وداع آخر لشهر رمضان ، وقد رويناه عن مولانا علي بن الحسين عليه السلام صاحب الأنفاس المقدسة الشريفة ، فيما تضمنه إسناد الصحيفة ، فقال : وكان من دعائه عليه السلام في وداع شهر رمضان :
اللهم يا من لا يرغب في الجزاء ويا من لا يندم على العطاء ، ويا من لا يكافئ عبده على السواء ، هبتك ، هبتك ابتداء
وعفوك تفضل ، وعقوبتك عدل ، وقضاؤك خيرة . إن أعطيت لم تشب عطائك بمن ، وإن منعت لم يكن منعك بتعد ،
تشكر من شكرك وأنت ألهمته شكرك ، وتكافئ من حمدك وأنت علمته حمدك ، وتستر على من لو شئت فضحته ،
وتجود على من لو أردت منعته ، وكلاهما أهل منك للفضيحة والمنع . غير أنك بنيت أفعالك على التفضل ، وأجريت
قدرتك على التجاوز ، وتلقيت من عصاك بالحلم ، وأمهلت من قصد نفسه بالظلم ، تستنظرهم بأناتك إلى الانابة ، وتترك
معاجلتهم إلى التوبة ، لكيلا يهلك عليك هالكهم ، ولا يشقى بنعمتك شقيهم إلا عن طول الاعذار إليه ، وبعد ترادف
الحجة عليه ، كرما من فعلك يا كريم وعائده من عطفك يا حليم . أنت الذي فتحت لعبادك بابا إلى عفوك ، وسميته
التوبة ، وجعلت على ذلك الباب دليلا من وحيك لئلا يضلوا عنه ، فقلت : ( توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن
يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ) ، فما عذر من أغفل دخول ذلك الباب يا سيدي بعد فتحه ،
وإقامة الدليل عليه) . وأنت الذي زدت في السوم على نفسك لعبادك ، تريد ربحهم في متاجرتك ، وفوزهم بزيادتك .
فقلت : ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها ) . ثم قلت : ( مثل الذين ينفقون
أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ) وما أنزلت من نظائرهن في القرآن . وأنت
الذي دللتهم بقولك الذي من غيبك ، وترغيبك الذي فيه من حظهم على ما لو سترته عنهم ، لم تدركه أبصارهم ، ولم
تعه أسماعهم ، ولم تلحقه أوهامهم . فقلت تبارك اسمك و تعاليت : ( اذكروني أذكركم ) ، و ( لئن شكرتم لأزيدنكم
ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ) ، وقلت : ( ادعوني أستجب لكم ) ، وقلت : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا
فيضاعفه له ) . فذكروك وشكروك دعوك وتصدقوا لك طلبا لمزيدك ، وفيها كانت نجاتهم من غضبك ، وفوزهم
برضاك ، ولو دل مخلوق مخلوقا من نفسه على مثل الذي دللت عليه عبادك منك ، كان محمودا ، فلك الحمد ما وجد
في حمدك مذهب ، وما بقي للحمد لفظ تحمد به ، ومعنى ينصرف إليه . يا من تحمد إلى عباده بالاحسان والفضل ،
وعاملهم بالمن والطول ، ما أفشا فينا نعمتك وأسبغ علينا منتك ، وأخصنا ببرك ، هديتنا لدينك الذي اصطفيت وملتك
التي ارتضيت ، وسبيلك الذي سهلت ، وبصرتنا ما يوجب الزلفة لديك ، والوصول إلى كرامتك . اللهم أنت جعلت من
صفايا تلك الوظائف ، وخصائص تلك الفروض شهر رمضان ، الذي اختصصته من سائر الشهور ، وتخيرته من
