رتفعت معدلات الإنتحار بين الأميركان ذوي الأعمار المتوسطة بشكل حاد في العقد الماضي، مثيرة المخاوف من أن جيلا من مواليد الزيادة الفجائية (مواليد الولايات المتحدة بين عامي 1946 و1964) الذين واجهوا قلقا إقتصاديا وشاع بينهم استخدام الادوية المسكنة ربما يكونون بشكل خاص عرضة لأذى النفس أكثر من غيرهم.
وحسب تقرير مراكز السيطرة والوقاية من الأمراض، والذي نشر مؤخرا، فإن أرقام الوفيات بسبب الإنتحار تقدر بأعلى من وفيات حوادث السيارات، إذ سجلت نحو 38 ألف حالة 34 ألف وفاة جراء حوادث الإصطدام.
وينظر للإنتحار بوصفه مشكلة تشمل المراهقين والكهول، فيما يعتبر اشتداد معدلات الإنتحار بين أصحاب الأعمار المتوسطة من الاميركان أمرا مثيرا للدهشة.
وفي الفترة ما بين 1999 و2010، ارتفع معدل انتحار الأميركان بين أعمار 35 و64 سنة إلى حوالي ثلاثين بالمئة، حيث ارتفعت نسبة الوفاة من 14 إلى 18 تقريبا لكل مئة ألف فرد. ومع أن معدلات الإنتحار تتزايد بين كلا الجنسين من ذوي الأعمار المتوسطة، فان أعداد الرجال المنتحرين أكثر بكثير من النساء المنتحرات، إذ كان معدل إنتحار الرجال 27 لكل مئة ألف فرد، بينما كانت ثماني نساء لكل مئة ألف فرد.
ولقد لوحظت الزيادات الأكثر وضوحا بين الرجال في العقد السادس من أعمارهم، حيث قفزت معدلات الإنتحار فيها بنحو 50 بالمئة لتصل إلى حوالي 30 وفاة لكل مئة ألف.
أما النساء، فقد لوحظ أكبر زيادة لديهن بين المسنات ذوات الأعمار 60 إلى 64 سنة، حيث إرتفعت بينهن المعدلات إلى حوالي 60 بالمئة، بمعدل سبع وفيات لكل مئة ألف إمراة.
تفسير ارتفاع الانتحار
قد تكون معدلات الإنتحار عسيرة على التفسير بسبب اختلاف طرق تسجيل المسؤولين المحليين لأسباب الوفاة، إلا أن مراكز السيطرة والوقاية من الأمراض والأبحاث الأكاديمية تؤكد ثقتها بتوثيق بيانات الوفيات التي تسجل إرتفاعا مثيرا للإنتباه بواسطة الإنتحار. ومع عدم اصدار تقارير منتظمة عن هذه الظاهرة، فإن الارقام الحالية تعد بسيطة للغاية.
تقول جولي فيليبس، أستاذة علم الاجتماع في جامعة روتجيرز والتي نشرت دراسة حول إرتفاع معدلات الإنتحار: “الأرقام الواردة في التقارير هي أقل بكثير مما موجود، إذ علمنا أن التسجيل لا يشمل جميع حالات الانتحار!.”
وتعتبر الأسباب المؤدية للانتحار غالبا معقدة، ويقر المسؤولون والباحثون بعدم امكانية توضيح ما يقف وراء هذا الارتفاع بشكل مؤكد؛ غير أن مسؤولي مراكز السيطرة والوقاية من الأمراض يذكرون عددا من التفسيرات الممكنة، منها أن المراهقين في هذا الجيل أظهروا أيضا معدلات انتحار أعلى، بالمقارنة مع جماعات عمرية أخرى.
أما كبار السن، فتقول إيليانا إيرياس، نائبة مدير مراكز السيطرة والوقاية من الأمراض أنها تسجيل المعدلات الأعلى للانتحار بين مجموعة مواليد الزيادة الفجائية، يؤشر لخلل يواجه هذه الفئة العمرية قد يتعلق بطريقة تفكيرهم في أمور الحياة، وخياراتهم المعيشية وتشابه ظروفهم العامة التي من المحتمل أنها تحقق فارقا معينا لا يشعر به ذوو الفئات العمرية الأخرى.”
