نيجيرفان بارزاني: بغداد على عيني وعلى راسي.. ولا يسعدنا ان تتقدم أربيل ويغرق الآخرون في الظلام




ليست “الحِرفة” وحدها والتعود على اللباقة الحذرة في عرض الموقف السياسي، هي التي تتحكم بإجابات نيجيرفان بارزاني رئيس حكومة إقليم كردستان العراق، على أسئلة (المدى) في حوار ستنشره في عددها ، اليوم الاربعاء، والذي اجرته بمكتبه في اربيل، بل هناك “المزاج الكردي” الذي يتحسسه المرء في التعامل مع الجميع هنا.

لا يبدو راغباً بالزهو بما حققه الإقليم، وحين تسأله عن هذا يحاول تذكيرك بأن التنمية ليست مجرد بضعة طرق سريعة ومجموعة أسواق عملاقة. وعندما تقول له ان كردستان تنجح بفضل خطط منفصلة عن فوضى التخطيط في بغداد، يسارع الى لملمة اطراف الحديث والتأكيد على ان المسألة تثير الشجن، وأن الكردي لا يشعر بالسعادة حين يبدو انه صاحب المنطقة الوحيدة المزدهرة في العراق، وحتى لا يبدو متظاهرا بعاطفة مصطنعة يؤكد لك ان الأمر مرتبط بمنظور المصالح على طول الخط التجاري بموازاة نهري دجلة والفرات، ليسأل بلسان يتفهم متطلبات السوق الدولية: وكيف ستكبر أعمالنا وتزدهر لو بقيت المناطق المجاورة لنا قلقة وكاسدة وغارقة في العنف؟

وهناك ايضا الانحياز الواضح للصراحة، والتمسك العنيد بـ”الاتفاقات الأولى” التي شجعت كردستان على “العودة الاختيارية” الى عراق ما بعد صدام، بعد انفصال دام ١٢ عاما منذ انتفاضة ١٩٩١.
عبارة “على عيني وعلى راسي” التي يسمعها المرء في مدن كردستان حين يتحدث الأكراد معه بالعربية، ويعلنون ترحيبهم بطلب او سؤال، هي ذاتها التي يستخدمها رئيس حكومة الإقليم في الحديث عن رغبة بغداد بالاطلاع على تفاصيل عقود النفط مع الشركات الكبرى، لكنه ووسط عبارة الود هذه، يدافع عن فهم إقليم كردستان للدستور ولـ”الاتفاقات الاولى” حول حق الاقليم في إدارةالآبار الجديدة، طالما كانت طريقة إدارتها متماشية مع القانون العراقي. وهو يسرد حكاية النفط بوصفها اختباراً لطريقة حكم جديدة “تحتاج بغداد وقتاً لاستيعابها”.

والتمسك العنيد بهذا الحق حسب رئيس حكومة الإقليم، ترافقه مبررات عديدة يشرحها بأسف، ليؤكد في الوقت نفسه ان ١٠٠ عام من سيادة عقلية الحرب، ووفرة الثروات، وكل هذا الانفتاح السياسي الجديد، يحتم على جميع العراقيين ان يجلسوا للحوار حول المشاكل ويزيلوا الحواجز النفسية التي تكونت مؤخرا “بين القادة” ويصوغوا تنازلات داخلية مهمة كي لا تتحرك الدبابات نحو “هزيمة وطنية” اخرى، وهي دبابات فشلت على مدار قرن في صناعة “أمّة متآخية”.

الحوار هذا يصلح ان يضعه كل سياسي عربي على طاولة مفاوضاته مع القوى الكردية وغيرها، لأنه يلخص بالوضوح الكافي، رؤية جرت تجربتها لعراق يمكنه استيعاب الجميع. والحوار ايضا يعيد صياغة سؤال عراقي كبير حول قرن النزاعات الدموي: هل كان الأمر يستحق هذا؟.