جميع الأزمنة والدهور ، وآثرته على جميع الأوقات بما أنزلت فيه من القرآن ، وفرضت فيه من الصيام ، وأجللت فيه
من ليلة القدر ، التي هي خير من ألف شهر ، ثم آثرتنا به على سائر الامم ، واصطفيتنا بفضله دون أهل الملل . فصمنا
بأمرك نهاره ، وقمنا بعونك ليله ، متعرضين بصيامه وقيامه ، لما عرضتنا له من رحمتك ، وسببتنا إليه من مثوبتك ،
وأنت الملئ بما رغب فيه إليك ، الجواد بما سئلت من فضلك ، القريب إلى من حاول قربك . وقد أقام فينا هذا الشهر
مقام حمد وصحبنا صحبة سرور ، وأربحنا أفضل أرباح العالمين ، ثم قد فارقنا عند تمام وقته ، وانقطاع مدته ، ووفاء
عدده . فنحن مودعوه وداع من عز فراقه علينا وغمنا ، وأوحش انصرافه عنا ، ولزمنا له الذمام المحفوظ ، والحرمة
المرعية ، والحق المقضي ، فنحن قائلون : السلام عليك يا شهر الله الأكبر ، ويا عيد أوليائه الأعظم ، السلام عليك
يا أكرم مصحوب من الأوقات ، ويا خير شهر في الأيام والساعات ، السلام عليك من شهر قربت فيه الامال ، ويسرت
فيه الأعمال ، السلام عليك من قرين جل قدره موجودا ، وأفجع فقده مفقودا . السلام عليك من أليف آنس مقبلا فسر ،
وأوحش مدبرا فمض ، السلام عليك من مجاور رقت فيه القلوب ، وقلت فيه الذنوب ، السلام عليك من ناصر أعان
على الشيطان ، وصاحب سهل سبيل الاحسان . السلام عليك ما أكثر عتقاء الله فيك ، وما أسعد من رعى حرمتك بك ،
السلام عليك ما كان أمحاك للذنوب وأسترك لأنواع العيوب ، السلام عليك ما كان أطولك على المجرمين ، وأهيبك في
صدور المؤمنين . السلام عليك من شهر لا تنافسه الأيام ، السلام عليك من شهر هو من كل أمر سلام ، السلام عليك
غير كريه المصاحبة ، ولا ذميم الملابسة ، السلام عليك كما وفدت علينا بالبركات ، وغسلت عنا دنس الخطيئات ،
السلام عليك غير مودع برما ، ولا متروك صيامه سأما . السلام عليك من مطلوب قبل وقته ، ومحزون عليه عند فوته
، السلام عليك كم من سوء صرف بك عنا ، وكم من خير افيض بك علينا ، السلام عليك وعلى ليلة القدر التي جعلها
الله خيرا من ألف شهر . السلام عليك ما كان أحرصنا بالأمس عليك واشد شوقنا غدا اليك ، السلام عليك وعلى فضلك
الذي حرمناه ، وعلى ما كان من بركاتك سلبناه . اللهم إنا أهل هذا الشهر الذي شرفتنا به ، ووفقتنا بمنك له ، حين جهل
الأشقياء وقته ، وحرموا لشقائهم فضله ، وأنت ولي ما آثرتنا به من معرفته ، وهديتنا له من سنته ، وقد تولينا بتوفيقك
صيامه وقيامه على تقصير ، وأدينا من حقك فيه قليلا من كثير . اللهم فلك إقرارنا بالاساءة واعترافنا بالاضاعة ، ولك
من قلوبنا عقد الندم ، ومن ألسنتنا صدق الاعتذار ، فأجرنا على ما أصابنا به من التفريط ، أجرا نستدرك به الفضل
المرغوب فيه ، ونعتاض به من إحراز الذخر المحروص عليه ، وأوجب لنا عذرك على ما قصرنا فيه من حقك ،
وابلغ بأعمارنا ما بين أيدينا من شهر رمضان المقبل . فإذا بلغتناه فاعنا على تناول ما أنت أهله من العبادة ، وأدنا إلى
