة :-
ورد في قانون الأراضي العثماني لسنة 1275هـ في المادة رقم (54) منه ( إذا مات أحد المتصرفين أو المتصرفات بالأراضي الأميرية والموقوفة فتنتقل الأراضي التي كانت بعهدته إلى أولاده الذكور والإناث بوجه المساواة مجانا بلا بدل سوا كانوا في المحل الذي توجد به الأرض أو في ديار أخرى ...) وجاء في المادة رقم (55) من نفس القانون ( الذين توفوا من متصرفي ومتصرفات الأراضي الأميرية والموقوفة عن غير ولد تنتقل أراضيهم إلى أبنائهم و إلا فلأمهاتهم على هذا المنوال السابق ) .
يتضح من هذه النصوص أن الأراضي الأميرية تخضع لنظام خاص للوراثة لا يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية, حيث يتساوى الأولاد الذكور والإناث في وراثة حق التصرف من مورثهم, مع أن الميراث يكون للذكر مثل حظ الأنثيين لقوله تعالى {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيماً }النساء (11), وكذلك فإن انتقال حق التصرف للمورث من غير ولد يكون لللأباء, فإن لم يجدوا فللأمهات, وكذلك الحال في باقي حالات الوراثة الواردة في النصوص المتعاقبة في المواد (56), (57), ( 59), (60) من قانون الأراضي المذكور .
وقد اختلف الحال بعد صدور قانون رقم (1) لسنة 19656م الصادر في زمن الإدارة المصرية والذي لا يزال مطبقا في قطاع غزة, بشأن تطبيق أحكام المواريث في الشريعة الإسلامية على الأراضي الأميرية كافة حيث جاء في نص المادة رقم (1) من القانون المذكور ( تطبق أحكام المواريث في الشريعة الإسلامية على الأراضي الأميرية كافة مع عدم الإخلال بقانون الوصية الواجبة رقم (13) لسنة 1962م ) وجاء في المادة (3) من نفس القانون ( يلغى كل ما يتعارض مع هذا القانون ويعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية ) .
وعليه تصبح كافة المواد المتعلقة بأحكام المواريث الواردة في قانون الأراضي العثماني ملغاة بعد العمل بهذا النص, والذي بقي ساريا لحتى الآن, وذلك بموجب المرسوم رقم
__________________________
1- راجع مادة 12 فيما سبق من قانون التصرف في الأموال الغير منقولة لسنة 1331هـ .
(1) لسنة 1994م والذي نص على أن تبقى القوانين المطبقة في فلسطين قبل 5 حزيران1967م سارية المفعول, ما لم تلغ بقانون أخر (1) .
ونخلص مما تقدم ومن دراستنا للقوانين المطبقة في فلسطين حتى الآن أن حق التصرف أصبح قريب الشبه بحق الملكية ما عدا ما قيده القانون من بقاء ملكية رقبة الأرض في حق التصرف, وأصبحت معظم القيود التي كانت واردة على حق التصرف في ظل قانون الأراضي العثماني ملغاة بموجب قانون التصرف في الأموال غير المنقولة لعام 1331 هـ, حيث منح هذا القانون للمتصرف في الأراضي الأميرية سلطات واسعة وأصبحت كافة حقوق الأرض الأميرية قابلة للتعامل معها والتصرف بها بدون إذن المأمور من حيث زراعتها وحرثها بأي نوع من أنواع الحبوب, ويملك المتصرف إجارتها وإعارتها واستردادها من المستأجر, وكذلك يجوز هبة الأرض الميري أو بيعها (2) .
4- موقف مشروع القانون المدني الفلسطيني :-
ورد في المشروع في المادة (1126) ( حق التصرف في الأراضي المملوكة للدولة لا يوصى به ولا يوقف, ينتقل حق التصرف للورثة ) .
حيث لا تجوز الوصية بحق التصرف, كما لا يجوز وقفه, وذلك لأن رقبة الأرض ليست مملوكة للمتصرف, إلا إذا تملك صاحب الحق الأرض موضوع الحق من الدولة بسند مسجل ملكية تامة, وحق التصرف من الحقوق التي تنتقل إلى الورثة عند وفاة المتصرف, وفق نظام تطور تدريجيا بحسب تعاقب القوانين في فلسطين, إلا أن وصل إلى نظام الميراث وفق الشريعة الإسلامية (3) .
________________________
1- الوقائع الفلسطينية: العدد الأول1994, مرسوم رقم (1) .