الجميع شعر باطمئنان حين زار المالكي أربيل اثر قطيعة سياسية وبعد مرحلة راقبنا خلالها بحذر حركة الدبابات في طوزخورماتو. ومن المؤكد ان الخلاف كبير، لكن التهدئة حظيت باهتمام بوصفها لحظة التقاط أنفاس وفرصة استئناف لحوار بمقاييس حل النزاعات في العالم المتقدم. السؤال الاساسي الذي يواجه الطبقة السياسية اليوم: بعد قرن عراقي من الدماء، هل بدأنا ندرك اهمية إبرام سلام متماسك يسمح لنا بالتمتع بالخير الوافر؟ ام أن “النفس القصير” للمفاوضات يجعل السياسي يستسهل “عقلية الحرب”، وهذا ما يقلق عموم العراقيين؟

- جزء من مشاكل العراق لا تزال تنتج عن الطابع الانتقالي لنظامنا السياسي اذ لا نزال في مرحلة تحول عميقة منذ سقوط صدام حسين. التحول الى الفدرالية في حد ذاته أمر جسيم وجديد علينا. اضف الى ذلك ان مشاكلنا تتصل بجذور تاريخية وهو ما يعني انها من النوع الذي يصعب التوصل الى تسوية كبرى بشأنه خلال بضعة أسابيع. لكن ما يجب ان نتذكره خلال هذا هو ان الصعوبات التي نواجهها في صناعة الاتفاق لا ينبغي ان تدفعنا للقتال. ولهذا فإن الحوار مع بغداد ظل على طول الخط واحدة من اكبر أولويات إقليم كردستان.

في هذا الاطار قمت بزيارة بغداد مؤخرا وكان لي لقاء طويل مع السيد نوري المالكي رئيس مجلس الوزراء في الحكومة الاتحادية، وخصصنا جزءا منه لحديث على انفراد. وقد تحدثنا بشكل واضح جدا عن مشاكل العراق العامة، ومشاكل الاقليم. ووجدنا انفسنا نشعر معاً بضرورة انطلاق الحوار الوطني الذي كان يعاني الجمود.

وقد شعرت ان الأمر لا يتطلب مجرد دخول مباشر في حوار بين اللجان التخصصية، بل يتطلب تمهيداً ضروريا يتيح لنا ان نتجاوز الحواجز النفسية التي ظهرت بين القادة العراقيين، ولذلك اقترحت على السيد المالكي زيارة اربيل، وقلت له: كما أنكم عقدتم اجتماع الحكومة في نينوى والبصرة، فلماذا لا تعقدون اجتماعا مماثلا للحكومة العراقية في عاصمة اقليم كردستان العراق؟
اذن كان مجيء المالكي مقترحاً طرحته انت؟

- نعم قلت له اذا وجدت ان مجيئك الى اربيل محاط ببعض الصعوبات، فستكون هناك صيغة مناسبة للجميع حين تنقل اجتماع مجلس الوزراء الى هنا. عندها يمكن ترتيب لقاء برئيس إقليم كردستان السيد مسعود بارزاني ليساهم ذلك برفع جملة من الحواجز النفسية التي صعبت التواصل بين كثير من القادة العراقيين في الفترة الماضية. وحتى لو بقي جزء من تلك الصعوبات النفسية، فسيكون في وسعنا على الأقل أن نجلس لنتذكر مع بعض، ان الحرب ليست خياراً بديلاً حين نواجه بعض حالات العجز السياسي التي تحصل ضمن الملفات الكبرى.

