هل يمكن للحب أن يولد بين شخصين، من خلال شاشة الكمبيوتر ؟ وهل يمكن أن يكون حباً حقيقياً وصادقاً ؟ وهل تُكتب له الحياة المديدة كما هي الحال بالنسبة للحب الذي يرى النور على أرض الواقع؟ ام أنه يولدّ مشوّهاً أو ميتاً بفعل تدخّل "التكنولوجيا" في تكوينه؟ إختلفت الآراء والتصورات حول موضوع العلاقات العاطفية التي تنشأ من خلال مواقع التواصل الإجتماعي، لنجد أن هناك من يؤيد، وهناك من يعارض .والسؤال الذي يتبادر الى أذهاننا جميعاً: هل يمكننا الوثوق بالعلاقات عبر النت؟ والى أي مدى؟
آراءٌ محبّذة للحب عبر الانترنت:
"يتعرف إليكِ الشاب و يحاول التقرب منكِ لأنه أُعجب بكِ لشخصكِ لا لمظهركِ، وأنتِ بدوركِ تعجبين بروحه لا بسيارته وجاهه . وتغوصين في عمق أفكاره، بدلاً ان تغوصي في سواد عينيه ، و تفتنين بآرائه لا بعضلاته.عند لقائكِ به، لا تحتاجين الى إرتداء أجمل وأفخم الملابس ولا الى التبرّج لإجتذابه، فما يُجذبه أعمق وأهم : جمال روحك. وعندما يشتاق اليك ويقرر أن يزورك ،ليس عليكِ أن تنهمكي في ترتيب بيتكِ لإستقباله ،لأن بيتك في موقع التواصل هو خالٍ من الأثاث، ولكنه غنيٌّ بالكلمات والصور التي تعكس محاسن نفسكِ. نعم، إن بيوتنا على النت لا تميّز الغني عن الفقير، ولا رب العمل عن العامل . إذ أنها تخلو من كل المظاهر الخدّاعة التي لا حاجة اليها في العلاقات بين الأشخاص ." تقول لينا شحادة ، خرّيجة كلية العلوم الإجتماعية، وهي اليوم زوجة شابٍ تعرّفت اليه عبر الإنترنت وأسست معه عائلة.
"إن العلاقات عبر النت ليست محكومة بالفشل كما يقول البعض، فالعديد من العلاقات العاطفية تبدأ من خلف شاشة الكومبيوتر وتتكللّ بإلارتباط والاسرة. وفي المقابل، كم من علاقةٍ بدأت على أرض الواقع، وفشلت. إن كل علاقةٍ، كيفما نشأت هي قابلة للنجاح كما و للفشل."
تقول الأخصائية في علم النفس السيدة جينا حداد،" أن احتمال نجاح العلاقة عبر مواقع التواصل الإجتماعية يتوقّف على نوع المستخدمين. فإن تبادل شخصان أطراف الحديث ،واكتشفا وجود اهتماماتٍ مشتركة بينهما وآراءٍ متشابهة تجمعهما، فإن ذلك سوف يولدّ انسجامًا عاطفيًا ،يمكن أن يؤدي الى الإرتباط ".
صدق المستخدم:
إن مسألة نجاح العلاقة واستمرارها تتوقف على صدق الاشخاص المستخدمين لمواقع التواصل الإجتماعي، وعلى كيفية تقديمهم لأنفسهم . فإن قدّم شخصٌ معلوماتٍ غير صحيحة عن نفسه أو بالغ فى صفاته، فستنكشف الحقيقة حتماً ،ما إن تخرج العلاقة الى النور. أما إذا كان صادقاً، فإن العلاقة العاطفية ستكون على خير ما يرام.
آراءٌ معارضة للحب عبر الانترنت
إن الشخص الذي ينغلق على نفسه في إطار عالمٍ خاص هو عالم الفيس بوك، أو أي موقعٍ آخر من مواقع التواصل الاجتماعى ويعزل نفسه عن المجتمع ، تصبح خياراته خاطئة حتماً لأنها مبنية على تخيّلات وأوهام، لا تمت الى الواقع والحقيقة بصلة.
- بحسب رامي طربيه وهو خريج كلية الحقوق ، "إن الرجل الشرقي لا يحبّذ التعرّف على شريكة عمره، عبر مواقع التواصل الإجتماعي ولو اعلن ذلك جهاراً. لان العلاقة الزوجية سوف تشوبها حتماً الريبة والشك بإخلاص الشريكة، إذ انه سيخشى تكرّارها لهذه التجربة مع رجلٍ آخر، كما انه وسوف يكون غير مطمئن لها في شأن تربية بناته مهما كانت شريكته أمينة ووفية".
