اعلم ان المحبه مفننه , والمحبوبات كثيره لا يحصى عددها الا الله .. منها : محبة الازدواج والنكاح , لما فيه من بقاء النسل , ومنها محبة الامهات والاباء للاولاد , وتحننهم عيهم وتربيتهم والاشفاق عليهم , محبة الرؤساء للرياسه وحرصهم على طلبها , ومحبتهم للمدح والثناء والشكر , ومنها محبة الصناع في اظهار صناعهم وحرصهم على تتميمها , ومحبة التجار لتجارتهم... ورغبة الراغبين في الدنيا , وحرصهم على الجمع والادخار لها وحفظها , ومحبة عمارة الارض واصلاح الامتعه وحمعها وحفظها , اما فيه من الصلاح لغيرهم ومن ياتي بعدهم ,, ومحبة العلماء والحكماء , لاستخراج العلوم , ووصف الآداب , وتعليم الرياضات , والبحث عن الغوامض وتدوينها في الكتب , امه بعد امه , وقرنآ بعد قرن , لما فيه من احياء النفوس , واصلاح الاخلاق وصلاح الدين والدنيا ,ومنها محبة البر والاحسان , وما يقال فيهما من المدح والثناء , ومنها محبة ابناء الجنس وما يسمى بالعشق , وما يصف العشاق من احوالهم واحوال معشوقهم , وما يجدون في نفوسهم من الافكار , والهموم والاحزان , والفرح والسرور , والنشاط , وما يذكرون من الاخلاق الجميله , والطرائق الحميده , وما يذمون من الاخلاق المذمومه , قالوا : ( لو لم يكن العشق موجودآ في الخليقه , لخفيت تلك الفضائل كلها , ولم تظهر , ولم تعرف تلك الرذائل ايضآ , ) ..فقد بان وتبين اذآ بما ذكرنا : ان المحبه فضيله ظهرت في الخليقه , وحكمه جليله , وخصله نفيسه عجيبه , ذلك فضل الله على خلقه , وعنايته بمصالحهم , ودلاله لهم عليه , وترغيبآ لهم فيما امر به من المزيد ,
انك لا تجد ولا ترى نفسآ تحب وتعشق وتشتاق الا لابناء جنسها وما شاكلها من المحبوبات والمعشوقات ,وان كل نفس , اذا احبت شيئآ , اشتاقت وحنت نحوه , وطلبته وتوجهت نحوه حيث كان , ولم تلتفت الى شيء سواة , ولم تعرج عليه كما قال الشاعر :
احب حبيبآ وادآ لست ابتغي ........ مدى الدهر عنه ما حييت بديلا
فان ظفرت كفي به فهو بغيتي ......وان فات ,, ما ابغي سواه خليلا
ثم اعلم ان كل محب لشيء من الاشياء , مشتاق اليه , هائم به وانه متى ما وصل اليه ونال ما يهوى منه , وبلغ حاجته من الاستمتاع به والتلذذ بقربه , فانه ولا بد يومآ يفارقه , او يمله , او يتغير عليه , وتذهب تلك الحلاوه , وتتلاشى تلك البشاشه , ويخمد لهب ذلك الاشتياق والهيجان , الا المحبين لله تعالى من المؤمنين والمشتاقين اليه من عباده الصالحين , فانهم لهم كل يوم من محبوبهم قربه ومزيدآ ابد الآبدين , بلا نهايه ولا غايه ,
والى المحبين لسةاه , عز وجل , اشار بقوله : (( كسراب بقيعه يحسبه الضمآن ماء حتى اذا جاءه لم يجد شيئآ )) .. ثم عطف نحومحبيه فذكر حالهم وكنى عن ذكرهم والى نحو ذكرهم قال تعالى (( ووجد الله عنده فوفاه حسابه )) يعني عند المحب والحمد لله رب العالمين