وهل تشعر ان هذا المعنى كان حاضرا في لقاء القادة، وأنهم استذكروا ذلك خلال اربيل، وأننا سنلمس نتائج طيبة؟

- ليس من الصعب ان نتذكر ما تحملناه في مختلف مناطق العراق من ظلم وهوان وخسارات بسبب الإدارة السيئة لخلافاتنا، فشعب العراق لاقى اصعب الويلات، بنحو من الصعب نسيانه، بسبب المسارعة الى الحرب كلما واجهنا جموداً في السياسة.
ان تجربتنا التاريخية مع عقلية الحرب امر مؤلم ودرس بليغ. التاريخ يثبت لنا ان القوة عجزت عن حل المشاكل. لذلك فإن شعور من يجلس على كرسي الحكم في بغداد بأنه اكثر قوة من الأطراف الأخرى، ليس مساراً للحل. وحين شعر الحاكم السابق بالقوة وأراد استخدامها في حل مشاكل البلاد فإنه فشل بوضوح وجرنا جميعا الى ويلات رهيبة.

عام ١٩٧٠ شعر صدام حسين بأنه ضعيف فذهب الى المرحوم الملا مصطفى بارزاني وأبرم الصلح. ثم شعر بالقوة فأعلن الحرب على الأكراد، وحين احس بالورطة وكلفة النزاع راح يعالج ذلك بطريقة رهيبة فتنازل عن نصف شط العرب لشاه ايران عام ١٩٧٥ كي يحاصر الجبهة الكردية ويضعفها. بعدها بقليل فقط ادرك الخطأ الفادح في اتفاقية الجزائر مع الشاه وتنازلاتها فشن حرباً ضد ايران انتهت بعد ٨ أعوام دون نتيجة. وبعقلية الحرب نفسها أراد تجربة أسلوب معالجة آخر فاجتاح الكويت، وبدأ خراب رهيب نلمس آثاره المؤلمة حتى هذه اللحظة.

سلسلة الأخطاء هذه لم تحصل قبل قرون، بل لا تزال جزءا من ذاكرتنا القريبة، ودرسها البليغ هو ان موازين القوة والضعف كما يتخيلها صاحب القرار لن تحل مشاكل “العائلة الواحدة” وليس أمامنا اليوم سوى استيعاب التجربة المحزنة، وأن نكون سعداء بامتلاكنا دستوراً وافق عليه ٨٠٪ من أبناء شعب العراق، واستنادا اليه يمكن ان نواصل دعم تفاهم وطني متماسك ينتهي بحل المشاكل.

هل استعرضت هذا المشهد التاريخي المحزن في لقائك الخاص بالمالكي؟

- قلت له: لقد كنت معنا في كردستان مرات عدة وفي خندق واحد ضد طريقة صدام حسين في ادارة البلاد، وليس صحيحا ان تكون بيننا هذه القطيعة، لذلك وقعنا اتفاقا لبدء حوار تستأنفه لجان الخبراء حول الخلافات الرئيسية. وحين جاء الىاربيل قمنا فعلا بتشكيل هذه اللجان ونأمل بأن تكون انطلاقة جدية، لا لحل مشاكل كردستان وحسب، بل لكي تتمخض عنها قواعد عمل تساعد في علاج باقي مشاكل البلاد.

لكن سلسلة الحروب التي استعرضتها تجعلنا نفكر احيانا بأن ١٠٠ عام من النزاعات والحروب تركتنا بلا مواهب تفاوضية كافية حتى لو اردنا ان نتحاور حقا، وحين نفشل بسبب ضعف امكانات التفاوض سنسارع الى ركوب الدبابة ثانية لأنه الأمر الوحيد الذي نعرف استخدامه (بمهارة نسبية).

إجمالا كيف راقبت مهارات الساسة العراقيين في صناعة التفاهمات والحلول، وهل تحسب انها تطورت خلال السنوات الماضية؟

- لدي امل كبير بأن الساسة يتذكرون كل لحظة معنى استخدام الدبابات والمقاتلات الحربية في العراق، وعجز تلك الترسانة عن صناعة أمة متآخية تتبادل مصالحها بشكل متحضر، لكن المشكلة ان بعض من يجلسون في المكاتب الحكومية في بغداد لم يتعلموا بعد المعادلة الجديدة التي تستبدل التاريخ الدموي بمعايير زمان مختلف.