وربما نشأ الارتفاع في معدلات الانتحار أيضا من الركود الاقتصادي طوال العقد الماضي.
من الناحية التأريخية، ترتفع معدلات الانتحار خلال فترات الضغوط والتوقفات الاقتصادية. وتقول إيرياس: “يتوافق ارتفاع نسب الانتحار مع التراجع في الوضع المالي بالنسبة لكثير من العوائل على امتداد المدة الزمنية نفسها.”
وربما يكون العامل الآخر وراء الارتفاع هو التوفر الكبير للعقاقير المخدرة وسهولة الحصول عليها من الصيدليات، كما في عقاري اوكسي كونتين واوكسي كودون، المعروفين بالسمية العالية خصوصا إذا كانت الجرعات كبيرة.
التسمم والشنق
ومع إن أغلب حالات الانتحار ما زالت تنفذ بإستخدام الأسلحة النارية، يشير المسؤولون إلى وجود زيادة واضحة في الانتحار بواسطة التسمم، والتي تتضمن تناولا مفرطا لجرعات أدوية صرفت بوصفات طبية، كما كان هناك زيادة في حالات الشنق. وارتفعت وفيات التسمم بما نسبته 24 بالمئة طيلة فترة العقد الماضي، بينما كانت النسبة 81 بالمئة لإرتفاع حالات الشنق.
ولاحظت إيرياس بان معدلات الانتحار الأعلى ربما تكون نتيجة لسلسلة من الظروف الحياتية والمالية التي تعتبر فريدة من نوعها بالنسبة إلى جيل الزيادة الفجائية، فالرجال والنساء في تلك المجموعة العمرية غالبا ما يخضعون لضغوط الاعتناء بآباء مسنين بينما هم ما زالوا، في الوقت نفسه، يمدون أبناءهم الراشدين بالدعم المالي ويغمرونهم بعاطفتهم الأبوية.
وتضيف إيرياس: “تتميز حياة تلك المجموعة بإختلاف قليل عما كانت عليه في الماضي، فمن المحتمل أنهم لم يكونوا أكثر حساسية أو لديهم نزوع للانتحار، ولكن لأنهم ربما يواجهون مخاوف أكثر.”
ويشير بحث تمهيدي إجري في جامعة روتجيرز بأن خطر الانتحار من غير المرجح أن يتراجع في الأجيال القادمة، فالتغيرات في الزواج والانعزال الاجتماعي وتغير الأدوار العائلية تعني أن الضغوط العديدة التي واجهها جيل الزيادة الفجائية سوف تستمر منتقلة إلى الجيل القادم، بحسب فيليبس.
تواصل فيليبس قائلة: “كان لدى هذا الجيل تطلعات رائعة لما يحتمل أن تكون عليه حياتهم، لكنني أعتقد بأنها ربما لم تنجح في ذلك الإتجاه. فجميع الظروف التي يواجهها أبناء الزيادة المفاجئة ستواجه المجاميع العمرية القادمة العديد منها أيضا مستقبلا.”
كانت نانسي بيرلينر، وهي مؤرخة من بوسطن، قد فقدت زوجها، البالغ من العمر 58 سنة، جراء انتحاره قبل عامين تقريبا، وتقول بأنه في الوقت الذي كانت فيه أسباب انتحاره معقدة، فهي ترغب بتوجيه المزيد من العناية والدعم لعوائل المنتحرين، وتعلق: “يمكن لحالة انتحار واحدة أن توحي للآخرين، لسوء الحظ، بالنظر للانتحار كخيار يمكن تجربته. ومن المهم أن يناقش المجتمع هذا الموضوع بصدر منفتح، لكي لا يتأثر الآخرون بهذه الندبة.”
تارا باركر/ عن صحيفة نيويورك تايمز الأمي