TODAY - March 30, 2011
«شمس صناعية» لحشيش الملاعب
هولندي يخترع أضواء تقترب بطبيعتها من نور الشمس
المصابيح الشمسية تطلق الضوء بلون أصفر ذهبي يقترب في طبيعته من ضوء الشمس
تعاني معظم الملاعب الأوروبية من مشكلة النمو الطبيعي، المتساوي والمستمر، للحشيش في ساحات كرة القدم. فسر مهندس هولندي مؤخرا الماء بالماء، واكتشف أن المشكلة «المعقدة» تتعلق بالإنارة لا غير، رغم أن الإنسان يعرف منذ آلاف السنين حاجة النباتات لضوء الشمس.
المهندس الهولندي نيكو فان فورون، من شركة «GSL» التقنية، درس أحوال حشيش الملاعب لعدة سنوات، ليكتشف أن المشكلة تتعلق بعدم وصول ما يكفي من نور الشمس إلى مسطحات الملاعب الخضراء، خصوصا في فصل الشتاء، حيث يزداد المطر والثلج ويقل نور الشمس. واخترعت الشركة حاليا نظاما من المصابيح «الشمسية» التي تطلق الضوء بلون أصفر ذهبي يقترب في طبيعته من طبيعة ضوء الشمس ويحفز عملية النتح في النباتات.
ليس غريبا بالطبع أن تأتي الفكرة «النباتية» من هولندا، لأن الهولنديين بارعون حقا في زراعة الفواكه والخضراوات والزهور وتصديرها إلى أوروبا. وعرف عنهم أيضا نجاحهم في هندسة الوراثة التي تعجل نمو الزهور والنبتات الصغيرة (غير المخصصة للطعام)، والممتدة بين الجوري والياسمين، تنمو مثل الفطر بعد ليلة مطيرة.
ويبدو نظام المصابيح المتنقل الذي ابتكرته شركة «GSL» شبيها من ناحية الفكرة والتقنية من نظام التنقيط أو نظام الأنابيب الذي يوصل المياه إلى جذور النباتات والحشيش في بلدان الخليج العربي. ومشكلة بلدان الخليج هي الماء وليس نور الشمس، بسبب قلة الأمطار صيفا وشتاء، بينما مشكلة أوروبا، صيفا وشتاء، هي الأمطار والجو الغائم شبه المستمر وقلة ضوء الشمس الذي يصل أرض الملعب.
ويقول فان فورون إنه لاحظ أن معظم ملاعب أوروبا اليوم هي ملاعب مغلقة أو شبه مغلقة، بمعنى أنها مسقوفة تماما أو جزئيا بالمظلات الكبيرة التي تحمي الجمهور وثلاثة أرباع الملعب من المطر. المشكلة الأخرى هي أن صفوف المقاعد تبدأ في معظم هذه الملاعب من على بعد أمتار قليلة من الحشيش، ثم ترتفع بعشرات السطور العالية لتنتهي بالمظلات والسقوف، وهذا يمنع ضوء الشمس من الوصول إلى حشيش الملعب. ويمكن لرعاة الحشيش في النوادي أن يوصلوا الماء إلى الحشيش وأن يقصوه بين حين وآخر، لكنهم يعجزون عن توصيل نور الشمس إليه.
وحسب تصريح فرانك فان بوسيلكوم، المدير الفني في شركة «GSL»، فإن التجارب الأولى حققت نجاحا باهرا في ملعب ايندهوفن الهولندي، لكن النوادي الكبيرة في ألمانيا مثل بايرن ميونيخ وفولفسبورغ وفيردر بريمن بدأت أيضا في تجربة نظام المصابيح الذهبية الذي يسمى «الإشعاعات الضوئية النتحية»، نسبة إلى عملية النتح النباتية. فالنظام أثبت كفاءة عالية في تنمية الحشيش وجعله يرتفع عن أرض الملعب بأطوال متساوية، وبشكل يكفل للنادي تقليل عدد إصابات اللاعبين كثيرا. فمن المعروف أن النمو غير المتساوي للحشيش، وبعض «الصلعات» التي تظهر هنا وهناك، تؤدي إلى تعثر اللاعبين وسقوطهم.
والمصابيح «الشمسية» مثبتة بشكل نظام معين على شبكة من الألواح المعدنية المزودة بالعجلات. تتم دحرجة هذه الشبكة على الحشيش بنظام يكفل وصول ضوئها إلى الحشيش بالتساوي. ويمكن بالطبع بعد انتهاء عملية «الاستحمام» بنور الشمس الاصطناعي إعادة دحرجة الشبكة إلى خارج الملعب.
في المختبر أثبتت المصابيح كفاءة عالية في تنشيط عملية النتح في الحشيش وزيادة إطلاق غاز الأكسجين الناجم عنها. وثبت أيضا أنها لا تضر الحشيش عند تشغيلها مساء للاستفادة من الوقت وفي تقليل كلفة الكهرباء. وهذا يعني أنها ستكون مناسبة جدا للملاعب الألمانية والإنجليزية، التي لا ترى ضوء الشمس كثيرا، خصوصا أن الدوري الإنجليزي لا يتوقف في الشتاء، وهو ما يجعل مهمة رعاية الحشيش أكثر إلحاحا هناك.