المشكلة ان الجالسين في مكاتب حكومة بغداد يتصورون ان قوة الحكومة المركزية تتحقق حين تكون هي الممسكة بمفاصل كل شيء، والخطوة الاولى للحل هي ان يبدأوا بنسيان هذه المعادلة القديمة والتي ثبت انها غير مفيدة وتجر الويلات.

ما ينبغي ان نتذكره هو ان كردستان العراق انفصلت عن العراق بشكل نهائي بعد انتفاضة ١٩٩١ احتجاجا على طابع القمع في نظام صدام حسين، وبعد سقوطه عام ٢٠٠٣ مارسنا ما يشبه العودة الاختيارية الى العراق، ولم يجبرنا احد على هذا.

بعد ١٩٩١ اصبح لدينا برلمان منتخب وحكومة، لكننا قررنا العودة الطوعية الى العراق استنادا الى معادلة جديدة اسمها “العراق الجديد” ودستوره. ولا يتخيل احد اننا ذهبنا الى بغداد متسولين نستجدي الصدقات، بل كنا ولانزال شركاء حقيقيين في التأسيس المتواصل لنظام تعددي حديث.
صحيح ان وضعنا الاقتصادي لم يكن عام ٢٠٠٣ جيدا كما هو اليوم، لكن الأوضاع لم تكن بذلك السوء وكان بإمكاننا ان نعتمد على انفسنا ونتمسك بالانفصال الذي كان حقيقة قائمة من ١٩٩١ حتى ٢٠٠٣. وما شجعنا على الاندماج ثانية بالعراق هو وجود شركاء حقيقيين كانوا يعملون معنا سنوات طويلة ضد الدكتاتورية، ومنذ ذلك الوقت لم نتوان عن الاشتراك في كل التضحيات. فأيام كانت بغداد تشهد تلك الأوضاعالأمنية الصعبة كنا لا نتردد في إرسال شباب البيشمركة لمساعدة القوات الاتحادية داخل بغداد. وفي وسعي القول بأن البيشمركة شاركوا في كل العمليات الخاصة الكبيرة التي تمت ضد تنظيمات الارهاب. ولم نتردد في تلبية النداء كلما كان شركاؤنا في بغداد يطلبون العون في الايام الصعبة. وكان هذا جزءا من مسؤوليتنا التي نفخر بها ولا نمنّ على احد.


وفي بعض اللحظات شعرتم ان الحاكم في بغداد نسي هذا؟


- كلا، ولكنني اتحدث عن دلالات الشراكة الجادة التي نتمسك بها. وكل ما نريده هو ان تستوعب بغداد طبيعة الوضع الكردي. فطبقا للدستور كإقليم، لدينا وضع خاص يميزنا عن باقي محافظات البلاد، فبلادنا تتكون من قوميتين اساسيتين، العربية والكردية، ولهذا خصوصية لابد من اخذها بعين الاعتبار.

وحين ارسلناالبيشمركة للمشاركة في القتال الى جانب القوات الاتحادية، كنا ننتظر ان بغداد ستدرك المفهوم الجديد لشراكتنا، مع حفظ خصوصيتنا القومية، ولم نتوقع منهم ان يأتوا بعد ذلك ليقولوا ان البيشمركة لم تكن جزءا من منظومة الدفاع الوطني.

يقول خصومكم ان النسخة الفيدرالية المطبقة في كردستان متطرفة وغير مألوفة في العالم. ويقول بعض اصدقائكم انكم لم تبذلوا جهدا كافيا لتعريف باقي الشركاء بمستويات النموذج الفيدرالي في التجارب البارزة ومقارنة وضع كردستان به. وربما اضاع العراقيون وقتاً في الاختلاف على الفيدرالية، اكثر من الوقت الذي خصصوه لفهمها. كيف تتلقى هذه الملاحظة؟

- أولا ماذا نتوقع غير صعوبات الفهم خلال تحولنا الانتقالي هذا؟ اننا ننتقل ببطء من نظام بوليسي صارم وفظيع لم يكن فيه اي معنى للمشاركة السياسية، وبين ليلة وضحاها أفاق العراقيون على نموذج منفتح يطمح لاعتماد شروط حديثة، وقد شهدنا انتقالة زاويتها ١٨٠ درجة، حتى انفتح النظام السياسي الى درجة لن يمكن لأحد بعدها ان يعيد اغلاقه.