- تحذّر السيدة هدى جاد وهي كاتبة روايات شهيرة، من مغبّة الوقوع في علاقةٍ عاطفيةٍ عبر أحد مواقع التواصل الإجتماعي،لأن غالبية هذه العلاقات تكون في الواقع غير جادّة ويكون هدفها مجرد التسّلية والعبث بمشاعر الآخرين، كما أنه يصعب التحقق من صدق كلام الطرف الآخر في العلاقة ومن صحة هويته.
- من جهته، يقول الدكتور سمير ق. وهو أخصائي في علم النفس، ان مستخدمي مواقع التواصل الإجتماعي يكون هدفهم من خلال ذلك، البحث عن هويتهم الإجتماعية .فهم يريدون من خلال التعارف عبر النت أن يحققوا حاجةً إجتماعيةً. واما السبب فيعود الى كونهم أشخاصاً يفتقدون إلى الحب في حياتهم اليومية، وتكون ظروفهم غير مهيئة لإنشاء علاقات حقيقية.لذا فإنهم يجدون في موقع الفايس بوك، على سبيل المثال، فرصةً لإقامة العلاقات العاطفية وإرضاء رغباتهم ونزواتهم. ويؤكّد الدكتور أن العلاقات التي تنشأ على مواقع التواصل الإجتماعي هي في الغالب غير صحيحة، ومزيفة. فالعديد من الأشخاص يدلون بمعلوماتٍ مغلوطةٍ عن انفسهم في ما يتعلق بهويتهم وعمرهم ومستواهم الاجتماعي، الاقتصادي أوالتعليمي، وغالباً ما يستعينون باسماءٍ وهمية ، وكل ذلك بهدف تحقيق غاياتٍ ومكاسبٍ بطرق غير مشروعة.
- كشفت دراسة حديثة أجراها أحد المواقع، وهو متخصّصٌ في شؤون الشباب البريطانيين، أن 40% من دعاوى الطلاق في بريطانيا تتناول علاقاتٍ نشات عبر مواقع التواصل الإجتماعي وباءت بالفشل.
- "لكي تغدو العلاقة العاطفية عبر الانترنت جديّة، لا بدّ لها ان أن تنتقل من شاشة الكومبيوتر الى عالم الواقع. ولقد وقفنا على حالاتٍ كانت نهايتها النفور والندم بمجرد حصول المقابلة المباشرة رغم أنهم كانوا منسجمين في الأسلوب والأفكار" يقول السيد نجّار، وهو استاذٌ ثانويٌّ وباحثٌ إجتماعي.
ما ينصحك به الاخصائيون
إذا كنتِ تعتقدين أنك تعيشين حالة حبٍ عبر الإنترنت، فلا بد لك أن تتأني قليلاً، وأن تتوخي بعض الحذر في التعاطي مع الأمر. إليكِ بعض الإرشادات التي أجمع عليها الخبراء:
- من المهمّ الحفاظ على بعض السريّة في العلاقة لإنجاحها والحفاظ عليها. إذ إن تناقل المعلومات بين عشرات الأصدقاء من شأنه أن يزيد الامور تعقيداً مما سيؤدي الى خلق مشاكلٍ تؤثر سلباً على العلاقة العاطفية.
- ينصحك الخبراء بعدم إضافة أفراد عائلة الشخص الآخر إلى قائمة الأصدقاء قبل التعرّف إليهم شخصياً.
- لا يمكنكِ أن تتوقعي الكثير من مجرد إجراء محادثةٍ عبر الإنترنت، لأنك سوف تُخذلين، في حال لم يعركِ الشخص الآخر الاهتمام بعد فترةٍ قصيرةٍ.
- من المستحسن الّا تحمّلي صورك القديمة على صفحتك في مواقع التواصل الإجتماعي، لآنه سرعان ما سيكتشف الآخرون أنك ما عدتِ ، كما تبدين في الصور.
- عند بدء أي علاقة إن من المفيد الإطلاع على بعض المعلومات عن الشخص الآخر في عدة مواقعٍ للتواصل الإجتماعي، والبحث عن معطياتٍ تتعلّق به من خلال "غوغل Google" مثلاً أي وسائل بحثٍ أخرى.