2- د درويش الوحيدي : الأحكام العامة في قانون الأراضي الفلسطيني, مرجع سابق, ص211 وما بعدها .
3- المذكرة الإيضاحية : مشروع القانون المدني الفلسطيني, ص 1205
المبحث الرابع
مدى إمكانية الاستغناء بحق الملكية عن حق التصرف
تمهيد وتقسيم :
يبرز التساؤل بعد الاستعراض لحق التصرف, عن إمكانية الاستغناء عن حق التصرف والاستعاضة عنه بحق الملكية ؟ .
اختلفت التشريعات المدنية العربية في ذلك, فمنها من رأي اجتثاث حق التصرف من نظام الملكية العقارية, ومنها من رأي البقاء عليه ووسع من سلطاته حتى اعتبره صورة خاصة عن حق الملكية رغم أنه نظمه ضمن الحقوق المتفرعة عنه, ورأى البعض الأخر البقاء عليه ولكنه ضيق من سلطاته وأورد عليه الكثير من القيود مما أدى إلى توسيع الفرق بينه وبين حق الملكية, ونبين ذلك فيما يأتي :-
الاتجاه الأول : اجتثاث حق التصرف من نظام الملكية العقارية : -
رائد هذا الاتجاه القانون المدني المصري الذي لم يذكر التصرف من بين الحقوق العينية الأصلية أو المتفرعة عنها (1), وفعل المشرع المصري ذلك سنة 1891 منذ مايربو عن قرن حين وحد الأراضي كلها على صورة الملك التام (2) بحيث يكون جزء من هذه الأراضي مملوك ملكية عامة للدولة والآخر يكون ملكية خاصة للأفراد .
ومن ثم فلا مجال للأخذ بحق التصرف في القانون المدني المصري, حيث لا يوجد أراضي أميرية تملك الدولة رقبتها بينما يملك الأفراد حق التصرف بمنفعتها (3) .
الاتجاه الثاني : اعتبار حق التصرف صورة خاصة عن حق الملكية :-
ورائد هذا الاتجاه قانون الملكية العقارية اللبناني, والقانون المدني الأردني, ومشروع القانون المدني الفلسطيني (4) وعلى الرغم من أن هذه القوانين أوردت حق التصرف ضمن الحقوق العينية المتفرعة عن حق الملكية (5) .
وسبق أن ذكرنا ضمن السلطات التي يتمتع بها صاحب حق التصرف بأنها تقترب كثيرا من حق الملكية من أي حق أخر, ولكن تبقى هناك فوارق كثيرة ذكرتها في مواضع كثيرة من هذا البحث ولا ضرر من أ، نوجزها في هذا المقام :-
__________________________
1- د خليل قدادة : نظرات في حق التصرف. مرجع سابق, ص356 .
2- أ.د محمد وحيد الدين سوار : أسباب كسب الملكية, ص356 .
3- د خليل قدادة : نظرات في حق التصرف. مرجع سابق, ص 356.
4- د خليل قدادة : نظرات في حق التصرف. مرجع سابق, ص356 .
5- المشرع السوري عد حق التصرف كحق عيني قائما بذاته ورفعه إلى مصاف حق الملكية حين طبق عليه ما طبق على حق الملكية من أحكام, محمد وحيد الدين سوار : أسباب كسب الملكية, ص35 .
1- للمالك أن ينشئ وقفا أو وصية على ملكه, بينما لا يجوز لصاحب حق التصرف أن ينشئ وقفا على الأراضي الأميرية لأنه لا يملك رقبتها فلا يجوز له أن يتصرف بالوقف أو بالوصية إلا إذا تحولت الأرض الأميرية إلى ملك باتباع الإجراءات القانونية .
2- لا يرد حق الملكية إلا على العقارات الملك أي العقارات القابلة للملكية, حين أن حق التصرف لا يرد إلا على الأراضي الأميرية, أي الأراضي المملوكة للدولة .
3- مدة التقادم المكسب بالنسبة لحق الملكية هي خمسة عشر عاما, بينما بالنسبة لحق التصرف بالأرض الأميرية, يكتسب بعد مرور عشر سنوات بشر استعماله .
4- إذا نزعت ملكية المالك للمنفعة العامة فإن التعويض عن الملكية كله يكون في حق المالك, أما فيما يتعلق بالأرض الأميرية فلا يستحق صاحب حق التصرف إلا الجزء الذي يقابل حقه من هذا التعويض, بينما تعود ملكية الرقبة للدولة ولا تعويض عنها .