انااوافقك الرأي، فنحن كطبقة سياسية لم ننجح بما يكفي لتوضيح المفهوم الفيدرالي بوصفه اسلوب حكم، لا نزعة انفصال. ولا ننسى ان اعداء العملية السياسية شكلوا دعاية مضادة وبنحو ممنهج ضد الخيار الفدرالي.

لكن من جهة اخرى عليك ان تتذكر ايضاان السجال الوطني قطع شوطا في هذا الاطار، ولذلك يمكنك ان تلمس اليوم تفهما شعبيا افضل للمطلب الفيدرالي لم يكن متاحا قبل ٥ او ٦ اعوام. ايضا فقد بذلنا جهدا للتواصل مع الحكومات المحلية في محافظات مثل النجف، وعملنا معهم ليطلعوا بشكل تفصيلي على التجربة الفيدرالية هنا لإزالةاي سوء فهم، ولنقارن بين نتائج صيغتي حكم، واحدة تابعة للمركز في النجف وأخرى فيدرالية في كردستان.

دعنا نسمع منك توصيفا لمشكلة النفط في العراق، وهو اكثر خلاف يثير الحساسية مع بغداد؟
- النفط قصة حزينة جدا وغياب التدبير حاليا يهدر الثروة الكبيرة. ان الجالسين في مكاتب الحكومة ببغداد ينشغلون بقضايا خاطئة. انهم مشغولون بالتفكير في كيفية بسط الهيمنة على كل شيء، وأن كل شيء يجب ان يكون خاضعا للسيطرة من بغداد. وهذا امر شغل العقل السياسي كثيرا، عن القضايا الأكثرأهمية.

وعلى سبيل المثال فإننا نخوض ٣ معارك سياسية حتى نحصل على موازنة اقليم كردستان. واحدة داخل برلمان اربيل، والاخرى داخل مجلس وزراء العراق، والثالثة في برلمان العراق. وبينما يجري الأمر بسلاسة في الفدراليات المستقرة وتأخذ الاقاليم حصتها المعروفة، فإن قانون موازنة العراق يصبح بمثابة “قانون عقوبات” على اقليم كردستان، بسبب عقلية “السيطرة على كل شيء”.

هذا ما يتعلق بمحنة الفدرالية، اما الخلاف على النفط فأبدؤه بقضية مهمة ينبغي الانتباه لها. انني أسأل: هل هناك مشكلة قانونية ودستورية في موضوع النفط، أم ان طريقة تفكير بغداد بهذا الموضوع هي التي تنطوي على مشكلة؟

لدينا في كردستان نحو ٥٤ شركة نفط اجنبية تعمل في حقول النفط وبينها الشركات الكبرى المعتبرة وعمالقة البترول المعروفون، وهذه اطراف لا يمكن ان تقع في خديعة. ولدى كل من هذه الشركات جيش من المحامين وخبراء القانون على مستوى العالم، ولو شعروا ولو بمقدار أنملة، ان فهم كردستان الدستوري لمسألة النفط يواجه مشكلة قانونية، لما تورطوا بعمل غير قانوني معنا.

