(( الولاية وكالة قانونية تستمد وجودها من القانون مباشرة كما في ولاية الأب، أو من عقد الوصاية كما في ولاية الوصي، أو من قرار قضائي كما في القيم، ففي نطاق تنظيم أحكام تلك الأنظمة، وترتيب الأولياء فيها، كان القانون مترنحاً بين توسيع دائرة الأولياء وبين التضييق من نطاقها.
فأورد المشرع في القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 وفي المادة (102) ترتيباً معينًا للأولياء على المحجورين لصغر أو لغيره، فنص على انه: (( ولي الصغير أبوه ثم وصي أبيه ثم جده ثم وصي الجد ثم المحكمة أو الوصي الذي نصبته المحكمة )). فالولاية تكون للأب أولا ثم وصيه المختار ثم لجده ووصي الجد، وأخيراً تكون المحكمة ولياً لمن لا ولي أو وصي له، وبولايتها العامة يمكن ان تنصب وصيًا عنها، وبهذا يكون القانون المدني قد اخذ هنا برأي المذهب الحنفي في ترتيب الأولياء.
إلا ان ذلك لا يتفق مع ما جاء به قانون رعاية القاصرين الذي جاء بحكم مغاير للحكم السابق، فقد نصت م/27 من هذا القانون على انه: (( ولي الصغير هو أبوه ثم المحكمة )) فولي الصغير على وفق قانون رعاية القاصرين هو الأب ثم المحكمة. فما هو النص الواجب التطبيق ؟
ان العبرة بالنص الوارد في قانون رعاية القاصرين وذلك بوصفه نصاً خاصاً قياساً الى القانون المدني الذي هو قانون عام والقانون الخاص يقيد العام، يزداد على هذا ان المادة (106) من قانون رعاية القاصرين نصت على عدم العمل بأي قانون تتعارض أحكامه مع الأحكام التي جاء بها هذا القانون الذي أعطى الحق في الولاية للمحكمة مباشرة بعد الأب، فابتدع بذلك حكما قريبًا من رأي الفقه الحنبلي والمالكي اللذين أعطيا ترتيب الولاية للقاضي بعد الأب.
لذا كان الترتيب الذي يجب العمل به هو الترتيب الذي جاء به قانون رعاية القاصرين ، إلا ان ذلك لا يعني بالمقابل عدم أحقية الوصي المختار من قبل الأب في الولاية فلو كان للقاصر وصي مختار صحت وصايته، فهو امتداد لشخصية الأب وله الحق بذلك في الولاية على مال القاصر ومصالحه ثم يأتي وصي المحكمة التي تعد ولياً تالياً في المرتبة بعد الولي، فيستمد وصيها سلطاته منها كما هو الحال في وصي الأب.
وهذا ما نصت عليه المادة (34) من قانون رعاية القاصرين حيث نصت على انه:(( الوصي هو من يختاره الأب لرعاية شؤون ولده الصغير أو الجنين ثم من تنصبه المحكمة، على ان تقدم الأم على غيرها على وفق مصلحة الصغير فان لم يوجد احد منهما تكون الوصاية لدائرة رعاية القاصرين حتى تنصب المحكمة وصياً )) وهذا يجعلنا نستنتج جملة من الملاحظات:-1- الولاية أولاً تكون للأب على القاصر وأمواله بوصفها أكثر الناس شفقة ورحمة بالصغير، فولاية الأب ولاية شرعية ثابتة وملزمة كما أوردنا سابقاً ولا يجوز للولي فيها التنحي إلا بعذر مشروع أو سبب قانوني كأن يكون غير قادر على تولى أمور الولاية لشيخوخة أو مرض.
2- ليس للجد ولاية على الصغير، فالقانون الخاص يقيد العام وقانون رعاية القاصرين، قد سلب الجد ولايته التي نظمها الفقه الإسلامي ونص عليها القانون المدني.
3- إذا اختار الأب وصياً من بعده على الصغير أو الجنين كانت وصايته مقدمة على المحكمة، ((وتكون ولايته امتدادا لولاية الأب شرعاً وقانوناً ))
4- تكون المحكمة وصيًا لمن لا وصي له، أو عندما يفقد الأب شروط الولاية أو تقرر المحكمة سلب ولايته متى ثبت لها سوء تصرفه ، وللمحكمة أن تعين وصيا على الصغير ليقوم بأعمال الإدارة والتصرف المقيد فتكون ولايته امتدادا لولاية المحكمة. وغالبا ما تقدم الأم على أي شخص آخر، فالولاية لها ارتباط وثيق بنظام الأسرة ومصالحها، وعمادها رعاية حقوق القاصر ولذا كان الأصل في الولاية شرعا ان يتولاها من الأسرة من هو اقرب الناس نسبا الى القاصر بشرط توافر عاطفة الشفقة فيه على القاصر وهي في الأم أقوى، ولكن يجب الألتفات الى أن ولايتها تنحصر على أموال أولادها في الوصاية وبعد وفاة الولي (الأب) فقط.
فالفقهاء المسلمون لا يجوزون الولاية للام ، على اساس ان الولاية جزء من القضاء والقضاء يشترط فيه الذكورة، كما أن الأم لا تملك الدراية الكافية في مجال المال والاتجار به، فلا تستطيع بذلك المحافظة على أموال أولادها
وحسنا فعل المشرع العراقي عندما أعطى الأم حق الوصاية بعد أن كانت مسلوبة عنها قبل صدور قانون رعاية القاصرين حيث كان القضاء العراقي سابقاً لا يعطي الأم حق الخصومة نيابة عن الصغير إلا بحجة ولاية صادرة على وفق الشرع أو بعد حصولها على الإذن الشرعي بذلك ، وكان الجد مقدماً عليها وليس لها رفع خصومة لعزله إلا بعد الحصول على إذن القاضي وبعد توفر الأسباب الجدية لعزل الجد(1) فنصت المادة (106) من قانون رعاية القاصرين على انه: (( ينفذ هذا القانون بعد مرور ستين يوماً من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية ولايعمل بالنصوص القانونية التي تتعارض مع أحكامه )).
مما قرأت