المهم أيضا هو أنه من الممكن التحكم في قوة هذه المصابيح كي تلائم الشروط الجوية، وما إذا كان اليوم نصف غائم أو غائما تماما. وتقوم شركة «GSL» بدراسة شروط كل ملعب على حدة، لأن الملاعب تختلف من ناحية التصميم والحجم، وتضع خطة مناسبة لرعاية حشيش كل ملعب. فالإضاءة في ملعب ايندهوفن الهولندي الصغير، كمثل، تختلف عن الإنارة في ملعب «إليانز» الأولمبي الخاص بنادي بايرن ميونيخ.
وفي ايندهوفن، تمكنت الشركة من تغيير تشكيلات الضوء بشكل مستمر وتوزيعها بأشكال فنية جميلة. وهذا اجتذب جمهورا غفيرا صار يأتي في المساء للتفرج على منظر تشكيلات الأضواء الذهبية على أرضية الملعب.
الحقيقة أن الاتحاد الدولي لكرة القدم أجاز استخدام الحشيش الصناعي في ملاعب كرة القدم في مونديال جنوب أفريقيا 2010. وجاء ذلك في تصريح للاتحاد صدر عام 2007، وجاء فيه أن الحشيش الصناعي الجديد أكثر ملاءمة لأجواء جنوب أفريقيا الشتوية الجافة، كما أنه أرخص ثمنا ولا يثقل ميزانية البلد المضيف ولا يتطلب كثيرا من الوقت لمده في الساحات.
والحديث هنا يجري عن الحشيش الصناعي التي عرضته شركة «شبروس غالا باو» السويسرية في المعرض الدولي لتجهيزات الحدائق في كولون عام 2007، ونال إجازة اتحاد كرة القدم الأوروبي. وهو حشيش شبيه جدا بالطبيعي، ومقاوم، وناعم، ويوفر إمكانية التزحلق عليه بسبب ضعف قابليته على الاحتكاك، ولا يلتصق بعضه ببعض، وسهل التنظيف. وذكرت مصادر الشركة أن الحشيش «XL Turf» يجري إنتاجه بشكل قوالب (بلوكات) على أرضية من مادة «نيوبولين» التي تمتص الماء إلى الأسفل وقابلة للتسخين أيضا في مواسم الثلج. ويمكن ربط البلوكات مع بعضها بعضا في الأسفل بواسطة تقنية «تلبيس» من ابتكار الشركة. مع ملاحظة أن كل أنواع الحشيش الصناعي التي عرضت في «سبوغا 2006»، عدا عن الحشيش «XL Turf»، تستخدم الرمل الناعم والحبيبات الصناعية كي تمنح الحشيش خواص الحشيش الطبيعي.
مع ذلك لم تستخدم النوادي هذا الحشيش الاصطناعي بشكل واسع خشية وجود مضاعفات غير معروفة، وبسبب عدم تعود اللاعبين عليه. ولذلك فإن شركة «GSL» تطرح بديلا طبيعيا الآن يمكن أن يعول عليه مستقبلا في تقديم الرعاية للحشيش. عموما تغير النوادي حشيش ملعبها مرة في السنة، مع وجود الكثير من النوادي التي تفعل ذلك مرتين أو ثلاث سنويا بسبب شروط ملعبها التي لا توصل نور الشمس إلى الحشيش. ويكلف تغيير الحشيش كل مرة مبلغ 100 ألف يورو، في حين أن شبكة أضواء «GSL» النتحية تكلف أقل. وتتعهد الشركة للنوادي الرياضية بأن استخدام الأضواء الذهبية سيعني تغيير الحشيش مرة كل ثلاث سنوات أو أقل.
تبيع شركة «GSL» النظام مع نظام مساعد من أجهزة الاستشعار التي تقيس حاجة الحشيش للضوء، وتقدر قوة المصابيح المناسبة، ومن ثم يحسب الكومبيوتر عدد الساعات المطلوبة يوميا لإشاعة أنوار المصابيح «الشمسية» في الملعب. كما يمكن لمن يرغب شراء أجهزة استشعار إضافية تقيس كمية المواد المعدنية الموجود في تربة الملعب كي تعطي فكرة عن مدى الحاجة للتسميد. وهناك أجهزة استشعار أخرى للرطوبة لقياس كميات الماء الضرورية، وأجهزة أخرى لقياس درجة حرارة التربة أيضا.
ويمكن للنوادي، بفضل تقنية شبكة المصابيح النتحية، أن تؤجر ملاعبها لحفلات الرقص وغيرها وتعزز ميزانيتها بالمزيد من الأرباح لأن نظام المجسات الخاص بشركة «GSL» يتيح لها تقييم وضع الحشيش بسرعة، كما يفسح أمامها المجال لإعادة وضع الحشيش إلى ما قبل الحفلة في وقت وجيز وبكلفة بسيطة. ويضيف فان بوسيلكوم أنه من الطبيعي أن يسارع نادي بايرن ميونيخ لاقتناء هذه التقنية، لأن ناديا يدفع مبلغ عشرات الملايين لشراء لاعبين مثل فرانك ريبيري وأرين روبن يهتم طبعا بضرورة عدم تعريض لاعبيه للإصابات الناجمة عن أخطاء تكمن في طبيعة حشيش الملعب.