بدأت السلطات السعودية بتفكيك بعض اجزاء أعظم المساجد الاسلامية ضمن عملية توسيع مثيرة للجدل، حيث ستكلف عدة مليارات من الدولارات. وتكشف صور حصلت عليها صحيفة الإندبندنت عن عمليات ثقب وحفر بآليات كبيرة لهدم بعض المباني العثمانية والعباسية في الجانب الشرقي من المسجد الحرام بمكة. فالحرم المكي الذي يضم المسجد هو أقدس موقع اسلامي لأنه يضم الكعبة، التي يتوجه اليها جميع المسلمين عند الصلاة. والاعمدة العثمانية والعباسية هي آخر الاقسام الباقية من المسجد، الذي يعود تاريخه الى عدة قرون ويشكل المحيط الداخلي لجوانب الارضية الرخامية البيضاء المحيطة بالكعبة.
الصور الجديدة التي ظهرت خلال الاسابيع القليلة الماضية أثارت قلق علماء الآثار، حيث تم التقاطها عندما كان الامير تشارلز؛ الداعم منذ وقت طويل لحفظ الارث الأثري؛ قد استقل الطائرة في زيارة الى السعودية بصحبة دوقة كورنول. كان العديد من الاعمدة العثمانية والعباسية منقوشة بخط عربي معقد يثبت أسماء أصحاب النبي محمد واللحظات الرئيسية في حياته. أحد الاعمدة التي تعرضت للهدم يفترض أنه يحدد البقعة التي بدأ منها النبي محمد رحلته السماوية على حصان مجنح ليأخذه الى القدس ومن ثم عرج به الى الجنة في ليلة واحدة، وفق التصور الإسلامي للرحلة.
وكانت السعودية قد بدأت مشروع توسيع ضخم يتناسب مع العدد المتزايد من الحجاج الذين يقصدون المدينتين المقدستين مكة والمدينة كل سنة. ورصدت مليارات الدولارات لزيادة توسعة المسجد الحرام والمسجد النبوي في المدينة الذي يضم مدفن النبي محمد. وعيّن الملك عبد الله رجل الدين والامام الوهابي البارز عبد الرحمن السديس مسؤولا عن عملية التوسيع، فيما فازت بعقد البناء مجموعة "بن لادن"، إحدى أكبر المؤسسات في البلاد. ولا يوجد اتفاق على الحاجة لتوسعة الحرم، فقد اتهم المنتقدون النظام السعودي بالإزدراء المتعمد لتراث الاسلام الاثري والتاريخي والثقافي. وخلال العقد الماضي تحولت مكة من مدينة صحراوية متربة الى حاضرة محاطة بناطحات سحاب تطل على المسجد الحرام ومليئة بعدد ضخم من مولات التسوق والشقق الفخمة وفنادق الخمسة نجوم.
لكن هذه التحولات كان لها ثمنها. إذ يقدر معهد الخليج الذي مقره في واشنطن بأن 95 بالمئة من أجزاء مكة التي يعود تاريخها الى ألف سنة قد أزيلت خلال العقدين المنصرمين فقط، وضاعت عشرات المواقع التاريخية الرئيسية التي ترقى الى زمن ظهور الاسلام، ويسعى علماء الآثار والاكاديميون للحفاظ على القليل المتبقي وتشجيع السلطات على الحفاظ عليه.
يقف العديد من كبار الوهابيين بشدة ضد الحفاظ على المواقع الآثارية الاسلامية ذات العلاقة بالنبي لأنهم يعتقدون بأنها تشجع على الشرك (خطيئة عبادة الاصنام). لكن الدكتور عرفان العلوي المدير التنفيذي لمؤسسة بحوث التراث الاسلامي التي حصلت على الصور الجديدة من داخل المسجد الكبير يقول بأن إزالة الاعمدة العثمانية والعباسية ستجعل الاجيال القادمة من المسلمين جاهلة بدلالاتها، وقال: "إنها قضية مهمة لأن العديد من هذه الاعمدة تحدد مناطق معينة من المسجد كان النبي قد جلس فيها، وصلّى عندها. لقد تم محو التسجيل التاريخي، ولن يكون عند المسلم الجديد مفتاح لاستيعاب التاريخ، لأنه لا يوجد شيء يحدد هذه المواضع الآن. كما توجد طرق يمكن عبرها توسيع مكة والمدينة، وفي الوقت نفسه يمكن حماية التراث التاريخي للمسجد نفسه والمواقع المحيطة به".
هناك مؤشرات بأن الملك عبد الله قد أخذ بنظر الاعتبار القلق من تدمير الاماكن التاريخية في مكة والمدينة. ففي تشرين الاول الماضي كشفت الإندبندنت أن الخطط الجديدة للمسجد النبوي ستؤدي الى تهديم ثلاثة من أقدم المساجد في العالم، في الجانب الغربي من المجمع الرئيس. وقد برهنت إشارات جديدة من الملك عبد الله على تراجع هذه الخطط ليتحول معظم التوسيع الآن الى الشمال من المسجد النبوي. مع ذلك ما تزال مواقع رئيسية في خطر. إذ حصلت الإندبندنت على عرض استخدمه السعوديون يظهر كيف سيبدو توسيع المسجد الحرام. وفي إحدى الصور يظهر بيت "المولد"، المنطقة التي تضم بيت ولادة النبي محمد، يتوجب إزالته إن لم تتغير الخطط. وإتصلت الإندبندنت بالسفارة السعودية في لندن بشأن خطط التوسيع وسبب عدم بذل المزيد من الجهود للحفاظ على المواقع التاريخية الرئيسية فأجابت السفارة: "شكرا لإتصالكم, ولكن لا تعليق".
عن الإندبندنت