القيام بما نستحقه من الطاعة ، وأجرنا من صالح العمل ما يكون دركا لحقك في الشهرين ، وفي شهور الدهر . اللهم
وما ألممنا به في شهرنا هذا من لمم أو إثم ، أو واقعنا فيه من ذنب ، ، واكتسبنا فيه من خطيئة ، عن تعمد منا له ، أو
على نسيان ، ظلمنا فيه أنفسنا ، أو انتهكنا به حرمة من غيرنا ، فاسترنا بسترك ، واعف عنا بعفوك ، ولا تنصبنا فيه
لأعين الشامتين ، ولا تبسط علينا فيه ألسن الطاعنين ، واستعملنا بما يكون حطة وكفارة لما أنكرت منا فيه ، برأفتك التي
لاتنفد ، وفضلك الذي لا ينقص . اللهم صل على محمد وآل محمد ، واجبرنا مصيبتنا بشهرنا ، وبارك لنا في يوم عيدنا
وفطرنا ، واجعله من خير يوم مر علينا ، أجلبه للعفو ، وأمحاه للذنب ، واغفر لنا ما خفي من ذنوبنا وما علن . اللهم
( صل على محمد وآل محمد ) واسلخنا بانسلاخ هذا الشهر من خطايانا ، وأخرجنا بخروجه عن سيئاتنا ، واجعلنا من
أسعد أهله به ، وأوفرهم حظا منه . اللهم ومن رعا حق هذا الشهر حق رعايتها ، وحفظ حدوده ، حق حفظها ، واتقى
ذنوبه حق تقاتها ، أو تقرب إليك بقربة أوجبت رضاك له ، وعطفت برحمتك عليه ، فهب لنا مثله من وجدك وإحسانك
، وأعطنا اضعافه من فضلك ، فان فضلك لا يغيض ، وإن خزائنك لا تنقص ، وإن معادن إحسانك لا تفنى ، وإن
عطاءك للعطاء المهنا . اللهم واكتب مثل اجور من صامه بنية ، أو تعبد لك فيه إلى يوم القيامة . اللهم إنا نتوب إليك
في يوم فطرنا الذي جعلته للمسلمين ، عيدا وسرورا ، ولأهل ملتك مجمعا ومحتشدا ، من كل ذنب أذنبناه ، أو سوء
أسلفناه ، أو خطرة شر اضمرناه ، أو عقيدة سوء اعتقدناها ، توبة من لا ينطوي على رجوع إلى ذنب ، ولا عود بعدها
في خطيئة ، توبة نصوحا خلصت من الشك والارتياب ، فتقبلها منا ، وارض بها عنا وثبتنا عليها . اللهم ارزقنا خوف
غم الوعيد وشوق ثواب الموعود ، حتى نجد لذة ما ندعوك به ، وكآبة ما نستجيرك منه ، واجعلنا عندك من التوابين ،
الذين أوجبت لهم محبتك ، وقبلت منهم مراجعة طاعتك ، يا أعدل العادلين . اللهم تجاوز عن آبائنا وامهاتنا ، وأهل ديننا
جميعا ، من سلف منهم ومن غبر إلى يوم القيامة . اللهم وصل على محمد نبينا وآله ، كما صليت على ملائكتك المقربين
، وصل عليه وآله كما صليت على أنبيائك المرسلين ، وعبادك الصالحين ، وسلم على آله كما سلمت على آل يس ،
وصل عليهم أجمعين ، صلاة تبلغنا بركتها ، وينالنا نفعها ، وتغمرنا بأسرها ، ويستجاب بها دعاؤنا ، إنك أكرم من رغب
إليه ، وأعطى من سئل من فضله ، وأنت على كل شئ قدير ( 1 ) .
1 - عنه البحار 98 : 172 - 176 ، رواه الشيخ في مصباح المتهجد 2 : 642 - 647 ، عنه الكفعمي في مصباحه : 640 ،
بلد الأمين : 480 ، أورده ابن المشهدي في المزار الكبير : 259 ، الدعاء : 289 ، الدعاء : 289
وفي الصحيفة السجادية الجامعة : 292 ، الدعاء : 142