وعلى الرغم من الوضوح في تحديد طبيعة حق التصرف إلا أننا وجدنا من يقول أن حق التصرف من الحقوق المتفرعة عن حق الملكية وذلك ما جعل من المشرع الأردني واللبناني والفلسطيني ينظمه على رأس الحقوق المتفرعة عن حق الملكية .
ورأينا أن نوجه لهذه التشريعات ما وجهه بعض الفقه من نقد للمشرع الأردني حيث قال ما يأتي :-
(( أقترح أن يستغنى بحق الملكية عن حق التصرف و باعتباره حقا متفرعا عن حق الملكية وان تحول جميع الأراضي الأميرية التي للأفراد عليها حق التصرف إلى أراضي مملوكة ملكية لهم, وينتهي هذا الرأي إلى أنه يجب إلغاء جميع القيود الواردة في قانون تحويل الأراضي الأميرية إلى ملك .
كما يقترح إلغاء جميع المصطلحات القانونية الواردة بخصوص حق التصرف, وإلغاء أي نص أو قانون أو نظام يتطرق إلى الأراضي الأميرية أو حق التصرف الوارد عليها عن طريق صدور تشريع بذلك )) (1) .
وهذا الرأي ليس بعيدا عما توصلنا إليه من اعتبار حق التصرف صورة خاصة عن حق الملكية في هذه التشريعات حتى ننتهي بالقول إلى إلغاء حق التصرف, والاستغناء عنه بحق الملكية .
الاتجاه الثالث : توسيع الفرق بين حق التصرف وحق الملكية :-
رائد هذا الاتجاه قانون الأراضي الفلسطيني الساري المفعول إلى الآن, فلقد رأينا فيه مدى ما يتمتع به صاحب حق التصرف من سلطات وما يرد عليها من قيود تكاد تحرمه منها حيث أن كل سلطة لا يستطيع ممارستها إلا بعد الحصول على إذن المأمور, وهذا يعني أن صحة أي عمل يريد القيام به صاحب حق التصرف, يجب أن يكون مأذونا به
__________________________
1- أ.د محمد وحيد الدين سوار : أسباب كسب الملكية, ص357, خليل قدادة : نظرات في حق التصرف. مرجع سابق, ص157 .
من قبل المأمور وإلا فلا يجوز له القيام به, لذا فإن حق التصرف لا يقترب نحو حق الملكية وإنما يكون قريب من حق الانتفاع (1) .
على ضوء ما سبق لا يسعنا إلا أن نقرر في النهاية بأن حق التصرف مثله مثل أي حق عيني متفرع عن حق الملكية يبقى قائما بذاته مثله في ذلك مثل حق الانتفاع والارتفاق ... الخ من الحقوق المتفرعة عن حق الملكية, وتبقى الحاجة له مادام من التشريعات المتأثرة بالماضي لم تلغ الأراضي الأميرية الموروثة عن الخلافة العثمانية .
وأرى أن تذهب هذه التشريعات إلى ما فعله المشرع المصري مما يقرب عن مئة عام, تعمل على توحيد الأراضي كلها على صورة الملك التام .
___________________________
1- د خليل قدادة : نظرات في حق التصرف. مرجع سابق, ص157
الخاتمة :
حق التصرف حق عيني من الحقوق التي تمنحها الدولة على أراضيها التي تعود رقبتها لها وتعود منفعتها إلى المتصرفين فيها وهم الأفراد, وهي حق موروث عن قانون الأراضي الفلسطيني والأردني واللبناني والسوري منذ كانت هذه الأقطار ولاية عثمانية.
وعلى الرغم من وحدة الظروف السياسية والاجتماعية في تلك البلاد, أيام الخلافة العثمانية, إلا أن هذه التشريعات اختلفت عند معالجتها لهذا الحق .
فأشرنا أن المشرع السوري عامل حق التصرف كحق ملكية لا يختلف عنه إلا في أن الأول لا يقع إلا على المنفعة والثاني على الرقبة والمنفعة, بينما قرب المشرع اللبناني والأردني ومشروع القانون المدني الفلسطيني حق التصرف من حق الملكية, ولكنهما لم يعتبراه كذلك كالمشرع السوري, وإنما اعتبراه صورة عن حق الملكية, وذلك لما يتمتع به المتصرف من سلطات تكاد أن تتماثل مع سلطات المالك عند استعماله واستغلاله والتصرف بما يملكه, ولكنها لا تصل إلى حد التطابق بينهما, فالمالك يتصرف في المنفعة والرقبة, بينما المتصرف لا يتصرف إلا بالمنفعة دون الرقبة, ويستطيع المالك أن يوصي ويوقف أرضه إلى من أراد, بينما لا يجوز ذلك للمتصرف إلا في الحالة التي يتملك بها الرقبة ملكية تامة, عندئذ يزول الفارق بين المتصرف والمالك لذلك كله فقد نادا بعض الفقهاء بإلغاء التفرقة واعتبار حق التصرف حق ملكية كامل .
