سؤال: نسمع أحياناً بوجود إنجيل يُسمّى « إنجيل برنابا »، فما هي قصّة هذا الإنجيل ؟
جواب: ذكر التاريخ أنّ الپاپا جلاسيوس الأوّل، الذي جلس على الأريكة البابوية سنة 492 م، أصدر أمراً بتحريم قراءة عدد من الكتب، وذكر في عِدادها: « إنجيل برنابا ».
ومن هذا نفهم أنّ إنجيل برنابا كان معروفاً حتّى ذلك العهد، غير أنّ المعروف في تلك العهود القديمة أنّ الكتب الدينية الرئيسية لم يكن مسموحاً للعامة بقراءتها، بل كانت حكراً على كبار رجال الدِّين وحدهم! ونفهم أيضاً أنّ في إنجيل برنابا تعاليمَ مخالفةً لهذه التعاليم التي اعتمدتها الكنيسة في ذلك الوقت.
وفي كتاب « إكسيهومو » المطبوع في لندن سنة 1813 م، ورد فهرست للكتب التي ذكر المشايخ من قدماء المسيحيين أنّها تُنسَب إلى المسيح وأتْباعه، وعَدّ من هذه الكتب: إنجيل برنابا. والمستشرق سايل ذكر في مقدّمة ترجمته للقرآن الكريم أنّ الراهب اللاّتيني « فرامرينو » ذكر أنّه وجد رسائل للقدّيس « إبرينايوس » من الجيل الثاني للمسيح، وفي جملتها رسالةٌ يندّد بپولص ويذمّه، ويسند تنديده إلى إنجيل القدّيس برنابا، فصار الراهب المذكور شديد الشوق إلى العثور على هذا الإنجيل، وتوفّق أخيراً للعثور عليه في مكتبة الپاپا سكتس الخامس.. كان ذلك في أواخر القرن السادس عشر الميلادي.
ثمّ ظهرت لهذا الإنجيل نسخة إيطالية سنة 1709 م، ثمّ عُثر في وقت قريب من هذا التاريخ على نسخة أسپانية لإنجيل برنابا، نقلها الدكتور منكهوس إلى اللغة الانجليزية، ودفع الأصل مع الترجمة إلى الدكتور هويت سنة 1784 م. ثم شاع خبر هذا الإنجيل في القرن الثامن عشر نفسه، ولم تُعرَف لإنجيل برنابا نسخة عربية، ولا ذُكر اسمه في تاريخ العرب والمسلمين على الإطلاق حتى قام الدكتور خليل سعادة بترجمته إلى العربية سنة 1908 م.
مَن هو برنابا ؟
جاء ذكره في العهد الجديد، فقالوا: إنّ اسمه يوسُف، أو يُوسى، ثم سمّاه الرسل « برنابا » أي ابن الوعظ. وأصله لاويٌّ قبرصي، كان له حقل باعه وأتى بالدراهم إلى الرسل وقد أرسله الرسل ليجتاز إلى أنطاكية للوعظ والتثبيت على الإيمان بالمسيح، وكان رجلاً صالحاً وممتلئاً من روح القدس والإيمان.
خلاصة العقائد والموقف من پولص في إنجيل برنابا
يقول برنابا في مقدّمة كتابه: « إنّ الله العظيم افتقَدَنا في هذه الأيام الأخيرة بنبيّه يَسُوع المسيح، برحمةٍ عظيمة للتعليم والآيات التي اتّخذها الشيطان ذريعة لتضليل كثيرين بدعوى التقوى، مبشّرين بتعليم شديد الكفر، داعين المسيح ابنَ الله! ورافضين الخِتان الذي أمر الله به دائماً، مجوِّزين كلَّ لحم نجس! الذين ضلّ في عدادهم أيضاً پولص، الذي لا أتكلّم عنه إلاّ مع الأسى ».
وقال في آخره: « فإنّ فريقاً من الأشرار المدّعين أنّهم تلاميذ، بشّروا بأنّ المسيح مات ولم يَقُم، وآخرين بشّروا بأنّه مات بالحقيقة ثمّ قام، وآخرين بشّروا ولا يزالون يبشّرون بأنّ يَسوع هو ابنُ الله! وقد خُدِع في عدادهم پولص ».