لقد قرر هؤلاء استثمار مبالغ كبيرة في كردستان لانهم درسوا الدستور العراقي جيدا وفهموا انه يمنح حق الإدارة للأقاليم المنتجة للنفط فيما يتعلق بالحقول التي لم تكن منتجة لحظة كتابة الدستور عام ٢٠٠٥. وفي النهاية فإن الأمور ستسير طبقا لقانون العراق، والعوائد المالية تذهب كلها الى الحكومة المركزية وسيربح الأكراد والعرب معا، ولن نأخذ منها سوى حصة ١٧٪، وما نطلبه هو حقنا في تحديد نهج ادارة هذه الحقول، واختيار الشركات الأفضل والظروف الأنسب لاستغلال الاحتياطي.

يبدو ان التواصل مع اطراف الحوار الاخرى كان يمكن ان يكون افضل، فأنتم تشتركون في جوانب مهمة مع البصرة مثلا في ملف النفط، اذ تطالب مراكز القوى هناك ايضا بتصحيح أسلوب إدارة النفط وضمان إشراكها في وضع سياسات الطاقة، وهكذا في باقي مناطق العراق المنتجة للنفط والغاز. الا تعتقدون ان التنسيق في هذا المجال مع الممثلين السياسيين للمحافظات العربية المنتجة للنفط، سيساعد على بلورة رؤية وطنية تخفف الحساسية القومية حول ملف الطاقة؟


- النفط في زاخواو البصرة هو ملك لكل شعب العراق وهذا لا خلاف عليه، لكننا نختلف حول طريقة ادارة الاحتياطي النفطي، ففي بغداد هناك من يريد السيطرة على كل التفاصيل، ونحن نقول لهم ان النفط الموجود في كردستان ملك لكل شعب العراق، لكن الدستور منح الحق لكردستان كإقليم فيه آبار جديدة، لكي نتولى نحن اختيار الشركات العاملة والاتفاق معها بشكل نعتقد انه سيطور صناعة النفط، وخيرها سيعود لكل العراقيين. ومن حق الحكومة المركزية ان تجلس معنا وتبحث قواعد العمل، لكن ليس من حقها ان تقول لنا افعلوا هذا ولا تفعلوا ذاك، طالما كان عملنا شفافا ووفق الدستور الذي رسم المعادلة الجديدة للحكم في العراق.
وإذا جرى حل هذا في البرلمان وتفهم الجميع حقوقهم، فسيصبح الوضع ملبياً لمطالب أهل البصرة والرمادي ودهوك معا، اذ سنكتب الصلاحيات القانونية بوضوح وفقا للمبدأ الدستوري.

وسيجري تثبيت امر قانوني لا يعطي بغداد حق الحديث بلغة تسلط لا مع أهل البصرة ولا دهوك، وعلى الحاكم ان يبحث عن لغة تواصل وشراكة بديلة لننتقل الى مرحلة جديدة من العدالة والمشاركة السياسية.

وفي الحقيقة ليس المالكي وحده مقصرا بشأن تشريع قانون النفط المهم، فالبرلمان مقصر ايضا، ويجب ان يكون هذا واضحا كي نتلافاه.

لكن بغداد تشتكي من عدم الاطلاع حتى على عقود النفط المهمة التي أبرمتموها مع الشركات الكبرى، لماذا لم تبادروا مثلا الىاشراك الحكومة المركزية في الملامح الأساسية لاتفاقاتكم على الأقل؟

- دعنا نكرر مرة اخرىان الدستور واضح في هذا الاطار. الآبار التي كانت منتجة لحظة كتابة الدستور تدار بطريقة مشتركة بين الأقاليم والمركز، اماالآبار الجديدة فيحق للاقليم ادارتها وفق رؤية حكومته. لكن البعض في بغداد يقولون أننا ابرمنا العقود مع عمالقة النفط في غرف مغلقة لا احد يعلم ماذا جرى فيها، وهؤلاء لا يريدون ان يلاحظوا ان الشركات التي تعاملنا معها لا تتنازل عن مبدأ الشفافية العالية، ولذلك قامت بنشر العقود امام الرأي العام، ونحن ايضا نشرناها على الملأ وهي موجودة على الموقع الالكتروني لحكومة كردستان.