أما المشرع الفلسطيني, فإنه لم يمنح المتصرف الكثير من السلطات عند استعمال واستغلال حقه والتصرف فيه, وإنما قيدها بكثير من القيود, وقد رتب المشرع على مخالفة هذه القيود اعتبار ما قام به المتصرف كأن لم يكن .
وأدى ذلك إلى القول بأن المشرع الفلسطيني, اعتبر حق التصرف مجرد حق عيني, يتشابه إلى حد كبير مع حق الانتفاع كحق متفرع عن حق الملكية .
ورغم ذلك لا يمكننا القول بأنه يمكن الاستغناء عن حق التصرف بأي حق عيني أخر, لأن هذا الحق تبقى له من المميزات والخصائص ما تجعله يقوم كحق مستقل ولا غنى لنا عنه طالما بقيت الأراضي الأميرية .
غير أننا نرى أنه من الأفضل الاستغناء عن حق التصرف وإلغاء ما يعرف بالأراضي الأميرية, وتوحيد الملكية, وتقسيمها إلى ملكية عامة وخاصة كما فعل المشرع المصري.
المراجع :
1- توفيق حسن فرج : الحقوق العينية الأصلية, الدار الجامعية,1980.
2- خليل أحمد حسن قدادة : أ- جيز في شرح القانون المدني الفلسطيني, الحقوق العينية الأصلية, حق الملكية والحقوق المتفرعة عنه, غزة 1997.
ب- نظرات في حق التصرف, كحق عيني ومدى السلطات التي يخولها للمتصرف, بحث منشور في مجلة جامعة الأقصى, المجلد السابع, العدد الأول, يناير 2003 .
ج- الوجيز في شرح القانون المدني الفلسطيني, العقود المسماة عقد بيع, غزة 2004
3- درويش مدحت الوحيدي : الأحكام العامة في قانون الأراضي الفلسطيني, غزة 2001 .
4- سامي حنا سابا : قانون الأراضي في فلسطين, غزة دون سنة نشر .
5- عبد الرزاق السنهوري : الوسيط في شرح القانون المدني المصري, الجزء التاسع, منشورات الحلبي الحقوقية, بيروت 1998 .
6- عبد المنعم فرج الصدة : الحقوق العينية الأصلية, دار الطباعة العربية, بيروت 1978 .
7- محمد وحيد الدين سوار : شرح القانون المدني الحقوق العينية الأصلية, الجزء الثاني, أسباب كسب الملكية والحقوق المشتقة من حق الملكية, دراسة موازنة بالمدونات العربية, دون سنة نشر .
8- مازن سيسالم, اسحاق مهنا , سليمان الدحدوح, مجموعة القوانين الفلسطينية, الجزء السادس, 1997 .
9- المذكرة الإيضاحية : مشروع القانون المدني الفلسطيني, ديوان الفتوى والتشريع, 2003 .
الفهرس
الموضوع الصفحة
أهمية البحث في حق التصرف .................................................. . 1
منهج البحث .................................................. .........................1
المبحث الأول : ماهية حق التصرف وخصائصه ............................ 3
المطلب الأول : ماهية حق التصرف . ........................................ 3
المطلب الثاني : خصائص حق التصرف . .................................. 6
المبحث الثاني : سلطات التي يمنحها حق التصرف..........10
المطلب الأول : سلطة التصرف . ...............................................10
المطلب الثاني : سلطة الاستغلال . .............................................16
المطلب الثالث : سلطة الاستعمال ..............................................17
المبحث الثالث : قيود التي ترد على حق التصرف .............19
المطلب الأول : القيود في التشريع الأردني واللبناني . ....................19
المطلب الثاني : القيود في التشريع الفلسطيني . ..........................20
المبحث الرابع : مدى إمكانية الاستغناء بحق الملكية عن حق التصرف. 24
الخاتمة .................................................. ...............................27
المراجع .................................................. ..............................28