حكايه هذا الطفل أغرب من الخيال لا يعرف أحد حقيقتها، منذ شهور كان هائماً على وجهه في الشوارع بلا أب أو أم، ووجده شاب ملقى في أحد مقالب القمامة، وكاد كلب ضالّ ينهش لحمه، وأنقذ الشاب الطفل وذهب به إلى إحدى الجمعيات الأهلية، لتبدأ الحكاية المثيرة للطفل الذي تنازع على بنوته ثلاثة آباء، وخلال أسابيع يحسم الطب الشرعي القضية ويحدد من هو والد الطفل.
الآباء الثلاثة
وبالفعل اتجه به إلى الجمعية الخيرية، وهناك استقبله شحاته محمد، وروى له الشاب قصته مع هذا الطفل، وكيف أنقذه من بين براثن الكلاب الجائعة التي كادت تفتك به. تعجب شحاته ثم سأل الطفل قائلاً: «ما اسمك يا حبيبي؟»، الطفل يصمت ويكتفي بالبكاء، هنا يحمله شحاته ويأخذه بين أحضانه، متسائلاً: «يا ترى يا بنيّ أين والداك؟».
فكر شحاته لفترة وجيزة بعد أن أحضر طعاماً للطفل، وكان معه بعض أهالي المنطقة، وحمل الطفل وذهب إلى قسم شرطة البساتين وحرر محضراً هناك. وتعهد أمام المأمور أنه سيأخذ الطفل معه إلى حين العرض على النيابة، وفي الصباح الباكر حمل الطفل وذهب به إلى النيابة التي أمرت بإيداعه في دار أيتام إلى حين العثور على أهله، لكن شحاته تعهد رعايته ووقع إقراراً بذلك لوكيل النيابة لفترة محدودة، ووعد بالاهتمام به في الجمعية الخيرية.
مكث الطفل مع شحاته وأولاده الثلاثة الذين كانوا يلعبون معه ويرعونه وكأنه شقيقهم الرابع، وكان شحاته بين وقت وآخر يذهب إلى الطفل ويسأله عن والده فلا يجيبه، بل يردد دوماً «عمو كان في السيارة وضربني على وجهي وألقاني للكلاب»...
كلمات قالها الطفل الصغير، الذي أحيانا يقول إن اسمه أحمد عندما يسأله أحد، وأحياناً يقول إن اسمه محمد، ولا أحد يعلم اسمه الحقيقي.
ظل الطفل التائه لدى شحاته الذي طبع صورة فوتوغرافية له ونشرها في الشارع ولصقها على المساجد وعلى نواصي الشوارع والمنازل، مشيراً إلى أن هذا الطفل تائه وعثر عليه، وطالب من يتعرف عليه بأن يذهب إلى جمعية الأسر المنتجة. لكن الوقت يمرّ ولا أحد يتعرف على الطفل، رغم أن هذا الرجل حمله في سيارة وأذاع خبر العثور عليه في ميكروفونات في الشوارع حتى يتعرف عليه أهله.
الحكاية الأولى
زوج وزوجة جاءا من الصعيد وطلبا مشاهدة هذا الطفل، لكنهما لم يتعرفا عليه في البداية، وقال الزوج إنه يشبه ابنه وربما يكون هو، لأن ابنه مختفٍ منذ أن كان عمره شهوراً.
ولأن الموضوع ليس بيد شحاتة، استمع إلى هذا الرجل وطلب منه أن يذهبا معاً إلى النيابة في الغد، وبالفعل ذهب معهما إلى النيابة وبدأ وكيل النيابة في التحقيق مع الرجل وأخذ أقواله.
الحكاية الثانية
مثلما حدث مع صاحب الحكاية الأولى حدث مع صاحب الحكاية الثانية. زار رجل أعمال منزل شحاتة وفور رؤيته للطفل أكد أنه ابنه، وأنه اختفى من أمام منزله، ومنذ ذلك الوقت وهو يبحث عنه، مما وضع شحاته في حيرة. وذهبا أيضاً إلى النيابة وتم التحقيق معه، وطلب الأب تسليمه ابنه، لكن وكيل النيابة أوضح أن الأمر سيعرض على الطب الشرعي، خاصة مع وجود من ينازع رجل الأعمال في بنوة الطفل.
الحكاية الثالثة
لم تختلف كثيراً عن الأولى والثانية، وهنا أمر وكيل النيابة بإحضار الأسر الثلاث، وأبلغهم أنه سوف يحيلهم على الطب الشرعي لإجراء تحاليل الحمض النووي لمعرفة الوالد الحقيقي للطفل. ولا يزال الجميع في انتظار التحاليل وقرار الطب الشرعي.
التقت «لها» الطفل، وكان السؤال الذي يتردد في تفكيرنا: «هذا الطفل ابن من؟» وما هي حكايته الحقيقية؟
جلست أمامه، أنظر في عينيه اللتين تحملان الكثير من الحزن والبراءة، فأحياناً يضحك ، لكن سرعان ما يعود إلى حزنه الدفين داخل قلبه، تارة تجد في عينيه شقاوة الأطفال، وتارة أخرى تشعر أنه هادئ الطباع ويكتم بين ضلوعه سراً عميقاً. كان يلعب بين أبناء شحاته، تلك الأسرة التي احتضنته وشعر وسطها بأنهم بمثابة أهله الجدد.
التقط شحاته طرف الحديث قائلاً: «هذا الطفل أبكاني كثيراً وكسر قلبي لوقت طويل، لأن حالته عندما جاء في المرة الأولى كانت محزنة للغاية، كما أن الشاب أنقذه من بين الكلاب التي كانت ستنهشه، هكذا أكد لي الشاب».
يكمل شحاته: «لم يكن يستأنس بأحد، وإلى الآن لا يذهب إلى أحد غيري، فقط عندما يأتي المساء ينام إلى جواري، وحينما يغرق في نومه ننقله الى جوار إخوته، وإذا استيقظ ليلاً يطلبني كي أكون بجواره. والحمد لله أولادي يتعاملون معه على أنه شقيقهم، ولا نعرف إذا جاءت أسرته الحقيقية وأخذته كيف سنتحمل فراقه؟ فنحن اعتدنا عليه وهو أيضاً».
كتابة: أسامه كمال (القاهرة)