ونحن في كردستان كذلك ندرك بشكل جيد ان النفط مثل السلاح، يمكن ان يقتل صاحبه اذا لم يحسن استخدامه، ولذلك كنا حريصين بشدة على ان تتطابق صفقاتنا مع معايير الدستور والقوانين العراقية، الى جانب حرص الشركات الأجنبية على ذلك أيضالأنها من النوع الذي لا يتورط إلا في الصفقات السليمة قانونيا، وهؤلاء لم يعملوا معنا إلا حين تأكدوا من حقنا الدستوري.


لكن لماذا لم “تسدوا الذريعة” وتقوموا بدعوة ممثلين عن حكومة بغداد ليحضروا مباحثات إبرام العقود النفطية، حتى لا يزعل احد، ورغم حقكم الدستوري في اتخاذ ما ترونه اصلح وأنسب لتطوير صناعة النفط في كردستان؟ ألم تحاولوا معهم يوما؟

- اذا أرادوا وأحبوا فأهلا وسهلا، وعلى عيني وعلى راسي. نحن نحترم نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقةالدكتور حسين الشهرستاني مثل كل وزراء الحكومة الاتحادية، لكن هذا لا يعني التخلي عن صلاحياتنا الدستورية. في بداية الأمر كنا ندعو بغداد للمشاركة لكنهم كانوا يرفضون حضور اتفاقاتنا.

ولماذا كانوا يرفضون؟

- في السنوات الاولى من التغيير كنا نذهب مرات ومرات الى بغداد لتحريك تفاهمات قوية حول هذا الموضوع وحول موضوعات أساسيةاخرى في مجال الطاقة، وكي لا نتصرف بدون تنسيق مع الحكومة الاتحادية، الى ان أصابنا اليأس ولم نلمس تجاوبا. فعدنا الى كردستان وقمنا بوضع مبادئ عمل وخططا مستقلة عن بغداد تجعلنا نكتفي في مجال إنتاج الطاقة الكهربائية وتوفير مشتقات النفط. ذلك لأننا في قيادة الاقليم لمسنا، مع الأسف ان نوع التفكير المسيطر في بغداد كان يريد استخدام الكهرباء ومشتقات النفط وغيرها من المسائل، لإخضاعنا والضغط علينا وحرماننا من التصور اللامركزي الهائل الذي اتفقنا عليه اثناء وضع الدستور. كما ان بغداد كانت باختصار لا تمتلك خططا واضحة للنهوض بهذه القطاعات.

كان المسؤولون في بغداد يريدون التحكم بكل شيء، بحيث يمكنهم ان يسارعوا الىإطفاء الكهرباء عن اربيل في أية لحظة، اذا لم يعجبهم شيء تقوم به كردستان. وهذه الرؤية ليست سياسة ولا إدارة.

عام ٢٠٠٥ عدت من بغداد وأنا مؤمن بأننا سنحتاج وقتا طويلا لجعل الحكومة المركزية تقتنع بمبدأ اللامركزية ونكون مهيئين لصناعة توافقات مناسبة. لذلك وضعنا سياسة تحقيق الاستقلال في مجال الطاقة، لا لنضمن امتلاك خطط صحيحة وحسب، بل بحيث لا يأتي احد ويمارس ضغوطه علينا متى شاء مستفيدا من تبعيتنا له في الكهرباء والبنزين وغير ذلك من القضايا الحيوية. ولذلك نجحنا وتقدمنا. فعام ٢٠٠٥ لم تكن لدى الاقليم ، سوى ساعتي كهرباء كل يوم، اماالآن فالتيار متوفر ٢٤ ساعة تقريبا. وهذا لم يكن ممكناًالا بفضل إدراكنا لضرورة ان نتصرف وفق خطط منفصلة عن طريقة عمل بغداد، وكان من الواضح ان طريقة العمل في عاصمة العراق مليئة بالأخطاء، وهذا يمكن ان يوضح لكم، لماذا سرنا بشكل مستقل في ملف صناعة النفط وتطوير الحقول.