إنجيل برنابا وذِكر الرسول محمّد صلّى الله عليه وآله ( انجيل برنابا:63، الفصل 11، الفقرة 29، و 69 والفصل 44، الفقرة 19 ).
من بين الأناجيل الأربعة تفرّد إنجيل يوحنّا بردّ قصة العشاء الأخير للمسيح قبل القبض عليه، ووصيّته في هذا العشاء، فأفرد لها أربعة إصحاحات ( من 14 ـ 17 ). وتُركّز هذا الوصايا على اتّباع الرجل الآخر الذي سيبعثه الله بعد المسيح، ويسمّيه إنجيل يوحنا الفارَقْليط paraciete وقد كتبه يوحنّا باليونانية، وتُرجِمت هذه المفردة بالمُخلِّص والمُعزّي، كما تعني أيضاً « مَن له الحمدُ الكثير » أي الأحمد والمحمّد. أمّا نصوص يوحنّا حول الفارقليط، فهي:
ـ قال يسوع: « إذا كنتم تحبّونني فستعملون على اتّباع أوامري، وسأُصلّي للأب الذي سيُعطيني فارَقْليطَ آخر » ( 1، 15، 16 ).
ـ و « رحيلي فائدة لكم، لأنّني إذا لم أرحل فالفارَقْليط لن يأتيَ إليكم » (16).
ـ و « عندما يأتي روح الحقيقة سيجعلكم تَرقَون إلى الحقيقة بكاملها، لأنّه لن يتكلم بإرادته، وإنّما سيقول ما يسمع، وسيعرّفكم بكلِّ ما يأتي، وسيمجّدني » ( 16 ).
هذه الوصايا كلّها، بل الحديث الذي تضمّنها كلّه، ليس له أثر في الأناجيل الثلاثة السابقة ( موريس بوكاي:132 ـ 136 ).
أمّا إنجيل برنابا فعلى العكس من ذلك، جاءت فيه الصورة أكثر وضوحاً عندما تحدّث عن هذا الفارقليط باسمه الحقيقي، لا بوصفه، وقد اختصّ الفصل ( 163 ) منه بهذا الموضوع، والذي ابتدأ بحديث المسيح مع تلاميذه بعد صلاة الظهيرة، حيث جلس بجانب نخلة، وجلس تلاميذه تحت ظلّ النخلة، فابتدأ يحدّثهم حول الإنسان المصطفى « الذي تَتطلّع إليه الأمم، والذي تتجلّى له أسرار الله تجلّياً »، « فطُوبى للذين سيُصغَون السمع إلى كلامه متى جاء إلى العالم ».
أجاب التلاميذ: يا معلم، مَن عسى أن يكون ذلك الرجل الذي تتكلّم عنه، والذي سيأتي إلى العالم ؟ أجاب يسوع بابتهاج قلب: « إنّه محمّدٌ رسول الله، ومتى جاء إلى العالم فسيكون ذريعةً للأعمال الصالحة بين البشر بالرحمة الغزيرة التي يأتي بها، كما سيجعل المطرُ الأرضَ تُعطي ثمراً بعد انقطاع المطر زمناً طويلاً، فهو غَمامةٌ بيضاء مُلِئت برحمة الله، وهي رحمة ينثرها الله رذاذاً على المؤمنين كالغَيث » ( إنجيل برنابا:252، الفصل 163 ).
وليس هذا هو النصَّ الوحيد في إنجيل برنابا عن البشارة بنبيّ الإسلام صلّى الله عليه وآله، بل فيه نصوص متقدّمة عن السيد المسيح، ذكرها برنابا وحده ( إنجيل برنابا، الفصل 11، الفقرة 29، والفصل 44، الفقرة 19 ).
( عن كتاب: في مقارنة الأديان ـ نظرة سريعة في التوراة والإنجيل والقرآن، للدكتور صائب عبدالحميد:73 ـ 77،ـ من سلسلة المعارف الإسلامية، نشر: مركز الرسالة، الطبعة الأولى سنة 1425 هـ ـ قمّ المقدّسة ).