وسط حي سكني عشوائي يضم عشرات المنازل المتواضعة قرب منطقة كاطون الرازي غربي مدينة بعقوبة، تبرز شخصية "نونو" الطفل ذو السبعة أعوام، وهو يقود مجموعة من أقرانه مسلحين ببنادق بلاستيكية تطلق كرات حديدية، يجوبون شوارع الحي.
بندقية "أم الصجم" كما تسمى شعبياً في العراق، هي اللعبة الأكثر شعبية لدى أغلب الأطفال خاصة في الأعياد والمناسبات، حيث يتبادلون فيما بينهم إطلاق الكرات الحديدية الصغيرة "الصجم" على بعضهم البعض، وعلى الرغم من الحوادث الكثيرة التي تتسبب بها هذه اللعبة وأبرزها تلف أو فقدان البصر في إحدى العينين لبعض الأطفال، إلا أنها ما زالت تلقى رواجاً بينهم.
اللهو بالبنادق
ويقول الطفل نور محمد الملقب بـ"نونو"، الذي كان يحمل بيده بندقية من هذا النوع، "البنادق هي لعبتنا المفضلة في العيد، نحن ندخر العيدية لشرائها والتفاخر بها".
ويوضح في حديثه لـ"السومرية نيوز"، أنه ورفاقه ليسوا عصابة أطفال "بل شلة تحب اللهو واللعب وقضاء العيد في منطقتنا الفقيرة هذه والتي لا تحوي متنزهات أو أماكن ترفيهية، لذلك لم يبقى أمامنا سوى البنادق وإطلاق الصجم في الهواء للتعبير عن فرحة بقدوم العيد".
نعيمة هشام، ربة منزل تبلغ من العمر (45 عاماً)، بدت مستاءة جداً من "نونو" وعصابته كونه قام بضرب ابنها ومزق قميصه بمساعدة رفاقه، لكن نونو دافع عن نفسه قائلا "ابنها قام بسبّي ورمى عليّ حجارة".
وتتابع هشام "نونو وعصابته يثير رعب الأطفال بسبب كثرة مشاكله"، إلا أنها تتراجع عن غضبها وتقول "لكننا نتحمله لأنه يتيم، وأباه كان رجلا شهما وأمه إنسانة طيبة، كما أننا نعتبره مثل أودلانا لذا نتحمل مشاكساته المتكررة".
ضحايا العنف والفقر
خميس مزاحم، وهو رجل طاعن في السن على صلة قرابة بالطفل "نونو"، يؤكد أن "نونو طفل مشاكس جداً وعدواني في تصرفاته، بل أنه يحث رفاقه الأطفال على اختلاق المشاكل التي تتصاعد وتيرتها خاصة مع حلول الأعياد والمناسبات".
ويشير مزاحم إلى أن والد "نونو" قتل في تفجير قبل أربع سنوات ما "تسبب بضرر نفسي لنور، إضافة إلى أنه يعيش في منطقة فقيرة جداً تنعدم فيها أبسط مقومات الحياة"، مضيفاً "ليس لدى أطفال هذا الحي من وسائل ترفيه سوى البنادق البلاستيكية للتعبير عن فرحهم بالعيد".
ويؤيده بذلك مجيد خالد الذي يسكن منزلاً مجاوراً لبيت "نونو"، مبيناً أن "المنطقة تعاني من الإهمال في الجوانب كافة، كما أنها في حالة أمنية غير مستقرة، لذا فأن عدوانية بعض الأطفال انعكاساً للواقع المرير".
وينبه خالد إلى أن "المشكلة ليست في نونو، بل في جيل كامل من الأطفال الذين لا مستقبل حقيقي لهم والجميع يهملهم"، متسائلا "ما هو مصير هؤلاء الأطفال في ظل دوامة الطائفية والعنف التي تعصف بنا يوميا".
العنف والحرمان
مصعب عمر الخالدي، يعمل في إحدى الدوائر الحكومية بصفة أجير يومي، يسكن في أطراف الحي العشوائي، يرى أن "نونو" وغيره من الأطفال الصغار "ضحايا لواقع مرير يعيشه آلاف الأطفال ممن يسكنون العشوائيات وهم محرومون من كل شي في الحياة تقريبا".
ويحذر من أن "الفقر يخلق العدوانية والشر في نفوس الأطفال الذين يحاولون التعبير عن ذاتهم من خلال حمل البنادق ومحاكاة ما يشاهدونه في وسائل الإعلام وخاصة المسلسلات التي تروج للعنف بعناوينه المختلفة".
ويلفت الخالدي إلى أن "نونو يمثل شخصية أطفال العشوائيات بما فيها من مشاكسة وإثارة مشاكل"، مضيفاً "ما يثير مخاوفي هو كيف سيكون الحال في المستقبل".
أما باسم حميد، وهو حارس مدرسة قريبة من الحي العشوائي، فيقول "أول أمس رأيت أطفالاً صغاراً يحملون بنادق بلاستيكية يحتجزون طفلاًً من شارع آخر في الحي نفسه، وقاموا بضربه ضرباً مبرحاً وكانوا يتصرفون وكأنهم مجموعة مسلحة".
ويقول حميد "فوجئت بتصرفات هؤلاء الأطفال وشعرت بالخوف مما يحمله المستقبل لهم وهم يحملون هذا العنف بداخلهم"، مستدركاً "بالرغم من أن تصرفاتهم مجرد مشاكسات أطفال لكنها تثير القلق".
مشاريع إجرامية واعدة
الباحث الاجتماعي ظافر اللهيبي يعتبر أطفال العشوائيات "مشاريع حقيقية للجريمة والعنف لأنهم محرمين من كل شيء"، محذراً من أن الجماعات المسلحة "تنشط في بعض العشوائيات وتعمد إلى استغلالهم لإثارة أعمال العنف".
ويحمل اللهيبي الحكومة مسؤولية ذلك قائلاً "هناك إهمال حكومي حقيقي لهؤلاء الأطفال في الجوانب كافة".
ويضيف "شخصية نونو تعبر عن الطفل المشاكس المثير للمشاكل وهي حالة ستتطور وقد ينتهي به المطاف ليتحول إلى مجرم مستقبلاً ما لم يتم احتوائه"، مؤكداً أن "أغلب أطفال العشوائيات يشعرون بالإحباط واليأس لذا يمارسون طقوس العيد من خلال اقتناء الأسلحة".
ويوجد في مدينة بعقوبة مركز محافظة ديالى، أكثر من 6 مناطق سكنية عشوائية أنشئت بعد عام 2003، وتضم مئات المنازل لعوائل تعاني فقرا مدقعا، وتفتقر هذه العشوائيات إلى الخدمات الأساسية كافة.
المصدر / السومرية نيوز/ديالى