لقد كان بإمكان إخوتنا في بغداد ان يبرموا اتفاقا واضحا معنا عبر تشريع قانون النفط، ويكونوا مطلعين وحاضرين ضمن اتفاقاتنا مع الشركات الكبرى. لكنهم رفضوا بشدة وأرادوا التحكم بمصير حقول النفط في كردستان.

واليوم ايضا، وبعد كل ما جرى نحن مستعدون لاطلاعهم على كل التفاصيل، فليس لدينا شيء نخفيه، وأهلا وسهلا بهم وعلى عيني وعلى راسي، شريطة ان يكتفوا بالمطالبة بتوفر الشفافية، ويتركوا فكرة انهم يجب ان يسيطروا على هذه الاتفاقات ويحددوا لنا ما نفعل وما لا نفعل.

لم يكونوا يرغبون بمجرد الحضور والاطلاع خلال الاتفاقات لنضمن مبدأ الشفافية، بل أرادواان يأخذوا الاتفاقات ويقوموا بدراستها ليقرروا هل هي صائبة ام يجب إلغاؤها، وهذا مستحيل ولن نوافق عليه والدستور الى جانبنا.

اذن انتم تشعرون ان السماح لبغداد برسم سياسة الاقليم في مجال الطاقة والمجالات الحيوية الاخرى، كالكهرباء او توفير الوقود، سيؤدي الى تلكؤ صناعة النفط والتراجع في مجال الكهرباء وغير ذلك. ولهذا تصرون على ان يكون لديكم خطط عمل منفصلة ومدروسة يمكن ضمان نجاحها؟
- انا لا أريد ان اقول الاشياء بهذه الطريقة، لكن على العراقيين ان يشعروا بأن كردستان جزء من العراق وأن اي تطور يشهده الاقليم فهو في مصلحة عموم العراق.

أننا جزء من العراق ولا شك، وحين تظهر مشكلة في أية منطقة من البلاد فإننا نتأثر بها مباشرة، وحين تضرب الاعتداءات الإرهابيةاي منطقة عراقية فإننا نكون جزءا من الشعور العراقي العام بالخطر.

وليس من السهل علينا ان نقول ان كردستان تطورت بينما ظل باقي العراق متراجعا، فهذا امر لا يسعدنا، لأن تطور باقي اجزاء العراق سيعود بالنفع المباشر على كل وضعنا في إقليم كردستان.
ولكن المشكلة هي ان الأخوة في بغداد وبعد مرور ١٠ سنوات على التغيير، لم يفرغوا من وضع خطة تليق بمستقبل البلاد كي يمكن لكردستان تعزيز العمل المشترك والقيام بالتنسيق المطلوب مع الحكومة الاتحادية. وفي ملف الطاقة لدينا ملاحظات كثيرة على طريقة عمل بغداد، ووضع إنتاج الكهرباء خير دليل على ان هناك خطأ كبيراً، اذ لا يعقل ان تبقى الطاقة سيئة رغم انفاق مبالغ طائلة عليها. وهذه كارثة تجعلنا نشعر بحزن شديد وأسف لضياع فرص تقدم العراق، ويتملكنا الأسى حين نرى مدينة مثل بغداد غارقة في الظلام وتعاني نقص الطاقة، مع أنها عاصمة بلد لديه ثروات طائلة.

ولكن وبمجرد ان نقوم بالإدلاء بملاحظات نقدية على خطط بغداد، يرد علينا البعض بالقول: انتم تتحدثون بهذه اللهجة وتبررون وضع خطط منفصلة، رغبة في الانفصال!

بينما يستحق أخوتنا في كل مكان، حياة افضل وخططا مضمونة النجاح، لان الشعب عانى كثيرا وهو يستحق مصيرا احسن يعوضه.